نُشرت هذه دراسة نشرت ضمن المؤلف الجماعي الذي أصدره مركز تكامل للدراسات والأبحاث سنة 2016 بعنوان: “تشريعيات 2016 بين إنعاش الآمال وتكريس الإحباطات: قراءة في النتائج والتداعيات“
تبرز أهمية ميزانية الدولة باعتبارها الأداة المنظمة للوسائل التي تمكنها من الموارد اللازمة لتمويل النفقات التي تلتزم بالاضطلاع بها خلال فترة زمنية محددة، ويشكل الدعم المالي أحد القضايا الأساسية للدولة والأداة الفعلية لتجسيد توجهاتها وتنزيلها على أرض الواقع.
وعرف مفهوم التمويل خلال العقدين الأخيرين تطورا كبيرا، وقد كان هذا التطور من المستلزمات الضرورية للتغلب على التحديات المتزايدة التي تواجه المقاولات. ومع تزايد حدة المنافسة والتضخم والتدخل الحكومي المباشر وغير المباشر في النشاط الاقتصادي والتقدم التكنولوجي الهائل وتعاظم المسؤولية الاقتصادية والاجتماعية في المقاولات العامة والخاصة، كان لابد من إيجاد تمويلات من أجل صمود هذه المقاولات التي تعتمد إلى حد كبير على كفاءة أداة الوظيفة المالية بما يسمح لها بمواجهة تلك التحديات.
ونظرا للأدوار الموكولة للأحزاب السياسية والملقاة على عاتقها في الفصل السابع من دستور2011، فضلا على أنها تدافع عن مصالح وآراء الأفراد والجماعات التي تكونها، فإنها تستند بالأساس في تمويلها على الأعضاء المكونين لها للقيام بمهامها. غير أننا لن نجازف بالقول باستحالة اعتماد الأحزاب السياسية على التمويل الذاتي، وحجتنا في ذلك أنه حتى في الدول الديمقراطية تتلقى هذه التكوينات السياسية تمويلات من الدولة مادام أنها تعبر عن مصالح وآراء مشروعة تقرها الدولة.
لا خلاف حول حاجة النظام السياسي إلى الديمقراطية وحاجة الديمقراطية إلى أحزاب قوية وفعالة، وحاجة الأحزاب السياسية إلى المال، حاجة ترتبط بتنوع نفقات أنشطة الحزب وإصدار صحفه وعقد ندواته وتمويل حملاته الانتخابية، وعقد مؤتمراته. لكن المثير في علاقة السياسي بالمال العمومي هو الغموض والتعقيد والسرية، فمالية الحزب في تجارب كثيرة في الدول الديمقراطية بصفة عامة وغير الديمقراطية بصفة خاصة، تعتبر مصدرا للربح والاغتناء والشبهات، لكون ممارسة العمل السياسي يرتبط بتدبير المال العام، خصوصا في ظل غياب آليات دستورية أو قضائية أو قانونية واضحة لضبط مالية الأحزاب[1].
وهو الأمر الذي ييسر لعملية الارتشاء السياسي الذي يؤدي بدوره إلى فساد العملية الانتخابية ويحيد بها عن طريق الهدف الذي أنشئت من أجله، إلى درجة أصبح فيها المال في الحياة السياسية بشكل عام وفي الحياة الحزبية بشكل خاص، يتعاظم سنة بعد أخرى، حتى أننا أصبحنا نعيش في زمن يظهر فيه –مع الأسف-أن السياسة باتت في حاجة أكثر للمال منه إلى الأفكار[2].
فالهدف إذن من التمويل العمومي للأحزاب السياسية ولحملاتها الانتخابية يرجى من ورائه تخليق الحياة السياسية وحمايتها من التمويلات المشبوهة.
انطلاقا مما تقدم، فإن الاشكالية الرئيسية التي تعالجها هذه الورقة تتمحور حول مسألة الدعم المالي العمومي للأحزاب السياسية بالمغرب وذلك من خلال التساؤل التالي: ما مدى استجابة التمويل العمومي لمتطلبات الأحزاب السياسية بالمغرب؟
ومن أجل الإحاطة بمختلف الجوانب المرتبطة بالدعم العمومي للأحزاب السياسية بالمغرب، سنقارب هذا الموضوع من خلال التطرق للأسئلة الفرعية التالية:
- ما هي مكونات التمويل الذاتي للأحزاب السياسية؟
- هل يعتبر التمويل العمومي للأحزاب السياسية محاولة من الدولة لإعانتها على مجابهة الصعوبات خلال الحملات الانتخابية، أم ينطوي على أهداف أخرى تحاول الدولة من خلاله تطويع وإدماج الأحزاب السياسية عن طريق الدعم المالي؟
- ما هي المعايير المعتمدة في توزيع الدعم على الأحزاب السياسية؟
- هل يضطلع المجلس الأعلى للحسابات بأدواره كاملة في مجال تمويل الحملات الانتخابية للأحزاب السياسية؟
انطلاقا مما سبق، اخترنا أن نقسم هذه الورقة إلى محورين، أحدهما أفردناه إلى الحديث عن الأحزاب السياسية بالمغرب بين أهداف الدعم والتمويل الذاتي. في حين خصصنا المحور الثاني لدراسة الإطار المرجعي لتمويل الأحزاب السياسية.
[1] ميلود بلقاضي، “قراءة في القانون رقم 04-36 المتعلق بالأحزاب السياسية”، منشورات فكر، الطبعة الأولى 2006، ص: 110.
[2] أحمد بوز، “المال والسياسة، دراسة في مالية الأحزاب السياسية”، دار القلم للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الأولى 2005، ص:5.
سعيد شكاك
أستاذ باحث بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، الجديدة.
Is a Research Professor at the Faculty of Law, Economic and Social Sciences, El Jadida.