قراءة في كتاب: الاقتصاد المغربي تحت سقف من زجاج من البدايات إلى أزمة كوفيد 19

       تشكل الأزمات اختبارا لمدى تماسك اقتصادات الدول، وأداة لإعادة التفكير في تطوير مجالات معينة على حساب أخرى، في ظل وجود نسق مهيمن ينبني على محاولة إضفاء البعد الاقتصادي على جل المجالات سواء اجتماعية، ثقافية…إلخ، مما يوضح حجم النزوع الاقتصادي الذي تتجه نحوه الدول.

      من هذا المنطلق دائما ما حاولت اقتصادات العالم وضع آليات متينة بغاية خلق اقتصاد متماسك قادر على تجاوز الأزمات، والحفاظ على الاستقرار الاقتصادي، وتجنب “شبح التذبذب”،ورغم كل الوسائل المتاحة للدول بغاية حماية اقتصادها كإعمال سياسة نقدية متشددة، وغيرها من الاجراءات، تظل عاجزة أمام الأزمات، وأبرز مثال عن ذلك جائحة كوفيد 19، التي جعلت السياق الاقتصادي العالمي يوسم بـــــــــ”اللايقين” “UNCERTAINTY”، فقد أدت جائحة كوفيد 19 إلى انكماش كبير في الناتج الداخلي الإجمالي العالمي قدر بحوالي%  4,4- أي ما يقارب 2.6 مرات الانخفاض الذي سجله الاقتصاد العالمي سنة 2009، مما يوضح حجم التأثير الاقتصادي على مستوى العالم، الأمر الذي اضطرت معه جل الدول إلى الانخراط في بلورة سياسات اجتماعية واقتصادية بغاية مواجهة انعكاسات هذه الأزمة الصحية، أو على الأقل الخروج منها بأقل الخسائر الممكنة، فتباينت الإجراءات المتخذة من قبل الدول، فمنها من وُصف تدخلها بالسريع والناجح، ومنها من لم تُحكم قبضتها أمام الوباء ليحصد خسائر بشرية واقتصادية كبيرة، فعلى المستوى الاجتماعي خلفت الجائحة تفاوتات حادة بين الطبقات الاجتماعية، وكذلك بين الجنسين. وأمام هذا التحول العالمي، الذي أثر على كبرى اقتصادات العالم، اصطفت الدول النامية، لتتلقى هي كذلك عدة “صدمات اقتصادية متتالية”، والمغرب شأنه كباقي الدول النامية، التي تأثرت بجائحة كوفيد 19، إذ سجل المغرب انخفاضا في مجموعة من المؤشرات الاقتصادية مع بداية الجائحة، فبالرغم من الإجراءات المتخذة لتفادي انتشار الوباء، وتشديد إجراءات الحجر الصحي، إلا أن الانعكاسات السلبية لفترة الحجر الصحي كان لها وقع مهم على استمرار بعض الأنشطة التي تأثرت بالإغلاق نتيجة الحجر الصحي، لكن مع بداية سنة 2021 سيستعيد الاقتصاد المغربي تعافيه، نظرا للإنتاج الفلاحي الوافر، مما ساهم في استعادة تماسك الاقتصاد المغربي من جديد، لكن هذا الاستقرار الاقتصادي لم يستمر طويلا، وبدأت مظاهر الاضطراب الاقتصادي تبرز بسبب قلة التساقطات المطرية، التي كانت بداية إنذار لموجة جفاف حادة، فبعد أن راهن المغرب على القطاع الفلاحي “كمنقذ وفي” في مختلف أزماته، سيتبدد هذا الرهان بسبب الجفاف.