نشر المقال من المجلة المحكمة: “أعرف أوربا وأعرف عن أوربا، العدد الخامس. “عنوان العدد هو: التعذيب والهجرة” من إشراف السوسيولوجي فابيو بيروكو، منشورات جامعة كافوسكاري، 2019، البندقية، من صفحة 41 إلى صفحة 61. رابط المجلة هو:
https://edizionicafoscari.unive.it/it/edizioni/libri/978-88-6969-359-5/#
التلخيص:
يتقاسم كل من التعذيب والعنصرية نزعة أساسية وهي أنّ كلاهما يفرض على الإنسان مكانة دون البشر؛ يرتبط بعضها ببعض من خلال عناق يُظهر ويُخفي في الوقت ذاته. يحلل المقال هذا الترابط بالتركيز على التعذيب اللاإنساني، الذي يمكن ملاحظته بشكل سهل في هذا التصنيف. وتركز الورقة، بعد مراجعة عامة للإطار النظري والتاريخي، على ‘حالة ريجينا باشيس’ التي تُقدّم رؤى ملموسة لتفكير شامل.
الكلمات المفتاح: التعذيب، العنصرية، مركز الاحتجاز، الهجرة الوافدة.
Abstract :
Torture and racism share a fundamental tendency: both impose on humans the status of sub-humans; both are linked to each other by an embrace that, at the same time, reveals and conceals. The article analyzes this link by focusing on dehumanizing torture, as in this typology it is simpler to be observed. After a thorough review of the theoretical and historical framework, the paper focuses on the ‘Regina Pacis case’ which provides tangible insights for general reflection.
Keywords Torture. Racism. Detention Centre. Immigration.
- مقدمة
مشهد خارجي. صحراء. قاعدة عسكرية أمريكية في أوزبكستان. خيمتان بلون الرمال و إلى جانبهم علم أمريكي يرفرف في الهواء الطلق، عميلان ميدانيان يبتسمان، يكسوهما الغبار، وكأنهما أنهيا للتو مهمة صعبة بنجاح، يقتربان من هاتف يعمل بالقمر الصناعي للرد على مكالمة من البنتاغون. تنقطع الكاميرا.
مشهد داخلي. قائد في الجيش الأمريكي، يأمر بود وهدوء، من داخل مكتبه المنظم، العملاء الميدانيين باختطاف (مع استعمال كل الوسائل المتاحة) إرهابي مشتبه فيه، طارق مهنى (تتوقف الكاميرا مرة أخرى، لتصور، للحظات قليلة، وجه رجل ذي لحية ولباس إسلامي). “كنت أعتقد أننا لا نستطيع أن نقوم بمثل هكذا أشياء للبشر”، صرح أحد العملاء الميدانيين بنوع من السخرية، فردّ عليه ضابط البنتاغون، جيم تيسنيوزكي، بنبرة مرحة: ” تلك الحثالة ليست بشرا بالنسبة لنا”.
يخرج الرائد من إطار تصوير الكاميرا وتبقى هذه الأخيرة مثبتة لثوان على العلم الأمريكي، المعلق على جدار مكتبه.
كان بطل المسلسل التلفزيوني إيرنغ (E-Ring) ـ الذي تم بثه منذ سنوات قليلة، في الوقت الذي كانت فيه حروب الناتو متأججة في العراق وأفغانستان ـ يدافع بكل صراحة عن المعاملة اللاإنسانية تجاه الأشخاص الذين كانت حكومة بلاده تعتبرهم خطيرين. كانت طريقة تفكيره بسيطة وسهلة الاستساغة: لا يمكن أن تُخصَّص معاملة إنسانية للأشخاص المصنفين بأنهم غير إنسانيين. والتفكير بنقيض ذلك يكون غير منطقي. فقد تم بناء نفس الهوية الموسومة ِبالإنسانية التي يتمتع بها الرائد ـ وكذلك كل الأشخاص البيض والغربيين الذين يمثلهم ـ على نقيض الهوية اللاإنسانية «للحثالة» المسلمة: أنْ تكون إنسانا بالنسبة لرائد البنتاغون، معناه أولا وقبل كل شيء أن تكون متفوقا على المسلم، على العربي، على الأوزبكي، إلخ. ومثل هذا التمييز كان يُحصِّنه من كل معاملة لا إنسانية ومذلة محتملة، بما في ذلك التعذيب. بل كانت قادرة أن تجعل منه بطلا: « وفي العرض التمثيلي للتعذيب يمكن للرأي العام التلفزي أن يمجد حتى الشرطي على أنّه بطل في مجازفته بتعذيب الإرهابي ». ( Di Cesare .s.p .2016)
إنّ فرض حالة دون ـ البشر هي منطلق التعذيب وهدفه الأساسي في نفس الآن: إنّه يسمح بالتبرير الذاتي حينما يخلق الظروف الملائمة لإنتاجه اللامتناهي؛ يطبع أجساد (وأرواح) مجموعات اجتماعية بعينها ليحددهم على أنّهم دونيين، دون البشر وفي الوقت نفسه، يفرض هذه الوضعية بالعنف الذي يحسن ممارسته.
فالعنصرية والتعذيب يتقاسمان اتجاها جوهريا ألا وهو: إحالة الإنسان إلى دون البشر. يتصوران علاقة أساسية مع اللاإنساني. يكرسان علاقة ملتبسة مع الموت. إنهما مترابطان فيما بينهما بعناق، يُظهر ويُخفي في الوقت نفسه.
يروم هذا العمل إلى تحليل هذا الترابط مع التذكير بتحذير هنري علاق، صاحب الكتاب الشهير السؤال(1958)، الذي يحتوي على قصة مفصلة للتعذيب الذي مارسه الجيش الفرنسي عليه خلال الحرب على الجزائر: يجب الكف عن طرح الأسئلة الأخلاقية من قبيل:” هل يجب ممارسة التعذيب من عدمه. السؤال الحقيقي الذي يجب طرحه هو: لماذا يدفعون أشخاصا لتعذيب أشخاص آخرين؟” (Célérier 2014, 157)[1].
ويمكن فهم التعذيب، علاوة على ذلك، على أنّه ظاهرة اجتماعية فقط إذا تم تصوره كنتيجة لنمذجة العلاقات الاجتماعية داخل نظام (معين) (Mackert 2015).
تتيح هذه المقاربة عدم التركيز أيضًا على كل تلك التأملات الدائرة حول « تفاهة الشر» (Arendt 2001)، التي يتبعها السؤال الدقيق: كيف يمكن للجلاد/الجلادة أن يكون/تكون أيضًا زوجًا/ زوجة، صالحًا/ صالحة، وأبًا/ أمًا، وأخًا/ أختا، ابنا/ ابنة، .. مواطنا/ مواطنة صالحين؟
يقول جيفري سكول إنّ «التعذيب يخدم أغراضًا متعددة». (2010, 83 ) ويحدد كريستوفر تندال (1996) حتى بعضا من أصنافه وهي:
1) التعذيب بالاستنطاق؛ 2) التعذيب كتحذير/ رادع ؛ 3) التعذيب اللاإنساني، والذي يُعرَّف على أنه «تعذيب إرهابي» (Hajjar 2013, 23 ). على الرغم من أننا نتقاسم فكرة أن التعذيب لا يرتبط بالحاجة إلى انتزاع المعلومات – كما تؤكد ذلك، على نحو صائب، إيلين سكاري بقولها: «إنّ الاعتراف ليس هو الهدف» (1985, 29 ) – لكن، على العكس من ذلك، فإن التعذيب يهدف دائمًا إلى تجريد صفة الإنسانية من الضحايا والمجموعات الاجتماعية التي ينتمون إليها، ومن أجل التوضيح أكثر، فإنّ الصنف الذي سيتم أخذه بعين الاعتبار بشكل خاص في هذا العمل، هو الصنف الثالث، وهو التعذيب المجرد من الإنسانية، حيث يُعتقد، في هذه الحالة، أنّ العلاقة بين التعذيب والعنصرية قد تكون أكثر حميمية ومرئية.
ما حدث قبل بضع سنوات في مركز إيواء المهاجرين الوافدين ‘Pacis Regina’ (San Foca-Lecce) هو مثال واضح على ذلك، لهذا السبب نعتبر من المفيد إدراجه في التحليل العام.
- العنصرية ـ العنف
ليس من السهل الاهتداء إلى تعريف محدد للعنصرية والتعذيب في خضم عدد التعريفات المهولة التي قدمت لهما، مما يجعل تراكم النظرية وحدود التخصصات والتوجهات الإيديولوجية أرضية زلقة وشاقة. ومع ذلك، وبدون رؤية واضحة أولية، لن يكون في مقدورنا القيام ولو بخطوة واحدة في الاتجاه المحدد.
لا يمكن للاستطلاع إلا أن ينطلق من مفهوم العنصرية. يُعَرِّف السوسيولوجي والفيلسوف والمؤرخ الفرنسي بيير أندري تاكييف Pierre-André Taguieff ، (1998)، تلك المجموعة من النظريات ـ تم تطوريها بين القرنين الثامن عشر والتاسع عشرـ التي تعتبر العنصرية على أنّها مجموعة من المذاهب، والإيديولوجيات والسلوكيات التي تضفي الشرعية على التسلسل الهرمي بين المجموعات الإنسانية والأفراد على أساس الاعتقاد، وترى بأنّ الخصائص الجسدية والوراثية تحدد الصفات النفسية، والفكرية والأخلاقية بأنّها نظريات «حداثية ـ مقيدة». ونجد أنّ الأنثروبولوجي كلود ليفي ستروس Claude Lévy Strauss يتبنى بدوره نفس الرأي، فهو يرى أنّ العنصرية المثالية هي «مذهب يدّعي أنّه يرى أن التأثير الضروري لتراث جيني مشترك موجود في الخصائص الفكرية والأخلاقية المنسوبة إلى مجموعة من الأفراد أيّا كان تعريفها» ( (Lévy-Strauss, Eribon 1990, 207.
وفي بداية ثمانينيات القرن الماضي بدأ تعريف جديد للعنصرية يأخذ موضعه في مجال العلوم الاجتماعية، والذي يعتبر أنّ الصيغة “التقليدية” (التي تأسست على لون البشرة، وعلى شكل الجمجمة والجسد، إلخ) قد تم تجاوزها ولم يعد في إمكانها، بعد نهاية الاستعمار التاريخي، وصف الظاهرة الاجتماعية. في الواقع، لم تعد “العنصرية الجديدة” تبحث في هذه الفترة، عن أساس لنظريتها في التراث الجيني. ولتبرير التسلسل الهرمي الاجتماعي (أي الاستبعاد، والتمييز والدونية) فإنّها تعتمد على تصنيفات أخرى، مثل “الثقافة” و”الأُمّة”.
أول من حدد العناصر الرئيسة للطفرة العنصرية التاريخية هو مارتين باركر Martin Barkerفي كتابه العنصرية الجديدة: المحافظون وأيديولوجية القبيلة(1982). قام كل من أندريه تاكييف وإيتيان باليبار بالتجاوب مع طرحه. يحدد الأول، في كتابه قوة التحيز. مقال عن العنصرية ومضاعفاتها(Taguieff 1988)، نوعين من العنصرية: العنصرية «التقليدية»، القائمة بشكل أساس على علم الوراثة وهدفها تحقير المجموعات والأفراد، ونظيرتها «العنصرية التفاضلية» أو العنصرية الجديدة والتي لا تقتصر على التحقير فقط، بل تطالب بتدمير الضحايا.
يتقاسم باليبار الفكرة مع تاكييف، في عمله المهم (الذي كتبه بمعية إيمانويل واليرستاين)، المعنون بِـ العرق، الأمة، والطبقة، الهويات الغامضة (Balibar 1988 )، يقول إنه على العنصرية الجديدة، التي كانت سائدة خلال عصر إنهاء الاستعمار، أن توصف بـِ«عنصرية دون عرق». يجب فهم هذا التوصيف بالمعنى المزدوج الذي يخصصه له باليبار: المعنى الأول، أملاه درس ليفي ستروس (1971)، الذي يعدّ الثقافة عنصرا يستطيع أنْ يعمل مثل ‘الطبيعة’ ـ «يمكن للثقافة أن تعمل هي أيضا كطبيعة» (Balibar 1988, 22 ) ـ ويروم المعنى الثاني إلى إظهار حقيقة أنّ الاختلافات الثقافية قد وضعت الآن في مقدمة الخطاب العنصري، مبعدة الجانب البيولوجي ـ الوراثي مرجعة إياه إلى الخلفية. إنّ ما يريد باليبار التأكيد عليه هو أنّ العنصرية الجديدة لا يمكن أنْ تُنعت بـأنها عنصرية ‘ثقافية’ إلّا جزئيا وأنّ ‘الطبيعة’ لا تختفي من أفقها البتة. ويُعَرِّف باليبار معاداة السامية، في الواقع، على أنّها مثال نموذجي للعنصرية التفاضلية.
وقد شرح ميشيل ويفيوركا بدوره (1991) فيما بعد، كيف أنّ كلا من شكلي العنصرية الثقافي والبيولوجي، قد سارا دائما جنبا إلى جنب، مع التأكيد على أنّ تواجد الأجناس البيولوجية لا قيمة له في دراسة الظاهرة. يستقي ويفيوركا أفكاره، بخصوص هذه النقطة، مما طرحته السوسيولوجية كوليت ﯖيلامين Colette Guillamin (1972)، التي شرحت بإسهاب كيف أنّ المشكل السوسيولوجي الحقيقي مع ‘الأعراق’ قد يكمن في مسألة أنّ ‘الأجناس المُتَخيّلية’ و’الأجناس الحقيقية’ ربما تلعبان الدور نفسه في العملية الاجتماعية، وبالتالي، قد يكون لهما الوظيفة الاجتماعية نفسها.
كل هذه التعريفات ‘التقليدية’ و’الجديدة’ ـ بغض النظر عن الاختلافات المحددة ـ تشترك في حقيقة أنّ العنصرية يتم تصورها على أنّها مذهب، وإيديولوجية، سواء حينما يتم اعتبارها ثمرة العلاقة الغيرية، أو حينما يتم الاعتقاد بأنّها نتاج نظام اجتماعي وسياسي بعينهما (مثل الاستعمار مثلا). وهنا يكمن المشكل الحقيقي.
التفكير في أنّ العنصرية مذهب، هي فكرة تلازم من يَعْرِف العنصرية فقط كتجربة عاشها الآخرون؛ فهو، بالفعل، قادر من هذه الزاوية، على التقاط البعد التبريري والمشرعن (أي الإيديولوجي) للعنصرية فقط. لا يسجل إلا الكلمات التي تحيط بالوضعية، لكنه لا يشعر بالقوة الصادمة للظاهرة. في حين أن من يتجرع أذى العنصرية فإنّه يدرك أولا عنفها، الجسدي منه والرمزي، قبل أن يدرك أي شيء آخر. غالبا ما يتم خلط هذه العنصرية بكلمات (تبريرية)، لكن هذه الكلمات تنتمي في غالب الأحيان إلى لغات مجهولة. لذلك، فإننا نميل إلى رؤية الجانب الإيديولوجي للعنصرية وهو ينتقل نحو الخلفية، ونلاحظه في وقت ثان، بعد العنف.
إذن، إذا كان تعريف العنصرية ينبني على ثنائية، فإنّ هذا لا يظهر على أنه مبني أكثر على الفرق بين العنصرية ‘البيولوجية’ ونظيرتها ‘الثقافية’، بقدر ما هو مؤسس على الموقف الذي يتخذه الشخص الذي يحللها[2]: فإذا وقف خلف الجيوش الاستعمارية، العنصرية، فإنه سيشعر بالعنصرية من خلال الكلمات التي تبررها؛ وإذا وضع نفسه في مواجهتها، جنبا إلى جانب مع المستعمَرين، وإلى جانب الضحايا، سيشعر بالعنف الممارس عليهم قبل شعوره بأي شيء آخر. سيرى في العنصرية بُعدها العملي، وسيتعرّف عليها على أنها عنصريةـ عملية بشكل خاص.
قد يتفق أغلب الباحثين على أنّ العنصرية الحديثة نشأت مع الاستعمار، الذي كان، بدوره، أساس نشأة الرأسمالية وإعادة انتاجها. لقد بَيَّن الكثير منهم كيف أنّ مفهوم العرق كان شبه مجهول قبل الاستعمار. فقد أوضح الباحثون من قبيل هوسيا جاف (2010)، الفريد كروسبي (1986)، دافيد أي. ستانارد (2001)، تزفيتان تودوروف (2014)، بإسهاب من خلال أبحاثهم، كيف أنّ الاستعمار الرأسمالي كان هو من عمل على ولادة وتطور نظرية العرق، وسيكولوجية الأفكار النمطية العنصرية المرتبطة بعوامل وراثية وممارسة العنصرية على صعيد كافة المستويات. الشيء نفسه يؤكده كذلك واليرستاين، مضيفا بشكل صائب أنّ هذه العنصرية «لا علاقة لها بـِالأجانب»، لأنّ ما ينتجها هي ضرورة الرأسمالية (البنيوية) لخلق التسلسلات الهرمية في كل مكان:
ما نفهمه من العنصرية لا علاقة له برهاب الأجانب الموجود في مختلف الأنظمة التاريخية السالفة. كان رهاب الأجانب يعني، حرفيا، الخوف من ‘الأجنبي’. ولا علاقة للعنصرية بـِ’الأجنبي’ داخل الرأسمالية التاريخية. على العكس من ذلك تماما. العنصرية كانت هي الطريقة التي تم بها إجبار مختلف قطاعات القوى ـ العاملة على الارتباط بعضها ببعض داخل البنية الاقتصادية نفسها. (Wallerstein 1985, s.p.)
ومن أجل نهب أراضي وموارد المستعمرات واستغلال اليد العاملة المحلية إلى أقصى الحدود، كان من الضروري خلق نظام من شأنه اختزال المستعمَرين إلى دون ـ البشر. لم تكن إيديولوجية السلم الهرمي للأعراق كافية لوحدها لتحقيق ذلك. فقد كان جان بول سارتر من الأوائل الذين تفطنوا بعمق إلى جوهر الصلة بين العنصرية، والاستعمار والرأسمالية (Gjergji 2018 ). في دراسته السوسيولوجية الناجعة: الاستعمار نظام (Sartre 1964a )، يشرح فيها وظيفية وتداخل العناصر الثلاثة. إنّ العنصرية بالنسبة لسارتر ليست إيديولوجية، بل عنف، عنف معقد بتبرير مُضَمَّن:
«يجب على العنصرية أن تتمرن : فالعنصرية ليست يَقَظة تأملية للمعاني المنقوشة على الأشياء؛ إنّها عنف في حد ذاتها، عنف يمنح نفسه تبريرات خاصة به: عنف يقدم نفسه كعنف محفز، ضد ـ العنف ودفاع شرعي». (Sartre 1960, 677 ).
إذا تم فهم العنصرية كعنف، فلابد من البحث عن مصدره الأصلي في الدولة. «احتكار الاستخدام القانوني للقوة الجسدية» (Weber 1998, 178 ) والعنف الرمزي (Bourdieu 2013 ) تمتلكه الدولة في الحقيقة . ومن ناحية أخرى، ففي المستعمرات، يكون العمل، ومصادرة الأراضي، وطرد العمال، والتجنيد، والعمل الإجباري، والمؤسسات السياسيةـ الإدارية، والسياسات الصحية، والتعليم … إلى أن نصل إلى القمع (والتعذيب)، كلها عمليات مدعومة ماديا من قبل الدول الاستعمارية وتم تنفيذها بشكل ملموس من طرفهم.
«تنخرط العنصرية في نفس الأحداث، وفي المؤسسات، وفي طبيعة التبادلات وطبيعة الإنتاج؛ والقوانين السياسية والاجتماعية يعزز بعضها بعضا: وبما أنّ الساكن الأصلي هو إنسان ـ دوني، فإنّ إعلان حقوق الإنسان لا يعنيه؛ إنّه عكس ذلك، بما أنّه لا حقوق له، فقد تمّ التخلي عنه دون حماية، تحت رحمة قوى الطبيعة اللاإنسانية، تحت رحمة ‘قوانين الاقتصاد القاسية’».(Sartre 1964b, 51 ).
ويتابع سارتر حديثه أنّ النظام الكولونيالي معقد ويعتمد على الاستغلال الفاحش للقوى العاملة المحلية:« يقوم النظام (…)، كما تعلمون، على الاستغلال الفاحش» (1962, XLII)، ويعتمد بقاؤه على تحويل المستعمَرين إلى دون ـ البشر: ومن أجل استغلال المستغَلِّين بشكل أفضل، فمن الضروري تجريدهم من إنسانيتهم. وتمثل العنصرية العنصر الأساسي لبلوغ هذا الهدف، لأنّها تميل إلى تحطيم وإذلال المستعمَرينَ ـ المستَغلّين، لتدمير شجاعتهم، وإرادتهم وذكائهم. إنّه عنف لا إنساني في جوهره، عنف يريد أن يُبقي على ضحيته بين الحياة والموت، يريد أن يُلغيها، لكن ليس بشكل كلي (ونفس الشيء بالنسبة لعلاقته الغامضة مع الموت) لأنّ الضحية يجب عليها أنْ تستمر دائما في الخدمة والعمل، وفي طاعة الأوامر، لكن تستمر في ذلك مثل دابة، أو زومبي.
ومن هذا المنظور، أي من منظور المستعمَر، فتصنيفات العنصرية المجردة من قبيل ‘بيولوجي’ أو ‘ثقافي’، تبدو إلى حد ما عرضية، إن لم تكن أيضا مُضلّلة:
العنصرية ـ العملية هي الممارسة التي تنيرها «نظرية» (عنصرية «بيولوجية»، و«اجتماعية»، وتجريبية، لا يهم صنفها) التي تريد أن تُبقي على الجماهير في حالة تكتلات جزيئية، وتُفاقم، بأي وسيلة، من حالة «دون ـ البشر» للمستَعمَر (Sartre 1960, 678 ).
استعمل عبد المالك صياد (2002) بعض أدوات سارتر المفاهيمية، سواء لشرح أسباب ظاهرة الهجرة الدولية أو لتحليل العنصرية التي عانى منها المهاجرون الوافدون إلى أوربا. والوضعية التي يتواجد عليها المهاجرون الوافدون مشابهة للوضعية التي عاشها المستعمَرون في المستعمرات: التضييق، والتحقير، والإذلال، والاستغلال الفاحش. يتعلق الأمر إذن بوضعية استعمارية لم تخلق وراء البحار، بل تم خلقها في قلب أوربا. ليس من الصدف، إذن، أنّ سارتر يُعَرِّف المهاجرين الوافدين بـِ «المستَعمَرين الداخليين»، [3] أو بالأحرى المستعمَرين القابعين داخل السياق الاجتماعي والسياسي الأوربي.
العنصرية ـ العنف المُمارس في حقهم ـ الناتجة، في الوقت الراهن كما في الماضي، من المصدر المعتاد نفسه، أي من المصدر الذي لا يزال يحافظ على احتكار العنف (الجسدي والرمزي)، وهي الدولة ـ الأهداف المعتادة نفسها دائما: الإذلال والتدمير، والتجريد من الإنسانية من أجل استغلالهم بشكل أفضل (2010Basso ).
- 3. التعذيب كحقيقة جذرية للعنصرية
لطالما لعب التعذيب دورا مهما في الحفاظ على التفوق العنصري في الغرب (Garland 2005 ). فقد خلق النظام الاستعماري والعنصرية ـ العنف، اللذين تمت ممارستهما سواء في الضفة الأخرى من البحر أو في الحدود الوطنية، ظروفا لخلق «طبقة قابلة للتعذيب»(Roberts 2008, 231 ).
وقد صنف تجار العبيد البيض، العبيد الأفارقة كما لو أنهم ‘جنس حيواني’، منفصل عن الجنس الأبيض ودوني منه. كان باستطاعة هؤلاء البيض، في الواقع، أن يتعاملوا قانونيا مع الأفارقة على أنهم أشياء. فقد كان أسياد العبيد أحرارا في تعنيف وتعذيب عبيدهم دون أن تتم معاقبتهم. وقد نص القانون المدني لدولة لويزيانا، مثلا، بشكل صريح على وجوب اعتبار العبد «خاضعا خضوعا تاما لإرادة سيده»، الذي يمكنه معاقبته، وتأديبه، «حتى وإن اقتضى الأمر عدم تعنيفه تعنيفا غيرعادي، ودون تشويهه أو إعاقته أو تعريض حياته للخطر، أو التسبب في موته». (1999, s.p Scott )[4]. التعذيب يوسم أجساد السود (وأجساد الحيوانات) ويضمرها، ويجعلها خانعة، وخاضعة، ومنحنية، الشيء الذي يترجم إلى تأكيد وضعهم الدوني.
كان التعذيب جزءا لا يتجزأ من عمليات الإعدام ﺧﺎﺭﺝ ﻧطﺎﻕ القضاء التي امتدت في الولايات المتحدة من سنة 1882 إلى حدود سنة 1940. فقد كان إعدام الضحية، في هذه الحالات، مجرد طقس من الطقوس (Waldrep 2002 ). وليس من قبيل الصدف أن حددهم دافيد كارلاند ب«الإعدام خارج نظاق القانون بالتعذيب العلني» (2005، 796)، مؤكدا كيف أن سبب موت الضحايا نادرا ما كان هو الإعدام، على الرغم من أنه قد يكون هو نهايتهم الحتمية جميعا:
«كان يتم تشويه ضحايا الإعدام خارج نطاق القانون وهم بعدهم أحياء، فقد كان يتم بتر الأذنين أو الأصابع او الأعضاء التناسلية، وطعن الجسد وتقطيعه إربا، ويتم إخراج الأحشاء من الجسد على مرأى من أعينهم». (805)
بعد الإعدام غير القانوني، « غالبا ما يتم تقطيع الجثث، ويتنافس المتفرجون من أجل الحصول على جزء من أجسادها، ويبحثون بين رفات الرماد لأخذ قطعة من العظام إلى البيت كتذكار» (Kaufman-Osborne 2006, 29-30 )[5].
لم يكن تنفيذ الإعدام، وموت السود هو من أظفي ‘المعنى’ على الحدث، لكن التعذيب هو الذي أعطاه معنى. كان « الإعدام خارج نظاق القانون بالتعذيب العلني » يرتبط في البداية بالسود فقط، لكن «طبقة المعذبين» قد اتسعت فيما بعد، لتطال أشخاصا آخرين ينتمون ‘لأجناس’ أخرى، كتلك الأجناس التي جلبتها الهجرة إلى أراضي الولايات المتحدة الأمريكية. كان ما تعرض له، في الواقع، المهاجرون الوافدون الإيطاليون في الولايات المتحدة من إعدامات ﺧﺎﺭﺝ ﻧطﺎﻕ القضاء (Deaglio 2015 ) معروفا. وكانت طقوس التعذيب العلني ترتبط إذن بـِ«الأجناس الدونية»، لأنّه كان على هذه الطقوس أن تقدم، أولا وقبل كل شيء، رسالة واضحة عن العرق، وكان عليها أن تبيّن مورفولوجية العرق المهيمن.
كان التعذيب بمثابة حدود ثابتة بين الاجناس، حتى في المستعمرات. فالتجربة الاستعمارية الأوربية تبدو، بهذا المعنى، قائمة طويلة من الرعب. على الرغم من أن الدراسات، التي كتبت حول الفظائع التي اقترفها الايطاليون في المستعمرات، ماتزال غير كافية، فإنها قادرة الآن على تقديم معلومات صحيحة لفهم الدور الذي لعبه التعذيب في المستعمرات الإيطالية. فالشهادات المباشرة، عندما تكون موجودة، تجعل مهمة المحلل أكثر سهولة، لأن دور التعذيب يتجلى بوضوح كراسم عنصري للحدود. ويتم لمس هذا، مثلا، في كلمات سالم عمرام أبو شابور، الذي يصف الحياة اليومية للساكنة الليبية في معسكر الاعتقال بالعقيلة:
«كان هناك الكثير من التعذيب والإعدام بالشنق. كان على الجميع أن يحضروا في صمت لعمليات تنفيذ الإعدام دون أن يتكلموا، دون أن يعلقوا، دون يبكوا تقريبا. كانوا يتركون الأجساد معلقة ليومين أو ثلاثة أيام» (Salerno 2005, 96 ).
كان التعذيب الذي تجرعته الساكنة المستعمَرة لا يوصف، وقد كان بإذن من الحكومة، وبمباركة من الدولة الإيطالية:
«من المؤكد أن الإيطاليين الذين كانوا في المستعمرات الإيطالية في الضفة الأخرى من البحر، لم يطلقوا كلهم زناد النار أو مارسوا التعذيب والاستعباد. لكن كان في مقدورهم فعل ذلك، كلهم، دون استثناء، لأن النظام، كما رأينا، لم يكن يمنع العنف، بالعكس، كان يشجعه ويضمن لمن يقوم به الحصانة من المتابعة القانونية. كما يذكر أنطونيو دوردوني، في حديثه عن مذبحة أديس أبابا، «المجازفة الوحيدة التي كان يمكننا الوقوع فيها كانت هي الحصول على وسام» (Del Boca 2005, s.p. ).
وبالإضافة إلى ذلك، لم تكن أوامر موسوليني المباشرة تدع مجالا للشك. كان يجب على الرعب أن يسود في المستعمرات:
«أفوض معاليكم مرة أخرى للبدء والقيام بسياسة الترهيب وإبادة كل من المتمردين والساكنة المتواطئة معهم بشكل ممنهج. لم يكن الجرح ليندمل في الوقت المناسب لولا شريعة العين بالعين التي ضاعفناها عشرات المرات. أنتظرُ تأكيدا. (التلغراف الذي تم إرساله في 8 يوليوز 1936 لـﯖراتسياني)»[6].
يقوم الرعب والاستغلال على تجريد المرء من إنسانيته «ويلجأ المستغِل لهذا التجريد من الإنسانية أيضا من أجل الاستغلال بشكل متزايد» (Sartre 1964b, 54 ). تمثل سياسة التعذيب، ـ التي «هي، في النهاية، سياسة الرعب» ـ بهذا المعنى، (Di Cesare 2016, s.p. ) ـ، التي مارستها أجهزة الدول الاستعمارية القمعية بشكل مفرط في المستعرات، الحقيقة الجذرية للعنصرية؛ التعذيب هو أبشع مظاهر العنف العنصري المنظم وأكثرها حميمية:
«هدف التعذيب ليس هو مجرد إجبار أحد على الكلام أو على الخيانة: إنه يصلح لتحدد الضحية نفسها بنفسها، بصراخها وخضوعها، كدابة انسانية. أمام مرأى الجميع وأمام حتى أعين الضحية نفسها. يجب على هذه الخيانة أن تحطمها وتتخلص من نفسها للأبد. فمن يتعرض للتعذيب لا يجبر فقط على الكلام؛ المراد هو أن يفرض عليه وضع يسمه للأبد هو: الرجل ـ الدوني» ـ (Sartre 1964c, 84).
كره الضحية ـ الذي يتجلى مع التعذيب ـ هو تعبير عن العنصرية ـ العنف. لأن كل من العنصرية والتعذيب لهما هدف مشترك ألا وهو: تدمير الانسان. لا يريدون إرداءه ميتا، الأمر لا يحتاج إلى ذلك، يريدون، بكل بساطة، التخلص من صفاته الإنسانية التي هي: الشجاعة، والكرامة، والإرادة، والذكاء. بعبارة أخرى، هي نفس الصفات التي يطالب العنصريون والمعذِبون بها لأنفسهم.
4. الاستقبال والعقاب
«… ثم فتحها هو لأنها كانت داخل ورقة الألمنيوم، سحب شيئا من الداخل وقال لي: أنظر إلى هذا الشيء” وأردف قائلا: ’عليك أن تأكله وإلا سنقتلك‘. قلت له ’أنا مسلم، أنا لا آكل لحم الخنزير‘. فضربني بالعصا في هذه الناحية، على الجانبين الأيمن والأيسر من رجلي وأجبرني على خلع سروالي لأنني كنت مبللاً أيضًا، كان هناك طين وسروالي … لقد بقيت بملابسي الداخلية فقط. وبعدها أجبروني على الاستلقاء على كتفي، وعلى ظهري، أخذني واحد منهم وأعاق حركتي بهذه… وضع ركبته فوق يدي، وآخر شلّ حركة ذراعي الأخرى، أما الثالث الذي كان يمسك باللحم في يده، فقد جلس فوقي هكذا وحاولتُ أن أُسحب ذراعي لمنعه، لإغلاق فمي؛ فضربني بقبضة يده على يدي ثم ضربني بعصاه التي آلمتني وواصل ضربي بها، مازلت غير قادر على فتح فمي بالكامل، ثم حاول فتحه، وتمكن من فتح فمي بالقوة بالضغط عليه […] دخل المدير وهو يضع يده في جيبه، فابتسم وضحك وقال لي: ’حسن، هذا جيد‘ وبصق ناحيتي، بصق في وجهي (»سالم[7].
هذه ليست قصة تعذيب تعرض لها مسلم معتقل في أبو غريب. دائمًا ما تكون الضحية من المسلمين معرضة لإدخال لحم الخنزير النيء في الحلق باستعمال العصا بالقوة، وإدخال لحم الخنزير بالقوة هو إحدى وسائل التعذيب المتكررة في السجن العراقي سيئ الذكر (Greenberg, Dratel 2005 ) ، لكن البيئة مختلفة: فحجرة التعذيب تقع هذه المرة بمركز احتجاز المهاجرين الوافدين ‘ريجينا باشيس Regina Pacis’ الواقع بسان فوكا San Foca(ليتشي Lecce ) ، على بعد مئات الكيلومترات من سجن أبو غريب سيئ الذكر.
ليس سالم وحده من حكى عن العنف الذي تجرعه أمام قاضي محكمة ليتشي – حيث تم إجراء المحاكمة عام 2003 والتي اتهم فيها كل من مدير المركز، وبعض العاملين وأطباء ورجال درك ـ بل حتى بعض رفاقه الآخرين. لنسمعهم (رغم مرور سنوات على ذلك):
«… ثم ذهب رجل درك لإحضار قطعة من لحم الخنزير، قد أخذني أربعة أشخاص وأجبروني على ابتلاع لحم الخنزير قسرا وهم يسخرون بعض الشيء بطريقة سخيفة من دين الإسلام ومن شهر رمضان الذي كان حلوله في تلك اللحظة، وهو الشهر الذي يصومه المسلمون […]. كان لحمًا نيئًا، لم يكن مطهيا. […] أخذني اثنان منهما من قدميَّ، جمدا حركتهما، قام أحدهما بالضغط على صدري وذراعي، وأجبرني الآخرعلى فتح فمي بالقوة أدخل في فمي قطعة من لحم الخنزير وهو ماسك أيضا بالعصا في يده . […] وضع قطعة اللحم قرب فمي أولا لكنني رفضت ابتلاعها ثم وضع لي العصا وأدخلها قسرا في فمي». (محمد)
«… أخذ الدركي قطعة لحم الخنزير ووضع ذراعه تحت ذقني ودفعني بطريقة أرفع بها رأسي وأدخل لحم الخنزير في فمي. ثم أخذ العصا التي يمسكها على طول ساقه؛ حاولت المقاومة، حاولت اللا أبتلع الشيء لكنه دفع بقطعة اللحم بالعصا في فمي. […] كان فمي يؤلمني، خاصةً هذا الجزء والأسنان؛ وكانت أسناني تؤلمني حتى من قبل وعندما أدخلوا اللحم مدفوعا بهذه الطريقة جعلوا أسناني تؤلمني أكثر […]
كان الدركي الآخر يمشي هكذا، مر أمامي ، ثم استدار وقام بركلي بقدميه على ظهري، فسقطت على الأرض و أخذني الآخر ورفعني ووأوقفني على رجليّ». (أنيس)
«… قام رجال الدرك بإيقافنا ثم أخذونا إلى الممر القريب من الإدارة. بعد ذلك جاء المدير، ثم أمسكني من خصلة شعري الأمامية، ورطم خلفية رأسي بالحائط مرتين؛ ثم أدارني وأخذني من الخلف ورطم وجهي بالحائط، وأصابني بجرح هنا على جانب الحاجب، جرح كبير هنا على حاجبي. […] ثم أدارني وأخذ العصا من رجال الدرك وأخذني من خصلة شعري الأمامية و ضربني بالعصا على الشفتين، ضربني في الفم، حيث أصابني بجرح ما يزال بعده مرئيًا. ثم أصاب سنين من أسنان فكي العلوي. […] ثم بدأ معية […] في ضربي على الوجه». (منتصر).
وقد تم تكرار جملة: «أين هو الله الآن ليخلصك ويحميك ؟«. على مسمع بعض الضحايا كشكل آخر من أشكال الإذلال.
كانت الهوية الدينية للضحايا تعتبر، بشكل لا لبس فيه، العنصر الذي يمكن استهدافه، أي أنه كان يُعتقد أنها أنجع وأسرع طريقة للحصول على إذلال المسلمين. هذا الجانب مثيرة للاهتمام بشكل خاص في هذا التحليل لأنه يكشف عن عنصرية المعذِّبين وكرههم الراديكالي العشوائي للضحايا، لكنه يكشف أيضًا – إلى حد ما على الأقل- شكلا من أشكال الإعداد الفني للمتهمين فيما يتعلق بالتعذيب[8] .
بالإضافة إلى هذا ، فمن قرأ كتاب إريك ساليرنو (2005) عن فظائع الإيطاليين في ليبيا يمكنه أن يتتبع استمرارية تاريخية لأشكال إذلال المسلمين، من مستعمرات القرن الماضي إلى إيطاليا اليوم. والجمل التي كان يتفوه بها بعض الجنود الإيطاليين في حق سجنائهم الليبيين وهم يلقون بهم أحياء، واحدا تلو الآخر، من الطائرة، تتوافق مع نظيرتها التي تم التفوه بها ضد المسلمين المحبوسين في مركز’Regina Pacis’:
«أجبروهم على صعود الطائرات، وبحضور أقاربهم وزوجاتهم، تركوهم يسقطون من ارتفاع علوه أربعمائة متر؛ وفي كل مرة يسقط فيها أحدهم يقابله هناك تصفيق وقهقهات واستهزاء من طرف الضباط والجنود الذين كانوا يصيحون بصوت عالٍ: “ليأتي نبيك محمد البدوي، الذي خدعك بالجهاد ليخلصك من أيدينا “». (Salerno 2005, 44 ).
وقد اختتمت الدرجة الأولى من المحاكمة التي انعقدت يوم 23 يناير 2004 بإدانة بعض العاملين في مركز ‘Regina Pacis’ المتهمين (باستثناء عدد قليل من رجال الدرك الذين تمت تبرئتهم) بارتكابهم جرائم الاعتداء (المادة 610 من القانون الجنائي) والإصابات الشخصية (المادة 582 من القانون الجنائي). ثم تم تأكيد هذه الإدانة في المراحل اللاحقة من الحكم.[9] وقد وصفت قصة العنف/ التعذيب اللذين تمت ممارستهما على أنها موثوقة، على الرغم من أن صدى مرافعة الدفاع، الذي مثل بعض المتهمين، ما يزال يتردد في آذان الضحايا والتي اختتمت بسؤال رهيب: «كيف يمكننا، يا سيدي القاضي، أن نصدق كلام الأجانب؟».
لم يتم إدخال جريمة التعذيب في القانون الإيطالي إلا سنة 2017 وهذا هو السبب الذي حال دون أن يصنف العنف والإذلال اللذين وقعا بداخل مركز ‘Regina Pacis’ على أنهما جرائم يعاقب عليها القانون. ومع ذلك، فإن أوجه التشابه بين العنف الذي ورد في أوراق التعذيب المختلفة (Greenberg, Dratel 2005 ) – من أفغانستان إلى العراق ، مروراً بغوانتانامو – وتلك التي تجرعها المهاجرون الوافدون المحتجزون في مركز ‘Regina Pacis’ أدت بشكل معقول إلى تصنيف هذا العنف على أنه تعذيب. وهذا أيضًا في ضوء العناصر الهيكلية لجريمة التعذيب الجديدة المنصوص عليها في المادة 613 مكرر من قانون العقوبات.
هذه هي الحالة الوحيدة التي وقعت في إيطاليا (وربما في أوربا أيضًا) حيث العنف / التعذيب اللذين تمت ممارستهما داخل مراكز المهاجرين الوافدين (في إيطاليا) قد تم التحقق منها قضائيًا. وفي حالات أخرى، لم يتم تصديق كلام الأجانب، وبالتالي لم تكن هناك محاكمات، أو كانت تنتهي، في حالة حصولها، بتبرئة المتهمين. كل هذا يجعل من حالة ‘Regina Pacis’ قضية رمزية من وجهات نظر مختلفة.
إن السياق هو الشيء الذي يجب تحليله أولاً. يحتاج التعذيب، في الواقع ، إلى بيئة معينة لها خصائص معينة ، قادرة على جعل هذا الأخير، أي التعذيب، ممكنا. يجب على هذا السياق أن ينقل القلق إلى الضحية (Farci, Pezzano 2009 ) ، يجب أن يعزله عن أي اتصال له بالعالم الخارجي، ويقوض كل ما لديه من يقين ، «أن يدمر الحياة ويدمر كل علاقة لها بالعالم» ((Scarry 1985, 28 .
تبني إيلين سكاري توازيًا بين الجسم والحجرة (البيئة): كلما كانت الحجرة مريحة، كلما شعر الجسم بالحماية والاسترخاء، في حين أن الجسم في حجرة التعذيب يشعر بالتهديد العميق، حتى قبل بداية التعذيب (Scarry 1985).
بالإضافة إلى البيئة المُهَدِّدة، يحتاج التعذيب إلى ظروف أخرى تعين على ممارسته. من بينها ضرورة تمتع المعذِّب بالسيطرة المطلقة على بيئة التعذيب. وبدون هيمنة هذا السياق هيمنة مادية ورمزية، فلا يمكن للمعذِّب حتى البدء ليُعرّف على ذلك الأساس. أما الضحية فلا بد من حرمانها من أي اتصال لها بالعالم الخارجي، يجب أن تكون مجردة من ذاتها، ومن هويتها، وأن توضع في بيئة عدائية قادرة أن تقتل فيها أية رغبة، إلا رغبة واحدة ألا وهي: الرغبة في يموت.
«كنت مستلقية وأنا عارية، عارية دائماً. يمكنهم أن يأتوا مرة واحدة أو مرتين أو ثلاث مرات في اليوم. و كانت تتملكني ارتعاشة بمجرد ما أسمع صرير أحذيتهم في الممر. بعد ذلك، أصبح الزمن لا نهائيا. كانت الدقائق تبدو لي ساعات وكانت الساعات تبدو لي أياما. والجزء الأصعب هو الصمود في الأيام الأولى، حتى تعتاد على الألم. لاحقًا ، نحس بانفصال الذهن عن الجسد، كما لو كان الجسد عائمًا. […]
خلال تلك الأشهر الثلاثة كان لدي هدف واحد فقط الا وهو: الانتحار، كانت لدي رغبة في وضع حد لحياتي بأي ثمن لكن، أكبر معاناة كانت هي عدم العثور على الوسائل للقيام بذلك»[10] .
كل العناصر الضرورية لبناء حجرة التعذيب تشكل هي أيضا السمات الأساسية لمراكز احتجاز المهاجرين الوافدين: بُنيت كـَ «مؤسسات كاملة (Goffman 2003) «قابلة بسهولة أن تتحول إلى بيئة للتعذيب:
«يمكن تعريف المؤسسة الكلية على أنها مكان إقامة وعمل لمجموعات من الأشخاص المنقطعين عن المجتمع لفترة طويلة من الزمن، وجدوا أنفسهم يتقاسمون وضعية مشتركة، يقضون جزءًا من حياتهم في نظام مغلق، يدار بشكل رسمي». (29، 2003)
والجانب المثير من الناحية السوسيولوجية هو أنّ مراكز احتجاز المهاجرين الوافدين تدرج رسميًا في قائمة مؤسسات الاستقبال[11]. بمعنى أنّ الدولة لا تحدد عناصر الاختلاف بين مراكز الاحتجاز وتلك الخاصة بالاستقبال (بالمعنى الدقيق للكلمة)، وبالتالي فإنها لا ترى أي اختلافات فيما يتعلق بالدور الذي يقومان به في العمليات الاجتماعية. هذا معطى مهم وجب أخذه بعين الاعتبار في التحليل الشامل لنظام الاستقبال في إيطاليا ، حيث إنّه يكشف عن وظيفته الاجتماعية الحقيقية.
و يعتمد التداخل بين مراكز الاحتجاز ومراكز الاستقبال في إيطاليا على عدة عوامل. فهو يعتمد في المقام الأول على الإدارة المرتبكة للاستقبال الذي تمت مأسسته، دائمًا تحت ذريعة حالة الطوارئ، حيث يتم الخلط بين السجلات والمؤسسات. ويعتمد في المقام الثاني، على نفس النشأة التاريخية[12] والاجتماعية لمراكز الاحتجاز الحالية: نشأت تاريخيا من رفات مراكز الاستقبال التي كانت لزمن مضى (مركز ‘Regina Pacis’ هو، بهذا المعنى، مثال كلاسيكي، على اعتبار أنه كان أول وأكبر مركز استقبال تم إنشاؤه في إيطاليا عام 1997 ثم تحول في عام 1998 ، دون تغيير أي شيء لا في الهيكل ولا في الطاقم، إلى مركز اعتقال / احتجاز). ويعتمد في المقام الثالث، على الميول المتزايد للتضييق على الحرية الشخصية وتكثيف كل المراكز، دون استثناء، لسيطرتها على المهاجرين الوافدين.
يخضع المهاجرون الوافدون فور إدراجهم بنظام الاستقبال، إلى عملية المأسسة: يخضعون لنظام من القواعد تفرض سلوكيات محددة. تنتهي هذه القواعد بخلق أشخاص ضعفاء وتابعين.
يتم وضعهم، بمجرد نزولهم من القوارب، فيما يسمى بـِ ‘النقط الساخنة’ ، وهي مراكز مغلقة تفتقر إلى أدنى شرعية قانونية[13] ، إنها فضاء يقع خارج الحدود الإقليمية يتم فيه تحديد الهوية وأخذ بصمات الأصابع أيضا، باستخدام القوة[14]. إن البقاء في مركز (النقطة الساخنة أو أنواع أخرى) من عدمه يخضع لتقدير المؤسسات المطلق (الوزارة ، الشرطة، المحافظات، مديرو المراكز، إلخ.) ، التي تحدد مدة الإقامة والتوزيع الجغرافي وأنواع المراكز. وحرية التنقل في المناطق الساخنة وفي مراكز الاحتجاز) التي تم تعريفها الآن باسم CPR ، مراكز الترحيل إلى الوطن( هي محظورة تمامًا وتم تقييدها بشدة بمعايير قانونية في أماكن أخرى (المادة 5، الفقرة 4 من المرسوم التشريعي 142/2015) ، كما تم تقييدها من طرف قوانين سلطات المحافظة، وتم تقييدها أخيراً، بالقوانين التي قررها (بشكل تعسفي) مديرو المراكز.
إن إمكانية اعتناء المهاجرين بأنفسهم محدودة بسبب ارتباطهم المادي القوي بالمؤسسات المضيفة.
يترجم هذا الدعم المادي، في الواقع، من خلال التوزيع اليومي لـ ‘قسائم شراء’ تبلغ قيمتها حوالي ثلاثة يورو، والتي لا يتم إنفاقها، في كثير من الأحيان، إلا في نقاط بيع محدودة. يعتمد التفاعل مع العالم الخارجي على وساطة (مراقبة) العديد من الشخصيات المهنية: العاملين في المركز والمساعدين والمربين والأطباء نالفسانيين والمترجمين والمحامين. والعلاقة مع السكان المحليين محدودة أيضًا بـسبب الموقع الجغرافي للمراكز، التي غالبًا ما يتم بناؤها في مناطق معزولة عن المراكز المأهولة بالسكان أو متصلة بها بشكل سيء.
وتكون السلطة داخل مؤسسات الاستقبال شديدة الاستقطاب: يوجد، من ناحية، طاقم صغير يدير حياة المهاجرين الوافدين ومن ناحية أخرى، هناك مجموعة كبيرة من الأشخاص الخاضعين للرقابة وتم إضعافهم واستصغارهم. إنّه السياق النموذجي لمؤسسة كلية حيث “يوجد تمييز أساسي بين مجموعة كبيرة من الأشخاص الخاضعين للسيطرة […] وطاقم صغير يراقبهم” (Goffman 2003, 37 ).
إنّ النموذج الذي يبدو أن جميع المراكز تتوافق معه، أكثر فأكثر، هو نموذج النقطة الساخنة. كما أكدّ مارك أرنو هارتويج Marc Arno Hartwig، وهو مسؤول عن النقط الساخنة في إيطاليا بصفته تابع لمفوضية الاتحاد الأوربي، أنّ النقط الساخنة تمثل الأماكن، كما أنها تمثل المفاهيم.
الفكرة الأساسية هي تمديد «معالجة النقط الساخنة» على طول أمد حياة المهاجرين الوفدين. ليس من قبيل الصدفة، في الواقع، أن تتحدث مفوضية الاتحاد الأوربي عن «نقطة ساخنة متنقلة»، حتى ولو كان الأجدر والأصح هو الحديث عن نقط ساخنة منتشرة.
ولفهم المعنى الحقيقي للنقطة الساخنة ونوع التعامل المخصص للمهاجرين الوافدين، فإن قصة دجوكا خير مثال، وهو سوداني يبلغ من العمر ستة عشر عامًا من دارفور، وصل إلى إيطاليا في 7 يونيو 2016 في ميناء جنوبي، وأجرت منظمة أمنستي الدولية مقابلة معه. تم نقلها عبر ربورتاج عنون بـِHotspot Italia: نقط إيطاليا الساخنة.
«تم نقلي، بمجرد نزولي من القارب، إلى المركز معية أشخاص آخرين. في البداية رفضت إعطاء بصمات الأصابع. […] بعد ثلاثة أيام دون طعام وماء، أخذوني إلى «حجرة الكهرباء». كان هناك ثلاثة ضباط بالزي الرسمي وامرأة بلباس مدني. ولحظة، دخل الغرفة أيضًا رجل يرتدي لباسا مدنيا، ويتكلم العربية … ثم طلب مني رجال الشرطة أن أعطي بصمات الأصابع فرفضت. ثم أخضعوا ساقي اليسرى لصدمات بالعصا الكهربائية لعدة مرات ، ثم ساقي اليمنى، فالصدر، والبطن. كنت أشعر بضعف كبير، لم أستطع المقاومة ولحظة أخذوا كلتا يدايا ووضعوهما في الجهاز. لم يكن في استطاعتي المقاومة». (منظمة العفو الدولية، أمنستي 2016)
تعتمد العلاقات الاجتماعية داخل مؤسسات الاستقبال على التراتبية الهرمية، إنها مبنية على تقسيم صارم للأدوار بين الموظفين والضيوف المهاجرين الوافدين. هذا التقسيم يخلق «علاقة القهر والعنف بين السلطة واللاسلطة »( Basaglia 2014, s.p.). وقد تختلف الدرجات التي يدار بها هذا العنف »حسب حاجة أصحاب السلطة في حجبها وفي إخفائها» (Basaglia 2014, s.p.). يتم تبرير كل من العنف والإقصاء على مستوى الضرورة، حيث أنه يتم تبرير البعض كنتيجة (أي مراكز الاستقبال بالمعنى الدقيق للكلمة) على مستوى الطوارئ أو الإدارة الفعالة، ويتم تبرير البعض الآخر(النقط الساخنة ومراكز الاحتجاز) على مستوى الأمن. ويمكن تعريف هذه المؤسسات، كما أوضح فرانكو بازاليا بشكل موسع «على أنها مؤسسات التعنيف» (2014, s.p.). إنها أماكن يمكن أن تنشأ فيها كراهية مجهولة، دون هوية، كراهية متطرفة بكل سهولة. يتغذى التعذيب بهذه الكراهية، لأنّها « أولا وقبل كل شيء، سلطة الهيمنة على الآخر، وسلطة التسلط عليه بالترهيب، وإخضاعه بالألم، وتطويعه بالملاحقة» (Di Cesare 2016, s.p. ). وأعمال العنف التي تمت ممارستها في حجرة التعذيب في مركز ‘Regina Pacis’ كانت وليدة تلك الكراهية.
5. استنتاجات
لإلقاء الضوء على العناق الحميم الذي يجمع بين التعذيب والعنصرية، يمكن الأخذ في الاعتبار العديد من الحالات، القديمة منها والمعاصرة، مثلما يمكن اختيار حتما الفضاء الجغرافي، نظرًا لأن التعذيب والعنصرية المتفشية في العالم بأسره، وهو ليس مسألة وليدة اليوم. كان لابد من الاختيار وهذا سيكون له تداعيات في الطريقة والنتائج النهائية. ومع ذلك، لا يمكن للاختيار أن يكون ثمرة لمجرد تحيز لمن يكتب، بل يجب على من يكتب أن يسترشد بالطريقة التي تعتبر مناسبة وهي في هذه الحالة النموذج المثالي الذي اقترحه ﭬيبر (1997).[15]
بهذا الوعي، تم اختيار تحليل الارتباط بين العنصرية والتعذيب من خلال تسليط الضوء على حجرة التعذيب بمركز ‘Regina Pacis’، حيث أن مراكز احتجاز المهاجرين الوافدين (أو مراكز الاستقبال، كما تعتبرها الدولة بشكل كبير) تمثل رمزًيا الوظائف الاجتماعية، الظاهرة منها والمستترة، لسياسات الهجرة في السنوات الأخيرة، بإيطاليا وكذلك بأوربا) 2012، 2018. (Perocco هي سياسات ييتم التعبير عنها، يوميا، من خلال القوانين التمييزية والتعاميم الإدارية (Gjergji 2013 )
والاتفاقيات الثنائية (شبه) السرية (Gjergji 2016 ) ، والطرد الجماعي، وأخذ البصمات، وعقود الإقامة الاستعبادية، والأسلاك الشائكة على طول الحدود. بعبارة أخرى، هي سياسات تساهم في انتشار حجر التعذيب في الأراضي الأوربية.
علاوة على ذلك، يجب القول إنّ الاختيار قد أطبق الصمت، بطريقة ما، على حجرات التعذيب في المراكز الليبية (Veglio 2018) ونظيراتها الكثيرة التي تم بناؤها على طول المسارات الهجروية، والتي يدور الحديث عنها كثيرًا اليوم أيضًا في وثائق الأمم المتحدة وفي تقارير إخبارية متعددة.
كما تم الحديث عنها مؤخرًا في جلسات المحاكم الإيطالية التي أدانت بعض المعذِّبين العاملين في المراكز الليبية. إن الصمت ‘المفروض’، في الواقع، على هذه الحالات هو صمت ظاهري فقط.
يعتبر مركز ‘Regina Pacis’ هنا رمزا لـسياسات الهجرة الأوربية، شأنه في ذلك شأن أي مركز آخر تم بناؤه في إفريقيا (أو في أي مكان آخر) بدعم سياسي ومالي من الدول الأوربية (Campesi 2013). لذلك، فإنّ مركز ‘Regina Pacis’ هو المركز المثالي النموذجي الذي يمكن من خلاله وصف الظاهرة في معالمها الأكثر أهمية.
بالإضافة إلى ذلك، فإنّ تركيز التفكير على ‘حالة Regina Pacis’ جعل من الممكن أيضًا تجنب بعض الأفخاخ (العنصرية) التي بناها السرد السائد، ذلك السرد الذي يعتبر التعذيب ميزة الشعوب غير الأوربية:
«الشعب الأوربي الذي يعذب هو شعب ساقط، هو شعب يخون تاريخة. الشعب المتخلف الذي يمارس التعذيب يتصرف حسب الطبيعة، يقوم بفعله ذلك كشعب متخلف» (Fanon 2007, 32 ).
كان التعذيب الذي يجرد من الإنسانية، كما وضحناه في هذا العمل، على العكس من ذلك، أداة مذهلة لهيمنة المستعمرِين الأوربيين، هو أداة تستخدم بجرعات كبيرة وتقوم مقام نظام، فلولا العنصرية ـ العنف لما كانت النجاة ستكتب لهذا النظام. كان التعذيب هو ‘المكون السحري’، كان هو العنصر الذي جعل إعادة إنتاج هذا النظام أمرا ممكنًا. وهو ما يجعله ممكنًا حتى اليوم.
المراجع
Alleg, Henri (1958). La Question. Paris: Édition de Minuit.
Amnesty International (2016). Hotspot Italia. Come le politiche dell’Unione europea portano a violazioni dei diritti dei rifugiati e migranti. Roma: Amnesty International.
Apel, Dora (2005). «Torture Culture: Lynching Photographs and the Images of Abu Ghraib». Art Journal, 64(2), 88-100. DOI https://doi.org/10.1080/00043249.2005.10791174.
Arendt, Hannah (2001). La banalità del male. Eichmann a Gerusalemme. Milano: Feltrinelli.
Balibar, Étienne (1988). Race, Nation, Classe. Les identités ambiguës. Paris: La Dècouverte.
Barker, Martin (1982). The New Racism: Conservatives and the Ideology of the Tribe. London: Junktion Books.
Basaglia, Franco (2014). «Le istituzioni della violenza». Basaglia, Franco (a cura di), L’istituzione negata. Milano: Baldini & Castoldi.
Basso, Pietro (2010). Razzismo di stato. Stati Uniti, Europa, Italia. Milano: Franco Angeli.
Beaugé, Florence (2000). «Torturée par l’armée française en Algérie, ‘Lila’ recherche l’homme qui l’a sauvée». Le Monde, 20 juin.
Bourdieu, Pierre (2013). Sullo Stato. Corso al Collège de France. Vol. I (1989-1990). Milano: Feltrinelli.
Campesi, Giuseppe (2013). La detenzione amministrativa degli stranieri. Storia, diritto, politica. Roma: Carocci.
Célérier, Patriacia-Pia (2014). «An Interview with Henri Alleg». African Studies Review, 57(2), 149-62.
Crosby, Alfred W. (1986). Ecological Imperialist: The Biological Expansion of Europe, 900-1900. Cambridge: Cambridge University Press.
Deaglio, Enrico (2015). Storia vera e terribile tra Sicilia e America. Palermo: Sellerio Editore.
Del Boca, Angelo (2005). Italiani brava gente? Vicenza: Neri Pozza Editore.
Di Cesare, Donatella (2016). Tortura. Torino: Bollati Boringhieri.
Farci, Manolo, Pezzano, Simona (2009). Blue Lit Stage. Realtà e rappresentazione mediatica della tortura. Milano: Mimesis.
Fanon, Frantz (2007). Scritti politici. L’anno V della rivoluzione algerina, vol. 2.
Roma: Derive Approdi. Garland, David (2005). «Penal Excess and Surplus Meaning: Public Torture Lynchings in Twentieth-Century America». Law & Society Review, 39, 793-809. Geremek, Bronislaw (1986). La pietà e la forca. Storia della miseria e della carità in Europa. Bari-Roma: Laterza.
Gjergji, Iside (2013). Circolari amministrative e immigrazione. Milano: Franco Angeli.
Gjergji, Iside (2016). Sulla governance delle migrazioni. Sociologia dell’underworld del comando globale. Milano: Franco Angeli.
Gjergji, Iside (2018). ‘Uccidete Sartre!’. Anticolonialismo e antirazzismo di un revenant. Verona: ombre corte.
Goffman, Erving (2003). Asylums. Le istituzioni totali: i meccanismi dell’esclusione e della violenza. Torino: Einaudi.
Greenberg, Karen J.; Dratel, Joshua L. (2005). The Torture Papers. The Road to Abu Ghraib. Cambridge: Cambridge University Press.
Guillamin, Colette (1972). L’idéologie raciste. Genèse et langage. The Hague: Mouton.
Hajjar, Lisa (2013). Torture: Sociology of Violence and Human Rights. New York; London: Routledge.
Jaffe, Hosea (2010). Era necessario il capitalismo? Milano: Jaca Book. Kaufman-Osborne, Timothy V. (2006). «Capital Punishment as Legal Lynch- ing?». Ogletree, Charles J.; Austin, Sarat (eds), From Lynch Mobs to the Killing State. New York; London: New York University Press, 21-54. Lévy-Strauss, Claude (1971). «Race et Culture». Revue Internationale des Sciences Sociales, 23(4), 647-66.
Lévy-Strauss, Claude; Eribon, Didier (1990). De près et de loin. Paris: Seuil-Odile Jacob.
Macmaster, Neil (2004). «Torture: from Algier to Abu Ghraib». Race & Class, 46(2), 1-21.
Mackert, Jürgen (2015). «The Secret Society of Torturers: The Social Shaping of Extremely Violent Behaviour». International Journal of Conflict and Violence, 9(1), 106-20.
Marx, Karl (2009). Quaderni antropologici. Appunti da L.H. Morgan e da H.S. Maine. Milano: Unicopli.
Mollat, Michel (1983). I poveri nel medioevo. Bari-Roma: Laterza.
Patai, Raphael (1973). The Arab Mind. Tucson: Recovery Resources Press. Patlagean, Évelyne (1986). Povertà ed emarginazione a Bisanzio. Bari-Roma: Laterza.
Perocco, Fabio (2012). Trasformazioni globali e nuovo diseguaglianze. Il caso italiano. Milano: Franco Angeli.
Perocco, Fabio (2018). «Anti-Migrant Islamophobia in Europe. Social Roots, Mechanisms and Actors». Revista Interdisciplinar da Mobilidade Umana, 26, 25-40. Roberts, Dorothy (2008). «Torture and Biopolitics of Race». University of Miami Law Review, 62, 228-47.
Salerno, Eric (2005). Genocidio in Libia. Le atrocità nascoste dell’avventura coloniale italiana (1911-1931). Roma: manifestolibri.
Sartre, Jean-Paul (1960). Critique de la raison dialectique. Tome I. Théories des ensembles pratique. Paris: Gallimard.
Sartre, Jean-Paul (1962). «Prefazione». Fanon, Frantz, I dannati della terra. Torino: Einaudi, XLI-LIX.
Sartre, Jean-Paul (1964a). «Le colonialisme est un système». Situations V. Colonialisme et néo-colonialisme. Paris: Gallimard, 25-48.
Sartre, Jean-Paul (1964b). «‘Portrait du colonisé’, précédé du ‘Portrait du colonisateur’». Situations V. Colonialisme et néo-colonialisme. Paris: Gallimard, 49-56. Sartre, Jean-Paul (1964c). «Une victoire». Situations V. Colonialisme et néo-colonialisme. Paris: Gallimard, 72-88.
Sayad, Abdelmalek (2002). La doppia assenza. Dalle illusioni dell’emigrato alle sofferenze dell’immigrato. Milano: Raffaello Cortina.
Scarry, Elaine (1985). The Body of Pain. The Making and Unmaking of the World. New York: Oxford University Press.
Scott, George R. (1999). Storia della tortura. Milano: Mondadori.
Skoll, Geoffrey R. (2010). Social Theory of Fear. Terror, Torture and Death in a Post-Capitalist World. New York: Palgrave Macmillan.
Stannard, David E. (2001). Olocausto americano. Torino: Bollati Boringhieri. Taguieff, Pierre-André (1988). La force du préjugé. Essai sur le racisme et ses doubles. Paris: La Découverte.
Tindale, Christopher (1996). «The Logic of Torture. A Critical Examination». Social Theory and Practice, 22(3), 349-74.
Todorov, Tzvetan (2014). La conquista dell’America. Torino: Einaudi.
Veglio, Maurizio (2018). L’attualità del male. La Libia dei ‘Lager’ è verità processuale. Torino: Seb27.
Waldrep, Christopher (2002). The Many Faces of Judge Lynch. Extralegal Violence and Punishment in America. New York: Palgrave Macmillan.
Wallerstein, Immanuel (1985). Il capitalismo storico. Economia, politica e cultura di un sistema mondo. Torino: Einaudi.
Weber, Max (1997). Il metodo delle scienze storico-sociali. Torino: Einaudi. Weber, Max (1998). Scritti politici. Roma: Donzelli.
Whitaker, Brian (2004). «Its Best Use is as a Doorstop». The Guardian, 24th May.
URL https://www.theguardian.com/world/2004/may/24/worlddi- spatch.usa (2019-02-05).
Wieviorka, Michel (1991). L’espace du racisme. Paris: Le Seuil.
[1] الكاتبة هي التي قامت بترجمة كل النصوص الواردة في هذا المقال.
[2] لا يتعلق الأمر فقط بتوضيح نظري حول مفهوم العنصرية، بل يتعلق الأمر بمسألة منهجية مهمة، وجب التعامل معها كلما تم تحليل هذه الظاهرة الاجتماعية.
[3] وقد تحدث ماركس (2009، 260) قبل سارتر عن «الاستعمار الداخلي» في أوربا مع الإحالة إلى وضعية الشغيلين والعمال الإيرلنديين في إنجلترا.
[4] لقد مثل المخيال السينمائي، بشكل كبير، ظروف العبيد الرهيبة في الولايات المتحدة، وفي بعض الحالات، كما هو شأن فيلم دجانكو أونتشايند (لمخرجه كوينتين طارانتينو)، حتى في تمردهم، والعنف المتطرف الصادر عنهم ما هو إلا مرآة للعنف الذي تجرعوه في الواقع.
[5]كانت مشاهد الإعدام خارج نطاق القانون تُصوّر عادة للسماح للحاضرين بحفظ ذاكرة الحدث والسماح لغير الحاضرين بالمشاركة فيه. هناك مثال مهم بشكل خاص أورده دافيد كارلاند: «أرسل جوي ميرس لوالديه، في ماي 1916، صورة تذكارية فيها التعليق التالي ‘الجثة متفحمة، بالكاد يتم التعرف عليها، إنّها لِـ ‘جيس واشينطون’، معلقة على عمود هاتف بِـروبينسوت، تيكساس’. تقول الرسالة: ‘هذه حفلة شواء قمنا بها البارحة مساء، صورتي على اليسار يعلوها صليب’ وختمت بتوقيع ‘ابنكم جوي‘» (2005، 794). لقد أثبت عدد كبير من الباحثين، أن هناك تناظرا بين الصور التذكارية للأشخاص الذين تم إعدامهم خارج القانون ونظيرتها الخاصة بالتعذيب الذي ارتكبه الجنود الأمريكيون في العراق وأفغانستان (Apel 2005 ).
[6] لقد تم جمع الكثير من التلغرافات التي أرسلها موسوليني الى المستعمرات وتوجد في الموقع التالي : http://www.criminidiguerra.it.
والتلغراف الذي تم الاستشهاد به يوجد في الرابط التالي: http://www.criminidiguerra.it/Telegrammi%20di%20Mussolini.shtml (2019-02-13).
[7] جميع الشهادات الواردة هنا، مأخوذة من محاضر المحاكمة ومن الحكم الابتدائي.
[8] أكد سيمور هيرش، مؤلف تقرير حول التعذيب الأمريكي في سيناريوهات حروبها المختلفة، The Taguba Report ، في مقابلة صحفية له أجراها عام 2004 مع الجارديان (ويتاكر 2004) أن كتاب عالم الأنثروبولوجيا رافائيل باتاي المعنون بِـ العقل العربي (1973) ، والذي اعتبره كل من تيار المحافظين الجدد الأمريكي ‘تيوكون’ والبنتاغون كتابهم المقدس. واعتمد هؤلاء على الكتاب لبلورة أفكار معينة حول أنجع السبل لإذلال العرب وتجريدهم من إنسانيتهم. وكتاب باتاي ، في الواقع ، ليس سوى مزيج من الصور النمطية للعنصرية والتي لا علاقة لها بالعلم وتصلح أساسا لإعادة إنتاج العنصرية ضد السكان العرب. يجب القول، رغم ذلك، أن المعذِّبين في مختلف البلدان يغنون كذلك تقنياتهم في التعذيب من خلال مشاهدة أفلام جيدة، مثل فيلم جيلو بونتيكورفو المعنون بِـ معركة الجزائر. يشير ماكماستر (2004 ، 10) إلى أن مشاهدة فيلم Pontecorvo كان جزءًا من مسار التدريب على التعذيب لكل من جنود البنتاغون والكلية البحرية في الأرجنتين (خلال سنوات الديكتاتورية).
[9] مركز “ريجينا باشيس”، الذي طالته إجراءات قضائية أخرى، لم يعد موجودًا اليوم البتة. لا تزال “أطلاله” قائمة، وهي عبارة عن جدران هالكة، وشبابيك من قضبان وبوابات كلها صدئة، وغرف ذات أسرة وطاولات وكراسي مثبتة بمسامير، حيث تتخذه الحيوانات التي تعيش في محيطه ملاذًا لها.
[10] هي كلمات لويزيت إيغيلاهريز (المسماة ليلا Lila) في المقابلة التي أجرتها مع لوموند (بوجي 2000) تحكي فيها عن التعذيب الذي مارسه الجيش الفرنسي في الجزائر.
[11] مجلس الحاسبات (2018). “الاستقبال الأول” للمهاجرين الوافدين: إدارة صندوق سياسات وخدمات اللجوء (2013-2016). قرار 7 مارس 2018، الرقم 3/2018 / G. يمكن العثور على النص المنشور على الإنترنت بالرابط التالي: http: //www.astridonline.
it / static / upload / deli / prema_3_2018_g.pdf (2019-01-21).
[12]من المسلم به اليوم أنّه لا يمكن توفير الإيواء إلا من خلال “مراكز الاستقبال”. في حين أن المؤرخين قد أوضحوا كيف أن مراكز الاستقبال والاستقبال المؤسساتي (في أوربا) لهما تاريخ ميلاد محدد: لم تكن هذه المؤسسات معروفة في الممارسة الاجتماعية السابقة للإيواء: عام 314 م، خلال فترة حكم، قسطنطين (مولّات 1983). هذه المؤسسة كانت مغمورة في الممارسة الاجتماعية السابقة للإيواء، إلى درجة أنه لا وجود لكلمة لاتينية حتى تعرف بها. فقد تم تعريفها، ولفترة طويلة في الواقع، بالكلمة اليونانية) xenodocheion المنزل الخاص بالأجانب). وقد تسبب إدخال الاستقبال المؤسساتي في مجتمع ذلك الوقت في حدوث زلزال حقيقي، لأنه بالإضافة إلى إلغاء الممارسة الاجتماعية السابقة للضيافة في المنازل سريعا، فقد انتهى به الأمر أيضًا إلى إنشاء طبقة اجتماعية جديدة، وهي طبقة الفقراء، مؤلفة بشكل أساسي من: المرضى، والأجانب، والمسنين، والأيتام، والمتسولين، والفقراء (Patlagean 1986). كان هؤلاء هم الأشخاص الذين تستضيفهم مؤسسات الاستقبال. وقد أظهرت هذه المؤسسات منذ البداية، بعد تعزيزها وانتشارها في كل أنحاء أوربا، خلال العصور الوسطى، ارتباطا وثيقا مع العمل، يبدأ بالفصل في أوساط الفقراء، بين “أصحاب المهارة” و “المعوقين” (في العمل). وبذلك، أصبح هذا الرابط هو السبب الرئيس لوجودهم مع بداية العصر الحديث والثورة الصناعية.
لم تكن بيوت العمل – حيث كان يتم استغلال الضيوف للعمل المجاني أو المنخفض التكلفة، والمفيد للرأسمالية الناشئة، والذي كان يمثل عنصرًا أساسيًا – سوى “البنات البكر” لأول xenodocheion لقسطنطين (Geremek 1986). وتطفو حتى اليوم، في إيطاليا، على السطح، كل يوم وبشكل متزايد، الصلة بين مراكز الاستقبال والعمل منخفض الأجر. بهذا المعنى، فإنّ إدخال ما يسمى بِـ “العمل التطوعي” يبدو رمزيًا – أولاً عبر المذكرة رقم. 14290/2014 ثم قانون “مينّيتي-أورلاندو” – لطالبي اللجوء، ضيوف مراكز الاستقبال. يتحدث كل من المذكرة والقانون عن “القاعدة الطوعية” لـِ”العمل المفيد اجتماعيًا” الذي يجب على طالبي اللجوء القيام به. ومع ذلك، ليس من الصعب فهم وتخيل كيف يمكن تحويل اقتراح تشريعي إلى فرض حقيقي على المهاجر الوافد الموجود داخل المركز، حيث وجوده مرتبط كليًا بطاقم الموظفين الذين يديرونه.
[13]“مقاربة النقط الساخنة هو أحد الإجراءات المتوخاة فيما يسمى بالأجندة الأوربية للهجرة، وهو مجرد اتصال من المفوضية الأوربية إلى المجلس والبرلمان (وبالتالي فهو،’ وثيقة سياسة ذات سلطة غير إلزامية ‘) ، لم يتم تحويله إلى أي قانون تنظيمي وبالتالي فهو لا ينتج آثارا على المستوى التشريعي “. هذا الاقتباس مأخوذ من تقرير الأقلية حول نهج النقط الساخنة في حالة نظام تحديد الهوية والاستقبال وتم تقديمه في عام 2017 إلى لجنة التحقيق البرلمانية في نظام الاستقبال وتحديد الهوية والطرد، فضلاً عن ظروف معاملة المهاجرين وعن الموارد العمومية المخصصة. التقرير يحمل توقيع النائب إيراسمو بالازوتو: http: //www.meltingpot. org / IMG / pdf / relazione_minoranza_hotspot_palazzotto_2_.pdf (2019-01-02)
[14] يمكن لإجراء تحديد الهوية في النقط الساخنة أن ينفذ أيضا بالقوة، وفقًا لما تأمر به صراحة المفوضية الأوربية. اقرأ، في هذا الصدد ، وثيقة المفوضية الأوربية ، المعنونة بِـ تقريرعن تنفيذ النقط الساخنة في إيطاليا، بتاريخ 15 ديسمبر 2015: https://ec.europa.eu/transparency/reg- doc /
rep / 1/2015 / IT / 1-2015-679-IT-F1-1.PDF (2019-02-13).
[15] يتعلق الأمر بمقاربة مفيدة لتفسير الظواهر الاجتماعية، حيث أنها قادرة على إسناد المعنى إليها أو الكشف عن ميولها الرئيسة: “مهما كان محتوى النوع المثالي العقلاني […] فإن غاية بنائه دائمًا ما[…] تكون “مقارنته” بالواقع التجريبي، وإثبات تباينه أو بعده عنه أو اقترابه النسبي منه، من أجل التمكن قدرالإمكان من وصفه وفهمه من خلال الإسناد السببي وبالتالي شرحه، بالاعتماد على مفاهيم واضحة لا لبس فيها »(ﭬيبر 1997 ، 366).

زينب سعيد
كاتبة مغربية تقيم في ايطاليا.
Is a Moroccan writer residing in Italy.