تقريرعن ندوة تفاعلية في موضوع أي دور للمؤرخ في فهم أزمة كورونا؟

Abstract

This paper includes the most important conclusions that resulted from the interventions of the professors: Dr. Bayad, Dr. Said El Hajji, Dr. Meziane, Prf.Jwaiti, in an online interactive virtual seminar organized by the Takamul Center for Studies and Research in partnership with the Hans Seidel Foundation. The seminar took place on the Center’s Facebook page on Saturday, May 2nd, 2020. The topic was: “What is the role of the historian in understanding the Corona crisis?”

تقديم عام:

نظم مركز تكامل للدراسات والأبحاث بشراكة مع مؤسسة هانس زايدل ندوة تفاعلية مباشرة، على صفحة المركز بالفايسبوك،  يوم السبت 02 ماي 2020 ابتداء من الساعة العاشرة ليلا، في موضوع: “أي دور للمؤرخ في فهم أزمة كورونا؟”. أطرها السادة الأساتذة:

د. طيب بياض، أستاذ التاريخ المعاصر والراهن بكلية الاداب عين الشق.

د. سعيد الحاجي، أستاذ التاريخ المعاصر بكلية متعدد التخصصات بتازة

د. محمد مزيان، أستاذ التاريخ المعاصر بكلية الآداب القنيطرة.

ذ. عبد الكريم الجويطي، روائي وباحث في التاريخ.

تابع الندوة التفاعلية المباشرة أزيد من11 آلاف مشاهد ومشاهدة إلى حدود كتابة هذا التقرير والحلقة ما زالت مثبتة بصفحة المركز على الأنترنت، كما تقاسمتها مجموعات أخرى، وتفاعل عدد من المتابعين مع الأساتذة المتدخلين، أزيد من 446 تفاعل عبارة عن أسئلة وآراء مختلفة تصب في الموضوع، بالإضافة إلى 314 تفاعل على مستوى الإعجاب بالندوة و136 مشاركة للندوة في عدة مجموعات فايسبوكية وصفحات لأساتذة وفاعلين في حقل التاريخ ومجالات أخرى.

افتتحت الندوة بكلمة الترحيب بالسادة الأساتذة الضيوف من طرف د. سعيد الحاجي، قدم الشكر للمشاهدين والمتتبعين ورحب بالجميع، ثم منح الكلمة للأساتذة، شكروا المركز على الاستضافة ورحبوا أيضا بالمشاهدين، وقدم د.سعيد توضيحا لموضوع الندوة، حيث أكد على أن السؤال هو محاولة فهم وباء كورونا والظواهر التي واكبته، من وجهة نظر المؤرخ، وليس التساؤل من أجل فهم الفيروس طبيا، وأن السؤال له مشروعيته في راهنيته.

الأسئلة التي طرحت في بداية الندوة:

  1. هل يقتصر عمل المؤرخ فقط  على دراسة الماضي أم يكتسب راهنية تحفظ له مكانة بين المتدخلين في فهم وتفسير الأزمة؟
  2. هل يجب أن ينتظر المؤرخ حتى تمر الأزمة ليتحدث؟ أليس هذا تكريسا للدور الكلاسيكي الذي طبع حقل التاريخ؟
  3. كيف يمكن للمؤرخ أن يوظف حقل التاريخ لفهم وإيجاد تفسير لردود الأفعال تجاه الأزمة؟
  4. هل هناك ملامح لبنية ذهنية وجدت في الماضي ولازالت امتدادها في الحاضر؟
  5. هل تغير سلوك المغاربة تجاه الأزمات المماثلة التي عرفها التاريخ في ظل التطورات التي عرفها عالم اليوم؟ أم أن المغاربة لازالوا أوفياء لتمثلاتهم في الماضي تجاه الأزمات؟
  6. ما علاقة المؤرخ بوباء كورونا؟
  7. وأين يمكن أن يتموقع المؤرخ ؟
  8. هل التاريخ يمكن أن يساهم في فهم الأزمة؟
  9. هل المؤرخ له إمكانيات يمكن بها قياس حدث آني؟
  10. هل يمكن الحديث عن حقبة جديدة؟
  11. كيف يجب أن ندَرس أزمة كورونا؟ وما هي الأمور التي سنركز عليها؟

سيثم التركيز في هذا التقريرعلى أهم الخلاصات التي جاءت بها مداخلات الأساتذة وهي على الشكل الاتي:

أولا: مداخلة د. طيب بياض

شرع د. طيب بياض في تفاعله مع أسئلة الندوة التي جاءت في التقديم الذي قدمه د.سعيد الحاجي، إذ أشار في البداية إلى تداعيات الأزمة ودور المؤرخ وعلاقته بكورونا.

 في الإجابة على الأسئلة تأصيلا للموضوع، أكد على أن المناهج الحالية “لن تقوى على تفكيك الأزمة”، وركز في السياق ذاته على أهم المتخصصين في حقل التاريخ ومناهجه خاصة، وساق مثالا بمارك بلوك في كتابه ” دفاعا عن التاريخ أو مهنة المؤرخ”، وهو المؤلف الذي ينطلق من  فكرة “المجتمعات الحزينة” إلى “التأريخ لأزمة التحول” ومركزية الإنسان في هذا المشروع. استحضر بياض مدرسة الحوليات الفرنسية Les annals مع بداية القرن العشرين التي أسس لها مارك بلوك ولوسير فيفر، حينما أسسا معا مجلة الحوليات، لضخ دماء جديد في حقل التاريخ وإغناء منهجه، في سياق سادت فيه نظرة كادت أن تحصر العمل التاريخي في حقول التاريخ السياسي، الدبلوماسي والعسكري، اعتقادا بأن التاريخ يقتصر على سرد الوقائع والأحداث حدثت في الماضي بالاعتماد على الوثيقة.

كما هو معلوم كان المؤرخان (مارك بلوك ولوسير فيفر) متأثران بمدرسة علم الاجتماع الفرنسية (السوسيولوجيا الدوركهايمية) وخاضا صراعا حادا، فقد كان دوركايم يرى أن عمل المؤرخ يقتصر على “جمع الرحيق وأن عالم الاجتماع يحوله إلى عسل”، في حين كان مارك بلوك يرى أن المؤرخ قادر على فعل الأمرين معا، لأنهما مسار معرفي واحد وحقل اشتغال واحد. تمخض عن هذا الصراع “التماس بين علم الاجتماع وعلم التاريخ”، وقبل ذلك بينه وبين الجغرافيا والاقتصاد ليفتح المجال أمام حقل التاريخ لتجديد المنهج.

لا يمكن الحديث عن مدرسة الحوليات دون استحضار فرناندو بروديل وريث مشعل مارك بلوك الذي أعدمته القوات الألمانية في يونيو 1933، (ألف بلوك خلال سنوات الحرب كتابين متكاملين، في أيام الهزيمة كتب” الهزيمة الغريبة”، وأثناء المقاومة ألف “دفاع عن التاريخ”، من هنا ستنطلق هذه المدرسة وتصير ذات قيمة علمية ليس في فرنسا فحسب، بل في أوروبا وباقي دول العالم.

سينتبه مؤرخ آخر خارج مدرسة الحوليات لكتابات مارك بلوك، وفي مقال له يحمل عنوان “التاريخ الوجودي”، ويتلعق الأمر هنا بالمؤرخ فليب آريس الذي نبه في مقاله هذا، إلى أن مارك بلوك

فتح على التاريخ الكبير حقلا جديدا، لفهم علاقة الإنسان الحميمية بين وجوده وحياته اليومية. “فالتاريخ الريفي عند مارك بلوك ليس تاريخ السياسات الريفية لدى الحكومات أو الإدارات، بل هو تاريخ البنى الزراعية، وطرائق استخدام الأرض، وتوزيعها واستثمارها، إنه تاريخ المشهد المكون بأيدي البشر أنفسهم”. هنا يؤكد ذ. الطيب بياض على “مركزية الإنسان في هذا المشروع”، فالتاريخ هو الناس في حياتهم وأجسادهم وثقافتهم، بمعنى التاريخ هو الإنسان. فالمؤرخ مؤهل ليكون المنسق بين حقول معرفة مختلفة لدراسة الظواهر التي تفرزها الأوبئة على مستوى الاقتصاد والمجتمع، فكل الاجتهادات مفيدة، لكنها تتطلب إبداعا أكثر، وأجوبة متداخلة والاجتهاد في المناهج المجددة.  إذ يصعب إسقاط هذه المناهج على الظواهر الآنية، ويضيف ذ. بياض التأكيد على ضرورة القيام بورشات تأملية تفاعلية لباحثين من مختلف التخصصات، فالأديب مثلا له رؤية خاصة ومهمة والخيال أيضا، لبلورة رؤية منفتحة لتقديم أجوبة خارج الضغوط، أورد في هذا السياق قصة أو أسطورة على وباء الكوليرا، تقول: “أن الوباء كان في طريقه إلى قرية ما، التقى رجلا فسأله إلى أين أنت ذاهب؟ أجابه الوباء: ذاهب إلى القرية الفلانية لأقتل ألفين. فلما رجع التقى بالرجل ثانية، فقال له الرجل:لماذا كذبت علي، أنت لم تقل ألفين، وقال له كم قتلت: أجابه: “قتلت ألف والباقي تكلف به الخوف”.

يؤكد د. بياض على دور المؤرخ في تفاعله مع الأحداث الآنية ويوصي بضرورة الحضور القوي في الإعلام، فرواد مدرسة الحوليات كان تأثيرهم قويا، لأنهم سيطروا على دور النشر والمجلات المحكمة، الآن هناك حاجة لتعميم المعرفة التاريخية، إذا أراد المؤرخ الإنتاج فعليه بأرضية صلبة واستراتيجة، ثم الهدف، أي ماذا نريد. هناك عودة المؤرخين للمساهمة في النقاش، لكن تبقى اجتهادات فردية، نحن في حاجة إلى اجتهادات جماعية لباحثين مغاربة لإعادة دور المؤرخ ووظيفته.

يختم د. طيب بياض مداخلته بضرورة تسلح الباحثين في العلوم الإنسانية بأدواتهم المنهجية، وعلى الجميع أن يتعامل مع الموضوع بمنظور جديد في إطار صراعات دولية كبرى، هنا يشير إلى مقولة لنابليون بونابرت الشهيرة قال فيها “في اليوم الذي ستستفيق فيه الصين سيهتز العالم” وأعتقد أننا الآن نعيش هذه الهزات، فالتاريخ سيصنعه من سيكتشف المصل وينقذنا من الهلاك.

ثانيا: مداخلة د. محمد مزيان.

طرح د. مزيان في البداية إشكاليات وقضايا تهم حقل التاريخ وتموقع المؤرخ  وإسهاماته. فأعاد صياغة السؤال، هل التاريخ يمكن أن يساهم في فهم الأزمة؟ وهل للمؤرخ إمكانية نقاش حدث آني؟، معروف أن التاريخ الراهن هو تاريخ متغير ساخن، فكيف تكون هناك الملاءمة المرضية، وأثار إشكالية القرب الزمني ومسألة الذاتية والموضوعية. فالمؤرخ دائما ينطلق من الماضي والوثائق لبناء المعرفة. وحاليا هناك زخم في الوثائق ومطلوب على المؤرخ أن يناقش، فهو ينتمي لتخصص عابر للتخصصات، يستفيد من الماضي وينطلق، ومدى قدرتنا للفهم واستيعاب الأزمة. المؤرخ إذن يراوح بين الماضي والحاضر والمستقبل.

حاول ذ. مزيان أن يجيب على سؤال هل يمكن الحديث عن حقبة جديد؟، مجيبا عنه بصعوبة الحديث عن تحقيب تاريخي جديد، فالأمر سابق لأوانه، لأن المرحلة هي نقطة تحول وطبيعة النظام، انهيار العولمة مثلا وتراجع هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية لتحل محلها الصين، هناك بداية التفكير في المستقبل..

وإجابة عن سؤال متعلق بمدى حضور المؤرخ في النقاش العمومي حول الأزمة، أشار الى ان عدد كبير من الباحثين المغاربة ساهموا في النقاش وكتبوا مقالات واجتهادات وتفاعلوا بشكل منتج، فالعودة إلى التاريخ أرجع المهتمين لقراءة كتب التاريخ حتى أصبحت الكتب التي تناولت الأوبئة أكثر قراءة وتحميلا من الإنترنت وزاد الطلب عليها.

أضاف ذ. مزيان أن كورونا لا يمكن أن تدرس كوباء فقط، وإنما توضيح التداعيات، الاقتصادية والنفسية، هي بنية زمنية طويلة، علينا أن ندرج تاريخ الأوبئة في مناهجنا التعليمية. فهناك معطى تشكل ذاكرة جماعية، علينا دراستها بالاعتماد على ما تخلفها الصحافة باعتبارها “مسودة التاريخ”، يجب تفكيك هذه المعطيات ومقارنتها، ووضع الحدث ضمن سياق عالمي وطني متعدد الفاعلين والخصائص. وجعل “السياق يفهم في سياق المالتوسية وانتصار للاقتصاد واستدعاء بنية ممتدة في الزمن لفهم واقع وظاهرة تعتلي المشهد”، (طيب بياض).

يؤكد د. مزيان حاجتنا إلى “نيوديل” جديد لفهم خصائص الصراع الدولي، وإلى عقد اجتماعي جديد يعيد للإنسان آدميته، على المؤرخ أن يقدم إجابات جديدة وفق أدوات منهجية وإعادة التفكير في التخصص ومدى أهمية الديمغرافيا التاريخية واستثمار الذاكرة الجماعية بجمع المعطيات، ويختم بمقولة لإدكار موران: “علينا أن نتعود على العيش باللايقين”.

ثالثا: ذ. عبد الكريم الجويطي.

استهل ذ. الجويطي مداخلته متفاعلا مع سؤال حول سلوك المغاربة في زمن كورونا، المعروف على الجويطي كاتب لرواية “المغاربة” شخص فيها ذهنية المغاربة بشكل أدبي رائع، هي دراسة تاريخية في قالب روائي أدبي ممتع، أبرز فيها ازدواجية سلوك المغاربة في معيشهم اليومي، أشاد جويطي في

مداخلته بسلوك المغاربة وامتثالهم لإجراءات الدولة التي لم يسبق لهذا الإجماع الوطني منذ المسيرة الخضراء، كما تحدث عن خروج بعض الجماعات للتهليل والتكبير في بعض المدن كطنجة، فاس وتطوان، أشار إلى ظاهرة الخوف وسماها بدين الخوافي ومن الأشياء الغير الظاهرة، الذي يسود في الجماعات التي تغيب فيها الرؤية العقلانية ويزدهر في البنى الراكدة ثقافيا وذهنيا. ربط ذلك بصعود تيار الإسلام السياسي في العالم، الذي جر معه ظواهر الفكر الخرافي، وبنية الغيب وأن الذكر يرفع البلاء والجائحة.

تعتبر الجوائح والأوبئة حسب الروائي عبد الكريم الجويطي من “المكونات الكبرى للشخصية المغربية، ونظرا لتوالي المجاعات، الأوبئة والمآسي، جعلت شخصية المغربي له فائض من الانتقاد وجلد للذات. يضيف الكاتب بالقول: “أحيانا نحن المغاربة لا يعجبنا العجب ولا الصيام في رجب، نرى الجانب الفارغ في الكأس”. وهي كلها جوانب يمكن تفسيرها تاريخيا.

ختم الكاتب كلمته  بالإشارة إلى موضوع العمل السياسي بالمغرب وتحدث عن  سيطرة المحافظة والتقليد، وهي إعادة الإنتاج للتاريخ بالمغرب، في الحاضر، وأحيانا نلتد بإعادة إنتاجه. نحن دائما ما نبحث في المغرب حاليا ومنذ الاستقلال عن التوافق فما معنى التوافق في سياستنا ؟ يتساءل ذ. الجويطي ثم يجيب: يعني لا أحد ينهزم ولا أحد ينتصر وتبقى الأمور راكدة على حالها، مما تظهر المحافظة في كل تجليات الحياة وهو ما يظهر في الكثافة الديني، حسب تعبير فيريتز صاحب مقولة” التاريخ هو مقبرة من الطبقات الارستقراطية”.