البعد الجمالي في سياسة التخطيط الحضري خلال المرحلة الاستعمارية بشمال المغرب

نُشرت هذه الدراسة ضمن المؤلف الجماعي الذي أصدره مركز تكامل للدراسات والأبحاث سنة 2019 بعنوان: “تدبير المجالات الحضرية بالمغرب في سياق متغير-مؤلف جماعي-” وهو معروض في المكتبات.

تقديم:

      خلال مطلع القرن العشرين، لم يكن السكان الحضريون يشكلون سوى نسبة قليلة من مجموع الساكنة المغربية التي كانت جلها تستقر بالأرياف. ومع وقوع البلاد تحت الاستعمار الفرنسي والإسباني بدأ عدد المراكز الحضرية يتزايد تدريجيا بفعل مجموعة من التغيرات التي مست البنية الديمغرافية بعد توافد أعداد مهمة من المستوطنين الأجانب، فضلا عن النمو الحضري الذي فرضته التحولات الاقتصادية والعمرانية على وجه الخصوص، والتي كان للاستعمار الفرنسي والإسباني الدور الرئيسي فيها.

يمكن ربط تشكل النسيج الحضري وتوسعه في المغرب بالمرحلة الاستعمارية، حيث عملت الإدارة الاستعمارية إلى وضع تصور لتوسيع المدن المغربية المهمة، بشكل يستحضر مواصفات المدن الأوربية، خصوصا على المستوى الجمالي، وذلك بهدف خلق فضاءات ذات جاذبية للمعمرين الفرنسيين والإسبان، الشيء الذي أسفر عن مشهد حضري يتضمن عناصر جمالية من مختلف التوجهات المعمارية المعروفة آنذاك.

في هذه الورقة، سنحاول رصد تطور البعد الجمالي في التخطيط الحضري بالمغرب خلال البدايات الأولى لتوسيع النسيج الحضري على عهد الاستعمار الإسباني والفرنسي، وهو ما سيتيح لنا ربما فرصة قياس درجة تطور هذا البعد في واقع التوسع الحضري اليوم. وقد ركزنا في هذه الورقة على مدينتي تطوان والقصر الكبير في شمال المغرب، واللتين كانتا تحت السيطرة الاستعمارية الإسبانية. حيث تميزت تطوان بكونها عاصمة منطقة الشمال المغربي، وعرفت أولى أشغال التوسعة والتهيئة الحضرية في السنوات الأولى من الاحتلال الإسباني، وتشييد البنيات العسكرية والإدارية الرئيسية في المنطقة، بينما شكلت القصر الكبير ثاني مدينة من حيث الأهمية لدى الإدارة الاستعمارية بحكم وجودها على الحدود مع المنطقة الاستعمارية الفرنسية، إضافة إلى كونها في قلب سهل اللوكوس الذي شكل مجالا فلاحيا مهما في المنطقة الشمالية. وانطلاقا من هذه الاعتبارات، فقد كانت المدينتان مسرحا لأشغال توسعة حضرية مستمرة، استحضرت فيها مختلف الأنماط المعمارية التي كانت تتغير تبعا للتحولات التي كانت تحدث في المتروبول الإسباني، ورؤية مختلف المهندسين المعماريين الذين اضطلعوا بالإشراف على تلك الأشغال.