قطاع التعمير والإسكان في برامج الأحزاب السياسية المشاركة في الانتخابات التشريعية ل 7 أكتوبر 2016

نُشرت هذه دراسة نشرت ضمن المؤلف الجماعي الذي أصدره مركز تكامل للدراسات والأبحاث سنة 2016 بعنوان: “تشريعيات 2016 بين إنعاش الآمال وتكريس الإحباطات: قراءة في النتائج والتداعيات

مقدمة:

تعتبر الانتخابات التشريعية العامة مرحلة أساسية تتنافس فيها الأحزاب السياسية في طرح برامجها الانتخابية وتعبئة المواطنين حول المحاور التي تمس حياتهم الاقتصادية والاجتماعية بالأساس، ويعد البرنامج الانتخابي في الدول الديمقراطية بمثابة تعاقد بين الحزب والناخبين، ووظيفة هذا البرنامج تقتضي أساسا الإجابة على محاور تهم الشأن العام والسياسات العمومية. كما أن هذه البرامج هي تعبير عن تصور الأحزاب للسياسات العمومية التي تنوي نهجها في حالة تصدرها للنتائج الانتخابية، الشيء الذي يجعل الأحزاب مطالبة بالاهتمام بالاحتياجات الضرورية للمواطن مثل الصحة والتعليم والشغل والسكن.

 ويعد قطاع التعمير[1] والإسكان والقطاعات الأخرى المرتبطة به من المجالات التي تهم الحياة اليومية وطريقة عيش الناخبين، مما يجعل تعاطي الأحزاب السياسية مع هذا القطاع أمر لابد من استحضاره في الحملات الانتخابية وأثناء صياغة البرامج الانتخابية.

 وتدعو معاينة الحالة الراهنة لواقع التكتلات العمرانية للقلق على أكثر من صعيد، فتدهور ألأوضاع وغياب الفعالية في الأداء ارتباطا بطبيعة سياسات التدبير المتبعة شكلت إكراهات كبيرة جعلت عملية تأهيل المجال تتخذ طابع الأهمية لتدارك التأخر الحاصل في هذا الشأن وإيقاف الأشكال المتنوعة للتعمير غير المنظم الناتج عن تعقيد العمليات المرتبطة بالتنمية المجالية والاقتصادية والاجتماعية. ورغم الجهود المبذولة من طرف المتدخلين العموميين، ما يزال قطاع التعمير يؤاخذ على تدبيره عدة أمور، وتطرح بشأنه عدة تساؤلات نتيجة الهوة التي تفصل بين العرض النظري والواقع المعيشي. وقد أكدت العديد من الدراسات حول الصعوبات التي تواجه التخطيط والتدبير العمرانيين في المغرب ملاحظة أساسية مفادها ضعف الرؤية الشمولية للمجال الحضري التي رافقت سياسة التعمير، كما تم التأكيد أن هناك عدة عوامل ساهمت في استمرار الفجوة بين أهداف التخطيط الحضري والتحولات المسجلة في الميدان أهمها:

  • الطموح المفرط في الأهداف حيث غالبا ما تجانب الواقع السوسيواقتصادي للمدن.
  • غياب مشروع حضري يمكن من توحيد العمليات القطاعية، التي غالبا ما يتم الشروع فيها بدون تنسيق وفي انعدام للرؤية الشمولية على جميع أنحاء المدينة.[2]

 وقد أظهرت تجارب العديد من الدول أن تنظيم قطاع التعمير بفعالية يتطلب احتواء جميع الجوانب عبر تبني التعاون والتنسيق بين مختلف القطاعات، والربط ما بين قانون التعمير وقوانين القطاعات ذات الصلة به، ثم تجاوز الأسلوب الارتجالي الآني وعدم التنسيق إلى تبني استراتيجيات مختلفة لتجاوز ما قد يترتب عن ذلك من أزمات حضرية ومجالية.

 ومن جهة أخرى، وإذا كانت البرامج الانتخابية الحزبية أداة للمنافسة والدعاية السياسية وأرضية أولية لصياغة البرامج الحكومية، فإن ما تتضمنه هذه البرامج من قضايا رئيسية مثل قضايا قطاع التعمير والإسكان قد تكون جزءا من نقاط القوة التي تستثمرها الأحزاب السياسية في حملاتها الانتخابية لحصد مراكز الصدارة في نتائج انتخابات أعضاء مجلس النواب.

 من هذا المنطلق نتساءل في إطار إشكالي: إلى أي حد استطاعت الأحزاب السياسية المشاركة في انتخابات 7 أكتوبر 2016 ملامسة الإشكالات المرتبطة بقطاع التعمير والإسكان وتقديم حلول ومقترحات وبدائل لتجاوز العراقيل التي يعرفها هذا القطاع؟

 هذا التساؤل الإشكالي يطرح عدة أسئلة فرعية من قبيل:

  • ماهي الأحزاب المغربية التي ضمنت برامجها الانتخابية قضايا قطاع التعمير والإسكان؟
  • كيف تناولت الأحزاب السياسية قضايا التعمير والإسكان في برامجها الانتخابية؟ وما هي البدائل والحلول المقترحة من طرف هذه الأحزاب للنهوض بقطاع التعمير وحل أزمة الإسكان؟

 إن الإجابة عن هذه الأسئلة المؤطرة لإشكاليتنا الموضوعية يفترض منا الانطلاق من الفرضية الآتية:

 تمثل الانتخابات التشريعية ل7 أكتوبر2016 فرصة لتقديم مختلف الأحزاب السياسية لتصورها حول القضايا المرتبطة بالتعمير والإسكان في برامجها الانتخابية، وذلك لما لهذا القطاع من أهمية كبرى في الحياة اليومية للمواطنين، مما يجعل الأحزاب السياسية ملزمة بتقديم حلول ومقترحات للحد من الصعوبات والإكراهات التي يعرفها هذا القطاع.

 ولامتحان هذه الفرضية سنعمل على دراسة تصورات الأحزاب السياسة لكل من مسألة التخطيط العمراني (المحور الأول)، والإسكان (المحور الثاني)، و تصورها للنهوض بالوعاء العقاري (المحور الثالث).


[1] – حدد ميثاق أثينا لسنة 1933 تعريفا للتعمير بأنه “مجموعة من التدابير والإجراءات التي تساعد على تنمية منسجمة وعقلانية وإنسانية للمدن والتي تعمل على تقويم الظاهرة الحضرية”

PIERRE-TRONCHON; Villes et sécurité, la revue administrative, N°254, Editions techniques; Paris 1990, P 106.

[2] – عثمان ججة، اختصاصات الجماعات المحلية في ميدان التعمير بالمغرب على ضوء مشاريع الإصلاح الجديدة، رسالة لنيل شهادة الماستر، ماستر القانون العام والعلوم السياسية، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، جامعة محمد الخامس أكدال، سنة 2010-2011، ص40.