مقدمة:
مما لا شك فيه أن انتشار فيروس كورونا كوفيد19 قد أثر بشكل كبير على مختلف القطاعات الاجتماعية والاقتصادية..، مما دفع مختلف دول العالم إلى اتخاذ مجموعة من الإجراءات والتدابير من أجل الحد من الآثار السلبية لهذا الوباء العالمي.
في هذا الإطار عملت السلطات العمومية بالمغرب على اتخاذ مجموعة من الإجراءات تدخل في إطار ما يعرف بالضبط الإداري من أجل مواجهة هذا الوباء، من قبيل إغلاق المجال الجوي والبحري والبري أمام تنقل الأشخاص، وتعليق الدراسة بمختلف الأسلاك التعليمية، والحد من تنقل الأفراد خارج منازلهم إلا للضرورة القصوى…الخ، مما طرح التساؤل عن مدى تحقيق الموازنة بين حماية الحقوق والحريات الأساسية للمواطنين وبين حماية حياتهم وسلامتهم من تهديد انتشار هذا الوباء المعدي؟
وحتى تتسم هذه الإجراءات بالمشروعية بات من الضروري البحث عما يسندها من الناحية التشريعية، وتعطي إمكانية تدخل السلطة القضائية لفرض هذه الإجراءات المتخذة من طرف السلطات المختصة، وعقاب المخالفين له. الأمر الذي يظهر أهمية التشريعات الجنائية عموما والقانون الجنائي على وجه الخصوص، في حماية الحقوق والحريات في إطار مبدأ الشرعية الجنائية الذي يعطي للجريمة والعقوبة أساسها الشرعي.
إن الشرعية الجنائية جزء من الشرعية العامة، ويمثل مبدأ الشرعية الجنائية الركن الشرعي للجريمة[1]، حيث أن الشرعية تتمثل في حصر مصادر التجريم والعقاب في نصوص قانونية محددة، وهو من المبادئ المنصوص عليها في مختلف التشريعات الجنائية، ونجد المشرع المغربي بدوره ينص عليه في الفصل الثالث من القانون الجنائي بقوله أنه: “لا يسوغ مؤاخذة أحد على فعل لا يعد جريمة بصريح القانون ولا معاقبته بعقوبات لم يقررها القانون” كما أكد عليه الدستور المغربي لسنة 2011 في الفصل 23 منه. وبالتالي يجب مراعاته من طرف السلطات الثلاث في مختلف تدخلاتها القانونية، وسأحاول من خلال هذه المقالة الوقوف عند بعد النقاشات الفقهية التي طرحت بصدد تنزيل مقتضيات حالة الطوارئ الصحية[2] في علاقتها باحترام مبدأ الشرعية الجنائية.
[1] تقسم عادة أركان الجريمة إلى ثلاثة أركان، ركن مادي وركن معنوي ثم الركن الشرعي الذي يتمثل في وجود نص قانوني يحدد الفعل المجرم والعقوبة المحددة له قبل وقوعه.فالمبدأ يقضي بعدم جواز معاقبة احد على فعل معين إلا إذا كان هذا الفعل ممنوعا قبلا بنص تشريعي.ويترتب على هذا ان النص الجنائي لا يسري إلا على الحاضر والمستقبل.
[2] صدر مرسوم بقانون رقم 2.20.292 بتاريخ 23مارس2020 يتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها منشور بالجريدة الرسمية عدد 6867 بتاريخ 24مارس2020 ص:1782 .ثم صدر مسوم 2.20.293 بتاريخ24مارس2020 المتعلق بإعلان حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني لمواجهة تفشي فيروس كورونا-كوفيد19 الجريدة الرسمية عدد6867 مكرر ص:1783.
طارق عزوز
أستاذ القانون الخاص بجامعة ابن زهر أكادير.
Professor of Private Law, at the University of Ibn Zohr Agadir.