أي دور للمؤرخ في فهم أزمة كورونا؟

بعدما اكتسب فيروس كورونا المستجد طابعه الكوني، أغلقت مختلف دول العالم حدودها، وأخضعت شعوبها لتدابير وقائية صارمة على رأسها الحجر الصحي، الذي ألزم الناس بيوتهم وسط المخاوف من التعرض للإصابة بالوباء. في هذه الظروف، لم يعد العالم فقط أمام أزمة صحية، بل أمام أزمة كبرى متعددة المستويات، اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا ونفسيا…، الشيء الذي حرك المتخصصين في مختلف المجالات لمناقشة مظاهر الأزمة وتداعياتها الحالية والمستقبلية، وذلك بدرجة متفاوتة اختلفت حسب قوة كل مظهر من مظاهرها.

وإذا كان التفاعل الآني مع الأحداث الكبرى في العالم مألوفا من طرف المتخصصين في بعض الحقول المعرفية، كالاقتصاد والقانون وعلم النفس والاجتماع والعلوم السياسية وغيرها، فإن الانطباع السائد بخصوص حقول أخرى مثل حقل التاريخ، يجعلنا أمام فكرة سائدة تعتبر المؤرخ غير معني بالتفاعل مع الحدث الآني، وهو ما قد ينطبق على أزمة كورونا الحالية. ومن هنا تأتي مشروعية السؤال: أي دور للمؤرخ في فهم أزمة كورونا؟

لا يتعلق الأمر بمحاولة فهم الأزمة لذاتها، لأن الأمر ينطوي على مخاطر منهجية بالنسبة للمؤرخ، أهمها خطر التفسير بالاستناد على معطيات ظرفية قابلة للتغير في أي لحظة. بل بمحاولة فهم تداعيات الأزمة على مختلف المستويات انطلاقا من الأزمات المماثلة التي عرفها التاريخ، فتفسير عدم انضباط المجتمع لتدبير وقائي معين، قد يجد نفسه في خلفية ثقافية تشكل امتدادا لبنية تشكلت على مدى عقود أو قرون (قدرية الإصابة على سبيل المثال)، وتدخل الدولة لتعزيز حضورها في المجتمع عبر رجال السلطة، يحيلنا على أدوار ثابتة للدولة وبنفس الآليات في أزمات مماثلة خلال فترات تاريخية سابقة. ومحاولة استشراف مستقبل العلاقات بين الدول، يجعل من المعطى التاريخي عاملا مهما في تحديد طبيعة التحول الذي قد تفرزه أزمة كورونا على هذا المستوى. كما أن غياب تمثل المجتمع لحالة الوباء الكوني، يجعل المؤرخ مؤهلا أكثر من غيره لتشكيل هذا التمثل لدى المجتمع، انطلاقا من قدرته على استحضار أزمات الماضي واستخلاص معالمها بما يتوفر عليه من أدوات منهجية. كل هذا مع التأكيد على أن هناك من الباحثين، من سيرى بأن مساهمة المؤرخ قد لا تفضي بالضرورة إلى فهم يذكر للأزمة إلا بعد مرورها بفترة وظهور كل التفاصيل المرتبطة بها.

إن المساهمات التي قدمها بعض المؤرخين في النقاش الدائر اليوم، سواء تعلق الأمر بالندوات التفاعلية على الأنترنيت والتي عوضت الندوات الحضورية الفعلية للباحثين، أو تفاعلات المؤرخين مع وسائل الإعلام وغيرها، هي مساهمات تستحق توثيقها في كتاب جماعي، نظرا لأهميتها في تحديد طريقة تفاعل المؤرخ مع حدث آني كوني، لم يسبق أن خلف نفس التأثير على كل شعوب العالم في نفس المرحلة الزمنية. وهو ما قد يعطي للأجيال اللاحقة من الباحثين فكرة عن الزوايا التي يمكن للمؤرخ من خلالها أن يتفاعل مع الأحداث المماثلة، أخذ بعين الاعتبار أن حدثا بهذه الخصوصيات وبطابعه الكوني قد يتكرر أكثر من مرة، وقد لا يتكرر أبدا.

لا يتعلق الأمر في هذا الكتاب الجماعي بدراسات أكاديمية تتعلق بتاريخ الأوبئة في المغرب والعالم، بقدر ما هي مقالات تأملية لعينة من المؤرخين الذين ينتمون إلى أجيال مختلفة ومباحث تاريخية متنوعة، الهدف منها الإجابة على السؤال المطروح بخصوص دور المؤرخ في فهم الأزمة إلى جانب المتخصصين في الحقول المعرفية الأخرى، وكذلك توثيق التفاعل الآني للمؤرخ معها، والذي يهدده خطر التواري خلف سيكتبه المؤرخون بعد اكتمال الصورة وعودتهم إلى مكانهم الذي يراه البعض طبيعيا بعد توفر المسافة الزمنية الكافية مع الحدث.

انطلقت الأجوبة على السؤال المطروح في هذا الكتاب من زوايا متعددة، فابراهيم القادري بودشيش ذهب إلى أن دور المؤرخ في فهم أزمة كورونا يتحدد آنيا في محاولة بناء عتبة الفهم الأولي للأزمة، عبر مجموعة من الترتيبات النظرية والإجرائية، بينما اختار محمد حبيدة وضع أزمة كورونا في سياق المقارنة مع وباء الكوليرا لإبراز الانتقال من الحدود البيولوجية إلى العولمة الفيروسية. فيما فضل عبد الواحد أكمير الانطلاق من زاوية تأثير الجوائح على الدولة والحضارة لاستشراف تأثير وباء كورونا على البنيات السياسية للدول والحضارات. أما الطيب بياض فبقي وفيا لانشغالاته المنهجية المتعلقة بالتاريخ الراهن، وطرح مسألة التاريخ بين الجدوى والموضوع وآليات الاشتغال. واختار محمد الأزهر غربي العودة لسياقات الأوبئة عبر وضع وباء كورونا في سياقه التاريخي إسوة بالأوبئة المماثلة التي عرفها التاريخ. وكان تاريخ الفلسفة حاضرا عبر ميشيل باسيل عون الذي حاول رصد دور أزمة كورونا في استنهاض العقل الإنساني، بينما حاول أسامة الزوكاري فهم مسألة العودة إلى الفردانيات في زمن الوباء. وكانت البضاوية بلكامل واضحة في طرح سؤالها حول جدوى العودة إلى التاريخ لفهم ما يجري خلال أزمة كورونا. وقدم محمد مزيان ملاحظات أولية حول علاقة المؤرخ بكوفيد 19. أما سعيد الحاجي فقد اختار إبراز دور التاريخ في فهم وتفسير السلوك التضامني للدولة والمجتمع خلال أزمة كورونا.

وقد ختمنا هذا العمل الجماعي بقراءة في المعطيات الإحصائية والتجارب العلاجية المتعلقة بوباء كورونا إلى حدود تاريخ صدور الكتاب، والتي أنجزها إبراهيم أوباها والحسين المكحول وامبارك اركوكو، لكي يكون القارئ أمام صورة واضحة لطبيعة الوضع الوبائي الذي استلزم انخراط المؤرخ إلى جانب غيره من المتخصصين في محاولة فهم الأزمة.

إجمالا، فإن هذا العمل الجماعي يسعى إلى تقديم فكرة محورية تتمثل في ضرورة توثيق حضور المؤرخ في الأحداث الراهنة، والتشجيع على مراكمة ما يرتبط بهذا الحضور، فالمؤرخ وإن كان يضطلع بمهمة كتابة التاريخ انطلاقا من مسافة معينة، سواء كانت زمنية أو منهجية، فإن هذا لا يعني غياب إمكانية تفاعله مع الحاضر بقدر تفاعله مع الماضي.

وإذا كان التفاعل الآني مع الأحداث الكبرى في العالم مألوفا من طرف المتخصصين في بعض الحقول المعرفية، كالاقتصاد والقانون وعلم النفس والاجتماع والعلوم السياسية وغيرها، فإن الانطباع السائد بخصوص حقول أخرى مثل حقل التاريخ، يجعلنا أمام فكرة سائدة تعتبر المؤرخ غير معني بالتفاعل مع الحدث الآني، وهو ما قد ينطبق على أزمة كورونا الحالية. ومن هنا تأتي مشروعية السؤال: أي دور للمؤرخ في فهم أزمة كورونا؟

لا يتعلق الأمر بمحاولة فهم الأزمة لذاتها، لأن الأمر ينطوي على مخاطر منهجية بالنسبة للمؤرخ، أهمها خطر التفسير بالاستناد على معطيات ظرفية قابلة للتغير في أي لحظة. بل بمحاولة فهم تداعيات الأزمة على مختلف المستويات انطلاقا من الأزمات المماثلة التي عرفها التاريخ، فتفسير عدم انضباط المجتمع لتدبير وقائي معين، قد يجد نفسه في خلفية ثقافية تشكل امتدادا لبنية تشكلت على مدى عقود أو قرون (قدرية الإصابة على سبيل المثال)، وتدخل الدولة لتعزيز حضورها في المجتمع عبر رجال السلطة، يحيلنا على أدوار ثابتة للدولة وبنفس الآليات في أزمات مماثلة خلال فترات تاريخية سابقة. ومحاولة استشراف مستقبل العلاقات بين الدول، يجعل من المعطى التاريخي عاملا مهما في تحديد طبيعة التحول الذي قد تفرزه أزمة كورونا على هذا المستوى. كما أن غياب تمثل المجتمع لحالة الوباء الكوني، يجعل المؤرخ مؤهلا أكثر من غيره لتشكيل هذا التمثل لدى المجتمع، انطلاقا من قدرته على استحضار أزمات الماضي واستخلاص معالمها بما يتوفر عليه من أدوات منهجية. كل هذا مع التأكيد على أن هناك من الباحثين، من سيرى بأن مساهمة المؤرخ قد لا تفضي بالضرورة إلى فهم يذكر للأزمة إلا بعد مرورها بفترة وظهور كل التفاصيل المرتبطة بها.

إن المساهمات التي قدمها بعض المؤرخين في النقاش الدائر اليوم، سواء تعلق الأمر بالندوات التفاعلية على الأنترنيت والتي عوضت الندوات الحضورية الفعلية للباحثين، أو تفاعلات المؤرخين مع وسائل الإعلام وغيرها، هي مساهمات تستحق توثيقها في كتاب جماعي، نظرا لأهميتها في تحديد طريقة تفاعل المؤرخ مع حدث آني كوني، لم يسبق أن خلف نفس التأثير على كل شعوب العالم في نفس المرحلة الزمنية. وهو ما قد يعطي للأجيال اللاحقة من الباحثين فكرة عن الزوايا التي يمكن للمؤرخ من خلالها أن يتفاعل مع الأحداث المماثلة، أخذ بعين الاعتبار أن حدثا بهذه الخصوصيات وبطابعه الكوني قد يتكرر أكثر من مرة، وقد لا يتكرر أبدا.

لا يتعلق الأمر في هذا الكتاب الجماعي بدراسات أكاديمية تتعلق بتاريخ الأوبئة في المغرب والعالم، بقدر ما هي مقالات تأملية لعينة من المؤرخين الذين ينتمون إلى أجيال مختلفة ومباحث تاريخية متنوعة، الهدف منها الإجابة على السؤال المطروح بخصوص دور المؤرخ في فهم الأزمة إلى جانب المتخصصين في الحقول المعرفية الأخرى، وكذلك توثيق التفاعل الآني للمؤرخ معها، والذي يهدده خطر التواري خلف سيكتبه المؤرخون بعد اكتمال الصورة وعودتهم إلى مكانهم الذي يراه البعض طبيعيا بعد توفر المسافة الزمنية الكافية مع الحدث.

انطلقت الأجوبة على السؤال المطروح في هذا الكتاب من زوايا متعددة، فابراهيم القادري بودشيش ذهب إلى أن دور المؤرخ في فهم أزمة كورونا يتحدد آنيا في محاولة بناء عتبة الفهم الأولي للأزمة، عبر مجموعة من الترتيبات النظرية والإجرائية، بينما اختار محمد حبيدة وضع أزمة كورونا في سياق المقارنة مع وباء الكوليرا لإبراز الانتقال من الحدود البيولوجية إلى العولمة الفيروسية. فيما فضل عبد الواحد أكمير الانطلاق من زاوية تأثير الجوائح على الدولة والحضارة لاستشراف تأثير وباء كورونا على البنيات السياسية للدول والحضارات. أما الطيب بياض فبقي وفيا لانشغالاته المنهجية المتعلقة بالتاريخ الراهن، وطرح مسألة التاريخ بين الجدوى والموضوع وآليات الاشتغال. واختار محمد الأزهر غربي العودة لسياقات الأوبئة عبر وضع وباء كورونا في سياقه التاريخي إسوة بالأوبئة المماثلة التي عرفها التاريخ. وكان تاريخ الفلسفة حاضرا عبر ميشيل باسيل عون الذي حاول رصد دور أزمة كورونا في استنهاض العقل الإنساني، بينما حاول أسامة الزوكاري فهم مسألة العودة إلى الفردانيات في زمن الوباء. وكانت البضاوية بلكامل واضحة في طرح سؤالها حول جدوى العودة إلى التاريخ لفهم ما يجري خلال أزمة كورونا. وقدم محمد مزيان ملاحظات أولية حول علاقة المؤرخ بكوفيد 19. أما سعيد الحاجي فقد اختار إبراز دور التاريخ في فهم وتفسير السلوك التضامني للدولة والمجتمع خلال أزمة كورونا.

وقد ختمنا هذا العمل الجماعي بقراءة في المعطيات الإحصائية والتجارب العلاجية المتعلقة بوباء كورونا إلى حدود تاريخ صدور الكتاب، والتي أنجزها إبراهيم أوباها والحسين المكحول وامبارك اركوكو، لكي يكون القارئ أمام صورة واضحة لطبيعة الوضع الوبائي الذي استلزم انخراط المؤرخ إلى جانب غيره من المتخصصين في محاولة فهم الأزمة.

إجمالا، فإن هذا العمل الجماعي يسعى إلى تقديم فكرة محورية تتمثل في ضرورة توثيق حضور المؤرخ في الأحداث الراهنة، والتشجيع على مراكمة ما يرتبط بهذا الحضور، فالمؤرخ وإن كان يضطلع بمهمة كتابة التاريخ انطلاقا من مسافة معينة، سواء كانت زمنية أو منهجية، فإن هذا لا يعني غياب إمكانية تفاعله مع الحاضر بقدر تفاعله مع الماضي.