⁎ مصدر الصورة: مواقع التواصل الاجتماعي
Guarantees of international security in the Mediterranean basin.
ملخص الأطروحة :
تعالج أطروحة ضمانات الأمن الدولي في حوض البحر المتوسط، موضوع الأمن بالمتوسط، والذي يكتسب أهميته من خلال ما شهدته الساحة الدولية مؤخرا من تحولات وأحداث، دفعت باتجاه وعي المجتمع الدولي بمجموعة من التهديدات الأمنية الجديدة، والأزمات العالمية، والقضايا الدولية التي أصبحت عابرة للحدود، وصعبة التحكم. مما أصبح يطرح إشكالات أمنية معقدة، تساؤل موضوع الأمن الدولي لكل الدول؛ باختلاف قوتها، وهيمنتها، وموقعها على الساحة الدولية.
ويعتبر حوض المتوسط من أكثر المناطق المعنية بها، كفضاء يعرف من الخصوصيات ويعيش من التناقضات ما يميزه، ويجعله من الوحدات الدولية التي تجمع بين ضفتيه الشمالية والجنوبية، العديد من العوامل والانشغالات المشتركة التي تنعكس على الوضع الأمني به. مما جعل سؤال الأمن بهذا الفضاء يكتسي أهمية كبرى، خاصة بسبب موقعه كمنطقة جغرافية لها تأثيرها، مما يجعلها منطقة جذب لمختلف القوى الدولية، إضافة لتعقد الإشكالات الأمنية التي عاشتها دوله، خاصة ما تعلق بالهجرة، والإرهاب، والتهديدات البيئية، والأزمات الاقتصادية، وما عاشه مؤخرا من أزمات سياسية على رأسها ثورات الربيع العربي، التي خلفت لنتائج متباينة بين دوله، ولإشكالات أمنية عكست صراعات جديدة للتنافس على السلطة بالمنطقة. كمعطيات دفعت باتجاه تحليل الآليات المعمول بها لاستثبات الأمن بالمتوسط، في محاولة للإجابة على إشكالية محورية، وهي: إلى أي حد يمكن الحديث عن ضمانات للأمن في حوض البحر المتوسط على ضوء التهديدات المختلفة التي يتعرض لها؟ كضمانات عادلة ومتوازنة، قد تنجح في إزالة كل عوامل التفرقة والتباين بين ضفتي المتوسط.
الكلمات المفاتيح: الأمن الدولي – الحوض المتوسط – التهديدات الأمنية – التحولات الدولية – الربيع العربي – الاحتجاجات – حقوق الإنسان.
Thesis summary:
The thesis on guarantees of international security in the Mediterranean basin addresses the issue of security in the Mediterranean, which is gaining its importance through the recent transformations and events witnessed by the international arena this pushed the international community towards awareness of a set of new security threats, global crises and international issues that have become transnational and difficult to control. Furthermore, it raises complex security problems for the issue of international security for all countries, regardless of their power, dominance, and their position on the international scene.
The Mediterranean basin is considered to be one of the regions most concerned with these issues. It is a space known of its peculiarities, contradictions that distinguish it, and make it one of the international units that combine its northern and southern shores with many common factors and concerns that are reflected in the security situation of the region. Consequently, this made the question of security in this space of great importance, especially because of its geographical location with a great impact. Hence, this space have attracted various international powers, in addition to its complexity of the security problems that its countries experienced, especially those related to immigration, terrorism, environmental threats and economic crises. In addition to that, its recent experience of political crises, on top of which are the Arab Spring revolutions left different results among its countries and security problems that reflected new struggles for power in the region. The thesis seeks to analyze the mechanisms in place to establish security in the Mediterranean as an attempt to answer a central problem: To what extent can we talk about guarantees of security in the Mediterranean basin in light of the various threats to which it is exposed; and as fair and balanced guarantees, it may succeed in removing all factors of discrimination and disparity between its two sides?
Key words: international security – the Mediterranean basin – security threats – international transformations – Arab Spring – protests – human rights.
تقرير الأطروحة
احتضنت يومه الأربعاء 04 نونبر 2020 قاعة المحاضرات برحاب كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالمحمدية، مناقشة لأطروحة دكتوراه في القانون العام والعلوم السياسية، تقدمت بها الباحثة حنان مراد، حول موضوع “ضمانات الأمن الدولي في حوض البحر المتوسط”، أمام لجنة علمية مكونة من الدكتور عبد العزيز برضوان الإدريسي مشرفا ورئيسا، والدكتور إدريس كودان، والدكتور إدريس أسوكام، والدكتور مولاي إدريس الإدريسي أعضاء.
عالجت الباحثة موضوع ضمانات الأمن الدولي في حوض البحر المتوسط، موضحة بداية بذلك أهمية هذا الموضوع، الذي يكتسب راهنيته من جملة التحولات التي شهدتها الساحة الدولية في العقود الأخيرة، خاصة مع ظهور مجموعة من التهديدات الأمنية الجديدة، التي جعلت مفهوم الأمن ذاته يعرف تحولا كبيرا. تحول واكبه ظهور مفاهيم جديدة للأمن، منها الأمن الشخصي، والأمن الإنساني، والأمن البيئي وغيرها… من أنواع الأمن، التي ترى الباحثة أنها لا تمثل إلا انعكاسا لتوسع مفهوم التهديد الأمني ذاته.
وتناولت الباحثة انعكاسات هذا التحول على حوض البحر المتوسط – موضوع الدراسة- باعتباره فضاء خاصا يحتضن العديد من العوامل المؤثرة على بناء ترتيبه الأمني؛ والتي استعرضتها في جملة من العوامل، يمكن إجمالها في العوامل الجغرافية المتمثلة في موقعه الاستراتيجي؛ كون جزء منه يمثل منطقة إستراتيجية ضمن دائرة العالم العربي والإسلامي. إضافة للعوامل الدينية التي جعلت منه مركزا ومجالا تتفاعل فيه الديانات السماوية الثلاث (الإسلام، المسيحية، اليهودية(، إضافة للعوامل السياسية نتيجة ما يشهده من نقاشات واسعة حول قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان، وعوامل اقتصادية نتيجة ما يعيشه من تفاوت اقتصادي بين ضفتيه الشمالية والجنوبية. إضافة إلى القضايا العالقة بين العديد من دوله، وتأثير العوامل التاريخية نتيجة ما أفرزته الحقبة الاستعمارية والحرب الباردة من انعكاسات. مستشهدة بما شهدته بعد ذلك المنطقة مؤخرا من ثورات فيما سمي بالربيع العربي، والتي جعلت جزءا منه والمتمثل في العالم العربي، يعيش مرحلة انتقال كبير، مما أسس لمعادلات جديدة في صراع القوة والتنافس على السلطة بالمنطقة، وساهم في طرح إشكالات جعلت أمن حوض المتوسط خاصة، والأمن الدولي عامة على المحك. معطيات حاولت من خلالها الباحثة مقاربة سؤال الأمن في المتوسط، محاولة الإجابة على إشكالية مركزية، وهي: إلى أي حد يمكن الحديث عن ضمانات للأمن في حوض المتوسط على ضوء التهديدات المختلفة التي يتعرض لها؟
بناءا على المعطيات السابقة، قسمت الباحثة عملها إلى محورين؛ تناولت في المحور الأول سؤال الأمن في المتوسط، من خلال عرض الإطار النظري والقانوني للأمن، راصدة بذلك مفهوم الأمن ودلالاته في العلاقات الدولية، من خلال محاولتها العمل على تحديد مسار تبلور هذا المفهوم، بطرح مختلف النظريات الدارسة له. والتي تتغير بتغير جملة من العوامل من بينها الانتقال من نظرية إلى أخرى، ومن فترة زمنية إلى أخرى، حسب ما تشهده الساحة الدولية بدورها من تغيرات؛ مبرزة للقارئ ما يعتري هذا المفهوم من غموض واختلاف، ومن تغيرات انتقلت بالمفهوم إلى أنواع من الأمن مختلفة، ومستويات متعددة، وأبعاد متنوعة. بمقتضاها انتقل الأمن من الطابع التقليدي الضيق، الذي حصره في الجانب العسكري المرتبط بالدولة كمرجع أمني، وعلى حماية السيادة، وتحقيق المصلحة عن طريق امتلاك القوة، إلى المفهوم الموسع للأمن الذي دعا إلى تجاوز الجانب العسكري، واعتماد وحدات مرجعية غير الدولة، وذلك تماشيا مع تنوع الفاعلين، وظهور تهديدات جديدة ومعقدة، وبروز دراسات نقدية حاولت الارتكاز على جوانب أكثر إيجابية بالانتقال إلى الطابع الشامل المتعدد المضامين، والذي يشمل قطاعات اقتصادية، وسياسية، واجتماعية وبيئية. ثم انتقلت الباحثة بعدها لجرد الاتفاقيات المؤطرة للأمن، والعمل على تحليلها في محاولة منها للخروج بها من الجانب النظري إلى الجانب التطبيقي، خاصة في حوض المتوسط الذي تفرض طبيعته تناقضا بين الأمن كمفهوم، والأمن كواقع. نتيجة ما يعيشه من ظواهر أمنية ميزت فيها بين ظواهر دولية متمثلة في تأثير التحولات الدولية، والعولمة، والأزمات الاقتصادية والمالية، وظواهر إقليمية كالصراعات، والثورات، والقضايا العالقة بين العديد من دوله. مستعينة في ذلك باستدعاء مفهوم التعاون، كأحد المفاهيم التي اتخذت طابعا خاصا بحكم الشروط التي حكمته في السياق المتوسطي، مما جعله يتخذ أشكالا متعددة، ويرتب آثارا مختلفة، أهم ما ميزها هو طغيان طابع “التردد والشك” بين دول المتوسط. خاصة بعد ما شهدته الساحة الدولية من تحولات، كانت لها تداعيات خاصة في الحوض المتوسطي.
تطرقت الباحثة في المحور الثاني، لتداعيات التحولات الدولية على الأمن في حوض البحر المتوسط، وما خلفته من إشكالات وتحديات طالت كل المجالات، سواء منها السياسية، أو الاقتصادية، أو الاجتماعية، والتي خلفت تهديدات آنية صعبة وخارجة عن السيطرة. مبرزة أشكال التهديدات الأمنية التي يعرفها العالم اليوم، والتي طالت الحوض المتوسطي. سواء ما اتخذ منها طابعا كونيا، كما أشارت إلى ذلك الباحثة، بفعل عبوره للحدود، وعدم تمييزه بين الجغرافيات المتنوعة، أو التي نسبتها لحوض المتوسط، كونها ولدت في البيئة المتوسطية، وصبغت بألوانها بحكم الإرث التاريخي، والموقع الجغرافي، والتجاذبات السياسية، والتي كان لها بالغ الأثر في “النظام المتوسطي”.
وبعد ذلك، تطرقت الباحثة لجملة من التحولات الإقليمية والدولية الجديدة، خاصة بعد ما عرف بثورات الربيع العربي، هذه الثورات التي ساهمت في إعادة صياغة الأوضاع المختلفة في دول جنوب المتوسط، وما أفرزته من إشكالات وتفاعلات بين الدول خاصة في الجوانب الأمنية، مبرزة الانعكاسات السياسية للأوضاع الجديدة، الشيء الذي تفاقم مع اندلاع عدد من الحركات الاحتجاجية التي اجتاحت دول الشمال والجنوب على حد سواء. وهو ما حاولت الباحثة مناقشته من خلال تحليل مقاربة كل دولة لسياق الاحتجاجات، وطرق احتوائها لها، موضحة أثرها على العلاقات البينية للدول المتوسطية، ومقترحة بذلك جملة من الإصلاحات الجديدة، التي يجب أن تشمل كل المستويات الاقتصادية، والاجتماعية والسياسية، بما يضمن أمن المتوسط بمختلف أشكاله، ولكن عبر الاهتمام بالإنسان المتوسطي كنواة صلبة للأمن في المتوسط، من مدخلي التنمية الإنسانية الشاملة، وإقرار منظومة حقوق الإنسان وتنزيلها.
خلصت الباحثة في الأخير، إلى أن الحديث عن ضمانات للأمن في حوض البحر المتوسط، كمنطقة لها من الخصوصيات ما يميزها، يعتبر من قبيل السهل الممتنع. مبرزة، أنه بقدر ما تم العمل على صياغة أطر قانونية، وآليات مؤسسية لضمان الأمن في المتوسط، بقدر ما كانت التحديات كبيرة، والمشاكل المستحدثة متنوعة. وفي أعقاب مقاربتها لإشكالية مدى توفر ضمانات للأمن الدولي في المتوسط، سجلت جملة من الاستنتاجات، بناء عليها، أقرت أن الآليات المعمول بها لاستتباب الأمن في المتوسط لا ترقى إلى مستوى الضمانات. وذلك راجع لكونها تحمل في طياتها العديد من التهديدات الأمنية، داعية بذلك إلى ضرورة اتخاذ جملة من الآليات كضمانات حقيقية للأمن، من خلال خلق نوع من المراجعة للسياسة الأمنية المعمول بها بحوض المتوسط؛ بحيث تهدف هذه المراجعة إلى تحقيق نظام أمني يوفق بين الحاجيات الأمنية للضفتين معا، ويرسم هندسة اجتماعية لهوية إقليمية تؤسس على أساس المجتمع المدني. مع السعي لخلق مبادرة للتعاون من خلال إقحام كل الدول المتوسطية في اتخاذ القرارات بالحوار، وخلق قنوات الاتصال بين مختلف الشعوب والحضارات والثقافات، والعمل على نبذ كل الخلافات التي من شأنها تعطيل العمل المتوسطي المشترك، في خطوة لتوحيد الصف بفعل الترابط القوي بين الأمن الوطني والأمن الإقليمي. وتجاوز كل الخلفيات المسبقة عن “الأخر المختلف”، بشكل يعيد بناء الثقة بين الأطراف المتوسطية، كآليات ترى أنها قد تشكل ضمانات لخلق فضاء متوسطي متكامل، تتوحد فيه الجهود لمواجهة التهديدات المشتركة، استنادا على تنمية مستدامة ومنصفة لكل الأطراف، تشكل نمطا جديدا لحياة تكفل الرفاه لحوض المتوسط؛ كفضاء يوحده مصير مشترك ومحتوم.
حنان مراد
حائزة على الدكتوراه في القانون العام والعلوم السياسية من كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية في المغرب، شاركت في العديد من الندوات الوطنية والدولية، ونشرت مقالات في كتب جماعية في مواضيع: التغيرات المناخية، العلاقات المغربية الخليجية، سؤال الديمقراطية في البلدان المغاربية.