العالم بعد فيروس كرونا: تأملات واحتمالات

تقديم:

ارتأيت في هذه المقالة، النظر في الوضع المحتمل للنظام السياسي الدولي انطلاقا من أزمة جائحة كورونا، بصفتها أزمة عالمية كبرى، لا تختلف مخلفاتها عن أزمات تاريخية، في عالمنا المعاصر، التي كان لها انعكاس كبير على تشكيل محددات نظام العالم السياسي والاقتصادي خلال قرن من الزمن ونيف، وبعد أن أمسى ذلك النظام يعاني من هيمنة، أو عودة، الأيديولوجيات القومية المتطرفة إلى ساحة دول كبرى مؤثرة على النظام العالمي؛ لتوجه العلاقات الدولية توجيها يختلف عن قواعد التوافقات التي سادت العلاقات الدولية في مرحلة الحرب الباردة إلى حد ما. فهل أضحى النظام الدولي القديم، بجميع هيئاته وآلياته، الناتج عن وضع العالم لمرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وكذا خَلَفُه النظام العالمي الجديد، الناشئ عن انهيار الاتحاد السوفياتي في 1990، يتطلب تغييرا أو تجديدا آخر؟

سيكون التركيز بشكل أساس على ما يشير إلى احتمال ظهور نظام عالمي جديد، بناء على إرهاصات وتلميحات حبلت بها الخطابات السياسية والإعلامية الحالية، حول تبدل التوازنات الدولية بصعود دول أخرى إلى مراتب متقدمة، وتحول أخرى إلى أحوال سياسية يمكن وصفها بالانغلاق على الذات القومية؛ وقد ساهمت جائحة كرونا وطرائق مواجهتها من قبل الدول، التي كان يُعتقد فيها القدرة على هزمها بسهولة، في التفكير والبحث عن نظام دولي جديد أكثر فاعلية، وأكثر توافقية ربما.

ونعتقد بأن هندسة قيادة العالم تتطلب، في الأغلب، خططا لشق ما يشبه أنفاقا إلى شاطئ التفاهمات بكلفة أقل، وسط كثير من الجدل السياسي، والصراع على النفوذ الاقتصادي، والتسابق على التفوق العلمي والتكنولوجي، ووسط الضوضاء الإعلامي بين الفرقاء، بهدف إخفاء أسرار خطط المستقبل والغاية منها. وكمثال على ذلك، في نظرنا، هذا الفيض من الأخبار المتضاربة المتداولة، والآراء المتباينة، والتحليلات المتعاكسة، والتعليقات المتعارضة بشأن الخلخلة التي عاشها ويعيشها عالمنا في كل مجالاته المناخية، والاقتصادية، والسياسية، والاجتماعية، والثقافية. أما جائحة كورونا فغالبا ما نُظر، ويُنظر، إليها كالقشة التي قصمت ظهر البعير، التي ستُسع وتُعجِّل بتجاوز الوضع الحالي للنظام السياسي الدولي.

ومن هنا فإن السؤال المحوري للمقالة هو: ما هي صورة النظام العالمي المحتملة لمرحلة ما بعد الجائحة، ومن هم راسموها، ومن هم الشركاء في صوغها، ومن هم فرقاؤها؛ ومن هم بُناتها ومُكوناتها؟ وهل من الضروري أن يتغير النظام الدولي القائم، أم أن الأمر لا يتطلب أكثر من الإصلاح؟