القانون الدولي للكوارث والأزمات الصحية

مقدمة:

من المعروف أن الأوبئة أو الجوائح تندرج ضمن الكوارث الدولية الكبرى التي قد يعرفها العالم أو تعرفها منطقة معينة من الكرة الأرضية[1]. وقد حاول كثير من العلماء والفقهاء وضع تعريف دقيق وشامل لمفهوم الكارثة الدولية أو الأزمة الصحية الدولية، فقدموا عدة تعاريف فضفاضة وغير واضحة. ويمكن أن نستخلص من مجموع هذه التعاريف أن الأزمة أو الكارثة الدولية هي واقعة تتسم بالفجائية، بحيث يصعب توقعها، ومن شأنها أن تساهم في خلق أجواء غير عادية، تنعكس بشكل مباشر على الاجتماع الإنساني من مختلف النواحي: اقتصاديا، سياسيا، صحيا، بيئيا، ثقافيا..إلخ. مما تؤدي إلى تظافر الجهود من أجل مجابهتها، والحؤول دون تمددها واستمرارها، حتى لا تتأزم الحياة العامة. لذلك تتسم الإجراءات التي يتم اتخاذها في سبيل هذا المسعى بكونها استثنائية واستعجالية.

 حاولت لجنة القانون الدولي التابعة للأمم المتحدة، تعريف الأزمة الدولية أو الكارثة الدولية بالقول: “إنها حدث فجائي يسفر عن خسائر واسعة الانتشار في الأرواح، أو يسفر عن معاناة وآلام شديدة، أو حدوث أضرار مادية أو بيئية بليغة وواسعة الانتشار وطويلة الأمد”[2]. من خلال التعاريف المذكورة، يمكن استنتاج المعايير التالية في تحديد مفهوم الكارثة أو الأزمة الدولية: أولا، أن حجم الكارثة يجب أن يكون كبيرا بشكل يتعدى الحدود الوطنية أو يشمل أجزاء واسعة من أراضي بلد ما، ويهدد بالانتقال السريع إلى مناطق أخرى أو بلدان أخرى. ثانيا، يجب أن تهدد الكارثة أعدادا كبيرة من السكان أو تسفر عن عدد كبير من الضحايا سواء كانوا مرضى أو قتلى. ثالثا، أن يستعصي إيجاد دواء أو لقاح لمواجهة الكارثة في الظروف العادية. ورابعا، أن تتجاوز الكارثة الآثار الإنسانية لتؤثر بشكل خطير على الحياة الاقتصادية والاجتماعية للسكان، وما يرافق ذلك من مجاعة وتوقف التجارة ونضوب الموارد وشح الغذاء وانتشار البطالة.

كان التمييز واضحا في القرون الماضية بين الكوارث، التي يسببها الإنسان، والتي تؤثر على صحة وحياة البشر وتلحق بهم أضرارا فادحة، مثل الحروب والإبادة الجماعية والتهجير والتشريد القسري للسكان، وبين الكوارث الطبيعية ذات نفس الآثار، مثل الزلازل والبراكين والفيضانات. كما كانت هناك بعض القواعد الأولية والبدائية لتنظيم الكوارث من صنع الإنسان، خاصة القواعد المتعلقة بالمسؤولية عن الأضرار. أما الكوارث الطبيعية فلم تكن منظمة من قبل القواعد القانونية، بل كانت تفسسر بمنطق الغيب والأفعال الإلهية أو من فعل الطبيعة.

بعد الحرب العالمية الثانية، ونتيجة لعدة عوامل موضوعية، سيصبح من الصعب التمييز بين الكوارث التي تكون نتيجة تدخل يد الإنسان والكوارث الطبيعية. خاصة وأن العصر الحديث سيعرف تطورات وتحولات هائلة على المستوى التكنولوجي والصناعي وعلى مستوى التطور الهائل للأسلحة والاستنزاف المرعب للموارد الطبيعية للأرض، مما سيؤدي إلى كوارث بيئية كبرى وأضرار بليغة بالمحيط الطبيعي والتوازن الإكولوجي للكون. كل ذلك سيؤثر بشكل مباشر على الحياة الطبيعية على الكوكب. ومن ثمة بدا بأن الإنسان يساهم بشكل مباشر في الكوارث الطبيعية عن قصد أو عن غير قصد. فبدأ بذلك التمييز، بين الكوارث الطبيعية والكوارث من صنع الإنسان، يتضاءل ويتلاشى شيئا فشيئا.

فيما يتعلق بمفهوم القانون الدولي، تجدر الإشارة، إلى أن الكثير من الباحثين حاولوا إيجاد تعاريف محددة ودقيقة للقانون الدولي المنطبق في حالات الأزمات والكوارث الدولية، وقد قدموا تعاريف مختلفة لكنها تصب في قالب واحد، وأنها تتضمن عناصر مشتركة[3]. وسنحاول، قدر ما يسمح به المجال، عرض بعض التعاريف، التي تبدو وكأنها أكثر أهمية، من قبيل النظر للقانون الدولي للكوارث الدولية، على أنه هي تلك القواعد القانونية المكتوبة أو العرفية التي تهدف إلى الوقاية من تلك الأزمات والكوارث وتستهدف مواجهة آثارها الفورية والمستقبلية [4]. وهناك تعريف آخر أكثر شمولية، ينظر للقانون الدولي للكوارث الطبيعية على أنه: “مجموعة من القواعد والمبادئ والإجراءات والتدابير المتخذة، على المستوى الدولي، لمواجهة آثار الكوارث والحد من أضرارها على البشر وعلى الممتلكات وعلى محيط الإنسان”[5]. وبهذا المعنى فالقانون الدولي للكوارث الصحية أو الجوائح يتضمن ثلاثة أنواع من القواعد:

  • قواعد للوقاية من الأزمات والكوارث الصحية، وهي قواعد تنطبق قبل حدوث الكارثة، مثل القواعد المتعلقة بالتعاون في مجال الرصد والتنبؤ واتخاذ الاحتياطات والاستعدادات اللازمة لمواجهة الكوارث المحتملة؛
  • قواعد الحماية الدولية وهي تطبق أثناء الأزمة أو الكارثة، وأثناء اجتياح وانتشار الوباء. والهدف من تلك القواعد هو التعاون والتضامن الدولي لمواجهة الآثار الفورية وتقديم المساعدات الإنسانية المختلفة للمتضررين؛
  • قواعد تنطبق بعد مرور الكارثة، وهي تهم أساسا التعاون الدولي لعودة الشعوب المتضررة إلى حياتها العادية بعد توقف الأزمة، ويتضمن ذلك معالجة مختلف الآثار المترتبة على السكان وعلى محيطهم الاقتصادي والاجتماعي والإنساني، والتي تقتضي ضرورة إيجاد حلول في إطار جماعي قصد عودة السكان إلى الحياة العادية[6].

وتجدر الإشارة إلى أننا لن نتطرق لدور هيئة الأمم المتحدة في مكافحة الجوائح والأوبئة، رغم أن عملها في هذا المجال جيد للغاية، ويحظى بأهمية كبرى في الدراسات والأبحاث العلمية المعاصرة، سواء من حيث الدور الذي تؤديه الأجهزة الرئيسة للمنظمة، خاصة الجمعية العامة ومجلس الأمن والمجلس الاقتصادي والاجتماعي، وسواء من حيث الدور الفعال والفريد الذي تساهم به المنظمات الدولية الحكومية التابعة للأمم المتحدة في مختلف الميادين، خاصة في ميادين تقديم المساعدات الإنسانية وميادين إجراء الأبحاث والدراسات العلمية للتصدي للأوبئة والكوارث الصحية، وكذلك في ميدان المبادرات التشريعية التي تتبناها الدول الأطراف في هذه المنظمات والوكالات المتخصصة، وسيكون موضوع دور الأمم المتحدة سيكون موضوع دراسة أخرى مستقلة.


[1]– في دجنبر من عام 2019، وقبل ظهور داء كورونا وتفشيه في مختلف أنحاء العالم، أصدرت الأمم المتحدة تقريرا بعنوان:”النظرة الإنسانية للعالم عام 2020″، الذي رسم واقع التحديات والمعاناة الإنسانية مع الكوارث لهذه السنة. وذكر التقرير أن 168 مليون سيحتاجون إلى مساعدات إنسانية عاجلة. وأن الأمم المتحدة ستحتاج إلى 30 مليار دولار لتلبية أبسط الحاجيات الأساسية لحوالي 110 مليون شخص من أكثر الفئات تضررا.

[2]– راجع حول هذا التعريف، نص المادة الثالثة الورادة في وثيقة صادرة عن لجنة الانون الدولي تحت رقم، A/69/10. الصفة111.

[3]– تجدر الإشارة إلى أنه لا يوجد اليوم صك دولي شامل يلزم الدول الأعضاء في الجماعة الدولية بمنع ومكافحة الكوارث الطبيعية والكوارث من صنع الإنسان عامة. فقد إتبع النظام الدولي نهجا تجزيئيا عند إدراجه للحد من مخاطر الكوارث في الإلتزامات الدولية، وذلك إما بالتركيز على نوع واحد من أنواع الكوارث مثل اللجوء والمجاعة ووباء إيبولا، ومرض أو وباء نقص المناعة، وكارثة تسونامي. أو بالتركيز على نشاط الإستجابة للكوارث في منطقة أو في دولة معينة مثل منطقة الكاريبي أو منطقة جنوب شرق آسيا أو منطقة غرب إفريقيا.

[4]– ويمكن أيضا تعريف القانون الدولي للكوارث الصحية بأنه، “مجموعة الأدوات القانونية التي توفر توجيهات بشأن كيفية تقديم المساعدة في حالات الأزمات الصحية الكبرى”.

[5]– حول هذا التعريف وغيره، راجع وثيقة صادرة عن لجنة القانون الدولي تحت رقم، A/69/10. مرجع سابق، ص، 112 وما يليها.

[6]– من هذا المنطلق فالحديث عن قواعد القانون الدولي لا يعني فقط القواعد الواردة في الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي أبرمت في هذا الشأن، وإنما تضاف إليها القرارات الصادرة عن الأجهزة الرئيسية للمنظمات الدولية الحكومية العالمية والإقليمية، وكذلك الإعلانات والبيانات الختامية الصادرة عن المؤتمرات الدولية العالمية والإقليمية المنعقدة لهذا الغرض. ثم أحكام المحاكم الدولية الصادرة في هذا الشأن.