العروي يسائل نفسه حول الذات والوطن

الكتاب: استبانة.
الكاتب: عبد الله العروي.
مكان النشر: الدار البيضاء/ بيروت.
تاريخ النشر: الطبعة الأولى، .2016
الناشر: المركز الثقافي للكتاب للنشر والتوزيع.
عدد الصفحات: 142 صفحة.

لا تحظى كتابات عبد الله العروي بالمتابعة والاهتمام الأكاديمي بالنظر إلى المواضيع والمفاهيم العميقة التي يختار مقاربتها فحسب، وإنما كذلك بفضل تنويع الطرق التي يسلكها في تصريف اهتماماته الفكرية التي تتجاوز شغفه بالتاريخ الذي يعدّه “فنا قبل أن يكون علما، ورواية قبل أن يكون مقالة تحليلية”[1]، لتستدعي السياسة والاجتماع والفلسفة، وغيرها من المجالات الإنسانية التي تسعفه في أبحاثه والإجابة عن تساؤلاته.

ولئن اختلفت إصداراته العلمية، من حيث مضمونها ومنهجيتها؛ فالملاحظ أنها تكاد تنقل حرصه على الكتابة في إطار نسق نظري يتميز، بوحدة المتن والإنتاج الفكري الهادف إلى فهم الذات والواقع، لعلّ من ينتمي إلى العالم العربي يفكّر ويتأمل في الوضعيات المحدِّدة لوجوده الفردي والجماعي، على أمل تطويرها، وجعلها تتناسب ورهانات التحديث.

ومن يتابع أعمال العروي، يعلم أنه، وإن هيمن الجانب التاريخي على العديد من أعماله، قد أنتج، بالموازاة مع ذلك، ودليل على سعة ثقافته واطلاعه، أشكالا مختلفة من الكتابة، منها ما يرتبط بالمفاهيم والرواية. وقد أصدر في السنة الماضية كتابا بعنوان “استبانة”، موضوع هذه القراءة، والذي تميز بالجمع بين مختلف هذه الأشكال. وأيّ تَميُّز أكبر وأدوم من حسن التعامل مع المادة والأسلوب؟

لقد سبق للعروي أن اتبع منهج مساءلة الذات، بصورة مختلفة، عند تحرير “السنة والإصلاح“، و”من ديوان السياسة“، لأنه يفضل أن “يحاور نفسه، أن يطرح الأسئلة التي يمكن أن يقترحها الصحفي، ويجيب عنها بعد فحص وتأمل، حسب تسلسل التاريخ والمنطق”.[2] جاء هذا الحوار الثنائي على شكل مئة وأحد عشر سؤالا، يطرحها على نفسه، ويجيب عنها في آن واحد، في محاولة لسبر أغوار الذات وما يحيط بها، ولا سيما أن مشكلتهما تتمثل في أننا نعتقد بحق أنّنا على معرفة تامة بهما، والحال أننا لا نعرف عنهما إلا القليل.

يتوزّع هذا العدد من الأسئلة المسترسلة، على تسعة أجزاء متداخلة، تخلو من مقدمة وخاتمة، للتحدث في قضايا تاريخية وفكرية وسياسية، تمتد من ثلاثينيات القرن الماضي إلى ما بعد استقلال المغرب عن الحماية الفرنسية سنة 1956. انطلق الكتاب بالحديث عن الذات، من حيث الاسم والجذور، وخلص إلى تأملات وأسئلة أنطولوجية وإبستمولوجية، جعلته وفيا لأسلوبه في الفحص والتفكيك الدقيقين للمفاهيم، في علاقة بما هو أنثروبولوجي وثقافي وهوياتي.

استهل حواره الذاتي بالنبش في اسمه الذي يتضايق، كغالب الناس، عندما يسمعه محرّفا من دون فتح العين وسكون الراء “العَرْوي”[3]. اكتشف لاحقا وبالمصادفة أن هذا الاسم، إن لم يكن نادرا في المغرب الأقصى، معروف خارجه منذ القدم؛ إذ كان بعض المؤرخين يحملون الاسم ذاته، ومنهم المؤرخ الأندلسي أحمد بن موسى العروي[4]. بالنسبة إليه يقول العقل: هذه مصادفة، والوجدان يصرُّ على الاعتقاد أن كل شيء مسطّر. كيف حصل أنه توجَّه إلى امتهان صناعة التاريخ؟[5]

تنقطع سلسلة الأنساب عند جدّه الثاني، حيث عرّف نفسه بأنه هو محمد بن عبد الله بن محمد، لأسباب طارئة متعلقة بالثورة التي دفعت والده، بحكم ما جرّته من تخريب وإتلاف، يفرّ بنفسه دون التفكير في جمع وثائقه.[6] وسبق للعروي أن ذكر في “خواطر الصباح” أنه كان ينوي استجواب أبيه عن أطوار حياته، قبل الحماية وأثناءها، غير أن الأمر لم يتم بعد أن تسلل إليه التراخي. واكتفى بالقول إن والده اشتغل مدة كاتبا لقائد مدينة بئر جديد، وتعلّم القراءة والكتابة على الأرجح بمدرسة تعليم القرآن المتواجدة بدار القيادة. وعلى الرغم من أنه لم يلعب أيّ دور في تربية ابنه وجدانيا، يعترف بأثر تجربته في ميولاته الاجتماعية والسياسية، لأنه لم ينخرط في أيّ زاوية، على عكس أخيه الأمي. أما ما يتعلق بالسياسة، فكان الأب ينظر بواقعية تامة، وكان يرتاح لحكم التاريخ[7]. وما استخلصه من تجربته اليومية أن تغليب منطق الأسرة، على أهميته اجتماعيا وسياسيا، يؤدي إلى آفات كثيرة؛ في مقدمتها تفشي الرشوة؛ إذ تتوسع الأسرة بسهولة إلى زاوية، فإلى حزب، فإلى تعاونية، فإلى شركة… إلخ[8].

في الجزء الثاني، اختار أن يوجه لنفسه ثمانية عشر سؤالا حول التعليم الذي عده أمّ المشكلات التي أخفق المخزن قبل الحماية، وأخفقت إدارة الحماية، ولا سيما الفرنسية، وأخفقت حكومات المغرب المستقل الموحد؛ في تحقيق تصور شامل يحظى بموافقة المجتمع، والأحزاب، والنقابات، وأولياء التلاميذ… إلخ[9] .فالإرادة السياسية لا تكفي، ولا بد من قناعة بنجاعة الإصلاح وضعف المعارضة الداخلية، وإلا ستتوالى الحلول الجزئية الترقيعية[10]، ما دمنا نعتقد أن التعليم يجب أن يساير التطور، ولم ندرك بعد أن تحقيق هذا التطور نفسه يرتبط بجودة التعليم الذي يتلقاه النشء.

بلغ هذه الخلاصات بعد أن عرّج على أهم محطات تعليمه، ومنعرجات إصلاح التعليم التي ظلت مرتبطة بالمصالح، وهو الذي قضى سنة واحدة في الكتاب، وتُكذِّب تجربته الشخصية رفض المغاربة تسجيل أبنائهم في المدراس الفرنسية العصرية، وخاصة أن الانخراط في سلك الوظيفة يشترط التخرج من هذه المدراس[11]. حينها كان مستوى التعليم عاليا، لأن المعلمين الفرنسيين يشتغلون في المغرب، كما لو كانوا يسكنون مناطق نائية من التراب الفرنسي، يعملون الحزم ذاته وب الإخلاص عينه. هذا ما تدرّبوا عليه في معاهدهم التكوينية؛ يعطون لكلمة تعليم معناها الحقيقي، معنى التنشئة والتثقيف[12].

لو أدرك المغاربة قيمة الحزم والإخلاص لَمَا فقدوا استقلالهم، وسمحوا للأجنبي بالتعامل معهم كأنهم قاصرون لم يبلغوا بعد سن الرشد [13]، كان هذا بالضبط الدافع إلى إحداث مقارنات، وإن كانت سلاحا ذا حدّين[14]، بين المغرب وباقي البلدان، من جهة؛ مثل تركيا أساسا، ثم مصر، وأحوال روسيا قبل وبعد الثورة البولشفية، وحالة إسبانيا المهمة قبل الحرب الأهلية وبعدها، وبين مغرب الحاضر المخجل، ومغرب الماضي الذي يجعل الإنسان يفخر بأمجاد الأجداد. بيد أن هذا لا يفيد أبدا التمسك بأطلال الماضي، بقدر ما هو دعوة إلى التجديد، على أمل التخلص من آفات الجهل والغفلة والتوكل بالتسلح بالعلم النافع، لا الإيمان بالشعوذة والخرافات وأسرار الغيب [15]. إن التغير ضروري حتى وإن تعلق باللباس الذي له دلالة رمزية [16] تتجاوز ما هو شخصي وديني، إلى ما هو وطني رمزي، في مواجهة حملة التفرنج؛ أي التشبه بالنصارى. وارتباطا بسياسة التنصير، يرى العروي أن وضع المغرب لم يكن مواتيا لنهجها؛ فنظام الحماية مبني على تفويض المخزن الذي يتم في حدود واضحة، كما بدا ذلك جليا أثناء أزمة الظهير البربري سنة 1930 [17]. والواقع أن الفرنسيين، مثلا، وإن عاشوا طويلا، بين أظهر المغاربة، وعاشروهم من شتى الحيثيات وتعلموا اللهجات، ظلوا أوفياء لمبدأ “المارشال ليوطي”، أي عزل المدينة الأوروبية الجديدة عن المدينة الإسلامية العتيقة حتى يحصل تساكن وتجاور، لا تمازج واختلاط ينشأ عنه طمس ومسخ[18].

ولإزالة كل لبس بخصوص الشعب المغربي، اتخذ على عاتقه مهمة الحفر في مكوناته ومميزاته، وهي مهمة ليست باليسيرة؛ لأنه شتان بين ما نعلم وما نعتقد. والأغلبية تعتقد قبل أو دون أن تعلم[19]. إن الرقعة الأرضية التي نسميها المغرب، من وجهة نظر المؤرخ الذي لا يُرضي قوله إلا المؤرخ أو من له مزاج المؤرخ، لم تكن دائما على صورة ما نراه اليوم. يشير التصور الغالب أنها تمتد من طنجة إلى قلب الصحراء. هذا ما سار على أثره السلاطين الكبار من كل الأسر المتعاقبة على عرش المغرب. وبالطبع كان الأجانب يرون عكس ذلك، ويعتقدون أن المغاربة لم يكونوا شعبا متميزا ولا أمة موحدة، وأنهم كانوا دائما عبارة على عدة قبائل متنافرة[20]، لتبرير جميع أشكال الضغط الدبلوماسي والسياسي، ثم في مرحلة أخيرة لشرعنة التدخل العسكري.[21]

وحتى إذا افترضنا، بحسب العروي، أن التسيُّب أو الفوضى لا يعبران عن الضعف الظرفي للسلطة المركزية، ففي الإمكان إيجاد روابط سببية بينها وبين سلسلة من التطورات التي عرفتها البلاد. أما إذا افترضنا أنها لا تعدو أن تكون صيغة للتعبير عن استقلالية القبائل وتشبثها بالعرف وسيرتها الانقسامية، أي أنه تسيّب بنيوي، فحري بنا عدّها متتالية رياضية على النمط البْراوني mouvement brownien، أي حركة اجتماعية أججها الضغط الاستعماري، وكانت ردة فعل عفوية للتركيبة للمغربية الأصلية.[22]

وعطفا على ما تقدم، فالشعب المغربي، كغيره من شعوب الأرض، خليط من أقوام جاءت من الجهات الثلاث، من الشمال، ومن الجنوب، ومن الشرق. وإلى حدّ الساعة لا أحد يعرف بالضبط متى وكيف؟ على الرغم من الأفكار المسبقة التي نحملها جميعا[23]. ويلفت العروي انتباهنا إلى ملاحظة مهمة تتمثل في وجود خلط كبير في هذه المسألة بين مختلف مكونات الطبقة الحاكمة وساكنة المدن وعامة الشعب التي لا يوجد تطابق بينها. ويضيف أيضا على هذه المكونات مكونات أخرى، منها المكوّن المهم والحاسم، والذي هو جزء من الحياة اليومية، الطقوسية والفنية واللغوية المغربية: المكون الأندلسي، ثم المكون الحرطاني (الأفريقي الأسود)، والمكون اليهودي، وهي مكونات توزعت على المناطق المغربية. لكن يبقى سؤال التأثر هو الأكثر استفزازا، في إطار الحديث عن المكونات؛ إذ يخفي دونية الإنسان الشمال- أفريقي، وعدم توافره على طاقة إنماء الحضارة الإنسانية، بحكم أن معظم شعوب المعمورة تلقّت الحضارة من الخارج. لذلك، يرى مؤرخنا أن حضارة المغرب قادمة من الخارج؛ من الشرق والشمال، هذا في ما يتعلق بالتاريخ القريب، أما ما قبله فأمره مجهول، كما لا يزال مجهولا أصل السكان[24]. يؤكد لنا التاريخ المعروف أن المغرب كلما فقد استقلاله، أو ضعفت سلطته المركزية، وانقسم إلى دويلات وإمارات (القرنان السابع والعاشر الميلاديان)، انقطع حبل تاريخه[25].

وحين يتقدم رائد التاريخانية في مساءلته الذاتية، في الجزء الخامس، يجد نفسه ملزما بطرح هذا السؤال: لماذا أضاع المغرب استقلاله؟ رسميا أضاع المغرب استقلاله سنة 1912. لكن العروي يعتبر أن استقلال المغرب كان صوريا منذ أحقاب. وهنا يميّزُ “بين الاستعمار والقابلية للاستعمار”، أي الاستقلال بالفعل والاستعمار بالقوة. والقابلية للاستعمار هي نتيجة لاختلال في ميزان القوى “نجم عنه انكماش المغرب على نفسه طالبا من الباري أن ينساه العالم بقدر ما قرّر هو أن ينسى العالم. غزا التصوف فؤاد كلّ مغربي فأثّر في سياسة الدولة. هذا مغزى العبارة المعروفة “كم حاجة قضيناها بتركها”[26]. لربما هي دعوة للتخلص من إرث لم ينتج إلا التخلف والانحطاط متعدد المستويات، كما لو أن لسان حاله يعيد ذلك التساؤل الذي شغله في كتاب “مجمل تاريخ المغرب”: أَوَلَا يوجد في إرث الأجداد ما يجب أن نتخلص منه؟ قد يسأل سائل: ما هو؟ أعترف أن السؤال وجيه، وأن الجواب عنه صعب. لكن أن نتأمله ونسبر أغواره علينا أن نتحقق أن صاحبه جاد غير مراوغ.[27]

إن كانت هناك خيانة بالفعل فستنكشف عاجلا أم آجلا. لكن أيّ خيانة أهم من جو اليأس الذي عمّ المغرب، منذ عقود، حتى ترسخت لدى الجميع قناعة أن المعجزة وحدها مصدر الخلاص[28]؟! الواقع أن المغرب شهد عدة مرات خطر الاحتلال الجزئي الذي تضاعف سنة .1830 ربما كانت الحماية الإنجليزية لتكون أجدى وأنفع للوطن من الحماية الفرنسية على كل المستويات، ولا أدل على ذلك من سياسة الأعيان والعمل تحت راية المخزن التي استلهمها “ليوطي” من مبادئ السياسة الإنجليزية[29]. وخلاصة القول إن الحماية، في نظره، تستحق أن تُنعت بالإصلاحية لو سبق إصلاح المحيط المادي إصلاح أدبي يقوم به أبناء البلد، وإن كان هذا التوافق العضوي غير مألوف في مجرى التاريخ[30].

وقد يتساءل المهتم بمشروع العروي إن كان بإمكانه أن يفهم حواره حول الوطنية بمنأى عن ثلاثة أعمال تؤصّل لهذا المفهوم، وهي الأصول الاجتماعية والثقافية للوطنية المغربية، والإيديولوجيا العربية المعاصرة، ومجمل تاريخ المغرب. فـ”استبانة” تشكل امتدادا طبيعيا لهذه المحاولات، ويمكن أن تكون استفساراته توجيها للمتلقي لعله يتبين الغاية من مختلف تلك الإنتاجات السابقة عن هذا العمل.

ولأننا ندرك عمق كتاباته واختياراته الذكية، فلن نجازف بالجواب، وسنكتفي بترديد التعريف الذي خَصّ به الوطنية بوصفها، مبدئيا، شعورا وسلوكا وتطلعا. الشعور هو الاعتزاز بالذات والأجداد. السلوك هو الإيثار، والتطلع هو طلب الحرية والتقدم والرفاهية[31]. والأقرب إلى فهم المؤرخ هو أن الوطنية والمقاومة حركتان مختلفتان، لا بالنظر إلى الوسيلة وحسب- الحرب أو السياسة- بل بالنظر إلى المغرى والهدف. المقاومة المسلحة المرتبطة حقا بالوطنية هي الموالية لهذه، تلك التي اندلعت سنة 1954. أما المقاومة السابقة فإنها تنتمي إلى مجال نظري مغاير تماما لمجال الوطنية العصرية[32]. والنتيجة التي توصل إليها كمؤرخ، نتيجة لا تلزم غير المؤرخ، هي أن ميزة الوطنية في أهم فتراتها هي أنها إفراز للمخزن أي الدولة المغربية العتيقة، من دون أن يمثل المغرب، بأي شكل، استثناء[33].

وبسبب ندرة الوثائق المكتوبة، في مجتمع تطغى عليه الأمية، يقترح الاستظهار بغير المكتوب والمسجل لفهم الحركة السياسية والثقافية سنة 1930، ودرجات تأثرها بالشرق أو الغرب، وإن كان يحيط بمسألة التأثير التباس كبير. وينتقل العروي، بعد ذلك، إلى ما كشفته أزمة الظهير البربري بشأن حقيقة القوة التي لا يزال المخزن يمثلها. ورمز المخزن هو الملك، وهذا كل سنة بخطابه وسلوكه[34]. وتأتي الأزمة الاقتصادية التي عرفت أوجها في المغرب سنة 1936 و1937 لإبراز المشكل الحقيقي الذي لم تستطع فرنسا التغلب عليه، من جهة، وظهر جليا أن المقيم العام عاجز عن تدبير شؤون الجالية الأوروبية المتنامية والإصغاء لمطالب الأهالي، ثم التصرف بحرية في محميته لمواجهة الطوارئ، من جهة ثانية[35]. لذلك، فمن يقول بإلغاء دور المخزن باعتباره مجرد دمية في يد إدارة الحماية، من خلال استلهام تجارب (تونس، مصر، الهند، إلخ)، لا يعرف جيدا المغرب؛ فالمخزن شبح، لكنه شبح والد “هامليت” يسيّر حركات الأحياء[36].

ينبغي أخذ هذا المعطى في الاعتبار في أي محاولة لتحديد العوامل الأساس في تحقيق استقلال المغرب، مع قلة عدد المقاومين، وانقسام الحركة الوطنية، وضعف خبرة رؤسائها… إلخ. إن الاستقلال يشكل، في رأيه، معجزة بالنسبة لدولة كانت آخر المستعمرات الفرنسية، وأول من حازت حريتها، وهو ما لم يهضمه البعض[37]. لكن بما أن لفظ استقلال “بوليسيمي”polysémique، يمكن القول إن الحركة الوطنية المغربية حققت هدفها الرئيس بفسخ عقد الحماية، وفي الوقت ذاته لم تحققه بالإعلان هذا الاستقلال؛ إذ لا يزال الفرد المغربي يعاني من آلام الفقر والجهل والمرض [38]. قد يبدو هذا الأمر عاديا ومتوقعا بعد بضع سنوات من جلاء المستعمر، بيد أن هذه الفكرة الجاهزة سرعان ما تصطدم بتساؤل عميق: هل هو قدر محتوم؟ أليس من حق جيل الألفية الثالثة أن ينعم بالعلم النافع والصحة الكافية في ظل بلد يتغنّى بالاستقرار والاستمرارية؟

قد يصح القول إن وعي الشباب المغربي اليوم عال من الوجهة التقنية، واطئ من الوجهة التاريخية والسياسية، لكن عقولهم ونفوسهم توّاقة لوطنية يكون المواطن غايتها وأساسها. لذلك ربما أصاب العروي بقوله في ثنايا أجوبته الختامية: الوطنية ضرورة لا يمكن إهمالها أو تجازوها، لكنها بالتعريف متخلِّفة عن الواقع[39].

المراجع

العربية

العروي، عبد الله، استبانة. الدار البيضاء/ بيروت: المركز الثقافي العربي، .2016

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ. الأصول الاجتماعية والثقافية للوطنية المغربية 1912-1830، تعريب محمد حاتمي ومحمد جادور. الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي، .2016

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ. مجمل تاريخ المغرب. الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي، .2009

الأجنبية

Abdellah Laroui. Les origines sociales et culturelles du nationalisme marocain (1830-1912). Paris: François Maspero, 1976.


[1] عبد الله العروي، مجمل تاريخ المغرب (المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، الطبعة الثانية، 2009)، ص.13

[2] العروي، من ديوان السياسة (المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، 2009) ص .5

[3] العروي، استبانة (المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، الطبعة الثانية، 2016)، ص .5

[4] المرجع نفسه، ص .6

[5] المرجع نفسه، ص .9

[6] المرجع نفسه، ص .10

[7] المرجع نفسه، ص .14

[8] المرجع نفسه، ص .15

[9] المرجع نفسه، ص .32

[10] المرجع نفسه، ص .33

[11] المرجع نفسه، ص .18

[12] المرجع نفسه، ص .19

[13] المرجع نفسه، ص .35

[14] المرجع نفسه، ص .37

[15] المرجع نفسه، ص .42

[16] المرجع نفسه، ص .45

[17] المرجع نفسه، ص .47

[18] المرجع نفسه، ص .52

[19] المرجع نفسه، ص .55

[20] المرجع نفسه، ص .56

[21]  العروي، الأصول الاجتماعية والثقافية للوطنية المغربية 1912-1830، تعريب محمد حاتمي ومحمد جادور (المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، الطبعة الأولى 2016) ص .467

[22]  المرجع نفسه، ص  467وما بعدها.

[23] المرجع نفسه، ص .59

[24] المرجع نفسه، ص .62

[25] المرجع نفسه، ص .64

[26] المرجع نفسه، ص .71

[27] العروي، تاريخ المغرب، ص 652.

[28] المرجع نفسه، ص .74

[29]  المرجع نفسه، ص .78

[30] المرجع نفسه، ص .81

[31] المرجع نفسه، ص .83

[32] المرجع نفسه، ص .85

[33] المرجع نفسه، ص .90

[34] المرجع نفسه، ص .105

[35] المرجع نفسه، ص .108

[36] المرجع نفسه، ص .112

[37] المرجع نفسه، ص .126

[38] المرجع نفسه، ص .131

[39] المرجع نفسه.