إكراهات التعمير بضواحي مدينة الدارالبيضاء: حالة جماعة مديونة

نُشرت هذه الدراسة ضمن المؤلف الجماعي الذي أصدره مركز تكامل للدراسات والأبحاث سنة 2019 بعنوان: “تدبير المجالات الحضرية بالمغرب في سياق متغير-مؤلف جماعي-” وهو معروض في المكتبات.

مقدمــــة

شهد المغرب نموا حضريا مرتفعا خلال العقود الأخيرة، فالمتتبع لهذا النمو يلاحظ أن نسبة الحضريين ما فتئت تتزايد منذ بداية القرن العشرين، حيث انتقلت من 20% حسب تعداد سنة 1936، إلى29% سنة 1960، لتصل هذه النسبة سنة 1994 إلى51.4%،[1] ثم إلى 60% حسب إحصاء سنة 2014. ورافق هذا الارتفاع في عدد الساكنة الحضرية تضاعف عدد المراكز الحضرية باختلاف أحجامها، وتوسعا كبيرا في المدارات الحضرية، كما ساهم هذا النمو وما واكبه من تراكم متوالي لحاجيات السكان المجالية في الضغط على المجالات الحضرية، وخاصة بالمدن الكبرى، التي شهدت  تعميرا سريعا، جعلها تزحف نحو الأرياف المجاورة لها .

لكن عدم التحكم في هذا التوسع الحضري، وإخضاعه لضوابط ومقاييس تبرز جماليته وقيمته، قلبت الصورة رأسا على عقب، حيث تأثرت الضواحي بمجموعة من الاختلالات المترتبة عن غياب التخطيط القبلي لتدبير التعمير، وأصبحت المنفذ الوحيد لما تدهور وفسد في المدارات الحضرية بالمدن الكبرى.

للوقوف على هذه الظاهرة بشكل ملموس، سنقوم برصد بعض إكراهات التعمير بالمجال الضاحوي جنوب شرق مدينة الدار البيضاء، وهي المدينة التي عرفت أكثر من غيرها توافدا سكانيا متزايدا منذ بداية القرن العشرين، حيث تمكنت بفضل موقعها الفريد داخل الشبكة الحضرية وبفعل مكانتها الاقتصادية المساهمة في خلق دينامية مجالية جعلتها تنمو وتتوسع على حساب الضواحي المحاذية لمدارها الحضري، ثم جاء التصميم التوجيهي الأخير لسنة 2010 ليفتح هذه الضواحي أمام التعمير بشكل انتقائي.[2]

ما جعلها تعرف إشكالات متعددة المظاهر، أبرزها تغير استعمال التربة والضغط على المجال،وتحولات اجتماعية همت الساكنة والمسألة العقارية، ومصير الفلاحة بأحواز هذه المدينة الكبرى،[3] إضافة إلى إشكالات بيئية تتجسد في تدهور الوسط من جراء تمركز المطارح والمقالع ومستودعات البضائع الوازنة والمستهلكة للمجال ومستودعات الخردة.


[1] – قاسم جمادي، 1995، المدن الكبرى المغربية: إثبات الذات وتناقض الوجدان،الملتقى الثاني لجغرافية المدن، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك – الدار البيضاء، ص: 58.

[2] – المصطفى الشويكي، 1996، الدار البيضاء مقاربة سوسيومجالية،. منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية عين الشق – الدار البضاء، سلسلة الأطروحات والرسائل، ص: 229.

[3] – سعيد أيت حمو، 2006، تراتب المجال حول الدار البيضاء وانعكاسات تمدين الفلاحة على أحوازها، أطروحة دكتوراه الدولة، كلية الآداب والعلوم الإنسانية المحمدية  – جامعة الحسن الثاني،الدارالبيضاء. ص: 9.(غير منشورة)