الفلسفة السياسية ومسألة العنف

⁎ مصدر الصورة: مواقع التواصل الاجتماعي

إن الفلسفة السياسية، حسب ليو ستروس، تهدف إلى الإمساك “بالأشياء السياسية”(1) وإلى فهم معانيها بحثا عن ماهيتها وحقيقتها، وهي كذلك تفكير وتأمل في القيم الإنسانية، وهي قيم سياسية وأخلاقية، كالمساواة والعدالة والحرية والوحدة الخ…(2) وبالتالي تتمحور الفلسفة السياسية حول الغايات المتوخاة من السلطة بصفتها الأداة الضرورية لتحقيق القيم(3). فما هي مكونات هذه السلطة وما هي طبيعتها؟ إن تحديد هذا التساؤل يبدو ضروريا منذ الوهلة الأولى حيث أن القيم السياسية والأخلاقية، تبقى رهينة بطبيعة السلطة التي يتعين عليها ترجمتها على مستوى الواقع. ولما نحاول معاينة السلطة والإحاطة بها انطلاقا من التاريخ ومساره نصطدم، بصفة تكاد تكون حتمية، بظاهرة العنف.

    ذلك أن العنف يبدو كأنه يحوم حول السلطة بل مرتبط بها، ولعله كان كامنا فيها. ونراه يهدد وجودها واستمراريتها في ذات الوقت. وهنا تتمثل المفارقة الأولى!

    وإذا أخذنا بالفكرة القائلة بأن العنف يمثل إحدى مكونات السلطة وهو لصيق بها، فكل القيم الأخلاقية والسياسية تبقى مرتبطة بشكل أو بآخر بالعنف. فبناء “المدينة الفاضلة” بمعنى آخر، يوجب نظريا اللجوء إلى العنف ما دام العنف محايثا للسلطة، أيا كانت هذه السلطة. العنف إذن من أجل الحكمة والفضيلة! وهنا تكمن المفارقة الثانية!

    هذا المأزق النظري يدعونا إلى التساؤل عن حقيقة العنف. هل هو بالفعل ملازم للسلطة، لصيق بالعمل السياسي ومرتبط بكل اجتماع بشري؟ كما ذهب إلى ذلك عدد كبير من المفكرين المحدثين كماكس فيبر وكارل سميت وجوليان فروند وغيرهم… أم هو ظاهرة تاريخية، متغيرة وعارضة مرتبطة بطبيعة السلطة وبأهدافها وببنية التركيب الاجتماعي؟