الحقوق والحريات في ظل حالة الطوارئ: أعطاب التشريع والملاءمة والتنزيل

تقديم:

يعتبر الدستور، من حيث المبدأ، القانون الأسمى الذي تتفرع عنه باقي القوانين والتي يجب أن تكون متلائمة مع مقتضيات فصوله.  وليستوفي هذا الدستور مجالات اهتمامه، يلزمه أن ينص على القواعد الأساسية لشكل الدولة، بسيطة أم مركبة، ونظام الحكم، ملكي أم جمهوري، وشكل الحكومة، رئاسية أم برلمانية، وينظم السلطات العامة فيها من حيث التكوينُ والاختصاصُ والعلاقاتُ التي بين السلطات وحدود كل سلطة، والواجبات والحقوق الأساسية للأفراد والجماعات ويضع الضمانات لممارستها.

يؤكد الفقيه الدستوري جورج بيدو ((Georges BIDAULT على أن مصير كل أمة يعتمد على ثلاثة عواملحال[1]: دستورُها، والطريقةُ التي ينفذ بها، ومدى الاحترام الذي يبعثه في النفوس.

ولا يهم في الدستور الجانب الشكلي فقط، ولكن الأهم هو المحتوى ومدى تطابقه مع المبادئ الديمقراطية، وفي مقدمتها فصل السلط واحترام الحقوق والحريات. وهذا ما نصت عليه، بشكل صريح، أولى وثائق حقوق الإنسان في العصر الحديث، حيث تضمنت المادة 16 من الإعلان الفرنسي لحقوق الإنسان والمواطن لسنة 1789-1791 أن “كل مجتمع لا تتوفر فيه ضمانات للحقوق ولا الفصل بين السلطات، فإنه مجتمع بدون دستور”[2]. وعلى هذا الأساس يتم التفريق بين الدولة الدستورية والدولة غير الدستورية. أي أن معيار الدولة الدستورية لا يحدده الشكل المتمثل في توفر الدولة على دستور بقدر ما يحدده المضمون، وهو تنصيص هذا الدستور على فصل السلط وضمانات الحقوق.

لكل ما سبق، يحظى باب الحريات والحقوق الأساسية بأهمية كبيرة عند فحص وتقييم الدستور، ويرتَّب دائما في باب سابق على باب السلطات، وهذه الأولوية من حيث التراتبية تعني الشيء الكثير وتكون حاسمة عند الحاجة إلى تفكيك تناقض حاصل بين فصلين حيث نعطي قيمة دستورية للفصل الأسبق في الوجود والترتيب في المتن الدستوري[3]. يُعمل بهذه القواعد في الأحوال العادية، ولكن تحدث استثناءات تستلزم تعاملا استثنائيا أو ظروف استثنائية تتطلب تدابير استثنائية.

وحتى لا يتم خرق الدستور ولضمان الانسجام التام مع الشعار/الهدف الأكبر “دولة الحق والقانون” يلزم ضبط هذه الحالات/الظروف وضبط هذه التدابير الاستثنائية. وهذا الأمر يجد سنده في القاعدة الرومانية الشهيرة “سلامة الشعب فوق القانون”. وهو ما يفتح الباب أمام مشروعية استثنائية تفوق في حالة هذه الظروف الاستثنائية سمو الدستور، ولكن بالاستناد إلى الدستور الذي ينص عليها. وهذا ما يصطلح عليه بنظرية حالة الضرورة أو تدبير الأزمات. ويدل هذا التعبير على وسائل ذات طبيعة ومدى مختلفين معدة لمواجهة أوضاع استثنائية، ذات طابع وطني أو محلي ولكنها تترجم جميعا بتليين أو بتجنب، لمدة طويلة إلى حد ما، لأزمنة عادية في شأن الحريات العامة[4].

ويمكن إدخال سلطات الأزمة في مفهوم عام أوسع، مفهوم السلطات الاستثنائية، ويبين تحليل الأحكام القانونية المصنفة في التسميتين أن سلطات الأزمة تدل، عموما، على أحكام معدة لمواجهة أوضاع استثنائية ذات طبيعة سياسية (الحرب والانقلاب والتدمير مثلا) في حين أن طبيعة السلطات الاستثنائية تتضمن أحكاما تهدف إلى التجاوب مع أوضاع مستقلة عن أي عامل سياسي (أي كوارث طبيعية)[5]. تهتم هذه الورقة البحثية برصد تداعيات جائحة كورونا على مجال الحقوق والحريات في المغرب، وتركز على تشريع هذه الحالة ومدى ملاءمته للمعايير الدولية وطريقة تنزيل حالة الطوارئ الصحية ومدى تمثلها للمقاربة الحقوقية. وهو ما استدعى دراسة سياق هذا التشريع وأساسه الدستوري والقانوني والتنظيمي. 


[1]– فؤاد العطار، “القانون الإداري”، ط 3، دار النهضة العربية، القاهرة، 1976، ص.1.

[2] https://www.elysee.fr/la-presidence/la-declaration-des-droits-de-l-homme-et-du-citoyen

(شوهد بتاريخ 30 أبريل 2020)

والنص الأصلي بالفرنسية هو:

“Toute société dans laquelle la garantie des droits n’est pas assurée ni la séparation des pouvoirs déterminée, n’a point de Constitution.”

[3] – في الدستور المغربي تم التنصيص على الحقوق والحريات في الباب الثاني (الفصول من 19 حتى 40) مباشرة بعد التصدير والأحكام العامة، وقبل أبواب الملكية، ثم السلطة التشريعية، ثم السلطة التنفيذية، وهناك في الفقه الدستوري اتجاه بأن الفصل الذي يسبق في الترتيب يحظى بأهمية أكثر عن التعارض.

[4] – أوليفيه دوهاميل وأيف ميني، المعجم الدستوري، ترجمة منصور القاضي وزهير شكر، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، ط 1، 1996، ص.705.

[5] – المرجع السابق، ص. 705.