ثقافة الإبداع ودينامية السياق الاجتماعي وأشكال التواصل: قراءة في الإبداع في زمن الوباء

مقدمة:

إن فهم مسارات الإبداع ودورها في بروز ثقافة أو ثقافات بديلة أو انتقادية أو معارضة أو احتجاجية أو موسمية، لا ينفصل عن هذه العلاقة التفاعلية المجتمعية. وبناء على هذه المقاربة، فإن ما يعرف بـ”الثقافة الحضرية” أو الشعبية الملازمة لحدث ما، مهما كان نظامه وعوامل وجوده تتأسس وتتشكل بناء على المشاركة التفاعلية الفردية والجماعية ونشاطها. إن هذه الثقافة الإبداعية المستجدة تعتبر بدورها فضاء مجتمعيا حركيا تنتشر فيه إبداعات ثقافية تأخذ من موضوع الوباء أو الجائحة على سبيل المثال، سندا ومتنا أساسيا لها، ساهم فيها المتخيل الشعبي الجمعي والفردي بقسط وافر، وزاد من انتشارها وسرعة تداولها بالإضافة إلى حجم الكارثة وتأثيرها في النفوس، وسائط التواصل التكنولوجي والإعلام الرقمي الذي جعل هذا الإبداع المستمد من “الفيروس” يتناسل ويتداول بسرعة.

إن تحليل خطابات ثقافية وفنية مثل تلك المتعلقة بوباء كورونا، تجعل من القراءة اللسانية الوصفية métalinguistique آلية للتحليل التي تساعد الإرسالية message على التجلي والظهور. كما يمكن أن نستدل كذلك بالقراءة السيميولوجية لرولان بارت في كتابه: أساطير Mythologies ،يتعلق الأمر من زاوية أخرى بتحليل هذا الإبداع ليس باعتباره تأويلا اجتماعيا أو شعبيا للأزمة الصحية فقط، وإنما باعتباره عملا للمتخيل الذي يساهم في إبراز دوره في حقل الإبداع الثقافي العام ويجعل منه موضوعا للبحث والتحليل.

إن هذه الإبداعات الخاصة بالوباء التي يتداولها رواد الأنترنيت تعتمد كذلك تقنيات في الأسلوب والشكل مرنة وبسيطة مغايرة لقواعد الفن المهني أو المحترف إن صح التعبير، وكأن مبدعوها يضحون بالتقنية والبعد الجمالي لفائدة توثيق اللحظة التاريخية.