ملاحظات حول كتاب “النبوة والسياسة” لعبد الإله بلقزيز

تقديم:

   هل كان محمد بن عبد الله نبيا وكفى، أم كان صاحب مشروع سياسي؟ ألا يكون جامعا بين الدعوة إلى الله وبناء كيان سياسي؟ من يستقصي التجربة العربية – الإسلامية، فكرا وواقعا، يلاحظ تقابل العديد من الثنائيات المتعارضة (والمتساكنة في آن واحد):  القرآن والسلطان، الصحابة والحاشية، الجهاد والحرب، الخلافة والمُلك، الشرع والسلطان، الدين والدنيا…

   أغلب من يتحدّث باسم الإسلام، معتدلا كان أو متطرّفا، يتوق لتحقيق الطرف الأول من هذه المعادلات. يحلم بالخلافة وأولوية القرآن وتطبيق الشريعة وإعلان الجهاد… ومع ذلك، ينبئنا التاريخ كيف انقلبت الخلافة إلى مُلك، وتساكن الطرفان، وكيف تكامل الحكم السلطاني مع مبادئ الشرع، فتعايش الاثنان[1]، وكيف تجاورت، بل وتكاملت الوظائف السلطانية – الدنيوية (من وزارة وكتابة وحجابة…) مع الخطط الخلافية – الدينية (من قضاء وإفتاء وحسبة…)[2]، وكيف أصبغت كل الدول التي تعاقبت على الرقعة العربية الإسلامية طابع الجهاد على كلّ حروبها، حتى ولو كانت قتلا للمسلمين، بعضهم بعضا. 

   كلّ الثنائيات المذكورة تجد أصلها في ثنائية أعمق هي النبوة والسياسة؟ ذاك هو التساؤل المركزي الذي تتفرّع عنه كلّ القضايا المثارة في الكتاب.

   يتمحور الكتاب، إضافة إلى مدخله الذي تحدّث عن “المصادر الكلاسيكية للسيرة النبوية”، حول ثلاثة أقسام. أولها بعنوان “من الجماعة الدينية إلى الجماعة السياسية”، ويخصّ “المسألة السياسية في إسلام الصدر الأوّل، بين النص والاجتهاد”، و”الجماعة السياسية والسلطة – ما قبل النظرية السياسية”، وثانيها تحت عنوان “دولة الدعوة والتمكين السياسي”، ويتحدّث عن “التوحيد عقيدة واجتماعا”، و”الحرب والمفاوضة”، و”الدمج والتمايز”. أمّا القسم الثالث، فخصّه الباحث لموضوع “دولة المدينة وآليات الإنشاء”، تحدّث فيه عن موضوع “التنظيم السياسي – الإداري”، و”اقتصاد المدينة: الغنيمة وفلسفة التوزيع”، ليختم أخيرا ب”الكاريزما المحمدية”[3].


[1] يقول عبد الله العروي: إنّ السلطان يخدم الشريعة ظاهرا لأنّها تخدمه باطنا”.أنظر عبد الله العروي : مفهوم الدولة ص 107، المركز الثقافي العربي 1981.

[2] أنظر عزالدين العلام : الآداب السلطانية –دراسة في بنية وثوابت الخطاب السياسي، ص 162 وما يليها، منشورات عالم المعرفة، الكويت 2006.

[3] سوف نكتفي في هذه الدراسة بصياغة بعض الملاحظات حول الكتاب دون أيّ عرض مفصّل لمحتوياته. ويمكن طبعا للقارئ المهتم أن يعود إليه للاطلاع على مضامينه.