المسألة الدّينيّة والهوّيّة الوطنيّة من خلال فكر الحركة الوطنيّة المغربيّة مطلع ق 20

نشرت هذه الدراسة ضمن مؤلف جماعي صدر عن مركز تكامل للدراسات والأبحاث سنة 2021: “الدولة وسؤال الهوية في المنطقة المغاربية -أعمال متكاملة–“، الكتاب متوفر في المكتبات وقابل للتحميل على الموقع الإلكتروني للمركز.


تمهيد:

إذا كانت جذور سؤال هوّية الدّولة في بعض دول أوروبّا الغربيّة تعود إلى القرنين 15 و16م مع ظهور فكر الأنوار الأوروبي، فإنّ هذا السّؤال ظلّ مغيّبًا في المغرب حتّى مطلع القرن 20م، مع وقوعه تحت الاستعمار الفرنسيّ والإسبانيّ، الّذي شكّل صدمةً قويّةً للنّخبة المغربيّة، وجعلها تبحث عن الأسباب الثّاوية وراء خضوع دولةٍ ظلّت محافِظةً على استقلالها لقرون طويلة من قبضة الاستعمار. حيث رأت النّخبة المغربيّة أنّ هذه الانتكاسة ستؤدّي لا محالة إلى فقدان المغرب لهوّيّته لصالح هوّيةِ الغرب المسيحيّ، المختلفةِ قيمُهُ كلّيًّا عن قيم المغرب، وخصوصيات مجتمعه المسلم. لذلك، بادرت هذه النّخبة إلى محاولة بلورةِ ملامحَ واضحةٍ للهوّية المغربيّة، يتمّ على أساسها تعبئة المجتمع لمواجهة الاستعمار.

إنّ رصد تطوّر شكل هوّية الدّولة المغربيّة، ينطلق من تحديد الأسس التي بنيت عليها منذ مطلع القرن العشرين، مع النّخبة المغربيّة التي بادرت إلى طرح سؤال الهوّية، سواء من خلال مشروع الدّستور المقترح على السّلطان المولى عبد الحفيظ سنة 1908، أو من خلال زعماء الحركة الوطنيّة المغربيّة خلال ثّلاثينات القرن الماضي، مثل علّال الفاسي ومحمّد حسن الوزّاني وأبو بكر القادري وعبد الخالق الطّريس وغيرهم..، والذين كان لهم دورٌ مهـمّ في تحديد أســـس هوّية الدّولة المغــــربيّة، قبــل مرحلة البنـــاء التّشــــريعيّ

والمؤسّساتيّ للدّولة في مرحلة الاستقلال.

ومن بين أهمّ أسس الهوّية المغربيّة التي وضعتها نخبة الحركة الوطنيّة – إن لم يكن أهمّها على الإطلاق – عنصر الدّين الإسلاميّ، وأخذًا بعين الاعتبار استمرار حضور هذا المكوّن إلى اليوم في المرجعيّة الدستوريّة التي تحدّد هوّية الدّولة المغربيّة[1]، فإنّ الإشكاليّة التي تطرح نفسها في هذا الصّدد، مرتبطة بالسّياق التّاريخيّ الذي تبلورت فيه الهوّية الوطنيّة المغربيّة، والظّروف التي جعلت الدّين الإسلاميّ يحتلّ هذه المكانة المحوريّة ضمن عناصر الهوّية المغربيّة، والاعتبارات التي جعلت نخبة الحركة الوطنيّة المغربيّة تربط الهويّة الوطنيّة المغربيّة بالدّين الإسلاميّ. وقد تساعدنا المقاربة التّاريخيّة لقياس مدى التّطوّر الذي عرفه حضور المسألة الدّينيّة في نقاش هوّية الدّولة المغربيّة إلى حدود اليوم.


[1]– جاء في تصدير الدّستور المغربيّ لسنة 2011: “كما أنّ الهوّية المغربيّة تتميّز بتبوّء الدّين الإسلاميّ مكانة الصّدارة فيها، وذلك في ظلّ تشبّث الشّعب المغربيّ بقيم الانفتاح والاعتدال والتّسامح والحوار، والتّفاهم المتبادل بين الثّقافات والحضارات الإنسانيّة جمعاء.”