السؤال الاقتصادي والاجتماعي في ضوء مذكرات الأحزاب السياسية

المقدمة:

       شكلت الأوبئة والمجاعات والحروب وكل الأحداث الاستثنائية، المتوقع منها واللاّمتوقع، لحظات فاصلة في تاريخ الدول والحكومات والشعوب، والشواهد التاريخية موضوع دراسات من هذا القبيل كثيرة ومتعددة، لعل أبرزها الحروب الكبرى التي عرفها العالم المعاصر، والأحداث ”الإرهابية” ”المتطرفة”، مع كل الحذر المنهجي في توظيف المفهومين، والتي مثلت دون أدنى شك لحظات نهاية مسار/ نهاية حقبة، وبداية نماذج جديدة، أول لنقل الانتقال نحو بناء براديغمات جديدة في الحكم، في السياسية، في الاقتصاد، وفي التدبير الداخلي والخارجي للدول.

في سياق أزمة وباء كورونا- كوفيد 19، الذي اجتاح العالم، وفي ظل ما يعرفه المغرب من تعامل مع هذا الملف، سياسيا، اقتصاديا، صحيا، اجتماعيا وأمنيا، برزت في الفضاء العمومي جملة من المعطيات الجديدة الفارقة التي لها معاني سياسية أخلاقية مرتبطة بالأساس بضمان حياة الناس والتي انبرى الفكر الفلسفي في التساؤل حيالها.

يقدم في هذا الإطار الفيلسوف “يورغن هابرماس” تفكيكا لسؤال التحديات الأخلاقية التي أفرزتها أزمة كورنا قائلا: “أرى حالتين، على وجه الخصوص، من المحتمل أن ينتهك فيهما مبدأ “عدم المساس بالكرامة الإنسانية”، الذي يضمنه الدستور الألماني في ديباجته، الحالة الأولى تتعلق بما يدعونه “الفرز”، أما الحالة الثانية فترتبط باختيار اللحظة المناسبة لإنهاء التباعد الاجتماعي…”[1]. يتضح بشكل جلي أن التأثيرات الصعبة وكذلك المستجدات غير المألوفة، وصدمات الهلع المزمن، الذي أحدثته جائحة كورونا التي ستشكل، على ما يبدو، مادة خامة دسمة لبناء وتشييد منطلقات وأسس تنظيمية جديدة لما ستكون عليه دول العالم في المستقبل القريب والمتوسط، ومن المؤكد أن المغرب كسائر الدول بعد ”أزمة الوباء” في حاجة إلى قراءة تفكيكية موضوعية للوضعية العامة للدولة.

 وبشكل موضوعي ودستوري، فان القوى السياسية بالبلد تأخذ المبادرة للقيام بهذه المهام التاريخية الدقيقة، ذلك أن وظيفة مواصلة البحث عن الإجابات التنظيمية السلسة لاجتماع الناس وصيانة الحياة المشتركة، لها مبرراتها المشروعة في سياق الأزمات التي لها علاقة وطيدة بحياة الدولة. إنه تلازم حتمي وطبيعي بين المشكلات الاجتماعية السياسية والاقتصادية الكبيرة، وبين إنتاج القوالب والأسس التدبيرية الكفيلة بتجاوزها، في هذا الإطار وجب استحضار الفهم النظري الذي تقدمه الفيلسوفة “حنة أرندت” لمعنى السياسة، تقول “السياسة كما ندركها هي ضرورة قهرية للحياة الإنسانية، سواء تعلق الأمر بالوجود الفردي أو الاجتماعي”، وتضيف بالجزم “لا يعيش الإنسان مكتفيا بذاته، لكن معتمدا على الآخرين”[2].

في هذا الصدد، قدمت مجموعة من الأحزاب السياسية، أغلبية ومعارضة، تصوراتها ومقترحاتها لتدبير مرحلة ما بعد نهاية الحجر الصحي، من خلال صياغة مذكرات خاصة[3]، تضمنت في مجملها الإشارة إلى طريقة تعامل السلطات مع هذا الوباء، وتقاطعت في بعض ملامح التحول المنتظر، سواء في مجال الخيارات الكبرى للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، أم على مستوى منهجية بناء وتنزيل البرامج والسياسات العمومية؛ وفي الوقت نفسه تحاشت، على ما يبدو، ملامسة مستقبل الفاعل السياسي والتحولات التي عليه أن يقبل عليها، في ظل انحصار دوره في مراقبة وتتبع ما يقوم به الفاعل ”التقنوقراطي”، من خلال لجنة اليقظة المحدثة لتدبير الجائحة.

في ضوء كل ذلك، نروم من خلال هذه الورقة، إلى المساهمة في تقديم قراءة للمشهد السياسي العام مستحضرين التفاعلات والتاثيرات التي تحدث للدولة والمجتمع بفعل الهزات القوية الناتجة عن الوباء، ثم سنبحث في كيفيات تفاعل بعض الأحزاب السياسية المغربية وهي تقدم تصوراتها لمستقبل البلد بعد نهاية الوباء، مقتصرين لضرورة منهجية على مذكرات كل من حزب العدالة والتنمية، حزب الحركة الشعبية، حزب الاستقلال وحزب الأصالة والمعاصرة. هذا وتجب الإشارة بأن أغلب الأحزاب السياسية قدمت مذكراتها الخاصة للحكومة ذات العلاقة بموضوع أزمة كورونا.

واستناد إلى مضامين مذكرات هذه الأحزاب، يظهر، بشكل أولي، الإجماع على الإشادة بالطريقة التي عملت من خلالها الدولة على تدبير هذا الوباء (المحور الأول)، كما أنها جميعها تضمنت بشكل صريح ومباشر مقترحات اقتصادية واجتماعية (المحور الثاني)، ولم تخل، وإن بطريقة ضمنية، من خطابات سياسية (المحور الثالث).


[1] يورغن هابرماس، الديمقراطية الآن في خطر، الموقع الاكتروني aljadeedmagazine.com، تاريخ الاطلاع 29 يونيو 2020.

[2]– حنة أرندت: ما السياسة؟ ترجمة ور زهير الخويلدي وسلمى بالحاج مبروك، منشورات ضفاف ومنشورات الاختلاف، ط1، دار الامان الرباط.

 2014.

[3]– يتعلق الأمر بحزب العدالة والتنمية، وحزب الحركة الشعبية، وحزب الاستقلال، وحزب الأصالة والمعاصرة، والمذكرات التي قدمتها للحكومة متاحة على مواقعها الرسمية الآتية:

– حزب العدالة والتنمية: https://www.pjd.ma/node/70117

– حزب الحركة الشعبية: https://www.alharaka.ma/ar/?p=26134

– حزب الاستقلال: https://www.istiqlal.info

– حزب الأصالة والمعاصرة: https://www.pam.ma/

تاريخ زيارة هذه المواقع 29 يونيو 2020.