دلالات تأسيس الدولة المدنية في فكر توماس هوبز السياسي: أو في الرّهان النظري للسياسة الحديثة

تمهيد الموضوع:

                 لماذا توماس هوبز تحديدا وليس غيره من فلاسفة الحداثة السياسية؟ يتوقع من قارئ هذا المقال أن يثير هذا السؤال، تحديدا نوعية العلاقة بين هذا المفكّر الحديث وواقعنا الثقافي المغاربي المعاصر.وذلك لأنّه يظهر للوهلة الأولى أنّ لا علاقة بيننا وبين فكر توماس هوبز تاريخيا وثقافيا؛ اللهم إذا كنّا أردنا المجازفة بإسقاط نموذجه الفكري على واقعنا الراهن؛ إذ كيف لمحاولة فكرية تنتمي إلى شروط نظرية ومنهجية تخصّ زمن القرن الثامن عشر في أوروبا أن تفيدنا في فهم واقعنا؟

كيفما كان السؤال حول طبيعة أفكار هذا الفيلسوف، فإنّها تكتسي قيمة ابستيمولوجية كبيرة في فهم ماذا حدث مطلع العصر الحديث حين القطع مع التقليد النظري القروسطي للسياسة والفكر المدني. فالمعروف أنّ العلم الجديد للطبيعة والفلك والرياضيات قد تمكّن من شقّ طريقه للتأسيس العقلاني مع غاليلي وديكارت وكبلير ثم قبلهم كوبرنيك الذي دشّن للثورة العلمية الحديثة. وقد أفاد هذا الانتعاش الجديد للعلوم النظرية والفكر العقلاني الجديد الفيلسوف هوبز في بلورة نمط تفكير مختلف في السياسة والأخلاق عماده النموذج الآلي السببي الناشئ.

في مقابل هذا الحراك العلمي والمعرفي الأوروبي، لم يشهد الفكر العربي والإسلامي أي نشاط مثمر في هذه الحقبة التاريخية، اللهم بعض الأحداث البسيطة، سواء من الناحية التاريخية (تميزت فترة القرن السابع عشر بسيطرة العثمانيين على المنطقة العربية، وصاحب ذلك من ابتزاز وصراعات وتراجع دور الثقافة العربية حتى مع صعود النظام المملوكي في مصر)، أو الثقافية (سيادة الاجترار في مختلف مناحي الثقافة والعلم والفقه)، والسياسية (الاستبداد العثماني والمملوكي والسلطاني وسيادة الإقطاع)، للبحث عن تأسيس نموذج كيان سياسي ومدني يستجيب لخصوصياتنا الحضارية.