نوقشت يوم السبت 14 دجنبر 2024، في رحاب جامعة محمد الخامس كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بسلا أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون العام، حول موضوع “السياسات العمومية الرقمية بالمغرب: التحول الرقمي بالإدارة القضائية نموذجا”،
تقدمت بها الطالبة سعاد أغانيم أمام لجنة المناقشة مكونة من:
الاستاذ عبد الله صبري: أستاذ التعليم العالي بالمدرسة العليا للتكنولوجيا عضوا.
الأستاذ عبد المالك أحزرير: أستاذ التعليم العالي بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بمكناس رئيسا؛
الأستاذ المصطفى منار أستاذ التعليم العالي بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بسلا مشرفا؛
الاستاذ أحمد بوعشيق: أستاذ القانون العام عضوا؛
والاستاذ أحمد بودراع: أستاذ التعليم العالي بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بسلا عضوا؛
الأستاذ عبد الحميد عدنان: أستاذ التعليم العالي بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بسلا عضوا.
تتناول هذه الأطروحة بالدراسة والتحليل موضوع السياسات العمومية الرقمية بالمغرب: التحول الرقمي بالإدارة القضائية نموذجا، والتي تمتاز بتعدد حقولها المعرفية وبتنوع معطياتها وتقنية بعض مقتضياتها بشكل يقتضي من الباحث الحيطة في التعامل مع المعلومات والمعطيات التي تتداخل فيما بينها، خاصة وأن المفاهيم المؤطرة لهذا الموضوع تتغير وتتطور حسب السيرورة التاريخية، مما يجد معه الباحث، والقارئ من بعده في حيرة للتعامل مع المفاهيم والمصطلحات لفهم الموضوع ووضعه في سياقه والخروج منه بنتائج واستنتاجات.
وفي هذا الإطار، فإنني اتوخى في هذا الملخص تقديم صورة مركزة، متكاملة، واضحة عن موضوع الاطروحة، وأهدافها وأهميتها، والاشكالية التي تمت دراستها، والمناهج المعتمدة في التحليل والدراسة، والنتائج التي تم التوصل إليها في هذا العمل العلمي.
تحقيقا لهذه الغايات، فإنني سأتناول في هذا الملخص المحاور التالية:
- موضوع الأطروحة؛
- أهمية الموضوع؛
- إشكالية الأطروحة؛
- المناهج المعتمدة؛
- محاور الاطروحة؛
- نتائج البحث والمقترحات
- موضوع الأطروحة
يتناول هذا العمل كل ما يتعلق بالسياسات العمومية الرقمية بصفة عامة ، والتحول الرقمي بالإدارة القضائية كنموذج للدراسة والتحليل، حيث يعتبر موضوع التحول الرقمي كمفهوم جديد، ظهر في صيغ عديدة منذ بداية العشرية الأولى من هذا القرن، الى أن أصبح مع نهاية العشرية الثانية من عناوين الإصلاح والتغيير، بالنسبة للمرافق العمومية والهيئات التي تسعى إلى تطوير وتحسين خدماتها وتسهيل وصولها للمرتفق والمستفيد من الخدمة.
وتجاوز مفهوم التحول الرقمي في السنوات الأخيرة، مبادرات المقاولة التي تهدف الى تحسين أدوات الإنتاج وزيادة المردودية، وكذا المرفق العمومية الباحث عن الفعالية والنجاعة، للوصول الى رهان للحكومات والحديث عن دولة المنصات، والتدبير بالاستعانة بخوارزميات الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة والاستباقية في التخطيط وتقديم الخدمات.
وحاولت الإحاطة بمختلف جوانب موضوع التحول الرقمي، والغوص في عمق المفهوم، وإطاره القانوني وما تحقق في التجارب المقارنة، والاستعانة في هذا الصدد بمناهج علمية مختلفة، سيما أن هذا العمل، يعتبر الأول على حد علمي الذي يتناول موضوع الرقمنة والتحديث والتحول الرقمي في وعاء السياسات العامة.
ويعتبر مجال الموضوع شاسعا، حيث إن جوهره يعتبر تقنيا محضا، يعني أن التطبيقات والبرامج المعلوماتية، ينتجها مهندسون وتقنيون في مخابر ومصانع رقمية، يتم دراسة ملائمة هذه المشاريع لحاجيات المرافق العمومية ، ليتم تبنيها في الأخير، واعطاءها أساس للوجود وتأطيرها قانونيا، وضمان استمراريتها في البيئة التي انتجت لها، وبينا تفصيل كل ذلك في متن هذا العمل، بمختلف اشكالياته و تفاصيله.
ومن هذا المنطلق سعى المغرب كباقي الدول إلى وضع الخطط الملائمة على المديين القصير والطويل للاستفادة من خيرات ومزايا التقنية والرقمنة، والعمل على تعميمها وتسهيل الحصول عليها في جميع مناطق المملكة.
فتبنى بذلك مجموعة من السياسات العمومية، بدءا بوضع استراتيجيات رقمية للمغرب الرقمي، وسياسات سيبرانية لحماية الفضاء والسيادة الرقمية، كما انخرط في ورش الحكومة المفتوحة من خلال استراتيجيات الحكومة المفتوحة، وكرس مبدأ تبسيط المساطر بالتقعيد القانوني ووضع استراتيجية لرقمنة المساطر والإجراءات، بالإضافة الى استراتيجية لمكافحة الفساد وتعزيز الشفافية وجعل من التحول الرقمي آليات من آليات تنزيلها ودعامة لتكريس النزاهة والشفافية.
وتنزيل مضامين السياسات العمومية الرقمية شمل مختلف مؤسسات الدولة ، ولم تكن في هذا الصدد الإدارة القضائية استثناء، بل كانت من أولى المرافق العمومية، التي وعيت بأهمية الرقمنة، والتكنولوجيات الحديثة، والاستعانة بها في تصريف إجراءات العدالة، لما لها من انعكاس إيجابي في تحسين الخدمات وتخفيف عبء العمل والتحكم فيه وتسهل الولوج إلى العدالة والقانون وتحسين مستوى الوصول إلى الحق وضمان الشفافية والنزاهة، وذلك عبر مشروع المحكمة الرقمية وإرساء مقوماتها.
وإيمانا بأهمية توظيف التكنولوجيات الحديثة في آليات التدبير، وتصريف العمل اليومي، نهجت وزارة العدل سياسة استباقية في هذا الشأن، وأعطت أولوية لمشروع تعميم استعمال التكنولوجيات الحديثة في تدبير وتصريف الإجراءات، وتدبير المساطر القضائية، في مختلف برامجها ومشاريعها، ورصدت لها الإمكانيات سواء المالية، أو البشرية.
- أهمية الموضوع
تبرز أهمية السياسات العمومية في ميدان التحول الرقمي، باعتباره أحد مواضيع الساعة التي تشغل تفكير الباحثين والمتخصصين والممارسين في العلوم الإدارية والتدبيرية والرقمية وتسيل مداد أقلامهم، خاصة وأن موضوع السياسة العمومية الرقمية مجال مرتبط بالتوجه السياسي للدولة خاصة مع التحولات الجديدة وما فرضته من ضرورة ادماج التقنيات التكنولوجية في عمل المرافق، ومن ثم العمل على تنظيمها وتأطيرها قانونيا.
يستمد الموضوع أهميته باعتبار أن السياسات الرقمية بجميع مكوناتها تعد عاملا أساسيا في مسار التحول الرقمي الذي تعرفه الإدارة القضائية بالمغرب، كما ترتبط هذه الأهمية بالدور الكبير للتحول الرقمي في رسم توجهات منظومة العدالة، وبداية الحديث عن العدالة التنبؤية وتوظيف الخوارزميات في المساهمة في انتاج العدالة.
الأهمية النظرية:
ترجع الأهمية النظرية للموضوع في الاهتمام الكبير الذي حظي به في السنوات الأخيرة سواء على المستوى الرسمي أو غير الرسمي، فسياسيا تم الارتقاء بالموضوع الى سياسة عمومية تتضمن العديد من الاستراتيجيات المختلفة والتي احتلت حيزا مهما ضمن الخطب الملكية، كما سيطر الموضوع على الأجندة الحكومية، ابتداء من البرنامج الحكومي، مرورا بالسياسات القطاعية والقرارات الحكومية.
أما على المستوى القانوني فقد تم العمل على الشروع في وضع إطار قانوني وتشريعي للتحول الرقمي على مستوى مجالات وقطاعات مختلف للدولة، والعمل على الضبط القانوني لما أفرزته الرقمنة من جرائم إلكترونية ومن قوانين للحماية السيبرانية، وكذا الإطار القانوني لرقمنة الإدارة القضائية خاصة المتعلقة بتنزيل المحكمة الرقمية .
كما تم سن العديد من القوانين الجديدة وتعديل قوانين أخرى موجودة سلفا، على اعتبار أن أهمية التشريع، يعد كمدخل أساسي لتنزيل السياسة الرقمية وتنفيذ الاستراتيجيات الرقمية وبرامجها.
- إشكالية الأطروحة
استحضارا لأهمية الموضوع، وتميزه، وحداثة إجراءاته وكذا مختلف الصعوبات المحيطة به، حاولنا تفكيك الإشكالية التالية:
إلى أي حد ساهمت السياسات الرقمية بالمغرب في تأطير التحول الرقمي بالإدارة القضائية وتحقيق رهان الشفافية، والحكامة الجيدة في ظل الإكراهات والصعوبات التي تعترض تطبيقها؟
وهذه الإشكالية المحورية تتفرع عنها إشكاليات ثانوية تتمثل في:
- إلى أي حد نجح المغرب في إرساء سياسة رقمية؟
- ما هي مختلف أبعاد التوجهات الاستراتيجية للرقمنة على خيارات التنمية الإدارية والاقتصادية والاجتماعية؟
- ما هي أهم الاستراتيجيات المعتمدة لإرساء تحول رقمي شامل بالمغرب؟
- ما هي أهم المخططات والاستراتيجيات لتكريس التحول الرقمي بالإدارة القضائية؟
- ما هو الإطار القانوني الذي يحكم وينظم عملية التحول الرقمي للإدارة القضائية؟
- ما مدى الاستفادة من التجارب الدولية في التحول الرقمي للنظام القضائي؟
- ما هو دور السياسات الرقمية في تكريس التحول الرقمي بالإدارة القضائية وتحسين فعاليتها؟
- ماهي التحديات التي تواجه تنفيذ السياسات الرقمية وتعيق تطبيقها بالإدارة القضائية؟
- هل يمكن تحقيق العدالة الرقمية دون وجود سياسات فعالة للتحول الرقمي؟
- المناهج المعتمدة
إنطلاقا من القناعة الراسخة بأهمية المناهج العلمية في المقاربة العلمية والموضوعية لإشكالية البحث، تم اعتماد المناهج العلمية التالية:
المنهج التاريخي: تم بتوظيف المنهج لتحليل وكشف الحقائق التاريخية وإعطاء تفسيرات علمية عامة لها كأساس لفهم المشاكل المعاصرة والتنبؤ بما سيحصل مستقبلا، حيث توخيا من خلال هذا المنهج البحثي استعراض سياق اعتماد السياسات الرقمية والتطورات التي صاحبتها، وآلياتها وأسسها القانونية والمؤسساتية، وكيف ساهمت هذه السياسات الرقمية في التأثير على السياسة القطاعية المرتبطة بالعدل فيما يتعلق بتحديث ورقمنة القطاع تماشيا والتوجهات العامة.
المنهج الوصفي: تم توظيف المنهج الوصفي كأرضية أساسية لوصف الظاهرة موضوع البحث، إذ إن المنهج الوصفي يكاد يستعمل في دراسة معظم الظواهر القانونية والقضائية، نظرا لأهميته في المساعدة على التعمق في هذه الظواهر والحصول على النتائج الدقيقة، من خلال جمع البيانات الكمية والكيفية عن الظاهرة المحددة ومحاولة تفسيرها تفسيرا كافيا.
كما دعمنا المنهج بمجموعة من المقاربات المساعدة، من بينها مقترب تحليل المحتوى، القائم على وصف منظم ودقيق لمحتوى مختلف الاستراتيجيات المرتبطة بالسياسات الرقمية، وبالمخططات والاستراتيجيات التي اعتمدتها الإدارة القضائية في مجال التحول الرقمي.
كما تم توظيف المقترب القانوني، في استعراض وتحليل أهم المقتضيات القانونية المرتبطة بالمجال الرقمي وتقدير مدى ملائمة وفعالية النصوص القانونية الجاري بها العمل، في ظل التطورات والتحولات التي يشهدها العالم سواء على مستوى الحكومات أو على مستوى قطاع العدل.
المنهج المقارن: تم توظيف المنهح لإبراز أوجه الاختلاف والتشابه بين التجربة المغربية والتجارب العربية والدولية المقارنة، والعمل على استنباط أهم النتائج التي وصلت لها والآليات التي اعتمدها لتستفيد بما تجيده به الرقمنة في جميع المجالات وخاصة مجال العدلة.
- محاور الاطروحة
إن معالجة الإشكالية المركزية للأطروحة، والاجابة عن التساؤلات الفرعية المرتبطة بها استنادا إلى الإشكالية الرئيسية وما تفرع عنها من تساؤلات، ارتأينا تقسيم الأطروحة إلى قسمين، كل منهما في فصليين:
القسم الأول: مقاربة السياسات الرقمية في منظومة السياسات العمومية بالمغرب.
حاولت من خلال هذا القسم تحديد السياسات العمومية بالمغرب من خلال منظور جديد، يتضمن أهم الاستراتيجيات المكونة لهذه السياسات، والتي تم تحديدها من خلال البحث والتمحيص في التجارب المقارنة والتجربة المغربية، في كل من:
- الاستراتيجيات الرقمية؛
- استراتيجية الأمن السيبراني؛
- استراتيجية الشفافية ومكافحة الفساد؛
- استراتيجية الحكومة المفتوحة؛
- استراتيجية تبسيط المساطر.
وتم الوقوف من خلال مضامين هذا القسم على مكون كل استراتيجية على حدة، ووضعها في مقارنة بين التجربة المغربية وبين التحارب المقارنة الرائدة في مجال التحول الرقمي.
القسم الثاني: تحديث الإدارة القضائية وتعزيز حكامتها: رهانات التحول الرقمي لمنظومة العدالة.
أجابت من خلال هذا القسم عن سؤال مدى تأثير السياسات العمومية الرقمية بالمغرب على مسار التحول الرقمي بالإدارة القضائية، وذلك من خلال تحليل مختلف المخططات والاستراتيجيات الرقمية التي اعتمدتها الإدارة القضائية لتكريس تحول شامل بمنظومتها وتنزيل مشروع المحكمة الرقمية، وإبراز أهم الإشكالات التي تعاني منها التجربة المغربية سواء على المستوى التنظيمي أو القانوني أو التقني، واقتراح مدخلات لإصلاحها.
وقد تبين أن التحول الرقمي بالإدارة القضائية يعتبر أحد أهم الركائز التي يقوم عليها مشروع تحديث الإدارة القضائية بجميع مكوناتها، وأن الاسترتيجيات الرقمية التي اعتمدها المغرب قد كان لها تأثير على مسار التحول الرقمي
إذ يلاحظ أن غياب الالتقائية بين مكونات السياسة الرقمية قد ساهم في تعثر ورش التحول الرقمي بالإدارة القضائية، خاصة وأن دراسة المخططات والبرامج التي اعتمدها الإدارة القضائية قد أكدت هذه الفرضية .
نتائج البحث
توصلت كخلاصة الى أن السياسات العمومية الرقمية تشمل خمس استراتيجيات شاملة، تناولتها بالدراسة والتحليل في خضم هذا العمل وتتمثل في:
- الاستراتيجيات الرقمية؛
- استراتيجية الأمن السيبراني؛
- استراتيجية الشفافية ومكافحة الفساد؛
- استراتيجية الحكومة المفتوحة؛
- استراتيجية تبسيط المساطر.
والاستراتيجيات المذكورة، بتعقيداتها ومدخلاتها هي محور البحث في شموليته؛ حيث حاولت تقييم السياسات الرقمية بمختلف أبعادها، ومدى تأثيرها على مسار التحول الرقمي بالإدارة القضائية من منظور أكاديمي، خاصة وأن المسار الذي يسير فيه العالم فيما يتعلق بالتكنولوجيات الرقمية لا يمكن التنبؤ به وبتطوره.
والإدارة القضائية بالمغرب، كواحد من أهم القطاعات الحكومية، نالت حظها في الانفتاح على التكنولوجيات الحديثة والنهل من منابع مزايا الرقمنة والثورة المعلوماتية، مكسرة بذلك نمط ذلك القطاع الحكومي التقليدي المحافظ والمعرب، حيث ساهمت الاستراتيجيات المعتمدة من طرف الحكومات في التأثير على الاستراتيجية الرقمية القطاعية، وتم تبني مجموعة من المخططات التوجيهية والبرامج الرقمية لتحديث ورقمنة الإدارة القضائية، والانتقال نحو تنزيل ورش المحكمة الرقمية من خلال برامج تنفيذية، غير أنه على الرغم من المجهودات التي تم القيام بها، إلا أن التجربة لازالت في حاجة إلى المزيد، لتدليل كافة الصعاب ورفع التحديات الكثيرة، ومطابقة الخطاب مع ما هو منجز على أرض الواقع.
- الاستنتاجات:
على المستوى السياسات العمومية الرقمية:
- عدم التناسب بين مخرجات لجنة النموذج التنموي الجديد التي تحدثت عن الرقميات في أفق 2035، وخطابات وزارة الانتقال الرقمي في تكريس تحول رقمي في أفق 2030، والتوجيهات العامة للتنمية الرقمية في أفق 2025 الصادرة عن وكالة التنمية الرقمية؛
- غياب تقييم عام للاستراتيجيات الرقمية التي اعتمدها المغرب، باستثناء استراتيجية المغرب الرقمي 2013 التي تم تقييمها من طرف البرلمان والمجلس الأعلى للحسابات، في حين لم يتم العمل على تقييم الاستراتيجيات الأخرى؛
- غياب أي وثيقة رسمية حول استراتيجية المغرب الرقمي 2020 رغم إدراجها في البرنامج الحكومي للولاية التشريعية 2016-2021، والعمل فقط بالتوجهات العامة للتنمية الرقمية 2021-2025، في الوقت الذي تبنت فيه جل دول العالم لاستراتيجيات رقمية تتماشى ومبادئ التنمية المستدامة؛
- التأخر في إصدار استراتيجية المغرب الرقمي 2030 رغم مرور ما يقارب سنتين من تولي الحكومة الجديدة لولايتها التشريعية، وتأكيدها من خلال برنامجها الحكومي على سعيها في تنزيل ورش التحول الرقمي، في حين أن غالبية الدول العربية والأجنبية قد أصدرت استراتيجيتاها الرقمية الجديدة وعملت على جعلها تواكب التطورات التكنولوجية الناشئة خاصة المرتبطة بالذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية؛
- غياب مخطط تشريعي واضح بخصوص التشريعات الرقمية، والتأخر في إصدار العديد من التشريعات السيبرانية التي ستساهم في تكريس الثقة الرقمية وحماية الفضاء السيبراني المغربي، وتسهيل العمل عن بعد والخدمات الرقمية؛
- غياب استراتيجية خاصة بالتكنولوجيات الناشئة خاصة تقنيات الذكاء الاصطناعي مقارنة مع مجموعة من الدول العربية والأجنبية؛
- التأخر في إصدار استراتيجية وطنية للأمن السيبراني والعمل بالاستراتيجية الأولى التي تم إعدادها منذ سنة 2012، والعمل فقط على تحيين التوجهات والضوابط، مما يستدعي معه العمل على إعداد استراتيجية أمنية تتماشى والتهديدات الأمنية وتطورات التي يعرفها الفضاء السيبراني من حروب وهجمات سيبرانية؛
- غياب الإطار القانوني الواضح و المهيكل لعمل الحكومة المفتوحة.
على مستوى التحول الرقمي للإدارة القضائية:
- غياب الالتقائية والاستمرارية بين المخططات الرقمية التي تعتمدها الإدارة القضائية؛
- غياب إرادة سياسية قوية وحقيقية في تكريس ورش التحول الرقمي بالإدارة القضائية؛
- غياب تقييم من طرف الجهات المختصة لبرامج التحديث والرقمنة بالإدارة القضائية خاصة البرلمان؛
- غياب الإطار القانوني للمحاكمة عن بعد؛
- غياب رؤية واضحة لدمج خوارزميات الذكاء الاصطناعي في مجال التقاضي الإلكتروني بالمغرب؛
- غياب آليات التنسيق بين مختلف المتدخلين في حقل العدالة، رغم إحداث الهيئة المشتركة، إذ يتضح وجود تجاذب بين الأقطاب الثلاث المتدخلة: المجلس الأعلى للسلطة القضائية، رئاسة النيابة العامة، السلطة التنفيذية المكلفة بقطاع العدل.
- المقترحات:
ملاحظاتنا حول السياسات الرقمية عموما والتحول الرقمي بالإدارة القضائية نموذجا، والاستنتاجات التي تم استخلاصها حول ذلك، هي خلاصة دراساتنا واطلاعنا على جل الوثائق المتنوعة والمختلفة المنشورة والغير المنشورة التي تهم الموضوع وكذا التجارب المقارنة، وأعتقد أن ذلك يشفع لي لتقديم مقترحات خاصة بالسياسيات الرقمية في مجملها، والاقتراحات الخاصة بالإدارة القضائية، وعصارة ذلك في النقط التالية:
- فيما يتعلق بالسياسات العمومية الرقمية في إطارها الشمولي:
نعتقد من وجهة نظرنا، أن السياسات الرقمية بمفهومها الجديد تساهم في خلق منظومة جديدة تؤمن بمقاربة تشاركية، من مقوماتها:
- الاستثمار بشكل أكثر فعالية في الموارد البشرية المتخصصة في المعلوميات بصفة عامة وبجميع تخصصاتها وفروعها، وتشجيع الكفاءات المحلية في خلق مقاولات معلوماتية، ومواكبتها، تفاديا لنزيف “هجرة الأدمغة” والاستفادة من بعض التجارب المقارنة مثل التجربة الهندية وكذا النمور الاسيوية؛
- خلق مدرسة متعددة التقانات أو البولتيكنيك École polytechnique)) للمعلوميات وعلوم المهندس على غرار تجارب الدول المتقدمة (فرنسا، ألمانيا إيطاليا…)، عمومية ومجانية، لتحقيق المغرب لثورة رقمية تقود الاقتصاد الوطني نحو التقدم؛
- أن صناعة السياسات الرقمية تتطلب من صناع القرار النظر إلى الفضاء السيبراني كفضاء اجتماعي وسياسي، يحتاج إلى بناء سياسات رقمية تساهم في تكريس الثقة الرقمية والمحافظة على السيادة الرقمية، وكذا توفير مقومات لبناء مرفق عصري أساسه الخدمات الرقمية؛
- السياسات الرقمية هي سياسات تبادلية وليست هرمية، إذ يجب أن يقوم بناؤها على التقاطع بين الجهات وبين البرامج التي تقوم عليها الاستراتيجيات الخمس المكونة للسياسات الرقمية؛
- السياسات الرقمية هي سياسات تشاركية لا تقوم فقط في صناعتها على الحكومات، ولكنها بحاجة إلى المبادرات والشراكات بين الجهود الرسمية والغير الرسمية؛
- السياسات الرقمية هي سياسات رقمية عابرة للحدود، بمعنى أنها تتعامل مع مجتمع عالمي متطور، وعلى صناع القرار التحرر من بعض ضوابط السياسة الحمائية protectionnisme وفتح الاقتصاد المغربي ودفعه إلى تقوية تنافسيته، نموذج ذلك منع أو فرض قيود على بعض منصات التجارة الإلكترونية التي تشكل علامة قوة بعض الاقتصاديات الأجنبية، حيث إن إضعاف التنافسية يفتح المجال للريع والاتكالية؛
- السياسات الرقمية تخص جميع ميادين الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية والتقنية.
وتأسيسا عليه، نقترح على صناع القرار بالمغرب ما يلي:
- توحيد مناهج العلوم التكنولوجية بما فيها التكنولوجيات الناشئة، وخلق مؤسسة مغربية نموذجية مجانية في مستوى التطلعات، والنظر إلى الكيف والكفاءة والجودة، وليس فقط متتاليات عدد/الكم للمهندسين المتخرجين، وتحفيز الكفاءات المغربية على الاستثمار في شركات ناشئة startup، وتشجعيها للانفتاح على الأسواق الأجنبية على غرار البدايات الأولى للمستثمرين في وادي السيليكون بكاليفورنيا بالولايات المتحدة الأمريكية؛
- الإسراع في صياغة استراتيجية رقمية مشتركة على مستوى الدولة تراعي التغييرات المتوقعة في مختلف المجالات والعمل على توفير بنية رقمية تستوعب تقنيات الثورة الصناعية الجديدة القائمة على التكنولوجيات الناشئة؛
- نشر ثقافة “كل وزير هو وزير رقمي”، وجعلهم يدركون الأهمية الاستراتيجية للتحول الرقمي؛
- خلق منصب رئيس تنفيذي للتحول الرقمي على مستوى الوزارات، وتفادي ربط مشاريعه بالتغييرات الحكومية من أجل الحفاظ على الاستمرارية والتقائية السياسات الرقمية والاستراتيجيات والمخططات الرقمية القطاعية؛
- خلق منصب مدير الأمن السيبراني بجميع القطاعات الوزارية؛
- السعي نحو تحقيق العدالة الرقمية ومحاربة البيروقراطية الرقمية من خلال توفير سبل النفاذ إلى الأنترنت لجميع المواطنين، وتوفير عدالة الوصول إلى الخدمات الرقمية لجميع المواطنين دون تمييز؛
- القضاء على الأمية الرقمية المتمثلة حسب تعريفها بأنها الأمية المرتبطة بالمهارات والمعارف المطلوبة للوصول إلى المعلومات الرقمية واستخدامها؛
- وضع مخططات وبرامج لتطوير المهارات والموارد البشرية في مجال التحول الرقمي؛
- تعميم الهوية الرقمية عبر التعريف الرقمي الموحد، الذي يمكن من الولوج لجميع الخدمات الإدارية؛
- صياغة استراتيجية للحد من الفجوة الرقمية بين القطاعات، وبين الأجيال؛
- تحسين الأمن السيبراني والسيادة الرقمية؛
- تسريع وتيرة ورش المعطيات العمومية وتحسين حكامته من أجل توفير معطيات تساهم في رسم السياسات الرقمية؛
- تطوير المهارات والموارد البشرية في مجال التحول الرقمي، وربط ذلك بتعليم عمومي مجاني كما أشرنا إلى ذلك أعلاه؛
- معالجة اختلال منظومة القيادة الناتج عن غياب آلية حكومية مشتركة للإشراف على مختلف الأوراش المرتبطة بالانتقال الرقمي[1]، مقارنة بالتجارب الدولية التي بلورت بنيات دائمة للقيادة، ونقترح تأسيس سلطة عليا مكلفة بالتنسيق بين مختلف المتدخلين، بإحداث فريق تقني متخصص في شكل مندوبية لقيادة هذه الأوراش المهيكلة ولتدعيم العمل المشترك بين مجموع الإدارات والهياكل المعنية، على غرار التجربة الإيطالية التي تعتمد في قيادة المشاريع المهيكلة للدولة على مندوب عام “commissaire extraordinaire” ، في مجال معين، ويعين المندوب بمرسوم بصلاحيات واسعة، ما يساعد على تجاوز التعقيدات البيروقراطية والعراقيل الإدارية المتجاوزة وأنانية بعض الوزراء وحساباتهم السياسية “الضيقة”؛
- تسريع الإعلان عن تأسيس المجلس الأعلى للأمن وفق مقتضيات الفصل 54 من الدستور باعتباره مؤسسة دستورية استشارية بشأن استراتيجية الأمن الداخلي والخارجي للبلاد، وتدبير حالات الأزمات والسهر على مأسسة ضوابط الحكامة الأمنية الجديدة، ونعتقد أن مجلس الأمن من خلال اختصاصاته سيساهم في تقديم المقترحات التشريعية المتعلقة بمكافحة الاعتداءات السيبرانية، وفي وضع استراتيجية الأمن السيبراني في إطار إرساء الثقة الرقمية وحماية السيادة الرقمية للبلاد.
- على مستوى الإدارة القضائية
- نقترح إعادة النظر في النموذج الحالي لاستقلال السلطة القضائية بالمغرب، حيث إن الصلاحيات التي تتمتع بها السلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة حاليا، تفيد أن وجود وزارة العدل في المستقبل سيصبح شكليا، وأن هناك توجها لتقزيم صلاحيتها إلى أن تصبح “ما يشبه” بالقطاع الحكومي المكلف بالعلاقات مع السلطة القضائية على غرار الوزارة المكلفة بالعلاقات مع البرلمان، في حين أن استقلال السلطة في العديد من التجارب المقارنة هو استقلال القاضي في إصدار القرارات والأحكام، وعدم التدخل في المهام القضائية، وأن تدبير الشأن اليومي للمحاكم من غير “سلطة القرارات والأحكام القضائية” هو من صميم اختصاصات السلطة الحكومية المكلفة بالعدل؛
- نجاح عملية التحول الرقمي تتطلب إحداث لجنة التحول الرقمي بالإدارة القضائية، مزودة بعناصر بشرية متخصصة ولها خبرة في المجال، يتلخص دورها في وضع استراتيجيات ومخططات التحول الرقمي الخاص بالمحاكم، من خلال خلق برامج معلوماتية، وتحديد سياسات لصيانة الأنظمة المعلوماتية وتخزين البيانات وضمان الأمن المعلوماتي لها، وذلك تماشيا والاستراتيجيات والسياسات الرقمية المعتمدة بالدولة، وبتنسيق تام بين السلطة التنفيذية المتمثلة في وزارة العدل، والسلطة القضائية، وباقي الفاعلين والمتدخلين.
- تحديد استراتيجية للتكوين والتوعية من أجل محاربة الأمية، وليس المقصود هنا فقط الأمية الأبجدية التي تعيق أصلا أي مشروع يروم تحويل المجتمع المغربي إلى مجتمع معلومياتي، بل أيضا الأمية المعلوماتية السائدة في وسط المستعملين، سواء تعلق الأمر هنا بالمهنيين أو المتقاضين.
- توفير السرية الكافية للبيانات والمعطيات التي تنتجها الإدارة القضائية وحمايتها من أي هجوم سيبراني؛
- الارتقاء بمصلحة الأمن المعلوماتي إلى مديرية الأمن المعلوماتي تسعى لحماية البنية التحتية الحساسة للمحاكم المملكة، والتنسيق بينها وبين مصالح الأمن المعلوماتي بكل من المجلس الأعلى للسلطة للقضائية والنيابة العامة، خاصة وأن هاتين السلطتين لهما حق الولوج إلى البيانات والتطبيقات المعلوماتية لوزارة العدل؛
- تدخل المشرع لتحديد القضايا التي يمكن الفصل فيها عبر خوارزميات الذكاء الاصطناعي من قبيل مخالفات السير، قضايا الشغل البسيطة …..، والقضايا التي لا تقبل الفصل فيها عبر العدالة التنبؤية خاصة قضايا الأسرة التي تقتضي إجراء محاولة الصلح للحفاظ على بنيان الأسرة؛
- استعمال الهوية الرقمية في القيام بالإجراءات، وتعريف موحد للمواطن، بتوسيع فكرة السجل الاجتماعي لتشمل قاعدة البيانات جميع المغاربة والمقيمين، وربط الحصول على الخدمات من قبيل الاشتراك في الماء والكهرباء والحصول على شريحة الهاتف المحمول بالتسجيل في السجل، وربط الخدمة بالتعريف الموحد لتسهيل الوصول إلى مكان وعنوان وأموال الشخص المعني.
[1] نجد أن هناك عدة متدخلين:
لجان: اللجنة المشتركة لمراقبة حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي، لجنة الإشراف على ورش الحكومة المفتوحة برئاسة وزارة الانتقال الرقمي، اللجنة الوطنية لتبسيط المساطر والإجراءات الإدارية تحت رئاسة رئيس الحكومة ولجنة القيادة الوطنية للمعطيات المفتوحة؛
قطاعات وزارية تتمثل في: الوزارة المنتدبة لدى رئيس الحكومة المكلفة بالانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة، وزارة الداخلية عبر إشرافها على ورش التحول الرقمي بالجماعات الترابية، القطاعات الحكومية في إطار تنفيذ الاستراتيجيات الرقمية القطاعية؛
هيئات متخصصة متمثلة في: وكالة التنمية الرقمية، الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات؛

سعاد أغانيم
حاصلة على شهادة الدكتوراه في القانون العام.
She holds a PhD in Public Law.