التحولات المجالية بالمدن المغربية العتيقة واستراتيجيات التدبير: حالة مدينة الجديدة

نُشرت هذه الدراسة ضمن المؤلف الجماعي الذي أصدره مركز تكامل للدراسات والأبحاث سنة 2019 بعنوان: “تدبير المجالات الحضرية بالمغرب في سياق متغير-مؤلف جماعي-” وهو معروض في المكتبات.


مقدمة:

تشكل المدن العتيقة في المغرب تراثا ثمينا لا يضاهى، وتمثل أحد ركائز الهوية الثقافية والرمزية للخصوصية المغربية، وقد حظي عدد منها بتصنيف اليونسكو تراثا إنسانيا عالميا، ويعتمد عليها المغرب بشكل أساسي لإنعاش قطاع السياحة خاصة الثقافية، كما تمثل هذه المدن رصيدا نفيسا من الهندسة المعمارية لفن البناء والتشييد والتنظيم. ففي تنوع أشكالها الهندسية ومواد بنائها يكمن غناها الجمالي، الذي يعكس عبقريتين: كونها متلائمة مع وظيفتها وبيئتها المادية والمناخية، كما تعتبر مصدرا للإلهام ومرتكزا أساسيا للتنمية المستدامة.

والمدينة العتيقة للجديدة لا تخرج إجمالا عن هذا السياق، وإن كانت خصوصيتها أنها قلعة برتغالية قبل أن تصير مدينة مغربية بطابع تقليدي تنتمي لخريطة المدن المغربية التقليدية الناشئة في غضون القرن الثامن عشر والتاسع عشر. وهنا تكمن خصوصيات هامة للجديدة من حيث انتماؤها لهذا الجيل الجديد من المدن المغربية العتيقة ولكونها عرفت فيما مضى نوعا من التجانس والتوازن في بنياتها الحضرية بمختلف أنواعها الاجتماعية والاقتصادية والعمرانية، وحتى الدينية والروحية. غير أن هذه المكانة المتميزة التي اضطلعت بها ولقرون، سرعان ما ستتعرض للتدهور والتراجع جراء مجموعة من التحولات المجالية العارمة التي لحقت بالمدينة القديمة للجديدة نتيجة تضافر عدة عوامل ساهمت في تلك التحولات التي كانت لها انعكاسات سلبية وخيمة على عدة مستويات ترتب عنها تدهور المدينة العتيقة بل والإخلال بتوازنها الوظيفي، وبجودة إطارها المبني، وكذلك بنسق الحياة العامة بها.   

وباعتبار أن التراث  الثقافي بشقيه المادي واللامادي، أصبح يشكل في الوقت الراهن إحدى الآليات والركائز الأساسية في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، “فإن مسألة رد الاعتبار والإنقاذ أصبحت مطلبا استعجاليا أكثر من أي وقت مضى، ليس لكونه إطارا ماديا، ولكن باعتباره هوية مجتمع ونتاج قيم وحضارة وثقافة الأسلاف”.[1]

وتبعا لذلك سنسلط الضوء في هذا المقال على مقومات، مؤهلات وواقع التراث التاريخي بالمدينة العتيقة للجديدة، معتمدين مقاربة تروم البحث عن التدخلات والاستراتيجيات الكفيلة بتثمين وتأهيل هذا المنتوج الثقافي والحضاري وإدماجه في مسلسل التنمية الترابية والحضرية المستديمة.


[1]– الخزان بوشتى، حمجيق محمد (2007): المدينة القديمة بفاس تراث إنساني بين التهميش والإنقاذ، مجلة دفاتر جغرافية، عدد مزدوج 3- 4 (التراث والمجال والتنمية)، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية، ظهر المهراز، فاس، مطبعة آنفو برانت، ص 27.