الاقتصاد الانتخابي بالمغرب: أية حكامة، لأية رهانات؟ -قراءة على ضوء التجارب المقارنة-

نُشرت هذه دراسة نشرت ضمن المؤلف الجماعي الذي أصدره مركز تكامل للدراسات والأبحاث سنة 2016 بعنوان: “تشريعيات 2016 بين إنعاش الآمال وتكريس الإحباطات: قراءة في النتائج والتداعيات

أضحى الحديث عن الاقتصاد الانتخابي يتبلور في الوقت الراهن كدعامة أساسية، لرسم صورة وأهمية القضايا المرتبطة بالشأن السياسي عموما، والشأن الانتخابي خصوصا. حيث أخذت الديمقراطيات الحديثة تسعى جاهدة إلى خلق نوع من الموازنة بين المردودية السياسية والتكلفة الاقتصادية لعملياتها الانتخابية، في إطار حرصها على إضفاء المزيد من الرهانات على هذه العمليات في حد ذاتها. وذلك عكس الدول التي مازالت تعرف تراجعات عدة في مساراتها الديمقراطية، والتي تحرص-مكرهة في غالب الأحيان- على تخصيص ميزانيات هائلة لتنظيم العمليات الانتخابية، باعتبار الانتخابات نمطا من أنماط سياساتها العامة التنظيمية” المسكنة Palliatives”، وذلك بغية الحفاظ على استمرار بنيانها المؤسساتي وتزويد نسقها السياسي بموارد جديدة ومتجددة من المشروعية السياسية، ولو كان ذلك على حساب تلبية الاحتياجات المجتمعية الماسة والمتعددة. فالانتخاب يعتبر أولوية دستورية أساسية لتبني الديمقراطية وتطبيقها، بل يمكن أن يتجاوز ذلك ليصبح أداة لتدعيم الأسس السياسية لكل نظام[1]. إنه إذا كان يرى العديد من علماء السياسة، أن ليس للديمقراطية ثمن، فإنه مما لاريب فيه، أنها تتأسس في كنهها على “تكلفة”- مالية بالأساس- خاصة إبان إحدى مساراتها المتجلية في الانتخابات. هكذا، تبرز العلاقة الناظمة بين المال والسياسة، والتي ما فتئت تحتل نقاشا مستفيضا مرتبطا في جوهره بالتأثير المرصود للمال على المسلسل السياسي -الديمقراطي برمته[2]. ومن تم سنلاحظ الحضور الوازن الذي يسجله زواج المال والسياسة في بناء كثير من الوقائع السوسيو سياسي للدول، وهو الزواج الذي يشكل مدخلا من المداخيل الأولية لانبثاق العلاقة الوطيدة التي يمكن أن تجمع بين الاقتصاد والسياسة، في إطار العلاقات المتعددة التي يشملها بالتحليل علم الاقتصاد السياسي، كأحد أهم فروع المعرفة الإنسانية الحديثة، والذي يضم في طياته العديد من التخصصات، ومن ضمنها يمكن الحديث عن تخصص “اقتصاد الانتخابات”. هذا الأخير، يتبلور كمفهوم عالمي تختلف مستوياته باختلاف البلد (بالمغرب مثلا، تبدأ دورة الاقتصاد الانتخابي قبل الانتخابات بشهر أو شهرين، وتستمر أثناء فترة الحملة الانتخابية) وقد أجمع اقتصاديون وسياسيون على التأثير الكبير الذي باتت تفرضه الانتخابات على الاقتصاد خلال الفترات الانتخابية. ويرتبط هذا التأثير بزيادة الإنفاق وأشكال التمويل المنظم بشكل عام، وأيضا بتنشيط وتحريك دواليب عدة قطاعات وخلق فرص عمل، ولو مؤقتة (الوجه الإيجابي أو الاقتصاد الانتخابي المنظم) لكنه يرتبط كذلك بمصطلح “المال السياسي”، الذي يوظف في خدمة الحملات الانتخابية و”المال الأسود ” المعني بشراء الذمم وبيعها (الوجه السلبي أو الاقتصاد الانتخابي غير المنظم) وهذا له تداعيات سياسية كبيرة وخطيرة، تتعلق بالمس بسلامة ومصداقية ونزاهة العمليات الانتخابية(بناء نمط من سوء الحكامة الانتخابية)، وبالتالي خلق انعكاسات سلبية على السيرورة الديمقراطية في حد ذاتها. وذلك بحكم التشويش المرصود على الممارسة السياسية العادية، باعتبارها خطوة حاسمة في بلورة ممكنات الانتقال الديمقراطي السليم والسلس. على هذا الأساس، فإن الاستعانة بالمدخل الاقتصادي لدراسة محطة السابع من أكتوبر 2016،[3] يحتم علينا طرح الإشكالية التالية: أية حكامة “ناجعة” كفيلة بجعل الاقتصاد الانتخابي يحقق الرهانين الحاسمين : التخفيض من التكلفة المالية والرفع من المردودية السياسية للانتخابات بالمغرب؟ هذا ما سنحاول أن نستشفه من دراستنا هاته.


[1] محمد شقير: السلوك الانتخابي بالمغرب بين الشفافية السياسية والمقاطعة الشعبية، منشورات دفاتر وجهة نظر،الطبعة الأولى، 2015، ص213.

[2] Guy S. Godwin-Gill : Codes de conduite pour les élections, Union interparlementaire, Genève 1998, p.9.

[3] تجدر الإشارة إلى أنه لم يسجل لحدود اللحظة التطرق إلى موضوع اقتصاد الانتخابات في استحقاق السابع من أكتوبر، ماعدا رصدنا لبرنامج 45 دقيقة “اقتصاد الانتخابات” بالقناة الأولى المغربية، على شاكلة برامج التحقيق، عرض يوم الأحد 20 نونبر 2016. يمكن مشاهدته على قناة اليوتوب على الرابط التالي:

https://www.youtube.com/watch?v=clDt_xKyWZI