قراءة في كتاب الكواكبي: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد

تمهيد

     لقد استأثرت إشكالية التغيّير والاصلاح، باهتمام واضح من طرف الفلاسفة، ورواد الحركة الإصلاحية بالعالم الإسلامي على حدّ سواء، خاصة مع بداية العصر الحديث. فبعد النَهضَة الأروبية التي تمثل بدايات عصر الأنوار الأروبية، طرح الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط(E. Kant)، سؤال وجيهًا ومفصليًا في نهاية القرن الثامن عشر، ما التنوير؟ وذلك ليبيّن ما كان، من جهة، وراء النهضة الأوروبية (la renaissance)، ويحُد من جهة أخرى، من حالة سُوء الفهم التي ارتبطت بمفهوم الأنوار واستعمالاته.

يجيب كانط عن هذا السؤال، في مقالته «ما الأنوار؟[1]» قائلا:” الأنوار هو انعتاق المرء من حالة العجز الذاتي، والعجز هو عدم قدرة المرء على استخدام عقله الخاص دون وصاية من الآخر، لذلك فشعار التنوير هو (أيها الإنسان تجرأ على استخدام عقلك[2] )”، ويضيف: “من أجل تحقيق التنوير كل ما نحتاجه هو الحرية باعتبارها أقدس الخيرات البشرية، ولكنني أسمع الصراخ في كل الاتجاهات، لا تفكر !  يقول الشرطي: لا تفكر، انتظم ! مسؤول الضرائب يقول: لا تفكر، ادفع ! رجُل الدين، يقول: لا تُفكر، آمن ! حاكم الدولة يقول: فَكر كيفما تشاء وفيما تشاء، لكن أَطع !”. فتقييد حرية التفكير، بهذا المعنى تخترق جسم المجتمع، وتوجد في كل مكان. لكن أيّ نوع من التقيّيد يمنع التنوير، وأيهما بدلا من أن يعيقه، يستطيع بالأحرى أن يُعززه ؟ يقول كانط مجيبًا: إنه ” الاستخدام العام والعلني الدائم للعقل “، لأنه في نظره هو الذي سيمكن الإنسان من التحرر من كل الأغلال والعقائد والذوغمائيات التي تجعله في حالة قصور وعجز دائم.


 إيمانويل كانط، ما التنوير؟ ترجمة عبد الله المشوح.[1]

 يمكن القول إن شعار التنوير تركز في خمس مفاهيم وهي : الفرد، العقل، الطبيعة، التقدم، والسعادة.[2]