العقلانية القانونية ومفهوم “الذكاء المعياري”

تقديم:

يحيلنا التفكير في إشكاليات العقلانية القانونية إلى التدقيق في مفارقة أولية، تتعلق بوجود فارق كبير بين التطور الواقعي الذي عرفته بنية ووظائف المعايير القانونية من جهة، وبين التطور الذي عرفته المناهج والأدوات المستخدمة في تحليل ودراسة الظاهرة القانونية من جهة أخرى.

بناء على هذا المعطى الذي يحتاج إلى التأكيد العلمي، يمكن الجزم بأن فهم الحركية المتسارعة التي تعرفها “المعيارية القانونية”، مسألة مرتبطة أولا، بالقدرة على تجاوز بعض البديهيات والثوابت التي هيمنت على الدراسات القانونية وباتت متقادمة وغير مواكبة لحقيقة التطور السوسيولوجي الذي مس الضوابط القانونية شكلا ومضمونا.

في هذا الإطار، أصبحت تطرح لدى أغلب الأنظمة القانونية إشكالية إنتاج المعايير القانونية التي من شأنها تحقيق التوازن بين متطلبات التنافسية والفعالية في استقطاب رؤوس الأموال وتحسين مناخ الأعمال، وبين متطلبات الحفاظ على الحد الأدنى من مشروعية هذه المعايير تجاه المجتمع، في ظل تزايد وتيرة الاحتياجات المجتمعية وتنوع طبيعتها وأشكال المطالبة بها.

        هذا ما سنحاول معالجة بعض جوانبه في هذه المقالة، انطلاقا من محورين متكاملين فيما بينهما: المحور الأول مخصص لكشف بعض التحولات الابستيمولوجية الطارئة على العقلانية القانونية، في حين نسعى من خلال المحور الثاني إلى ملامسة بعض المسارات الممكنة لتكريس واقعي لمفهوم “الذكاء المعياري”.