المعارضة البرلمانية في النظام الدستوري المغربي: الولاية التشريعية التاسعة 2011- 2016 دراسة مقارنة

The thesis’s report on:  The parliamentary opposition issue has formed one of the most critical malfunctions in the parliament. Therefore, we tried our best to provide a research product that clarifies its position and rank in the institutional hierarchy. Along with featuring the guarantees and efficiencies that have been granted to it in the new constitutional reform to increase its effectiveness and improve the legislative institution’s outcome. Such as standing on the parliamentary opposition’s crisis, whether related to the scarcity of legislative capabilities, allows it to achieve a significant result. As for the weakness, it must be searched for its causes outside the constitutional approach.

There would be a research conclusion presentation at the end of the research to identify the role, outcome, and obstacles to the parliamentary opposition’s work during the ninth legislative mandate [2011-2016]. It has been foreseeing ways to advance its position in the future of the coming legislative states. By working on presenting a scientific material that enables the bridging of the relationship between research knowledge and parliamentary practice that would qualify the legislative institution in modernizing the Moroccan political system. It also accommodates the outputs of academic and scientific university research within the process of democratic and developmental advancement in Morocco. It is not only considering the university as a field of education separate from contributing to comprehensive and sustainable development.

السياق العام

لقد مكنت لحظة مراجعة الدستور المغربي لسنة 1996، من التخفيف من ثقل منطق العقلنة البرلمانية الذي طبع  الممارسة البرلمانية لنصف قرن. وذلك من أجل اقرار حقيقي لفصل السلط وتوازنها وتعاونها. حيث كان الانشغال في السابق بإحداث توازن خارجي بين المؤسسة البرلمانية والسلطة التنفيذية،  لكن مع دستور 2011 بدأ التفكير والعمل على تحقيق توازن داخلي بين المعارضة البرلمانية والأغلبية الحكومية. وذلك من أجل التخفيف من قيود استحقاقات الديمقراطية التمثيلية، وهو ما يفسر اقرار دستوري مهم اعتبر من أهم مخرجاته الديمقراطية التشاركية . رغم أن منطق العقلنة البرلمانية في التجربة البرلمانية يعنى فقط بالاستقرار المؤسساتي على حساب الفعالية  والنجاعة.

لقد  شكلت مخرجات تمكين المعارضة البرلمانية في الوثيقة الدستورية لسنة 2011، أحد أبرز مستجدات الدستور الجديد، إذ خولتها عدة امتيازات وضمانات قانونية. وذلك جاء نتيجة اعتماد مدخل الاصلاح الدستوري جواباً عن أزمة النجاعة والفعالية المفقودة لدى المؤسسة التشريعية، لأنه سُجل فارغ كبير على امتداد هذا المسار من حيث تأطير وضعيتها داخل فضاء المؤسسة التشريعية بوضع قانوني خاص، يتجاوز الارتهان لمنطق الأغلبية والأكثرية، إلى اقرار حقوق تفضيلية تكسبها حقوقاً، تمكنها من الرفع من نجاع أدائها، وتحريرها من ضغط مخرجات الديمقراطية التمثيلية التي تمنح هامشاً متواضعاً من الامكانات والضمانات للأقلية للتأثير  في صناعة القرار البرلماني عموماً

دواعي اختيار الموضوع

تعد الولاية التشريعية التاسعة (2011- 2016) ولاية تأسيسية بعد المصادقة على دستور 2011، حيث ذكرت المعارضة البرلمانية  لأول مرة بالاسم وتم دسترة بعض حقوقها الخاصة. ولقد تم توصيف هذه الولاية بالتأسيسية بامتياز، لاعتبارين اثنين:

أولا : في مجال التشريع، حيث أصبح البرلمان المصدر الوحيد للتشريع. (الارتقاء بالبرلمان من مؤسسة دستورية إلى سلطة تشريعية  الفصل 70) ، مستجد دستوري جد مهم جعل الوظيفة التشريعية مرتبطة حصرياً بهذه المؤسسة.

ثانياً: توسيع مجال القانون، وتخويله اختصاصات جديدة (الفصل 71 يختص القانون بالتشريع في ثلاثين ميدان)، كفيلة بنهوضه بمهامه التمثيلية والتشريعية والرقابية. والتقييم  ، إضافة إلى تنصيص الدستور على القوانين التنظيمية، علاوة على القوانين المتعلقة بمختلف المؤسسات المنصوص عليها في الدستور، مما يتيح تجديد التشريعات الوطنية. كما  شكل موضوع المعارضة البرلمانية أحد أهم أعطاب المؤسسة البرلمانية، لذلك حاولنا جهد المستطاع المساهمة في تقديم منتوج بحثي يسعى إلى استجلاء موقعها ومكانتها في الهرم المؤسساتي. وإبراز الضمانات والإمكانات التي منحت لها في الإصلاح الدستوري الجديد، من أجل الرفع من فعاليتها وتجويد حصيلة المؤسسة التشريعية. وكذا الوقوف على إشكالية أزمة  المعارضة البرلمانية هل ترتبط بشح الامكانات التشريعية  التي تخول لها انجاز حصيلة معتبرة. أما أن الضعف يجب البحث عن أسبابه خارج المقاربة الدستورية .

سوف يتم تقديم خلاصات بحثية في نهاية البحث من شأنها المساهمة في الوقوف على دور وحصيلة ومعيقات عمل المعارضة البرلمانية خلال الولاية التشريعية التاسعة [2011- 2016]. ومن تم استشراف سبل النهوض بعملها في مستقبل الولايات التشريعية القادمة.  من خلال العمل على تقديم مادة علمية تمكن من تجسير العلاقة بين المعرفة البحثية والممارسة البرلمانية التي من شأنها تأهيل المؤسسة التشريعية في عملية تحديث النظام السياسي المغربي. وأيضا من أجل تسكين مخرجات البحث الأكاديمي  العلمي الجامعي ضمن عملية النهوض التنموي والديمقراطي بالمغرب. وليس فقط اعتبار الجامعة مجالا للتعليم المنفصل عن المساهمة في مجال التنمية الشاملة والمستدامة .

الاشكالية العامة للبحث

في ظل تجربة سياسية ودستورية بالمغرب المتسمة بالاستقرار، وبحكم ما لطبيعة الأنظمة السياسية من دور في تشكل هوية المعارضة البرلمانية . تفرض هذه الوضعية مساءلة الدور الذي لعبته المعارضة البرلمانية المغربية خلال مدة انتدابها (2011- 2016) في استثمار الإمكانات الدستورية، بحثاً عن إعادة التوازن المختل بين الأغلبية والمعارضة داخل فضاء المؤسسة البرلمانية، وسعياً نحو الوقوف على مدى مساهمة هذه الحقوق والامتيازات التي منحت إياها في الارتقاء بالبرلمان من مجرد مؤسسة دستورية إلى سلطة تشريعية، مما يخولها الاضطلاع بأدوارها الريادية من موقع النجاعة والفاعلية .

القسم الأول : المعارضة البرلمانية بين الإطار النظري والقانوني

يعد مفهوم المعارضة البرلمانية أحد المفاهيم الملازمة لظاهرة السلطة الحديثة سواء كانت سلطوية أم ديمقراطية، كما تتباين دلالاته حسب الخبرتين التاريخيتين ( الغربية/ الإسلامية). الأمر الذي جعل من مفهوم المعارضة البرلمانية مفهوماً متحركاً وليس ثابتاً. والتي تتفرد كل واحدة منهما بطبيعة سيرورتها التاريخية وأسسها النظرية الخاصة بها والمتحكمة في صياغة مضامينها التي ينتجها علم السياسية.( الذي له تفرده الخاص في سياق الخبرة الغربية / سياق الخبرة العربية الاسلامية ).

ولقد خلصت بعد استعراض مجموعة من التجارب المقارنة حول مفهوم المعارضة البرلمانية إلى إنها اطار تنظيمي وتمثيلي لحزب سياسي داخل المؤسسة التشريعية. مما جعلها تحوز هذا الموقع وفق إجراءات مسطرية شكلية ( وضع لائحة) وموضوعية.(تقديم تصريح المادة 35 من النظام الداخلي 2013،- نشر اللوائح في الجريدة الرسمية) ، الأمر الذي قاد إلى اعتماد منح صلاحية ذاتية لكل فريق في تحديد موقعه انطلاقاً من ” مرجعية الاختيار السياسي “، من خلال ما يسمى “النظام التصريحي”، كي يتم فرز خريطة سياسية واضحة داخل المؤسسة التشريعية مبنية على أساس تنوع في المقاربات البرنامجية لصياغة وتدبير مجمل السياسات العمومية.

إن المعارضة البرلمانية تمارس أدوارها كفرق برلمانية وليس كأحزاب سياسية، وهو ما يجعلها تحظى بأهمية كبيرة في تشكيل الأجهزة الداخلية للبرلمان . كالمكاتب واللجان الدائمة والوفود ولجان تقصي الحقائق، وضع يخول الأقلية البرلمانية الحضور  والمساهمة في العمل البرلماني . كما ينبغي التأكيد على دور ومساهمة الاجتهاد القضائي في تدقيق معنى المعارضة البرلمانية من خلال ملاحظاته، حيث أكد  أن الفصل العاشر من الدستور، وإن استخدم في فقرتيه الثالثة والأخيرة عبارة فرق المعارضة، وكذا الواجبات الواقعة على عاتقها بموجب هذا الفصل، أكد على أنها لا تقتصر على الفرق البرلمانية، بل تشمل كافة مكونات المعارضة من مجموعات نيابية ونواب غير منتسبين.

لقد حاول القضاء الدستوري تقديم تعريف وظيفي وليس دلالي أو مفهومي للمعارضة البرلمانية مما وسع من مجال استفادة الأقلية البرلمانية في مختلف الحقوق الخاصة بالمعارضة البرلمانية وخصوصاً المجموعات النيابية وغير المنتسبين. وهو ما اعتبر محاولة من الاجتهاد القضائي الدستوري للحد من استقواء الأغلبية الحكومية بقوتها العددية في فرض هيمنتها على مخرجات ومضامين النظام الداخلي، وكذا عدم اعتماد التأويل الديمقراطي لمضامين الدستور، من خلال استبعاد المجموعات النيابية عن الاستفادة من حقوق المعارضة البرلمانية.

يسجل تأخر  دسترة المعارضة البرلمانية المغربية، بعد غيابها عن مختلف الدساتير، إلى أن جاء التعديل الدستوري الأخير لسنة 2011، الذي مكنها من مجموعة من الحقوق والامتيازات والضمانات المهمة. حيث شكل مطلب مدخل الإصلاح الدستوري عموماً والبرلماني خصوصاً، أحد مفاتيح الرقي بأداء وحصيلة فرق المعارضة البرلمانية، الأمر الذي سوف يتأتى مع انطلاق موجة الربيع العربي الديمقراطي في مجموعة من العربية والمغاربية  خلال سنة  2011.

لم يكن المغرب في منأى عن تداعيات حراك الربيع الديمقراطي العربي ؛ إلا أن المغرب بحكمة ملكه ورزانة نخبه ووعي مجتمعه، استطاع أن يبلور تعاطياً سياسياً متفرداً مع تلك اللحظة التاريخية. مما جعله يستفيد من عوائده دون التورط في مسار ثوري كان يبدو غير محسوب النتائج. بحيث حرص الجميع على المطالبة بالإصلاح في اطار المحافظة على استقرار النظام السياسي وعدم المجازفة بالمكتسبات التي تم تحقيقها منذ فجر الاستقلال.

سياق دفع المؤسسة الملكية إلى التفاعل معه بحسٍ استباقي واع نتيجة قراءة دقيقة لطبيعة المرحلة، لتقرر بشكل استعجالي اتخاذ رزمة من الإجراءات التي تندرج ضمن ورش الإصلاح الدستوري لسنة 2011. إلقاء خطاب ملكي في 09 مارس 2011، تشكيل لجنة استشارية لوضع دستور جديد، تشكيل لجنة آلية المتابعة السياسية للإصلاحات الدستورية، عرض دستور 2011 على استفتاء شعبي، إجراء انتخابات سابقة لأوانها في 25 نونبر 2016، تشكيل حكومة يقودها حزب كان ينتمي للمعارضة البرلمانية في الولاية الثامنة.

حاول المشرع الدستوري استدراك النقص والتقييد الذي طبع مسار عمل المعارضة البرلمانية، من خلال تضمين الوثيقة الدستورية لسنة 2011، مكانة خاصة  تمكنها من أدوات الاشتغال والنجاعة في الأداء. مما سيعزز منطق التوازن الداخلي بين السلط، خصوصاً أن طريقة التنصيص جاءت مفصلة لا تحتاج إلى تأويلات تعسفية تخرجها عن مراد المشرع الدستوري منها ، مما سوف يحصنها ضد أي تعسف أو تأويل غير ديمقراطي لحقوقها.

كما شكلت الخطب الملكية إبان لحظة انطلاق شرارة الربيع المغربي الديمقراطي، لحظة فارقة في التعرف على رؤيتها لمكانة المعارضة البرلمانية في المتن الدستوري لسنة 2011. ولعل الخطابين التاريخيين 09 مارس و17 يونيو لسنة2011، والخطب المقدمة خلال الجلسات الافتتاحية للدورات التشريعية للبرلمان، شكلت أحد المتون الأساسية في التعرف عن رؤية ومنظور عمل وموقع المعارضة البرلمانية في العمل البرلماني والعميلة السياسية برمتها، والتي اعتبرت جواباً سياسياً ميدانياً عن مطالب القوى الفبرايرية ومختلف مطالب  القوى الفاعلة في الساحة السياسية.

يسجل أن مذكرات الأحزاب السياسية لم تكن جريئة بما فيه الكفاية لترجمة العرض الملكي المتقدم بخصوص منح مكانة خاصة للمعارضة البرلمانية، بغية الرفع من نجاعة أدائها . إما بسبب التخوف من تقوية دور المعارضة من طرف أحزاب الأغلبية التي ألفت التدبير الحكومي، لذلك تخشى التأثير على عملها وأغلبيتها بالنظر إلى الإمكانيات الدستورية التي قد توضع رهن إشارتها، وهو ما يمكن أن يحرج أداء السلطة التنفيذية.  ينبغي التأكيد أن نسبة المقترحات المباشرة في موضوع المعارضة البرلمانية المقدمة ضمن مذكرات الأحزاب السياسية لم تتجاوز %18.18، وهو ما يؤشر على ضعف مقترحات الأحزاب السياسية في مجال التمكين القانوني للمعارضة البرلمانية.

لكن رغم أهمية المدخل القانوني في تمكين المعارضة البرلمانية من امكانات وضمانات دستورية، فإنه يبقى غير كاف لأن الدسترة وحدها غير كافية رغم أهميتها في انجاز حصيلة معتبرة لفرق المعارضة البرلمانية. بدليل أن شح الضمانات خلال حقبة الستينات والسبعينات لم تحل دون أداء قوي للمعارضة  داخل المؤسسة التشريعية، وكذا التأثير في مجريات الحياة السياسية، بل كانت معارضة تتجاوز قضايا مناكفة الأغلبية الحكومية لتمتد إلى قضايا جوهرية كبرى تهم الطابع التأسيسي لممارسة السلطة في المغرب.

القسم الثاني : المعارضة البرلمانية الحصيلة، التقييم المعيقات، سبل النهوض بالعمل البرلماني

إن عملية تقييم حصيلة المعارضة البرلمانية على المستوى التشريعي، سمحت لنا بتسجيل استمرار تفوق حصيلة المشاريع المقترحة من طرف الحكومة وأغلبيتها الحكومية على حصيلة فرق المعارضة البرلمانية .  لذلك فإن الحصيلة المسجلة (نوعاً / كماً) في مجال أداء المعارضة البرلمانية لوظائفها تدل على أن الدسترة لم تنعكس على العمل التشريعي، ولا على العمل البرلماني ،وهو ما يفسر استمرار  وفاء فرق المعارضة البرلمانية  لنفس الوتيرة التي ميزت عملها البرلماني، خلال الولايات التشريعية السابقة.

أبانت حصيلة فرق المعارضة البرلمانية أن فعالية الفريق لا ترتبط لزاماً بالقوة العددية التي يتوفر عليها، بل هي نتيجة لدينامية النخب البرلمانية وقدرتها على تحمل المسؤولية الملقاة على عاتقها في ممارسة مهام التمثيل النيابي. الأمر الذي مكننا من تمحيص مقولة ادعاء المعارضة البرلمانية ” تواضع حصيلتها تُرْجِعه إلى شح الضمانات الدستورية التي تمكنها من الاشتغال والتأثير في صناعة القرار البرلماني “، إلا أن الحصيلة العملية للولاية التاسعة لفرق المعارضة البرلمانية بينت أن ضعف الأداء يوجد خارج الخطاطة ( الأداء الجيد/ النص الدستوري الجيد).

علماً أن المعارضة البرلمانية لم تبد من خلال حصيلتها خلال الولاية التشريعية التاسعة الجهد المطلوب من أجل ضخ جرعات متقدمة في مسار الدمقرطة والارتقاء بحصيلة المؤسسة التشريعية وكذا خلق دينامية في الحياة السياسية، بل كان ينتظر منها أن تصبح عنوان الجودة السياسية لكن المعطيات المسجلة أبعدتها عن تحقيق هذا المبتغى. رغم الامكانات الدستورية المهمة التي وضعت رهن إشارتها فقط ;كانت تحتاج إلى ارادة ونخب فاعلة. ( رغم  تخفيض نسبة  الانصبة من أجل تفعيل مجموعة من الادوات الرقابية إلا أن ذلك لم يتحقق) . الاشكال في تفعيل النصوص الدستورية وليس في شحها ولا في قلتها.

لقد تبين أن تمكين المعارضة البرلمانية في الوثيقة الدستورية الجديدة من عدة امتيازات وضمانات قانونية، جاء نتيجة اعتماد مدخل الاصلاح الدستوري جواباً عن مطلب المعارضة البرلمانية. حيث أن المعارضة البرلمانية تدعي أن ضعف حصيلتها ونجاعة عملها مرتبط بشح الامكانات الدستورية وهزالة الإمكانات المادية واللوجستيكية المرصودة لها، من أجل الارتقاء بوظائفها الدستورية في المجال التشريعي والرقابي والدبلوماسي وتقييم السياسات العمومية.

عموماً الحصيلة التشريعية للمعارضة البرلمانية لم تتجاوز % 1 على أبعد تقدير من القوانين المصادق عليها بمبادرة برلمانية. ولم تفعل أي من الآليات الرقابية الأساسية،  بحيث أن ضعف النخبة البرلمانية المكونة للمعارضة البرلمانية، وعدم انسجام بنيتها الداخلية وضعف تنسيقها، جعلها لا تقدم نموذج المعارضة الفاعلة، وتظهر بمظهر الولاية التشريعية الحالية، أمام رهان التأسيس للفعل المعارض الجيد .

إن دسترة حقوق المعارضة البرلمانية، لم تنعكس على أدائها وحصيلة عملها خلال الولاية التشريعية المنتهية،  بسبب مجموعة من المعيقات البنيوية والذاتية، لكن رغم الصلاحيات الدستورية والامكانات التي تم اقرارها في الدستور الجديد لسنة 2011، يبقى تأثيرها جد محدود بالنظر لجملة معيقات بنيوية تتمثل في طبيعة النظام السياسي المغربي الذي يشهد حضوراً قوياً للمؤسسة الملكية في مختلف مفاصل النسق السياسي، وكذا هيمنة السلطة الحكومية على مدخلات ومخرجات العمل البرلماني، وكذا تأثيرات طبيعة النظام الانتخابي، ونمط الاقتراع، على مجمل المشهد السياسي.

ينبغي التأكيد أن عمل المعارضة البرلمانية تكتنفه جملة عوائق قانونية ومؤسساتية وذاتية، وهو ما يفسر هامشية الدور الذي يمكن أن تقدمه من موقع السلطة التشريعية. إذ لا زال النظام السياسي المغربي تهيمن عليه حالة من التردد نحو الحسم في طبيعة النموذج الديمقراطي المنشود . ضعف الذات الحزبية في انتاج جودة النخب، حالة الاختناق التنظيمي الداخلي من خلال انعدام حياة ديمقراطية داخل التنظيم السياسي، وترهل بناه وهياكله وهيمنة المنزع البيروقراطي فيه. أثر بشكل كبير على عمل المعارضة البرلمانية.

إن الجزء الكبير من الأعطاب السالفة الذكر تعزى إلى طبيعة التجربة السياسية المغربية المصنفة ضمن الأنظمة الهجينة التي تزاوج بين استدعاء أشكال من الحكم الديمقراطي واعتماد أساليب تعد جزءاً من بنية الحكم السلطوي . فرغم الصلاحيات الدستورية والامكانات التي تم اقرارها في الدستور الجديد لسنة 2011، جزء منها مرتبط بمعيقات بنيوية تتمثل في طبيعة النظام السياسي المغربي الذي يشهد حضوراً مهيمناً ومتحكماً للمؤسسة الملكية في مختلف مفاصل النسق السياسي، وكذا هيمنة السلطة الحكومية على مدخلات ومخرجات العمل البرلماني، وكذا تأثيرات طبيعة النظام الانتخابي، ونمط الاقتراع، على مجمل المشهد السياسي ينضاف إلى ذلك معيقات ذاتية مرتبطة بالمؤسسة الحزبية؛ وما تعانيه من مشاكل عديدة، من أبرزها طبيعة النخب البرلمانية (أغلبية/معارضة)، عدم امتلاك استقلالية القرار الحزبي، مصداقية خطاب المعارضة البرلمانية، طبيعة العلاقة بين فرق المعارضة البرلمانية فيما بينها، تأثير المعارضة في الحياة السياسية. لذلك لا يصح مناقشة أزمة المعارضة البرلمانية بمعزل عن حجم الهشاشة التي تعاني منه الذات الحزبية التي تعد مجالاً لإنتاج نخب المعارضة البرلمانية جودة أو رداءة.

ينبغي الاشارة أنه رغم التحولات المهمة في مسار التجربة الدستورانية المغربية، فإنه بقي تأثير المعارضة البرلمانية جد محدود، حيث لم تقترن عملية التأهيل المؤسساتي باتخاذ إجراءات مصاحبة. من شأنها الرفع من منسوب تأثيرها وفعاليتها واحداث تحولات عميقة في البنيان المؤسساتي. (تأهيل المؤسسة الحزبية- الحكامة  رافعة عمل المعارضة البرلماني- جودة النخب- اختيار عتبة مناسبة – المراقبة القضائية للانتخابات ). وبناء عليه يتبين أنه رغم العوائق التي كانت ولا زالت في بنية النسق السياسي المغربي، لم تبد المعارضة البرلمانية من خلال حصيلتها الجهد المطلوب من أجل ضخ جرعات متقدمة في مسار الدمقرطة والرفع من أدائها. وخلق دينامية في الحياة السياسية، بل كان ينتظر منها أن تصبح عنوان الجودة السياسية لكن المعطيات المسجلة أبعدتها عن تحقيق هذا المبتغى. حيث  طالت ظاهرة الغياب البرلماني فرق المعارضة البرلمانية عن المؤسسة التشريعية، كذلك تدني الخطاب السياسي ، شكل حالة انفلات واضحة من مقتضيات أساسية في النظام الداخلي لمجلس النواب، بسبب تضخم هاجس الفوز الانتخابي، مما فسح المجال للأعيان لبسط نفوذها على مستوى وكلاء اللوائح، الانتخابية وهو ما يجعلنا أمام نوعية من النخب السياسية تفتقد إلى المعارف العلمية التي تؤهلها لاكتساب أصول الصناعة التشريعية والرقابية والمؤهلات لممارسة الوظيفة البرلمانية

في الأخير، لا يمكن تحميل المعارضة البرلمانية ثقل الأزمة البنيوية التي ترزخ تحت وطأتها المؤسسة التشريعية، الأمر الذي  يطرح السؤال حول  مسؤولية ضعف فعالية المؤسسة البرلمانية . حيث إن فعاليتها مرتبطة أساساً بدينامية الفرق البرلمانية(أغلبية/ معارضة)  والمجموعات النيابية، وتأسيس لمنطق التعاون بين البرلمان والحكومة،  وسعيهما الحثيث نحو الرفع من وتيرة الاشتغال، الأمر الذي من شأنه المساهمة في تجويد مخرجات العملية التشريعية كماً ونوعاً وأداءً .

خلاصات البحث

  1. استطاعت اللحظة الفبرايرية توفير مناخ ضاغط في اتجاه التسريع بإصلاحات دستورية لم تكن مطروحة على جدول مطالب القوى السياسية قبيل الربيع المغربي. حيث مكن ذلك مكن من إنتاج وثيقة دستورية محكومة بسياقات إنتاجها الوطني والاقليمي، الأمر الذي يفسر مجموعة من التوترات والبياضات التي تضمنتها وثيقة دستور 2011، والتي كتبت بالتزامن مع استمرار الحراك المغربي الشبابي في الشارع السياسي، مما جعل من الوثيقة لحظةً لتنفيس الاحتقان السياسي أكثر منه مرحلة لتدشين مشروع دمقرطة الدولة والمجتمع.
  2. لقد  شكل دستور 2011 منعطفاً مهماً  في مجال اعادة صياغة طبيعة النظام السياسي من خلال محاولة اضفاء الصفة البرلمانية عليه، الأمر الذي مكن من اقرار مجموعة من الاصلاحات الدستورية المهمة لفائدة البرلمان، وهو ما جعله يرتقي بوضعيته من مجرد وظيفة إلى سلطة تشريعية. لعل أبرزها الاحتفاء بالمعارضة البرلمانية ومنحها مكانة خاصة في العمل البرلماني .
  3. أدت الاصلاحات الدستورية لسنة 2011 إلى التمكين القانوني للمعارضة البرلمانية داخل المؤسسة التشريعية، بفضل الامكانات الدستورية التي تم اقرارها للرفع من فعاليتها ونجاعتها. وهو ما منحها مكانة خاصة في العمل البرلماني  من أجل إحداث توازن داخلي بين الأغلبية الحكومية والأقلية البرلمانية
  4. لا يمكن انكار الاصلاحات السياسية المهمة التي حملتها الوثيقة الدستورية لسنة 2011، الأمر الذي يقدم إمكانية وفرصاً لمزيد من تحقيق تراكم ايجابي نحو أفق الاصلاح السياسي المنشود . رغم أن الجميع يقر بأن الوثيقة الدستورية لسنة 2011 تعد متقدمة بالمقارنة مع باقي الدساتير السابقة، إلا أنه لم تحدث قطيعة مع المنظورات التقليدانية التي أطرت مختلف المراجعات الدستورية، باعتبارها دستوراً ينتمي إلى الجيل الجديد من الدساتير التي تسعى إلى الرفع من منسوب الارتقاء بالنموذج الديمقراطي المغربي .
  5. يلاحظ أن جميع الاصلاحات تنضبط لنفس جوهر ممارسة السلطة في المغرب، ولم يحدث تغيير في نمط تكوين المؤسسات، وطرق اتخاذ القرارات وصناعة السياسات،  وفي نمط ممارسة السلطة . بصورة تجعل سلطة القرار تستند الى نتائج انتخابات تنافسية حرة ونزيهة من خلال الاحتكام إلى صندوق الاقتراع. الأمر الذي جعل الاصلاحات السياسية والدستورية التي تم القيام بها في هذا الإطار لفائدة المعارضة البرلمانية  تتميز بطابعها الظرفي والتكتيكي، واستعملت كوسيلة لتجاوز حالة الاحتقان الذي شهده المغرب مع لحظة الربيع المغربي الديمقراطي.