مبدأ المشروعية الإدارية إبان حالة الطوارئ الصحية

تقديم:

يحظى مبدأ المشروعية الإدارية[1] بأهمية كبرى في الدراسات القانونية نظرا لارتباطه بحقوق الإنسان والحريات العامة، وكذلك باعتباره مقوما أساسيا من مقومات دولة الحق والقانون[2]. وإذا كان هذا المبدأ يثير إشكالات كبيرة في الظروف العادية لأن حمايته لا تتطلب سلوك مساطر إدارية وقضائية دقيقة مرتبطة بالجوانب القانونية فقط، وإنما ترتبط بالظروف الواقعية المرتبطة بكل قضية ووقائعها، فإن الإشكالات والتساؤلات التي يثيرها في الظروف الاستثنائية أكبر وأعمق.

لقد بدا واضحا أن نوعا من التدبير الاستثنائي أخذ يتغلغل شيئا فشيئا في مؤسسات الدولة ومرافقها العامة، وحتى في المسطرة التشريعية، وبالطبع لم تكن السلطة القضائية بمنأى عن تأثير الظروف الطارئة. وبالرغم من عامل المفاجأة وعدم التوقع الذي طبع حالة الطوارئ الصحية، فقد حاولت مختلف أجهزة الدولة التأقلم مع هذه الظرفية، وهي وضعية لم تسلم من تأثيرات جسيمة على مختلف المستويات: اقتصاديا، اجتماعيا، وطنيا وحتى دوليا.

وبطبيعة الحال، وكأي ظرفية استثنائية ظهرت منازعات وقضايا جديدة، تحمل معها تحديات وتساؤلات جديدة، وهو ما جعل دور السلطة القضائية محل الاختبار خاصة عندما يتعلق الأمر بالاعتداء على حقوق وحريات أساسية مكفولة دستوريا، ولم يكن الجهاز القضائي يتردد في حمايتها، بل وكرس اجتهادات متواترة بخصوصها. لقد وضعت السلطة القضائية أمام اختبار حقيقي جوهره هو مدى قدرتها على تحقيق الأمن القضائي والحقوقي في الظروف الاستثنائية.

ومن المقومات الأساسية لمبدأ المشروعية الإدارية أن تخضع السلطات العمومية للقانون شأنها في ذلك شأن المواطنين، ونظرا لأهمية هذا المقتضى فقد تم تأكيد ذلك في الفصل السادس من الدستور المغربي الذي نص على أنه: “القانون هو أسمى تعبير عن إرادة الأمة والجميع، أشخاصا ذاتيين أو اعتباريين، بما فيهم السلطات العمومية، متساوون أمامه، وملزمون بالامتثال له”. إذ يفرض هذا المبدأ أن تلتزم الإدارات العامة بالقانون وإلا كانت مخالفة لمبدأ المشروعية الإدارية، سواء في الظروف العادية أو في الظروف الاستثنائية، ويجعل دور القضاء الإداري أساسيا في إرجاع الأمور إلى نصابها إذا ما تمت مخالفته من طرف الإدارة وبالتالي حماية مبدأ المشروعية الإدارية، غير أن هذه المهمة طرحت بخصوصها تساؤلات عميقة تتجلى في مدى قدرة القضاء الإداري على أداء وظيفته، وتحديدا تحقيق الأمن القضائي والحقوقي في ظل الظروف الاستثنائية.

ويجد التنويه، إلى أن هذه الدراسة تهدف إلى الوقوف على مدى قدرة القضاء الإداري على تحقيق التوازن بين دواعي إعلان حالة الطوارئ الصحية وبين حماية المشروعية الإدارية، من جهة. وتوضيح سلطات القضاء الإداري باعتباره حاميا للمشروعية في الظروف الاستثنائية، من جهة ثانية. ومن ثم نروم مواكبة لأداء القضاء الإداري إبان فترة الطوارئ الصحية، بالاستناد إلى النصوص القانونية المؤطرة لهذه الفترة، وكذا بعض الأحكام والأوامر القضائية الصادرة في ظل هذه الفترة، وتسعى هذه الدراسة أيضا إلى التعرف على وضعية حقوق الإنسان والحريات العامة في ظل المقتضيات القانونية والتدابير الاستثنائية إبان حالة الطوارئ الصحية.

وننطلق من فرضية مؤداها أن القضاء الإداري سيستمر في حماية مبدأ المشروعية، وسيثبت أنه حامي المشروعية الإدارية حالة الاعتداء عليها في جانب أول، وفي جانب ثاني نفترض أن القاضي يظل ابن بيئته وأحكامه ترتبط ببيئة الدولة الصادرة فيها. وللتأكد من هذه الفرضية سوف نوضح الإطار القانوني لحالة الطوارئ في ارتباطها بحقوق الإنسان، وكذا إيضاح دور القضاء في حمايتها بالاستناد إلى الأوامر القضائية الصادرة بمناسبة الطعون الصادرة عن القضاء الإداري بصفته قاضيا للمستعجلات، بالاستناد إلى منهج مقارن لتوضيح سلطات وتعامل كل من القضاء المغربي والقضاء الفرنسي في الظروف الاستثنائية.


[1]– يقصد بمبدأ المشروعية الادارية في هذه الدراسة مسألة احترام التصرفات الادارية بمختلف أنواعها للقانون بمفهومه الواسع، فهذا المبدأ يقتضي أن تكون جميع أنواع التصرفات الادارية القانونية والمادية للإدارة غير متسمة بالتجاوز في استعمال السلطة وغير معيبة بأي عيب من عيوب المشروعية الادارية

[2]– يراجع: القريشي عبد الواحد، القضاء الاداري ودولة الحق والقانون، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، 2009، ص 303.