حالة الاستثناء والإنسان الحرام: الأسس الخفية للسلطة في حالة الطوارئ عند جورجيو أغامبين

تقديم:

أدى ما يعيشه العالم من تقلبات اقتصادية وسياسية واجتماعية جراء التداعيات التي خلفتها الجائحة الوبائية لفيروس كرونا “كوفيدـ19” Coronavirus (COVID-19) مطلع هذه السنة، إلى استدعاء النقاش حول منظومة الضبط وتقييد الممارسة الحياتية اليومية للأفراد، خصوصا وأن الجائحة دفعت معظم الدول إلى اتخاذ إجراءات استثنائية لضبط حرية تنقل الأفراد وحقوقهم في التجول، عبر فرض قوانين الحجر الصحي، وهو ما قيد العديد من الحقوق الأساسية للمواطنين التي تنص عليها القوانين والدساتير والمواثيق الدولية.

في هذا الباب طرحت أسئلة عديدة حول جدلية الأصل والاستثناء في تنزيل القاعدة القانونية؟ ومن خلاله مدى أحقية الحكومات في تعطيل قوانين أصلية وفرض ضوابط شكلية ومعيارية استثنائية للحد من تنقل الأفراد وتجمَعاتهم؟ ثم استحداث قوانين مستجدة تنص على معاقبة المخالفين لقوانين الحجر الصحي الذي فرضته منظومة الطوارئ التي لجأت إليها معظم الدول للحد من انتشار الفيروس القاتل؟ ثم إلى أي درجة انعكست تلك الضوابط المعيارية على سمو القاعدة القانونية الأصلية؟

لتسليط الضوء على هذه التساؤلات اتَقد النقاش حول كتابات المفكر الإيطالي جورجيو أغامبين، كأحد المنظرين الرئيسيين لأطروحة سيادة السلطة وقوانين حالة الاستثناء، خصوصا كتابه “حالة الاستثناء: الإنسان الحرام”[1]، الصادر سنة 2003 وهو جزء من كتاب يشمل سبع مجلدات، كلها انصبت حول معالجة الإشكاليات التي تطرحها السلطة السيادية، والأسس التي يستند إليها القانون لفرض حالة الاستثناء.

نقطة انطلاق الكتاب هو المفهوم الذي أعطاه كارل شميت للسيادة ودور السلطة في سن القانون وفرضه على المجتمع، والسهر على استتباب الأمن كما ينص عليه القانون. فوفق كارل شميث السيد أي الحاكم هو من يقرر في حالة الاستثناء، وله سلطات خارج النظام القانوني الساري في الوضع الطبيعي، انطلاقا من مبدأ أن الضرورة ليس لها قانون، أي حينما تفرض ظروف حالة الطوارئ أو أحداث عرضية تهدد سلامة وتماسك المجتمع، فلا يبقى للقانون ذريعة في ظل وجود الحاكم، الذي ترجع له السلطة السيادية من أجل الحفاظ على أمن الدولة واستقراراها. فالأهم وفق شميث أن تظل الدولة قائمة بغض النظر عن انحسار النظام القانوني أو عدمه. وثمة أسباب شتى يمكن للحاكم السيد أن يلجأ لتعليق العمل بالقانون، كظرفية الكوارث الطبيعية، أو في حالة نشوب الحرب الأهلية، أو باختصار في الحالة التي لا يكون النظام القانوني القائم القدرة على تقنينيه أو التحكم فيه.


[1] جورجيو أغامبين، حالة الاستثناء: الإنسان الحرام، ترجمة ناصر إسماعيل ط1. (القاهرة: مدارات للأبحاث والنشر، 2015).