الفيدرالية الألمانية: كحل لإشكالية الحكم الذاتي الموسع

نُشرت هذه دراسة ضمن المؤلف الجماعي الذي أصدره مركز تكامل للدراسات والأبحاث دجنبر 2020 بعنوان: “الديمقراطية المحلية وآفاق التنمية الترابية بالمغرب” وهو معروض في المكتبات، كما يمكن تحميله من خلال الموقع الإلكتروني للمركز“.

مقدمة:

ينبغي أن تكون الدساتير خير تعبير مباشر عن الواقع السياسي والاجتماعي لأية دولة أو أمة، فإذا كان الدستور يصور حالة تختلف اختلافا بينا عن المؤسسات السياسية التي تسير دفة الحكم في البلاد، فإنه يصبح عندئذ ليس إلا مجرد قصاصة من الورق لا قيمة لها، ولهذا السبب نفسه يكاد لا يكون من المجدي في شيء أن تقتبس دولة من دولة أخرى دستورا فيدراليا يتصف بالكمال، وتنتظر أن تطبقه بقدر مماثل من الكمال في بيئة سياسية واجتماعية تختلف اختلافا تاما عن بيئة الدولة التي اقتبس منها ذلك الدستور.

فالنظام الفيدرالي، على سبيل المثال لا يؤدي الغرض المنشود منه إلا حين تكون مؤسساته قد اكتسبت من خصائص الحياة السياسية المتطورة ما يكفي لجعل اتحادها الفيدرالي أمرا ممكنا، وينبغي لكل من هذه المؤسسات أن تلعب دورا مزدوجا من حيث التجاوب للتحديات السياسية سواء ما كان منها محليا أو فيدراليا.

فعندما ظهرت الدساتير الفيدرالية لأول مرة في الولايات المتحدة الأمريكية عام (1789م)، وفي كندا عام (1867م)، وفي أستراليا عام (1901م)، ثم تلتها بعد ذلك العديد من الدول كألمانيا على سبيل المثال، كانت المجتمعات المحلية غاية في الأهمية، ورغم حقيقة أن الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية بدأت تأخذ مجراها ضمن محيط المجتمعات المحلية، إلا أن هذه المجتمعات وحكوماتها لم تندمج في مجالس النواب، أو المؤسسات الرئيسية للمؤسسات الفيدرالية، وبدلا من ذلك تم تكريس مجتمعات إقليمية (ولايات أو مقاطعات).

إن التطرق بالتحليل إلى نموذج يعتبر من بين النماذج الفيدرالية المتميزة على صعيد الممارسة الدولية، ويتمثل في النموذج الفيدرالي الألماني، فالدولة الاتحادية الألمانية عبارة عن تركيبة معقدة فهي تتألف من دولة الاتحاد ومن 16 ولاية، ويحدد الدستور الألماني مجالات عمل وصلاحيات كل من الاتحاد والولايات، ومن هذه الناحية فإن النظام الاتحادي الألماني يشبه إلى حد كبير النظم الاتحادية في الدول الأخرى، أما الحياة العامة في ألمانيا فهي محكومة بالدستور(القانون الأساسي) وحسب مبدأ سيادة الدولة وتوزيعها يخضع المواطنون في كافة الأحوال تقريبا لسلطة الولاية أو للجهة الإدارية التي تمثل هذه السلطة، ويهدف الدستور بإتباعه هذا المبدأ إلى الجمع بين ميزات دولة الاتحاد وميزات الولايات الاتحادية بينما يتعامل مواطنو الدول الاتحادية الأخرى في حياتهم اليومية غالبا مع جهات تمثل الدولة الاتحادية، ويشترط الدستور المساواة في شروط المعيشة بين كافة الولايات الاتحادية حيث تخضع هذه الشروط المعيشية بشكل أساسي للسياسات الاقتصادية والاجتماعية.