الحركات الاحتجاجية في ظل الربيع العربي وفرص الانتقال الديمقراطي: المغرب وتونس نموذجاً

Protest Movements in the Arab Spring and Opportunities for Democratic Transition: Morocco and Tunisia Model

ملخص:

جاءت أطروحة البحث ضمن سياق مواكبة الدينامية المجتمعية التي عاشتها الشعوب في جزء واسع من منطقة شمال افريقيا والشرق الاوسط، تحت مسمى “حركات وثورات الربيع العربي” والتي بدأت منذ أواخر العام 2010 في تونس، ومازالت دينامياتُها وتفاعلاتها سارية حتى اللحظة.

ويرى الباحث أن الزخم الاحتجاجي الذي انطلق من تونس بتاريخ 17 دجنبر 2010 وانتهى بترك الرئيس السابق زين العابدين بن علي للسلطة يوم 14 يناير من العام 2011، مروراً بمصر في 25 يناير، ووصولاً إلى المغرب عبر حركة 20 فبراير، يجب أن يحيلنا أو يدفعنا إلى الانتباه لقوة الشارع، ولدينامية المجتمعات وصراعاتها، والتي ظلت غائبة أو مغيبة عن مقاربة العلوم السياسية. مبرزاً في ذات السياق أن الظاهرة الاحتجاجية في عمومها كانت تصنف ضمن المجالات والحقول المعرفية والتنظيرية لعلم الاجتماع السياسي، دون الأخذ بأهمية الأطر المعرفية لعلم السياسة في تفكيك وتفسير الظاهرة، وبأن الأبحاث والكتابات ضمن هذا الحقل المعرفي الحديث والمتخصص، من داخل كليات الحقوق بالمغرب، ارتبط بشكل كبير  بالسلطة لا المجتمع، وجعل منذ نهاية ثمانينيات القرن الماضي من حقوق الانسان والعولمة والحركات الاسلامية والمرأة مواضيع حصرية لأبحاثه، بدل الاهتمام بمواضيع التنمية والطبقات والبنيات الاجتماعية والتغيير الاجتماعي.

أظهرت نتائج البحث وفي إطار الإجابة على الإشكالية الموضوعة، أن بروز ظاهرة الحركات الاحتجاجية الاجتماعية، التي تسعى لإحداث التغيير السياسي والديمقراطي، في كل من المغرب وتونس أثناء زمن الربيع العربي، من خلال نموذج حركة 20 فبراير و14 يناير 2011، جاءت بعد كشف عجز وضعف الأحزاب السياسية ونخب المجتمع التقليدية. موضحاً في إطار الدراسة المقارنة، كيف استطاعت مخرجات النظام السياسي في المغرب، الدستورية والسياسية بتحقيق نجاحاً نسبياً، في لجم وكبح تطور الحركة الاحتجاجية. بينما في تونس تبقى عملية الانتقال الديمقراطي محصورة في مستوى إنجاح مسار الانتقال السياسي، من خلال  وضع الاسس الدستورية والمؤسساتية، غير أنها تجربة تبقى معرضة للفشل والتراجع في حالة مواصلة الاخفاق والتعثر، في اصلاح الاقتصاد ومعالجة قضية التنمية الاجتماعية.

كلمات مفتاحية: الحركات الاحتجاجية والاجتماعية، الربيع العربي، الانتقال والتحول الديمقراطي، المغرب، تونس.

Abstract:

The research thesis was contextualized it possible to deal with the societal dynamism of populations in much of North Africa and the Middle East, known as the “Movements and Revolutions of the Arab Spring” which began in late 2010 in Tunisia, Its dynamics and interactions are still valid until this moment.

The researcher believes, that the protest momentum started from Tunisia on December 17, 2010 and ended with the departure of former President Zine El Abidine Ben Ali to power on January 14, 2011, through Egypt on January 25, and arriving in Morocco through the February 20 movement, should refer us or urge us to pay attention Street power, and the dynamism of societies and their struggles, which have been absent or absent from the political science approach.

The same context, researcher believes that the protest phenomenon in general was classified within the fields of knowledge and theoretical fields of political sociology, without taking in to account the importance of the epistemological frameworks for political science in deconstructing and explaining the phenomenon, and that research and writings within this modern and specialized field of knowledge, from within the faculties of law in Morocco, were closely related Great in power, not society, and since the end of the eighties of the last century, he has made human rights, globalization, Islamic movements and women exclusive subjects of his research, instead of focusing on issues of development, classes, social structures and social change.

have shown that the emergence of the phenomenon of social protest movements, which seek to bring about political and democratic change, in Morocco and Tunisia during the Arab Spring, through the model of February 20 and January 14, 2011, Came to replace the traditional political parties and community elites. The researcher Explaining of the comparative study, how  the constitutional and political outcomes of the political system in Morocco were able to achieve relative success in curbing the development of the protest movement, while in Tunisia the democratic transition process remains confined to the level of success of the political transition path, by laying the constitutional and institutional foundations. It is an experiment that remains vulnerable to failure and regression in the event of continued failure and stumbling, in reforming the economy and addressing the issue of social development.

Keywords: Protests and social movements, Arab Spring, transition and democratic transformation, Morocco, Tunisia.

سعى الباحث من خلال اشكالية اطروحته إلى الإجابة عن سؤالين محورين، الأول: ماهي أسباب ظهور الحركات الاحتجاجية بالمغرب وتونس في ظل موجة الربيع العربي خارج التنظيمات السياسية والاجتماعية التقليدية، كالأحزاب والنقابات وتنظيمات المجتمع الاخرى…؟ والثاني: ما هو حجم أداء هذه الحركات وتداعياتها على طبيعة النظامين السياسيين في البلدين وعلى عملية الانتقال الديمقراطي فيهما؟

وضع الباحث ثلاثة فرضيات: الأولى الحركات الاحتجاجية تعكس مواقف جماعية غاضبة أو معارضة لسياسة الدولة إزاء حدث معين، ما تلبث أن تتخذ مسارات غير متوقعة. الفرضية الثانية تذهب في اتجاه القول بأن الحركة الاحتجاجية قد تتلاشى وتَخمُدُ، نتيجة تحقيق مطالبها أو جزء منها، أو نتيجة قمعها. أما الثالثة فعد فيها الحركات الاحتجاجية القوية والمنظمة، بأنها حلقة مهمة من الحلقات الداعمة لمسار الانتقال الديمقراطي.

الباحث وأثناء معالجته للموضوع يتفق مع الدراسات المهتمة بقضايا التحولات الاجتماعية، بأن السلوك الاحتجاجي ظاهرة تاريخية ملازمة للمجتمع البشري، فهي عابرة لمختلف النظم السياسية، سواء كانت ديمقراطية أو غير ديمقراطية. في الأولى عادة ما تؤدي إلى تطوير النظام ولفت انتباهه إلى مظالم اجتماعية وتهميش سياسي، وذلك عبر تحسين أدائه وتجديد نخبه. أما في النظم الثانية فإنها تكرس وربما تعمق أزماته، لأنه غالباً ما يعجز عن الاستجابة لمطالب المحتجين، رغم قدرته النسبية على الفعل.

تبنى الباحث مقاربة نظرية تميل باتجاه الأطر والمداخل التفسيرية للحركات الاجتماعية، وإن كان هذا لا يعني البتة اغفال أو تجاهل المقاربات والاطر النظرية المهمة المهتمة بظاهرة الثورة والتمرد بشكل عام، موظفاً بشكل أكبر طرح عالم الاجتماع الفرنسي ألان توران Alain Touraine، والذي أعتبر فيها حركة مايو 1968 الثورية بفرنسا، بالمحطة المفصلية لنهاية حركات اجتماعية قديمة وبداية حركات اجتماعية جديدةNew Social Movements . فحسب الباحث هذه الحركات الأخيرة والتي تسائل سلطات سياسية وتحاسب سياسات اقتصادية واجتماعية، أوجدت امتداداً لها في الحركة الاحتجاجية الاجتماعية، التي عرفتها المنطقة العربية منذ أواخر عام 2010، تحت ما سمي “حركات وثورات الربيع العربي”، لا سيما من زاوية أشكالها التعبيرية وآلياتها التنظيمية.

وقد كان لافتاً ظهور دراسات ترى في هذه الحركات والثورات، الموجة المتتالية أو “الموجة الرابعة من الديمقراطية”، وإن جاءت متأخرة نسبة للحركة الاجتماعية، التي شهدتها بلدان أوروبا الشرقية وامريكا الجنوبية، ضد الانظمة الحاكمة الموصوفة بالسلطوية، في موجة كان الباحث الأمريكي صمويل هنتغتونSamuel Huntington، قد سماها “بالموجة الثالثة للديمقراطية”، نظراً لقدرتها على إحداث التحول الجماهيري السلمي، السريع، القسري والمنهجي للمؤسسات والمنظمات الرئيسة للمجتمع. جزء أخر من الدراسات أبرز أنه اذا كانت الحركات الاحتجاجية لهذه الشعوب قد أسقطت جدار برلين، فإن الحركات الاحتجاجية العربية المنتفضة والثائرة ضد الانظمة التسلطية، قد أسقطت جدار الصمت والخوف.

فاليوم لم يعد بالإمكان فهم ما يجري بالمنطقة والعالم، من خلال دراسة وتحليل الهياكل والمؤسسات الرسمية، أو بالتركيز على القوى التقليدية، مثل الأحزاب السياسية والنقابات العمالية، فهناك قوى جديدة خارج هذه المؤسسات، أصبحت مؤثرة وقادرة على تغيير سياسات دول، بل والإطاحة بأنظمة سياسية. كما أن المشاركة والحياة السياسية مع بروز هذا النمط من الحركات، لم تعد تقتصر على النشاط الذي يقوم به الافراد والجماعات داخل التنظيمات الحزبية، أو من خلال التمثيل في الهيئات التشريعية والحكومية. فكثيراً ما تظهر الجماعات أن هذا الاطار لا يستطيع الاسهام في تحقيق أهدافها وطموحاتها، بل انه قد يعيق سلوكها السياسي ويناقض مواقفها.

الباحث وسط الكم الهائل من التوصيفات المتداولة أو من حراك التسميات، كتعبير عن الاحداث التي هزت المنطقة العربية، منذ لحظة احتراق الشاب محمد البوعزيزي يوم 17 دجنبر 2010 في تونس، (ثورات، انتفاضات، تمردات، انقلابات، مخططات، مؤامرات…). قام بتحديد مهم على مستوى مصطلحات البحث وضبط مفاهيمه. حيث وصف الأحداث “بالحركات الاحتجاجية”، مرجعاً هذا التوصيف لعدة متغيرات:

أولاً: اعتبر فيها الحركة الاحتجاجية، هي الظاهرة المجتمعية الحاضنة لكل فعل وسلوك تمردي وانتفاضي أو ثوري.

ثانياً: هي عبارة عن تحركات مفاجئة لجماهير تشمل مجموعات مهمشة من الناس، لم تتوفر لهم قنوات التعبير عن الرأي، ولم يتمكن المجتمع المدني والأحزاب السياسية من التعبير عنهم.

ثالثاً: هي حركات تتميز بعدم وجود إطار تنظيمي لها، وبعدم امتلاكها برنامجاً لتغيير الاوضاع القائمة. عكس الثورات التي تتطلب ثلاثة مستويات: العمل التنظيري والفكري، العمل التنظيمي، العمل السياسي بما فيه من تصورات ومواقف.

رابعاً: هي حركات لا تسعى إلى السلطة، أو على الاقل لم تكن على استعداد للحكم، على خلاف أهداف الاحزاب والتنظيمات الثورية.

وفيما يخص مصطلح “الربيع العربي”، فقد كان أول من استخدم مصطلح أو تسمية الربيع العربي بعد انطلاق شرارته الاولى بتونس، هو الباحث الامريكي مارك لينش Mark Lynch، في مقالة له بمجلة “فورين بوليسي “Foreign Policy الامريكية، يوم 6 يناير 2011، أي بعد احتجاجات تونس وقبل فرار زين العابدين بن علي يوم 14 يناير 2011. ليتم بعدها تداوله على المستوى الاعلامي والصحفي بشكل أوسع.

ومن خلال البحث في دلالة المصطلح ونحث مفرداته، يقول الباحث، بأنه ذكر أول مرة من طرف كاتب فرنسي يدعى جاك ميشونJack Michon في الخمسينات من القرن الماضي، وكان قد أطلقه على دول الشرق الاوسط، خلال زيارته للمنطقة لمدة أربعة أشهر، وكتب عن الربيع العربي وكيف جعله يطرح اسئلة ليس فقط على سحر دول المنطقة وإنما على نفسه وعلى الثقافة الغربية التي نشأ فيها، والتي ما انفكت تصور المنطقة على انها صحراء قاحلة، يعيش وسطها اناس لا يتطلعون لعيش حياة افضل.

كلمة ربيع عربي ذكرت أيضاً في كتابات وتعليقات بعض من نخب المحافظين الجدد في الولايات المتحدة الامريكية، ابان مرحلة حكم ادارة جورج بوش الابن، اثناء طرحها لمشروع “الشرق الاوسط الكبير” بالمنطقة ما بين عامي 2004-2005 بعد احتلالها للعراق في العام 2003، كمشروع ادعت الادارة الامريكية حينها انه يهدف إلى نشر الديمقراطية ومحاربة الانظمة التسلطية، بدول الشرق الاوسط وشمال افريقيا، في اطار سياستها لمحاربة جذور الارهاب.

وبالنسبة لكثير من الباحثين والمهتمين بسوسيولوجيا الحركات الاحتجاجية والاجتماعية، فمصطلح الربيع العربي، هو صورة لحركات ربيع الشعوب بأوروبا في العام 1848، والتي جاءت مفاجئة في زخمها وسقف مطالبها وطريقة انتشارها بين ساحات المدن الأوربية، كما حدث في ساحات وميادين تونس والقاهرة واليمن. هذا بالرغم من تحفظ البعض على هذه المقارنة، دون أخذ بعين الاعتبار لمجموعة من الشروط والمحددات، التي وسمت بنيات تشكل المجتمعات العربية وأسهمت في جزء كبير منها في تحول هذا الربيع العربي إلى ما يشبه الشتاء المحملة بالأعاصير والفيضانات في بلدان كسوريا وليبيا واليمن.

يشير الباحث في أخر هذه النقطة أن استعماله لمصطلح الربيع العربي، لا يحمل من وراءه أي تصور أو صبغة، قد يوحيان بأبعاد عرقية أو إثنية أو فئوية. ويبقى عموماً الهدف الاساسي من استخدام المصطلح، بالنسبة للبحث، هو مواكبة موجة الحركات الاحتجاجية المنطلقة في خضم أحداثه، وكذا تحديد وحصر الحيز الزماني للبحث، والذي ينطلق بشكل اساسي من العام 2011 وينتهي في زمن تقديمه.

الربط بين ظهور الحركات الاحتجاجية والاجتماعية في المغرب وتونس زمن الربيع العربي وبين فرص الانتقال الديمقراطي بالبلدين، يعتقد الباحث بأن تناوله من زاوية مدخل مفهوم “الانتقال الديمقراطي”، من شأنه أن يعيد تسليط الضوء، على  موضوع غياب الديمقراطية بالبلدان العربية، والذي أثار ولا يزال الكثير من الاشكالات والاسئلة، بالرغم من كثرة الكتابات والابحاث بخصوصه، سواء المحلية أو الاجنبية. وقد ازداد هذا القلق والعجز عن التفسير، باتساع وانتشار موجات عدة من الديمقراطية على ازيد من نصف قرن، وبعد أن اصبح هناك تراكماً معرفياً وعلمياً حول الموضوع حالياً يسمى “علم الانتقال الديمقراطي “Transitologie، والناتج عن استخلاص الدروس من تجارب وخبرات البلدان، التي انتقلت من حكم الانظمة السلطوية نحو الحكم الديمقراطي، لكي تكون عاملاً مساعداً لباقي البلدان التي تحاول التخلص من السلطوية.

الباحث دافع عن الدراسة المقارنة، وذلك عندما أسهب في الاجابة عن سؤال البحث المقارن لماذا وكيف؟ فالسياسة المقارنة من بين الفروع المعرفية والعلمية الحديثة النشأة، وترى أغلب الدراسات المنشورة خلال العقدين الماضيين، لا سيما ذات التوجه الفرنكفوني، بأن حقل السياسة المقارنة هو من بين الحقول المعرفية المنتمية لعلم السياسة بشكل خاص وللعلوم الاجتماعية بشكل عام، وأن الاعتماد على الادوات المنهجية التي يوفرها حقل السياسة المقارنة لتحليل الظاهرة البحثية، أصبح ملازمة لا غنى عنها لكل الباحثين في علم السياسة مهما اختلفت انتماءاتهم وتوجهاتهم.

ولعل من اهم الاسئلة التي قد تتبادر إلى ذهن الباحث والاكاديمي المتخصص والقارئ على السواء، هي لماذا المقارنة بين تجربة الاحتجاج بالمغرب وتونس ومفرزات التجربتين في الدفع بعملية الانتقال الديمقراطي بالبلدين، وما اهمية هذه المقارنة في عملية التفكيك البحثي والضبط المنهجي لموضوع الاطروحة، وهي الاسئلة التي تتقاطع مع طرح الباحث الإيطالي جيوفاني سارتوري Giovani Sartori في مقاربته للدراسة المقارنة، عندما رأى بأن المقارنة الجيدة، هي تلك التي تحاول أن تجيب على ثلاثة اسئلة رئيسية، لماذا نقارن؟ وماهي المقارنة؟ وكيف نقارن؟.

تجد المقارنة مبرراتها النظرية في وجود مستوى معين من الوحدة والعموم في الظاهرة الانسانية، تبرز معها بعض التشابهات والاختلافات بين التجارب المقارنة. وهي التجارب التي قد تكون عبر مجتمعية، اي مقارنة مجتمع بمجتمع مغاير، سواء تمثلت هذه المجتمعات في كيانات مستقلة في صورة دولة أو كانت أجزاء من دول، مقارنة مثلاً مجموعة بشرية بمجموعة أخرى بدولتين مختلفتين، أو تكون تجربة المقارنة عبر دولية وهي التي تتخذ من الدولة اطاراً للمقارنة. كما ان مستوى المقارنة قد يكون جزئياً أي مقارنة عنصر بعنصر كما هو شأن المقارنة عبر ثقافية، أو مقارنة كلية تضع تجربة البلد السياسية، بما هي افراز لعنصر الاقتصاد والمجتمع والثقافة في الميزان مقارنة مع تجربة البلد الأخر.

وفي مقارنته لتجربتي الحركات الاحتجاجية في ظل حركات الربيع العربي في المغرب وتونس، وما نتج على إثرهما من تجارب سياسية في مسار الوصول للانتقال نحو الديمقراطية،  اعتمد البحث المقارنة عبر مجتمعية والكلية، نظراً لوحدة الانتماء للجغرافيا واللغة والدين والثقافة، وكذا حجم التشابه في طبيعة الانماط الاقتصادية والتشكيلات الاجتماعية، المتولدة عن فترة ما بعد الاستعمار بالبلدين، التشابه يشمل أيضاً وجود تعددية حزبية ودينامية مجتمعية ولدت ظهور حركات احتجاجية ومدنية، وان كانت بيئة تحركهما تختلف وسط نسقين سياسيين متباينين في درجة انفتاحهما على قوى المجتمع والمعارضة السياسية، لاسيما بعد وصول زين العابدين للسلطة عام 1987 والملك محمد السادس في العام 1999.

سلك البحث في اطار اجابته على الاشكالية تقسيماً ثنائياً، حيث أن القسم الاول والمعنون: الاطار النظري للحركات الاحتجاجية الاجتماعية ومقاربة نموذج حركة 20 فبراير بالمغرب وحركة 14 يناير بتونس، تم تقسيمه إلى فصلين، فصل أول، خصص للإطار النظري للحركات الاحتجاجية الاجتماعية، وفصل ثاني تمت فيه مقاربة الأطر النظرية للحركة الاحتجاجية الاجتماعية، من خلال نموذج حركة 20 فبراير بالمغرب وحركة 14 يناير بتونس. أما القسم الثاني والذي جاء بعنوان: حركة 20 فبراير بالمغرب و14 يناير بتونس وأثرهما في عملية الانتقال الديمقراطي بالبلدين، فهو الآخر ضم فصلين، فصل أول حول حركة 20 فبراير: حجم التفاعل وحدود التأثير في عملية الانتقال الديمقراطي، وتمت فيه  دراسة التجربة السياسية المغربية لما بعد انطلاق الحركة والمتسمة بالإصلاح، وفصل ثاني بعنوان، حركة 14 يناير بتونس، قدرة الإنجاز وفرص الانتقال الديمقراطي، تطرقنا فيه لدراسة التجربة السياسية التونسية ما بعد رحيل زين العابدين بن علي.

نتائج البحث وتوصيات الباحث

أظهرت نتائج البحث وفي إطار الإجابة على الإشكالية الموضوعة، أن بروز ظاهرة الحركات الاحتجاجية الاجتماعية، التي تسعى لإحداث التغيير السياسي والديمقراطي، في كل من المغرب وتونس أثناء زمن الربيع العربي، من خلال نموذج حركة 20 فبراير و14 يناير 2011، جاءت بعد كشف عجز وضعف الأحزاب السياسية ونخب المجتمع التقليدية، ونتيجة إدراكها بأن تحقيق التحول الديمقراطي، هو رهين بخلق ميزان قوى جديد من داخل المجتمع، كعامل ضاغط وداعم لجعل النظام السياسي يقدم على تلبية مطالب المحتجين ويحقق تطلعاتهم.

وعلى مستوى مألات التجربة الإصلاحية بالمغرب وتجربة الانتقال الديمقراطي بتونس، على الاقل في الأفق المنظور يستنتج البحث:

بخصوص تجربة المغرب

استطاعت مخرجات النظام السياسي الدستورية والسياسية، (الاصلاح الدستوري لفاتح يوليوز2011، انتخابات تشريعية مبكرة يوم 25 نونبر من نفس السنة)، في تحقيق نجاحاً نسبياً، في لجم وكبح تطور الحركة الاحتجاجية، كخطوات تفاعلية منه مع مدخلات البيئة المجتمعية، التي أفرزها الشارع المحتج والمتمثلة في المطالب المرفوعة من قبل حركة 20 فبراير. هذا الأمر يظهر مرونة النظام السياسي على التكيف مع المتغيرات سواء الداخلية أو الخارجية، وفي قدرته على الاستجابة لبعض المطالب، لكنه سرعان ما ينفك يتراجع عنها أو يفرغها من مضمونها بإجراءات موازية، مما يعني أنه لا يتوفر على إرادة ذاتية للإصلاح، بقدر ما يفعل نتيجة الضغط، ووفق استراتيجية احتواء وانهاك المنافسين. 

بخصوص التجربة التونسية

تبقى عملية الانتقال الديمقراطي محصورة في مستوى إنجاح مسار الانتقال السياسي، من خلال  وضع الاسس الدستورية والمؤسساتية، وكذا تنظيم انتخابات تشريعية ورئاسة حرة ونزيهة، مما جعل من الاطراف والقوى السياسية تتنافس على السلطة سلمياً، في تجربة أولى وفريدة بالمنطقة العربية، غير أن التجربة الديمقراطية التونسية والتي تتميز بمقومات عديدة للنجاح، تبقى معرضة للفشل والتراجع في حالة مواصلة الاخفاق والتعثر، في اصلاح الاقتصاد ومعالجة قضية التنمية الاجتماعية، المرتبطة بمحاربة الفقر والبطالة وغياب العدالة والمساواة.

توصيات الباحث

الأولى: أمام النقص الحاد للدراسات والابحاث المهتمة بالتحولات الاجتماعية والسياسية، على مستوى بنية تشكلها ومألات تطورها، خاصة في كليات الحقوق والانشغالات البحثية لتخصص علم السياسة، يرى الباحث أنه من الاهمية البالغة، مواصلة تعميق الدراسة في هذا الاتجاه، عبر تشجيع طلبة وباحثين أخرين للبحث في اشكالات أخرى، وتسليط الضوء على عناصر أغفلها البحث أو لم يتناولها بالجدة المطلوبة.

الثانية: أمام ما شهدته الساحة السياسية من نقاش وجدال بعد انتخابات 7 اكتوبر 2016 التشريعية، نتيجة مواجهة حزب العدالة والتنمية الفائز بالانتخابات وزعيمه عبد الاله بن كيران المكلف بتشكيل الحكومة، لوضعية جديدة على الفعل السياسي بالمغرب، سميت بحالة “الاستعصاءBlocage “، والتي منعته من تشكيل حكومته لأكثر من خمسة أشهر على نتائج الانتخابات، وما تلى ذلك من إعفائه من قبل الملك وتكليف مكانه سعد الدين العثماني المنتمي لذات الحزب كرئيس للحكومة. يرى الباحث أنه من الاهمية تناول الابحاث و الدراسات في المستقبل، لحدود أطروحة الاصلاح من الداخل على انجاز التحول الديمقراطي بالمغرب، وكذا البحث عن خطوط التماس والتضاد الفاصلة بين الارادة الحزبية الانتخابية والارادة السلطوية، وأثرهما على بنية النسق السياسي واعادة تشكيله، خاصة بعد مرور تجربتين سياسيتين مختلفتين من حيث السياقات التاريخية ومسارات الفعل السياسي، الأولى مع حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في عهد حكومة عبد الرحمان اليوسفي (1998-2002)، والثانية مع حزب العدالة والتنمية إبان حكومة عبد الاله بن كيران (2012-2016).

الثالثة: الحث على مزيد من انفتاح الدراسات والابحاث الجامعية على التجارب المقارنة، لاسيما لتلك التي تشبه بنية مجتمعنا.