سؤال الهوّية في علاقة السّياسيّ بالدّينيّ بالجزائر: قراءةٌ تفكيكيّةٌ في نسق العلاقة

نشرت هذه الدراسة ضمن مؤلف جماعي صدر عن مركز تكامل للدراسات والأبحاث سنة 2021: “الدولة وسؤال الهوية في المنطقة المغاربية -أعمال متكاملة–“، الكتاب متوفر في المكتبات وقابل للتحميل على الموقع الإلكتروني للمركز.


تمهيد:

يهدف هذا العمل إلى البحث في إشكالية العلاقة بين الدّينيّ والسّياسيّ وسؤال الهوّية بالجزائر، بمعنى أنّنا نتّجه إلى نوع من الموضعة لسؤال الهوّية بين هذين الحقلين المتجاذبين والمتجادلين في نفس الوقت. هذا التّجاذب والجدل تترجمهما علاقة قديمة ومستديمة بين الحقلين، فبناء نظرية السّلطة عمومًا لم يحد عن هذه القاعدة، سواء بإقصاء أحد الحقلين عن الآخر )فصل الدّين عن السّياسة ( مثلما جرى في أوروبا مع عصر الأنوار، أو من خلال دمج وأدلجة الدّينيّ بالسّياسيّ، كما هو حال عديد الدّول العربيّة والإسلاميّة، ومنها الجزائر؛وهذا باسم الهوّية والمرجعيّة. وإن كانت السّلطة السّياسيّة عندنا قد تبنّت منذ البداية (الاستقلال) خيارًا سياسيًّا وضعيًّا ودينيًّا يمارس فعل الوصاية على الدّين الإسلاميّ، ويشرف على ممارساته، وفق حقلنته ومأسسته، تحت وصاية وزارة تشرف عليه، وتحدّد ممارساته وفقًا لمرجعيّة سنّيّة مالكيّة.

عمومًا، يبقى المبتغى والهدف من هذا البحث، هو الكشف عن علاقة التّأثير والتّأثّر بين الحقلين، بخصوص إشكاليّة الهوّية بالجزائر. ومبدئيًّا سنتّجه بالبحث إلى مختلف التّحوّلات والاستراتيجيّات التي لعبتها وتلعبها السّلطة في الجزائر، لتحقيق نوعٍ من العلاقة الإيجابيّة مع الحقل الدّينيّ في سبيل الهيمنة عليه واحتكاره، ومن ثمّة استغلاله في كسب المشروعيّة في شموليّتها السّياسيّة والاجتماعيّة والدّينيّة والثّقافيّة على المجتمع. مع توحيد قواعد ذلك بما يتوافق ووتر الهوّية والمرجعيّة.

لأجل تحقيق فهمٍ شاملٍ، سنحاول الحفر والتّفكيك السّوسيو-كرونولوجي لمختلف المحطّات التي عرفتها الدّولة الوطنيّة على مستوى العلاقة بين الحقلين، وتأثير ذلك على مسألة الهوّية بالجزائر. وهذا من خلال العديد من المباحث التي ستتبع هذا التّقديم.