التاريخ بين الجدوى والموضوع وآليات الاشتغال

مقدمة:

لا يمكن أن نجادل في عِبر التاريخ وما يمكن أن يقدمه من دروس، لكن وظيفته ليست في تقديم الموعظة من خلال تنبيه الخلف إلى مزالق السلف ومهالكه، بل في تقديم أجوبة على قضايا مجتمعية، باعتباره علما انسانيا واجتماعيا له أدواته وآليات اشتغاله الكفيلة بتقديم عناصر إجابة وفهم لما يعتصر العصر من تعقيدات.

يعيش العالم اليوم على وقع جائحة كورونا وتداعيتها، ويحبس أنفاسه تطلعا للخلاص. ترنو العيون إلى ترياق تجود به مراكز البحث يقي شر الوباء، وتشرئب الأعناق إلى انبعاث الدخان الأبيض من أسطح إحدى المختبرات مُبشرا بلقاح يخلص من هذا البلاء. لكن هل على المؤرخ أن ينتظر نهاية هذا المخاض ليخص الموتى بطقوس جنائزية على مقاسه، تعوضهم بعضا من الدفن المغبون الذي انتهوا إليه بدون تشييع ولا وداع أحبة؟ وهل من واجبه، من باب الانضباط لقواعد صنعته، ألا يخوض في بنية لم تكتمل صيرورتها بعد لتتيح له التقاط حدث مؤشر على ذلك، يسعفه في التأريخ وربما التحقيب؟ أم هي فرصته لكي لا يبقى حبيس الكتابة عن الأموات، ويقدم للأحياء ما يجعل صنعته معبرة فعلا عن طلب اجتماعي ومستجيبة لحاجة مجتمعية، صنعة موضوعها الإنسان وليس الماضي؟