اللاجئ البيئي بين التّشكل والتّطور: الحالة الإفريقية

مقدمة

أصدرت لجنة المستقبل البشري في أبريل 2020 [1]تقريراً موسوماً بــ”البقاء والنّجاح في القرن 21″ بهدف رصد التهديدات والمخاطر الكارثية المؤثرة بقوة على بقاء الإنسان على قيد الحياة. وذكر التقرير أن فيروس كوفيد-19(COVID 19) ليس إلاّ واحداً من التهديدات الكارثية المحتملة لاستمرار الجنس البشري، فهذه التهديدات والمخاطر هي نتيجة حتمية للتغيرات المناخية التي تسببت في تدهور وانهيار النّظم البيئية، واندثار الموارد الطبيعية كالمياه والتنوع البيولوجي، و تجاوز النمو السكاني للقُدرة الاستيعابية للأرض، والاحتباس الحراري العالمي، والتلوث الكيمياوي، وتزايد انعدام الأمن الغذائي وضعف جودة الغذاء، فضلا على مخاطر الأسلحة النووية وأسلحة الدّمار الشّامل، والأمراض الوبائية الجديدة غير القابلة للعلاج، وظُهور تكنولوجيا جديدة قوية وغير خاضعة للرقابة.

بناء على مضامين هذا التقرير ستكون لقضايا التغيرات المناخية أهمية بالغة في المستقبل المنظور. ومن أجل الانخراط في السياقات الدولية سنتناول (ظاهرة) اللجوء البيئي التي تشكل قضية نوعية في العلاقات بين الدول والمجتمعات، لاسيما بعد اندثار الحرب البَاردة بين العملاقين (1990-1991) حيث تغيرت موازين القوة والمعطيات الدولية إذ انتقلت من صراع نحو خلق النّفوذ والهيمنة الإيديولوجية والسياسية إلى صراع يُغَلّب البُعد الاقتصادي ويُكرس مفهوم التبعية لمراكز القرار الدولية، وهو ما يُفسر بتزايد نسب الاستثمار في الدول النامية. في مقابل ذلك تم إهمال القضايا المجتمعية كالتنمية وحماية حقوق الإنسان وصيانة البيئة وتحسين جودة التّعليم وظُروف العمل والصحة العامة ورفاهية الشعوب، وأَثّرَ ذلك بشكل كبير في أولويات المجتمع الدولي.

 سنحاول، في هذه المقالة، التركيز على اللجوء البيئي (أو المناخي) كصفة ملازمة للفرد الباحث عن تحسين ظُروف معيشته اليومية والبحث المستمر عن مكان آمن اقتصادياً وبيئياً. فظاهرة اللجوء القسرية المرتبطة بنقص المياه وتدهور الموارد الطبيعية والتقلبات الفلاحية بدأت تتشكل بالفعل نظرياً من خلال الأبحاث والدراسات، ووجدت صَدى في المُمارسة العملية في القارة الافريقية بفعل تزايد عدد اللاجئين كنتيجة لنقص الموارد الطبيعية واندثارها، في انتظار تجميع عناصر ظاهرة اللجوء البيئي والمعطيات الموجودة ككل من أجل فهم الأبعاد المُتداخلة للجوء البيئي ومن ثَمّ إيجاد السّبل والوسائل الكفيلة لمعالجة هذه الظاهرة.

وُجِدَت على مستوى التاريخ البشري هَجَرات متعددة بسبب الجَفَاف والزّلازل والفياضانات ونُقص المحاصيل الزراعية، ويكفي أن نذكر زلزال لشبونة للعام 1755، ومرض الطّماطم في إيرلاندا نهاية القرن 19. لكن هذه الهجرات ازدادت ثقلاً وتأثيراً على السياسات الدولية في وقتنا الرّاهن مما فَاقَمَ ظَاهرة الهجرة القسرية بسبب الفَجَوات التنموية داخل البلدان (أي في حدود السيادة الوطنية بالمفهوم السياسي) وما بين الدول والأقطاب على المستوى الدولي، وقد اكتسب اللاجئ البيئي وضعاً متميزاً في الممارسة الدولية والبحث العلمي رغم عدم إيلاء الدول الاهتمام لهذه الظاهرة[2].

يُقصد باللاجئ البيئي (Environmental refugee) الفَرد غير القَادِر على العيش في أَمَان في مَقَرّ سُكناه بسبب ظواهر طبيعية مثل الجَفَاف، وانجراف التّربة، التّصحر وإزالة الغَابَات ومشاكل بيئية أخرى وتَزَامن هذه المُسَبّبات مع الضّغوط الدّيمغرافية والفقر المُدقع.

إن الانتقال[3]من مكان إلى آخر هو السّبيل الجوهري للإنسان من أجل الاستجابة للتحديات المطروحة، فالتّوجه الأساسي للمهاجر تحكمه أساساً العوامل الاقتصادية والاجتماعية، لكن النظام الأساسي للهجرة الدولية يَتَحَدّد في الانتقال من المناطق الريفية (القروية) إلى المناطق الحضرية داخل الدول نفسها، فالأفراد يبحثون عن العمل الملائم والظّروف المعيشية المناسبة لَهُم ولأسرهم.

فيما يَخُصّ تعريف اللاجئ البيئي، تُوجَد تَعَابير مُتَعَدّدة في الاستعمالات المتعلقة باللجوء بسبب تدهور الموارد الطّبيعية والتّغير المناخي منها: اللاجئ البيئي، واللاجئ بسبب المناخ، واللاجئ بسبب الكوارث، واللاجئ الإيكولوجي، واللاجئ بسبب التّغير المناخي، واللاجئ (المُهَاجر) المُناخي، والمُهَاجر الإيكولوجي، والمُهاجر البيئي، والمُتنقل بسبب المناخ، واللاجئ بسبب تَدهور الموارد. وقد تؤدي بعض الأحداث البيئية، أو الظّواهر إلى الهجرة وتكون مرتكزاً للباحث من أجل تصنيف اللجوء، ويمكن ذكر بعضها[4]: التّدهور البيئي التّدريجي وغير الفُجائي، والصّراع البيئي على الموارد، والاندثار البيئي كنتيجة أو كوقود للصراعات، وصيانة البيئة والمحافظة عليها، والمشاريع التنموية (كبناء السّدُود)، والحَوَادث الصّناعية (كحادثتي بوفالBhopal  وتشيرنوبيلChernobyl). لذلك توجد نقاشات[5]على عدّة مستويات بسبب العلاقة الرّابطة بين التّغير المناخي (البيئي) وتدفّق المُهاجرين، لكن يَغِيب المفهوم القانوني أو الآلية المؤسّساتية من أجل حماية اللاجئ بسبب التّغير المناخي أو النّزاع على الموارد الطبيعية.


[1]The Commission for The Human Future. Survival and thriving in the 21 st century

(http://www.humansforsurvival.org/about),accessed April, 2020.

[2] Norman Myers. Environmental refugees: an emergent security issue, 13 th economic forum, Prague, 23-27 May 2005 (https://www.osce.org/eea/14851?download=true), p.1 (adapted). 

[3] Edited by Christopher B. Fied, Vincente R. Barros. Climate change 2014. Impacts, adaptation and vulnerability. Part A: Global and sectoral aspects. (IPCC: Cambridge University Press, 2014), P.770.

[4] Susana Borràs Pentinat . Environmental Refugees: Problems and challenges for international law (Colloque d’Aix- en- Provence, Société Française pour le droit international (Paris: Ed Pedone, 2010), p.322. (Adapted).

[5] Karen Elizabeth McNamara. ”Conceptualizing discourses on environmental refugees at the United Nations“, Population and Environment, Vol. 29, No. 1 (Sep., 2007), P.13.