في عالم تتسارع فيه التحولات الصحية والتحديات الوبائية، تبرز السيادة الصحية كركيزة أساسية لضمان أمن الدول واستقلالية قراراتها في مجال الصحة العامة. إن إصدار هذا الكتاب، “السيادة الصحية في جنوب المتوسط ورهان تحقيق الأمن الاستراتيجي”، يأتي في لحظة مفصلية حيث تعيد الدول النامية النظر في منظوماتها ونماذجها الصحية، وتبحث عن سبل تحقيق الاكتفاء الذاتي من الـموارد الاستراتيجية، تعزيزا لقدرتها على مواجهة الأزمات الصحية دون الاعتماد المفرط على الخارج.
إن السيادة الصحية ليست خيارًا، بل ضرورة استراتيجية ملحة. فبلدان الجنوب، وفي مقدمتها المملكة المغربية، تدرك أن تحقيق الأمن الصحي لا يقتصر على توفير العلاج والرعاية الطبية، بل يتطلب رؤية شمولية تدمج بين السياسات الصحية، والبحث العلمي، والصناعة الدوائية، والتعاون القاري جنوب-جنوب، بهدف تعزيز الإنتاج المحلي للأدوية والتجهيزات والمستلزمات الطبية، وتعميم استدامة التغطية الصحية الشاملة، وضمان عدالة التوزيع المجالي للموارد الصحية.
وفي هذا الصدد، برز نموذج التعاون المغربي-الإفريقي، كنموذج ملهم في سياق تواتر الأزمات الصحية، حيث لم تقتصر الجهود على تقديم الدعم الصحي العاجل فحسب، بل امتدت إلى بناء قدرات الدول الإفريقية الشقيقة والصديقة، وتعزيز نقل التكنولوجيا، وتبادل الخبرات، مما يعكس رؤية استراتيجية تقوم على التضامن والتكامل بدل التبعية. فالمغرب، بقيادة جلالة الملك محمد السادس نصره الله، جسّد هذه الرؤية من خلال مبادرات ملموسة، تهدف إلى تعزيز منظومات الصحة الوطنية بدول إفريقيا جنوب الصحراء، ودعمها في تحقيق استقلاليتها وسيادتها الصحية.
كل هاته الجوانب تطرق لها هذا الكتاب، بفضل إسهامات نخبة من الأكاديميين والخبراء، مما جعله يشكل مرجعًا علميًا وميدانيًا لمختلف جوانب السيادة الصحية، حيث يطرح توصيات عملية تستند إلى تجارب ناجحة، ويضع تصورًا مستقبليًا يهدف إلى انتقال السياسات الصحية بدول الجنوب من كونها سياسات استهلاكية إلى سياسات إنتاجية واستراتيجية، تساهم في التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
ولا شك أن القارئ، وهو يتصفح هذا الكتاب، سيجد فيه رؤى متعددة وأفكارًا غنية توسع آفاق البحث في هذا الموضوع الحيوي، الذي لم يعد محصورًا في الأوساط الأكاديمية بل أصبح أولوية لدى صناع القرار والمهنيين، والمجتمع المدني، وكل القوى الفاعلة الساعية إلى ضمان الحق في الصحة كحق أساسي من حقوق الإنسان.

مركز تكامل للدراسات والأبحاث
فضاء متنوع ومتكامل من الحوار والنقاش بين أكبر عدد ممكن من التخصّصات العلمية والفكرية والأدبية والفنية.
TAKAMUL CENTER is a diverse and integrated space of dialogue and debate between the largest possible number of scientific, intellectual, literary and artistic disciplines; This is due to our belief in the importance of integrative cognitive approaches that are not limited to a single specialized perspective or dimension in dealing with phenomena and studying them as they are.