الديني والدنيوي في الدّولة المغربية

تقديم:

ما تمخّض عنه “الربيع العربي” من نتائج، وخاصة في البلاد التي سار فيها إلى منتهاه مثل مصر وتونس وليبيا، وما عرفه المغرب من تحوّلات دستورية وسياسية عقب الخطاب الملكي ل 9 مارس 2011، كلّها أحداث متسارعة أعادت إلى الواجهة، أكثر من أي وقت مضى، سؤال العلاقة بين المجالين السياسي والمدني.

 في المغرب، نجد الدين حاضرا في حياة الناس بطريقة عفوية وعادية كإيمان وكقيم أخلاقية ومجتمعية. ونجده أيضا حاضرا في السلوك والخطاب السياسيين، سواء عند الدولة التي يبدو أن علاقتها بالدين يشوبها كثير من الضغط التاريخي واللبس السياسي، أو عند الأحزاب السياسية التي بدأت منذ مدّة ليست باليسيرة تستحضره بدرجات متفاوتة في مؤتمراتها وإعلامها وحملاتها الانتخابية، كما نجده كامل الحضور عند بعض الحركات والجماعات التي دخلت الحلبة السياسية باسم المرجعية الدينية. 

 ليس غريبا إذن، أن تشكّل الظاهرة “الإسلامية” موضوعا لدراسات متعددة المشارب. وليس غريبا أيضا أن يصبح “الدين” فضاء يفرض نفسه على كل الفاعلين السياسيين والمدنيين، سواء بالصراع من أجل تملّكه واحتكاره، أو احتلال موقع ما وتقاسمه مع الآخرين أو، وهذا ليس بالشيء اليسير، إبداء الرأي فيه والتحذير من ولوج مسالكه.

 وإذا كان من المبالغة ادّعاء القول الفصل في هذا العرض الموجز، (يكفي النظر في كتابات هشام جعيط، وعبد الله العروي وعزيز العظمة ومحمد أركون وعابد الجابري ورضوان السيد وغيرهم لنحسّ بعمق الإشكال)، فإننا لا نطمح إلى أكثر من إبداء بعض الملاحظات عن العلاقة بين الإسلام والسياسة في المغرب.

كلما طرحت المسألة الدينية للمناقشة يتجّه التفكير غالبا إلى الدولة وتحديدا “الملكية” بوصفها جامعة بين الدين والسياسة ومحتكرة للفضاء الديني، تاريخيا باسم “البيعة” التي أصبح يعتبرها البعض تقليدا ذي جذور عميقة في الزمن السياسي المغربي، وقانونيا باسم “إمارة المؤمنين” المنصوص عليها في مجموع الدساتير التي عرفها المغرب الحديث منذ دستور 1962 إلى غاية الدستور الجديد في 2011. كما يتجه التفكير تلقائيا نحو الموقع السياسي “للحركات الإسلامية” التي ما انفكّت تلوّح ب”المرجعية الإسلامية” و بشعار “الإسلام هو الحل”…و هذا يعني أنه يتم التفكير في المسألة الدينية غالب الأحوال من وجهة عملية سياسية أداتيه.