منازعات الهيئات المهنية بين القضاء العادي والقضاء الإداري

الملخص:

  إن  ظهور الهيئات المهنية وتنظيمها، كان بضرورة تنظيم وضبط  جزء من أنشطة المهنيين خارج السلطة المباشرة للدولة وجعلها تحت رقابتها الغير المباشرة؛ وذلك لتحقيق بعدين أساسيين؛ البعد الأول فلسفي يهدف لحماية المهن الحرة من التطاول عليها من طرف أشخاص لا يتوفرون على الكفاءة الكافية للقيام بالمهنة، والثاني إجرائي وظيفي مرتبط بخلق الهيئات المهنية كأشخاص اعتبارية تنازلت لها الدولة عن بعض اختصاصاتها في ما يتعلق بتنظيم وتدبير ورقابة المهنيين المنتسبين لها، واحتفظت تبعا لذلك بمجموعة من الصلاحيات السيادية التي لا يمكن للدولة الحديثة أن تتنازل عنها لباقي الأشخاص الاعتبارية مهما كان مستوى الصلاحيات التي أعطيت لها قانونا، لتحقيق التوازن بين علاقة المهنيين بالدولة وعلاقتهم بهيئاتهم وعلاقتهم بزبنائهم، في شكل ديمقراطي يضمن الشفافية و النزاهة اللازم توفرها في المنتسبين لهذه المهن.

وحيث أن الهيئات المهنية بالمغرب تطرح إشكالا رئيسيا في تحديد الطبيعة القانونية للهيئات الممثلة لها، هذا الاختلاف في تحديد الطبيعة القانونية له تأثير مهم على القرارات الصادرة عنها وبالتبعية على تحديد الجهة القضائية المؤهلة للبت في المنازعات المرتبطة بنشاطها، وذلك نظرا أن المهن الحرة تحكمها ثوابت أربع هي:

  • علاقة المهني بالدولة.
  • علاقة المهني بالهيئة.
  • وعلاقة المهني بالزبناء.
  • علاقة المهنيين فيما بينهم.

وبذلك لا يوجد ما يمنع من سن مدونة عامة للمهن الحرة بالمغرب تسند الاختصاص إما للنصوص التنظيمية أو مقررات الهيئات المهنية فيما يتعلق بثوابت وأخلاقيات كل مهنة حرة على حدة.

Professional Bodies Disputes: between Ordinary and Administrative Courts

Summary:

The emergence and organization of professional bodies, was necessary to organize and control part of the activities of professionals not subject the direct authority of the state, and place them under its indirect authority, with the purpose to achieve two fundamental dimensions:

  • The first dimension is philosophical and aims at protecting liberal professions from abuse by people who do not have sufficient competency to carry out these activities.
  • The second is procedural and functional, related to the creation of professional bodies as legal persons to whom the state has handed over some of its attributions, mainly those related to organization, management and oversight of its affiliated professionals.

Accordingly, it has retained a set of sovereign powers that the modern state cannot concede to other legal persons, regardless of the level of powers that given to them by law. The purpose of this is to achieve a balance in the relationship between professionals and the state, and between professionals and their bodies, as well as their relationship with clients, in a democratic way that guarantees the transparency and integrity required for the people belonging these professions.

Since the professional bodies in Morocco cause a major problem in determining the legal nature of their representative bodies, an important impact may be noticed on the decisions and on determining the competent judicial authority to decide on disputes related to its activity.

This is because liberal professions are governed by four factors:

  • The professional’s relationship with the state;
  • The Professional’s relationship with the body, he belongs to;
  • The professional’s relationship with clients;
  • The professionals’ relationship with each other.

Therefore, there is nothing to prevent the establishment of a General Code for the liberal professions in Morocco that assigns jurisdiction to either the regulatory texts or the decisions of professional bodies, with regard to the constants and ethics of each liberal profession separately.

تقرير المناقشة:

في يوم الجمعة 12مارس 2021، بقاعة الاجتماعات بالملحقة الثانية برحاب كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بطنجة، ناقش الطالب الباحث عمر أفروخ أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام في موضوع: منازعات الهيئات المهنية بين القضاء العادي والقضاء الإداري، أمام لجنة مكونة من الدكتور الحاج الشكرة رئيسا، والدكتور عبد الواحد مبعوث مشرفا وعضوا، والدكتورة حنان بنقاسم، والدكتور سوفيان مسرار، والدكتور حميد ولد البلاد أعضاء.

وقد اشتمل هذا البحث على مقدمة تضمنت العناصر المتطلبة في بنائها من إطار عام وخاص للموضوع، وأهمية الموضوع التي تتجلى في جرد وبيان القواسم المشتركة بين الهيئات المهنية لتأسيس ضابط تشريعي عام للمهن الحرة بالمغرب يغني عن هذا الشتات والتعدد، ودوافع اختيار الموضوع الذي تتجلى في أن منازعات المرتبطة بالهيئات المهنية من أكثر المواضيع التي اثارت إشكالات بين الفقه والقضاء، وانعكست هذه الإشكالات على العمل القضائي.

وفي سبيل معالجة هذا الموضوع، فإن جميع مناهج البحث المعتمدة في علم الإجتماع يمكن الاعتماد عليها في معالجة هذا الموضوع؛ ولكن ومع ذلك فإن القاعدة تقتضي أن وحدة الموضوع تتطلب وحدة المنهج، لكن نظرا لأهمية الموضوع وشساعته فقد تم الاعتماد على المقاربة القانونية التي تسمح من الاقتراب من الضوابط المتعارف عليها والقواعد المدونة والغير المدونة الخاصة بمؤسسات الهيئات المهنية من أجل الوقوف على مدى تطابق الفعل مع القاعدة القانونية أو انفلاتها من ضوابطها.

وبناء على الإشكالية التالية:

إلى أي حد يمكن الحديث عن منازعات الهيئات المهنية؟ ومدى الرقابة القضائية على مقرراتها؟ تم تقسيم

هذه الإشكالية تفرعت عنها مجموعة من التساؤلات حاولنا الإجابة عنها بشكل مستفيض.

أخذا بعين الاعتبار اختيار الموضوع والاشكالية الرئيسية وما تفرع عنها من تساؤلات والمناهج المعتمدة في التحرير قسمنا الموضوع إلى قسمين:

حمل الأول عنوان: طبيعة منازعات الهيئات المهنية المرتبطة بتكوينها وباختصاصاتها.

والذي استنتج منه أن الإشكالات المتعلقة بطبيعة الهيئات المهنية المرتبطة بتكوينها وباختصاصاتها ومدى شروط ممارسة مهنة حرة منظمة بالمغرب يجب أن يخضع لمجموعة من الضوابط المسطرية المنصوص عليها في النصوص التشريعية والتنظيمية التي تنظم تلك المؤسسات. لكن الضوابط التي تحدد قواعدها والاطار العام لممارستها يبقى غير واضح من الناحية العملية، خصوصا وأن هناك صنف من الهيئات لا زالت تخضع لتعليمات إدارية تصدر عن الجهاز الحكومي المختص يقتصر دور مجالسها بالسهر على احترام القواعد التي تنظم المهنة، في حين تبقى أجهزة هذا الصنف من الهيئات شكلية فقط، الأمر الذي يضع على اختصاصات تلك الهيئات أكثر من علامة استفهام، ومدى فعالية الأجهزة المنتخبة في علاقتها بمنتسبيها وبالسلطة الحكومية، فكان من نتيجة ذلك الغموض اختلاف في طرق الطعن المتاحة وإقامة الدعوى لوقف تنفيذ أو نفاذ القرارات سواء كانت أمام الهيئة أو لدى القضاء المختص، فمنها من اعترف له القانون باللجوء للقضاء الإداري، وهذا الاعتراف منح لمؤسسات الهيئات المهنية صفة المرفق العام بدون عناء، ومنها من بقي فيها القانون صامتا جعل من المنازعات تتدحرج بين القضاء العادي والاداري، فكان من نتائجه أن التوجه القضائي لمحكمة النقض مناقضا، مما فتح الباب لنقاش فقهي وقضائي يتعلق بتصنيف وتوصيف الطبيعة القانونية لمؤسسات الهيئات المهنية.

وبخصوص الصلاحيات والاختصاصات التي اعترف لها القانون والقضاء، فإنه لم يعد من المقبول اعتبارها مؤسسات من صنف خاص، بل يجب تثبيت تلك المكتسبات والتصريح بالطابع العمومي لتلك المؤسسات، والقضاء على التمييز الذي فرض عليها وذلك إعمالا لمبدأ المساواة المعمول به في القانون الاداري مادام أن النشاط المهني موجه لتلبية حاجيات ذات مصلحة عامة.

ومن جانب آخر فقد تمت ملاحظة من خلال دراسة الهيكل التنظيمي لمؤسسات الهيئات المهنية أن هناك تشابه كبير في الأجهزة ذات الصنف المتقارب وعلى سبيل المثال لا الحصر؛ هيئات المهن الصحية: كهيئات المهن الطبية، وهيئة الصيادلة، وهيئات المهن التقنية كهيئة الخبراء الحيسوبيين وهيئة المهندسين المعماريين…، هذا التقارب لم يستثمره المهنيون ولا هيئاتهم، وهذا أمر لم يسمح بتطوير عمل الهيئات المهنية بالمغرب، مما يجعلها تعاني من مجموعة من التمظهرات السلبية.

كما تم الاستخلاص من طبيعة منازعات الهيئات المهنية المرتبطة بتكوينها وباختصاصها أنها هيئات احتكارية مثلها مثل باقي المؤسسات العمومية (الغرف المهنية مثلا)، ولكنها ليست كالنقابات المهنية. لأنها ترغم أفرادها على الانضمام الإجباري، فلا يجوز لأي أحد مزاولة النشاط المهني قبل الانخراط في الهيئة، وإلا تعرض لأداء غرامات مالية ولعقوبات جنائية

وكما هو معلوم أن هناك علاقة وطيدة بين الهيئات المهنية والدولة لحماية المهنة ولا يمكن تصور وجود صراع ويصعب تصور وقوع قطيعة بين الاثنين، لكن هذه العلاقة لم تسر في اتجاه الاعتراف بصفة المرفق العام.

كما أن موقف الفقه والقضاء من الطبيعة القانونية للهيئات المهنية يعرف عدم استقرار الاجتهاد القضائي في مجال منازعات الهيئات المهنية، الشيء الذي أثر بشكل كبير على الطبيعة القانونية لهذه المؤسسات المهنية، ومدى اعتبارها من أشخاص القانون العام، خصوصا وأن النصوص التشريعية والتنظيمية المتعلقة بها تضعها أمام واقع الحال باعتبارها من أشخاص القانون الخاص وهو واقع لا مفر منه.

– أما القسم الثاني فقد عنوناه ب: الرقابة القضائية على مقررات الهيئات المهنية وعلى نشاط أعضاءها في علاقتهم مع الزبناء.

والذي استخلص منه:

أن الهيئات المهنية تضم فئتين من المهنيين منهم من يمارس نشاطه المهني بالقطاع الخاص، ومنهم من هو موظف عمومي بالقطاع العام، وكل هؤلاء يمثلون الطبقة المتوسطة بالبلاد، مما يذر على خزينة الدولة موارد لا بأس بها، وتقدم خدمات في غاية الدقة والاحتراف لا غنى للدولة ولا للمجتمع عنها، هذه الفئة تنظم نفسها عن طريق هيئاتها المنتخبة وفق القوانين المنظمة لها. هذه الأخيرة تساهم في تفعيل، وتطوير العمل القضائي وذلك من خلال الدور الذي تلعبه في ضبط واحترام معايير الدخول إلى المهنة، الامر الذي يؤدي في الغالب للرقابة القضائية، لكن هذه الأخيرة لا تعرف الاستقرار.

وذلك راجع بالأساس لتعدد  وتنوع النصوص التشريعية والتنظيمية بالنسبة كل هيئة على حدة، وتنوع واختلاف الجهات المؤهلة للرقابة عليهم وتنوع واختلاف المقررات الصادرة عنهم، وتنوع واختلاف الجهات القضائية التي يمكنها ممارسة الرقابة القضائية على مختلف هذه الوضعيات، التي تنازعت طبيعة هذه الهيئات ومقرراتها بين قائل بأنها من أشخاص القانون العام، و قائل بأنها من أشخاص القانون الخاص ذو طبيعة خاصة، فبالنسبة للموقف الأول يعتمد على فكرة أن هذه الهيئات هدفها المنفعة العامة، و كمثال على هذه الهيئات هناك هيئتي المهندسين على سبيل المثال، لأن أهدافها ذات نفع عام حيث يخولها المشرع حقوقا من نوع ما تختص به هيئات إدارية عامة، و بالنسبة للرأي الثاني فإنها يعتبرها من أشخاص القانون الخاص نظرا لطبيعة نشاط المهنيين من جهة و نشاط الهيئات التي ينتمون إليها من جهة أخرى.

استنادا إلى كل هذه الاستنتاجات تم  رفع مجموعة من المقترحات المتمثلة في الآتي:

  • أولا: ضرورة التفكير بشكل جدي في إصدار مدونة موحدة للهيئات المهنية، تحدد بدقة القواعد المشتركة بين كافة الهيئات المنظمة قانونا.
  • العمل بمبدأ الترشيح المزدوج (مهني-مهنية) في الانتخابات المهنية الخاصة برئاسة مجالسها الجهوية أو المجلس الوطني، إسوة بالتجارب المقارنة؛
  • على المشرع أن يفكر، في إطار مقاربة تشريعية شمولية، غايتها تبسيط المساطر والرفع من جودة القاعدة القانونية لتساهم في تحقيق الامن القانوني المنشود، بالنص صراحة على أن المقررات التي تصدر عن المجالس المنتخبة بالهيئات المهنية المتنوعة هي ذات طبيعة إدارية.
  • اعتماد المراقبة الالكترونية على الهيئات ومهنييها؛
  • على المشرع إيجاد تعريف دقيق للأخطاء المهنية وتوسيع مجال الأخطاء المهنية بالموازاة مع تطور المجتمع والمهنة؛
  • إيجاد نظام للتغطية الاجتماعية (مهمة جدا) شمولي لكافة مهنيي ومستخدمــــــــــي الهيئات المهنية، خصوصا وان بعض الهيئات، منها هيئة العدول لا تتوفر على نظام للتغطية الاجتماعية؛
  • توحيد قنوات نشر العقوبات التي تطال المهنيين؛ حتى يتسنى للمستهلك الاطلاع عليها بشكل سلس ومرن.
  • على الهيئات المهنية أن تضع رهن إشارة العموم برامجها السنوية المسطرة، من أجل التعرف عن قرب على المهام والخدمات التي توفرها لمنتفعيها، الأمر الذي سيساهم في تعزيز أواصر الثقة بين الجانبين؛
  • استثناء المنازعات الناشئة بين المنتسبين أو أعضاء الهيئات المهنية بمناسبة ممارستهم لنشاطهم المهني مع زبنائهم من اختصاص القضاء الإداري، وجعل القضاء العادي هو المختص للبت في مثل هذه الخصومات، لأن العلاقة التعاقدية غالبا ما يكون إطارها القانوني متمثلا في عقد خاضع للقواعد العامة المنصوص عليها في قانون الالتزامات والعقود، إن لم يوجد نص قانوني خاص ينظم هذه الرابطة بين الطرفين؛
  • مطالبة كافة الهيئات المهنية بضرورة تشجيع الدراسات التي يكون موضوعها الأساسي ومحلها تلك المؤسسات، لتوضيح ما هو غامض، ولمساعدة أعضاءها على الفهم السليم للمقتضيات المنظمة لمهنتهم ولأجهزة هيئتهم، وبالتالي التنزيل السليم لقواعده وتحقيق نجاعة الأداء بالنسبة لمجالسهم المنتخبة؛
  • دعوة هذه الهيئات المهنية إلى الانفتاح على المؤسسات القضائية والعلمية لتبادل الخبرات والدراسات، وذلك بواسطة اتفاقيات وشراكات متعددة الأطراف لتوفير النخب الإدارية العاملة في أجهزة الهيئات المهنية، كما يجب الرفع من التحسيس بأهمية الهيئات المهنية ودورها في تقديم الخدمات ذات المنفعة العمومية.
  • إعطاء الأولوية لحق التغطية الاجتماعية لمستخدمي الهيئات ومستخدمي المهنيين، وذلك بإلزام المجالس وكذا المهنيين بالتصريح السنوي بوضعية المستخدمين اتجاه صندوق الضمان الاجتماعي.
  • العمل على الحيلولة دون تمظهر هذه الهيئات كجماعات ضغط (لوبيات)؛
  • يجب استصدار قانون جديد يحدد العلاقة بين الدولة وبين مؤسسات الهيئات المهنية؛
  • يجب الرفع من نسبة استقلالية لبعض مؤسسات الهيئات المهنية والتي تعد لحد الآن نسبية؛
  • إنشاء قضاء متخصص في مجال الهيئات المهنية على نهج تجربة القضاء الإداري؛
  • وأخيرا: التعجيل بعقد دورات تكوينية في الموضوع الذي كان محل وجوهر هذه الدراسة، لفائدة السادة القضاة، للاطلاع عن قرب سواء نظريا أو عمليا على الإطار القانوني والتنظيمي المنظم لكافة الهيئات المهنية بالمغرب وفهم طبيعة مقرراتها في حق منتسبيها، ونفس الأمر لفائدة منتسبي الهيئات المهنية وخاصة الذين يتولون مهاما تمثيلية بإحدى الأجهزة التقريرية لكل هيئة مهنية على حدة، إذ في الغالب ما يكون هؤلاء ملمين بالجوانب التقنية المتعلقة بكل مهنة.