قراءة في كتاب: أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة لـ: فريدريك أنجلز

كتاب “أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة” لفريدريك إنجلز، هو دعوة للتفكير والتأمل من خلال البحث في تاريخ الحضارات القديمة، لفهم أصول “العائلة” و “الملكية الخاصة” و “الدولة”، وتفسيرها من خلال منطق المادية التاريخية. يعتمد الكتاب بالأساس على تعليقات كارل ماركس على ملاحظات لويس هنري مورغان، حيث وجد هذا الأخير في العلاقات العشائرية للهنود الحمر بأمريكا الشمالية المفتاح لفهم أهم ألغاز التاريخ القديم. وبذلك يكون الكتاب عمل أنثروبولوجي مبكر ويعتبر من أوائل الأعمال الرئيسية في اقتصاد العائلة.

The book “The Origins of the Family, Private Property and the State” by Friedrich Engels, is an invitation to reflection and contemplation by researching the history of ancient civilizations, to understand the origins of the “family”, “private property” and the “state”, and to explain it through the logic of historical materialism.  The book is based on the comments of Karl Marx on the observations of Lewis Henry Morgan, who found in the clan relations of the North American Indians the key to understanding the most important mysteries of ancient history. Thus, it is an early anthropological work and is regarded as one of the first major works on family economics.


نبذة عن حياة الكاتب فريدريك إنجلز  Friedrich Engels

ولد الفيلسوف والمفكّر الاجتماعي الألماني فريدريك إنجلز في 28 نونبر 1820، بمدينة بارمن Barmen الألمانيّة. درس التاريخ والفيزياء والرياضيات، واشتغل بالتجارة. وقد تأثّر في سنّ مبكّرة بالهيغليّة اليساريّة، وأضحى من أنصارها المتحمّسين خاصة في مناهضتها للاهوت. وكتب سنة 1841 مقالين للردّ على شيلنغ الذي انتقد مذهب هيغل.

إثر انتهاء خدمته العسكريّة أقام في إنجلترا من سنة 1842 و1844، وكانت له علاقات متميّزة مع قادة الحركات العمّاليّة والاشتراكيّة، وتمكّن في هذه الفترة من مطالعة كتابات عدد من المفكّرين الفرنسيّين والإنجليز في مجال الاقتصاد، وتعرّف في طريق عودته إلى بلاده سنة 1844 على كارل ماركس في باريس، وتوطّدت صداقتهما بفضل نشاطهما ونضالهما المشترك؛ فقد التحق به حين طرد من باريس إلى بروكسل، وكان إنجلز نفسه فارا من ملاحقة الحكومة الألمانيّة له نتيجة نشاطه الشيوعي. وانتقلا معا إلى لندن، حيث أسّسا سنة 1846 “لجان المراسلة الشيوعيّة” لتمتين الصلات بين الاشتراكيّين الألمان والفرنسيّين والإنجليز. وساهما معا في كتابات مشتركة مثل “البيان الشيوعي” سنة 1848، و”مطالب الحزب الشيوعي الألماني” في السنة نفسها… وفي سنة 1864 اشتركا في تأسيس الأمميّة الأولى. واشتغلا معا على توحيد الطبقة العاملة.

وإثر وفاة كارل ماركس، تولّى إنجلز قيادة الطبقة العمّاليّة العالميّة، ودعا إلى تأسيس الأمميّة الثانية، وكان له ذلك سنة 1889.

من مؤلّفاته نذكر: “شيلنغ والكشف الروحي” (1842)، “الأسرة المقدّسة أو نقد النقد” بالتعاون مع كارل ماركس (1846)، “ظروف الطبقة العاملة في إنجلترا” (1845)، “معارضة دوهرينغ”، “أصل العائلة والملكيّة الخاصّة والدولة”، الجزء الثاني والثالث من “رأس المال” …

توفّي إنجلز في 5 غشت 1895 بلندن.


مقدمة:

عَنون انجلز كتابه بـ “أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة” مما يفهم منه أن الكاتب يفترض وجود علاقة سببية بين “العائلة” و”الملكية” و”الدولة” من جهة، ومن جهة ثانية فاستعمال كلمة “أصل” تحيل على أن هذه الظواهر ليست طبيعية وأزلية وملازمة للإنسان، بل لها نقطة بداية وأكيد نقطة نهاية. وهذا ما سيحاول المؤلف تأكيده عبر كتابه.

حسب المفهوم المادي فإن العامل الحاسم في التاريخ هو إنتاج وتجديد إنتاج الحياة، وهو ذو طبيعة مزدوجة فمن جهة إنتاج وسائل الحياة كالسلع والألبسة… ومن جهة ثانية إنتاج الإنسان نفسه (التناسل).

فالنظم الاجتماعية محكومة بـدرجة تطور العمل، ودرجة تطور العائلة.

عندما يكون العمل أقل تطورا يكون الإنتاج محدودا، وثروة المجتمع محدودة، وبذلك تزداد تبعية النظام الاجتماعي للعلاقات العشائرية. وبقدر تطور الملكية الخاصة والتبادل تنمو الفوارق ومعها يتطور أساس التناقضات الطبقية؛ أي العناصر الاجتماعية التي تحاول على مر الأجيال أن تكيف النظام الاجتماعي القديم للظروف الجديدة، إلى أن يؤدي في النهاية إلى التنافر بين القديم والجديد وبالتالي الى انقلاب تام.

 النظام العشائري يتحطم بسبب الصدام بين الطبقات الاجتماعية حديثة الظهور، ومكانه يحل مجتمع جديد على شكل دولة لتصبح وحدات إقليمية بدلا من الروابط العشائرية، هذا المجتمع يخضع فيه النظام العائلي لعلاقات الملكية، وتتطور فيه بكل حرية التناقضات الطبقية، التي تؤلف مضمون التاريخ المكتوب حتى أيامنا هذه.

 الفصل الأول: مراحل التطور البشري

مر تطور التاريخ بثلاث مراحل وهي الوحشية والبربرية والمدنية، وكل مرحلة مقسمة إلى ثلاث مراحل: دنيا ووسطى وعليا، ركز لويس هنري مورغان على المرحلتين الوحشية والبربرية. وأضاف إنجلز في أخر الكتاب مرحلة الحضارة (التمدن). تجدر الإشارة أن هذه الأطوار ليس المقصود بها زمنيا، ولكن موضوعيا.

المرحلة الوحشية:

وتتفرع حسب مورغان الى ثلاث مستويات:

أ- الدنيا: عاش فيها الإنسان في الكهوف والغابات وعلى الأشجار، يأكل مما تنتجه الطبيعة، وأهم إنجازاته هي النطق. هذه المرحلة استمرت آلاف السنين، وليس هناك دليل على وجودها سوى أن الاعتراف بنشوء الإنسان من الحيوان يفترض وجود هذه المرحلة الانتقالية.

ب-الوسطى: تبدأ بإدخال السمك والمأكولات البحرية إلى غذاء الإنسان، وإشعال النار واختراع الأسلحة الأولى كالرماح.

ج- العليا: اخترع الإنسان القوس والسهم مما جعل الطريدة طعاما دائما، والصيد مهنة منتشرة. وشكل ذلك بداية استقرار الإنسان، وصناعته القوارب، والأواني الخشبية، والمساكن.

عصر البربرية:

  • المرحلة الدنيا: تبدأ مع ظهور الفن الفخاري وتدجين الحيوانات.
  • المرحلة المتوسطة: بداية تدجين الحيوانات في الشرق، أما الغرب زراعة البذور الصالحة للغذاء عن طريق الري والطوب للبناء. ويعتبر مورغان تدجين الماشية وتربيتها وتشكيل قطعان كبيرة سببا في ظهور حياة الرعي والزراعة. وكانت الزراعة في البداية بهدف إطعام الحيوانات ثم أصبحت غذاء للإنسان. وعاش الهنود الحمر في مناطق محاطة بأسوار في مساكن خشبية عند نهر المسيسيبي، أما قبائل الشمال الغربي كانت لا تزال في المرحلة العليا من الوحشية خاصة سكان نهر كولومبيا، لكن بعد دخول الإسبان قطعوا عليهم حبل التطور المستقل.

ج- المرحلة العليا: تم استخدام الحديد، واختراع الكتابة في النصف الشرقي من العالم، فتطور الإنتاج، وظهر المحراث الحديدي الذي يجر بالحيوانات، وازداد عدد السكان. وانتشرت صناعة الزيت والنبيذ والصناعات الحديدية والعربات والعجلات وبناء السفن والفن الهندسي وبناء المدن ذات الأسوار والأبراج الدفاعية. والجدير بالذكر أن السهم شكل مرحلة فاصلة في عهد الوحشية، والسيف في عهد البربرية، والسلاح الناري في عهد الحضارة. عصر الحضارة يورد له الكاتب فصلا خاصا في نهاية الكتاب نظرا لكونه حصيلة تراكم التجارب البشرية.

الفصل الثاني: العائــلة

 قبل الستينيات لم يكن ممكنا دراسة تاريخ العائلة، فقد كان هذا المجال خاضعا بكليته إلى المنظومة الدينية وهي من توفر المعلومات والإجابات حول كل ما يتعلق به، واعتبر شكل العائلة “البتريركي” مماثل لشكل العائلة البرجوازي باستثناء تعدد الزوجات الشرقي، وتعدد الأزواج الهندي التبيتي.

البدء كانت توجد عند البشر علاقات جنسية غير محدودة “الهيتيرية”، هذا النوع من العلاقات ينفي كل إمكانية لتقديم الدليل الأكيد على الأبوة، ولهذا لم يكن من الممكن تقرير النسب إلا حسب خط الأم- بموجب حق الأم- من جراء هذا، تمتعت النساء، بوصفهن أمهات، والوالدات الوحيدات المعروفات بكل ثقة وتأكيد للجيل الفتي، بقدر كبير من الاحترام والتقدير، بلغ حد سيادة النساء التامة.

تمثل العائلة حسب مورغان مبدأ إيجابيا غير ثابت، يتطور من شكل إلى أخر كما يتطور شكل المجتمع من حالة دنيا إلى حالة عليا. ويرى ماركس أن نفس الشيء ينطبق على النظم السياسية والقانونية والفلسفية عموما.

اعتمد مورغان في دراسته لأصل العائلة على تتبع أنظمة القرابة، فوُجود نظام علائقي معين دليل على وجود عائلة كانت تمثل هذا النظام.

 أمضى مورغان قسما كبيرا من حياته بين قبائل “الإيروكيوس” وتبنته قبائل “السينيكا “حيث رصد نظاما قرابيا غريبا بينهم، يتعارض مع علاقاتهم العائلية؛ تتكون العائلة لديهم من أم وأب وأولاد. لكن رجال “الإيروكيوس” لا يعتبرون أبناءهم وبناتهم الطبيعيين فقط أولادهم، ولكن أبناء وبنات أخواتهم الذكور بعكس أولاد أخواتهم الإناث، والمرأة لدى “الإيروكيوس” تعتبر أولاد أخواتها الإناث أولادا لها، بعكس أولاد أخواتها الذكور وتعد عمة لهم وليست أما. ونفس المقياس على أبناء وبنات العم إخوة وكذلك أبناء وبنات الخالات بعكس أبناء وبنات الأخوال والعمات، ويطبق هذا النظام على جميع القبائل الأمريكية دون استثناء والهند، وقد وجد هذا النظام في هاواي ولكن دون تمييز فيعد جميع أبناء الأعمام والعمات والأخوال والخالات إخوة.

يرى الكاتب أن دراسة الشعوب البدائية تظهر أن تعدد الأزواج والزوجات كان هو الأصل وتطور عبر التاريخ إلى أن وصل إلى زواج رجل واحد من امرأة واحدة. و”باتشوفن” هو أول من وضع هذه المسألة موضع البحث والتحري، ولكن من أتى بعده حاول إنكار هذه المرحلة التي تشكل عارا بالنسبة للتطور الجنسي لدى الإنسانية. والبعض حاول دراسة العائلة من خلال دراسته لعالم الحيوان، ولهذه الغاية استشهد الكاتب بمجموعة من الحيوانات، وخلُص إلى أنه لا علاقة بين درجة التطور العقلي وشكل العلاقات الجنسية، والغيرة تأثر على لحمة القطيع وكلما ازداد الشعور بالغيرة وجماعية العائلة إلا وضعف الشعور بجماعية القطيع. ووجود تعدد الأزواج عند الإنسان وغيابه عند الحيوان دليل على أن شعور الغيرة تطور في مرحلة لاحقة. لذلك لا غرابة بأن المعلومات المتوافرة عن المرحلة الوحشية لدى الإنسان غير مؤكدة، لاختلاف الحياة الجنسية والعائلية لدى الحيوان عن الإنسان.

صنف مورغان العائلة إلى مجموعة من الأشكال:

تقسم المجموعات الزوجية حسب الأجيال، كل الأجداد والجدات في العائلة أزواج وزوجات مشتركين وكذلك كل الآباء والأمهات هم أزواج، وكذلك الأولاد والبنات ثم أولادهم من بعدهم.

الزواج بين الأصول والفروع ممنوع، أما بين أبناء وبنات الجيل الواحد رغم كونهم إخوة زواجهم مباح. العائلة المبنية على روابط الدم قد انقرضت ويستدل على وجودها من خلال جزر هاواي.

العائلة البونالوانية هي الشكل الأعلى لتطور الزواج الجماعي حيث؛ إضافة لمنع الزواج من الأصول والفروع تم منع الإخوة والأخوات من الزواج فيما بينهم. بدأت بتحريم الإخوة من ناحية الأم، في حالات فردية ثم أصبحت قاعدة عامة، وانتهى التدرج بمنع زواج أبناء وأحفاد الإخوة والأخوات. مما أدى إلى انقسام المشاعات المنزلية. وقد وجدت في جنوب أستراليا قبيلة مقسمة إلى طبقتين وهما “الكروكي” و “الكوميت” يعد كل رجل في كل طبقة زوجا لكل النساء في الطبقة الأخرى، وكل امرأة هي زوجة كل رجل في الطبقة الأخرى، ووفقا لقاعدة الانتساب فابنة الرجل هي زوجته بنفس الوقت.

في قبيلة أخرى نجد أن الطبقتين مقسمتين إلى أربع طبقات وكل طبقة متزوجة من طبقة أخرى، وتبعا لانتماء الأم ينتقل أولادها إلى الطبقة الثالثة أو الرابعة ومنه لا يستطيع الأخ والأخت الزواج، ولكن أحفادهم يمكنهم ذلك.

يظهر أن هناك سعي واضح لمنع زواج القربى، ولكن هذا السعي عفوي وغريزي دون إدراك الهدف منه.

ظهر هذا النوع من الزواج متقطعا كحالات فردية لفترة طويلة داخل نظام الزواج الجماعي، فكان الزوج يختار زوجة مفضلة من بين زوجاته. ومع نمو القبيلة ازداد عدد طبقات الإخوة والأخوات الذين حرم الزواج بينهم، أصبح الزواج الجماعي أكثر استحالة. وللمرأة الحق في الانسحاب من الزواج الجماعي (حق العفة) ومنح نفسها لرجل واحد فقط مقابل الكفارة.

ظل من حق الرجل تعدد الزوجات والخيانة، في مقابل على المرأة الإخلاص. والخيانة تعرضها للعقاب الشديد، مع إمكانية حل الرابطة الزوجية والأطفال ينتسبون للأم. مع ظهور هذا الزواج ظهر خطف النساء أو شراؤهن، الأمر الذي تطور إلى تقديم الهدايا وتدخل العائلة ولم يعد رأي الزوجين مهما، وينظر لفسخ الزواج بسلبية. فأصبحت العائلة غير مستقرة وبدأت تقضي على الاقتصاد الشيوعي للقبيلة.

يذكر مورغان نوعا أخر من العشائر؛ العشيرة الجماعية وتعني سيادة النساء، والمرأة فيها محترمة، تسيطر على الزوج وتحكم المنزل وقد تطرد الرجل الكسول من العشيرة بصرف النظر عن الأولاد، لأن النساء من سلالة واحدة أما الرجال فمن عشائر مختلفة.

تطور الزواج إلى أن أصبح الزواج الجماعي مستحيلا والاختيار الطبيعي بين أثنين. وهذا الزواج حسب الكاتب هو سبب ظهور الاغتصاب والعلاقات غير المشروعة وستر العورة.

ظهرت العائلة الثنائية بين عصر الوحشية والبربرية وتحديدا في المرحلة العليا من الوحشية والدنيا من البربرية. وداخل العائلة الثنائية تم تقسيم العمل؛ الزوجة تعمل في المنزل والزوج يعمل خارجه وكل منهما يملك أدوات عمله، وهي عبارة عن الملابس ووسائل الإنتاج، والقوارب، والأسلحة، والأواني.

أما ملكية الأراضي والمنازل فهي للقبيلة. وانتشرت تربية الحيوانات واستخدام المعادن والزراعة وأصبح الزواج من المرأة أمرا سهلا بدفع المال كمقابل. ثم خرجت ملكية الأراضي من القبيلة إلى الأسرة وكان عدد أفراد الأسرة قليلا مقارنة مع المهام المنوطة بهم. ما دفع إلى البحث عن اليد العاملة بتحويل أسرى الحرب إلى عبيد. هذا النظام عمل على هدم العائلة المكونة من فردين لأن الرجل أصبح هو المسؤول عن الطعام، ووسائل الإنتاج وعن العبيد. وتغير وضع المرأة وأصبحت مملوكة لشهوة الرجل وآلة لتربية الأطفال.

مع تنامي الملكية الفردية سددت ضربة قوية للمجتمع المؤسس على الزواج الثنائي والعشيرة الأمية، مما فرض ضرورة الانتقال إلى حق الأب كي يرث الأبناء والدهم، وذلك استوجب حراسة النساء ومنعهن من الاختلاط بالغرباء، وانتشرت سيادة الرجل وانتسب الأطفال للأب، وله حق حل الرابطة الزوجية ولا يعاقب على الخيانة الزوجة في حين تعاقب المرأة إذا خانت زوجها.

تطور الزواج الأحادي عند الإغريق، وانحط شأن المرأة في هذا العصر وأًصبحت كالعبيد. وتتخذ جناحا لها من البيت ولا يسمح للرجال بالدخول إليه خاصة العزاب، وتخرج رفقة نساء العبيد، أو تحرس من قبل الكلاب، ومهمتها إنجاب الأطفال.

 في كتاب “الفكر الألماني” لكارل ماركس وجد أن التقسيم الأول للعمل هو تقسيم بين الرجل والمرأة من أجل تربية الأطفال. وأن أول صراع وجد بين الرجل والمرأة في ظل الزواج. وأول خضوع هو خضوع المرأة للرجل وظهر مع ظهور الرق والملكية الخاصة.

يرى انجلز أن نظرة الألمان للمرأة كانت أكثر احتراما من الإغريق وتتمتع بحرية أكبر، وذلك لثلاثة ظروف:

–  يعتقد الألمان بقدسية الزواج وكان الرجل قانعا بزوجة واحدة، تعيش في سياج من العفة وتعدد الزوجات محصور في أصحاب الألقاب ورؤساء القبائل.

– تأخر تطبيق الانتقال من العائلة المنتسبة من الأم إلى الأب عند الألمان مقارنة مع الإغريق، وكان أخ الأم هو أقرب ذكر إليها.

– تمتعت النساء بمركز ممتاز وكان لهن نفوذ في الشؤون العامة، وهو ما يتعارض مع سيطرة الرجل في الزواج الأحادي، وهذا النوع أدى إلى تطور الزواج، وأخذ بالسير في خطى متوازية مع ظهور الزواج العاطفي بين الأفراد.

فشل الزواج الأحادي في القضاء على العلاقات غير الشرعية والبغاء، وحصيلة الزواج الأحادي منذ ثلاث الآلف سنة أن الطفل الذي يولد أثناء الزواج هو ابن الزوج. والزواج البورجوازي في الكاثوليكية يمنح الوالدين حق اختيار الزوجة ويشترط أن تكون من نفس الطبقة، أما الزواج العمالي لم يعد عمالي بالمعنى الحرفي وتراجعت الزنا والعلاقات المحرمة وعاد للمرأة حق الطلاق.

مما سبق يتضح وجود خمسة أنواع من الزواج:

المرحلة الوحشية: الزواج الجماعي، وزواج قربى الدم، والزواج البونالواني.

المرحلة البربرية: الزواج الثنائي.

المرحلة المدنية: الزواج الأحادي مع حضور تعدد الأزواج والزوجات.

يرى ماركس أنه في المستقبل ستختفي أسس الزواج الاقتصادي، ومعها البغاء عند تحول وسائل الإنتاج إلى ملكية اجتماعية، وسيختفي العمل بالأجر، ويصبح الزواج حقيقة تغير وضع الرجل ووضع المرأة في المجتمع، وعليه ستصبح إدارة المنزل وتربية الأطفال سواء شرعيين أو غير الشرعيين مسؤولية المجتمع.

الفصل الثالث: الدولة

يعتقد مورغان أن العشيرة مؤسسة مشتركة بين جميع الشعوب، ينحدر أفراد العشيرة من جد واحد مشترك أو جدة، وغالب الظن أن العشيرة نشأت مباشرة من العائلة البونالوانية.  لذا يسمى كل الأفراد في العشيرة إخوة ولا يمكن الاعتراف إلا بخط الأم، وهذا كان حال جميع الشعوب المتوحشة، والتي بلغت الحد الأدنى من البربرية، والقبيلة نشأت من أصول نسائية بينهم رابطة الدم أما الأزواج فينحدرون من أصول مختلفة.

لكن مع ظهور الملكية الفردية واستحضار العامل الاقتصادي انقلبت العشائر من الانتماء للجدة إلى الجد، ومنع الزواج من خارج العشيرة حفاظا على الإرث، والدولة قامت مقام العشيرة بعد انهيارها، وتتسم العشائر بالنظام التالي:

  • تنتخب كل عشيرة زعيمها الخاص وقت السلم من داخل العشيرة وتعين قائدها الحربي مع إمكانية تعينه من خارج العشيرة.
  • تستطيع العشيرة عزل زعيمها والقائد الحربي بإرادة النساء والرجال.
  • يوزع الميراث بين الأقارب، الرجل يرثه الإخوة والأخوات والأقارب من جهة الأم، والمرأة يرثها الأولاد والأخوات ولا يرث الزوج زوجته.
  • على أعضاء العشيرة تبادل الحماية والمعونة، وخاصة الثأر من الأغراب في حال الاعتداء على فرد من العشيرة.
  • لأفراد العشيرة أسماء محددة أو مجموعة أسماء، فالفرد تعرف عشيرته من اسمه، مع إمكانية تبني الأغراب ودمجهم بالعشيرة.
  • لكل عشيرة مقبرة جماعية خاصة بها، واحتفالات دينية خاصة.
  • للعشيرة مجلس يُعتبر الجمعية الديمقراطية لكل الذكور والإناث البالغين.

تتحد العشائر لتكون قبيلة، لها إقليم خاص واسم خاص بها بالإضافة إلى إقليم للصيد البري وصيد الأسماك. ومساحة محايدة بين كل قبيلتين، كل قبيلة تدافع عن إقليمها الخاص، ولكل قبيلة لهجة كلامية خاصة بها، وانقسام القبيلة إلى قبائل جديدة بلهجات جديدة، لكل قبيلة الحق في الموافقة على الزعيم أو القائد العسكري الذي تنتخبه، وحق عزله رغم إرادة الفروع. ويتكلف المجلس المنتخب بتنظيم أمور العلاقات مع القبائل الأخرى مثل إرسال سفارات عقد الصلح والحرب.

نظام اتحاد القبائل، عبارة عن حلف دائم من القبائل المتحدة بروابط الدم على أساس من المساواة التامة والاستقلال في تدبير الشؤون الداخلية لكل قبيلة. للاتحاد مجلس مكون من زعماء القبائل، يبت في كل الأمور الخاصة بالاتحاد، والفروع تعيد انتخاب الزعماء من جديد كلما خلا منصب ويمكنهم عزله، وزعماء الاتحاد زعماء في قبائلهم ولكل منهم مقعد وصوت في القبيلة. وقرارات المجلس تصدر بالإجماع.

الفناء كان مصير النظام القبلي الذي لم يتطور إلى أكثر من اتحاد القبائل بنظام اقتصادي بدائي، لكن التطور والثروة جعل القبيلة تتحطم، الأمر الذي يعتبره انجلز بداية الانحطاط والسقوط من المرتبة الخلقية العليا للمجتمع القديم إلى القسوة والأنانية والمصلحة الشخصية والسرقة والخيانة وهي بواعث المجتمع المتمدن الطبقي.

ولفهم هذا التحول والانتقال من العشيرة إلى الدولة أدرج الكاتب ثلاث نماذج، الإغريق والرومان والجرمان.

الانتقال من العشيرة الى الدولة عند الإغريق:

 أحسن مكان لتتبع ولادة الدولة هو أثينا، عشائر قليلة منتظمة في مجموعات قبلية، لم يعد الزواج الجماعي موجودا، وحل الانتساب للأب بدلا من الانتساب للأم نتيجة ظهور الملكية الخاصة والرغبة في التحكم في الميراث وإجبار أفراد العشيرة على الزواج من داخلها حفاظا على الإرث.

العشيرة في أثينا تتميز بـ: احتفالات دينية عامة ومكانة خاصة للكهنة، مقبرة عامة مشتركة، حقوق ميراث متبادلة، التزام متبادل بالمساعدة والحماية ضد الأجانب، الزواج من داخل العشيرة، ملكية مشتركة في بعض الحالات ورئيس مشترك وخازن مشترك.

والعشيرة الإغريقية عامة تتميز بـ: الانتساب للأب، إمكانية التبني، حق انتخاب وعزل الرئيس، لهجات مختلفة لكنها بسيطة، مجتمعين في إقليم صغير، ازدادت أعدادهم مع زيادة القطعان الحيوانية وزراعة الحقول وظهور الحرف اليدوية.

النظام الأساسي للعشيرة:

  • المجلس، ويتكون في الأصل من زعماء الفروع وعند ازدياد عددهم أصبح يتكون من أشخاص مختارين، مما خلق فرصة لنمو وتقوية الاتجاه الأرستقراطي، ويتكون من أشخاص مختارين وله كلمة نهائية في أهم الأمور.
  • الجمعية الشعبية، بدأت باجتماع الرجال والنساء حول الاتحاد لمناقشة الأمور، وتطورت إلى أن أصبحت جمعية.
  • القائد العسكري لم يكن ملكا أو أميرا وينتقل المنصب لأبنائه من خلال الانتخاب وكانت هذه نواة وجود الأرستقراطية وله وظائف دينية وقضائية.

أصبح المجتمع بحاجة لنظام لحماية ملكية الأفراد ضد تقاليد القبيلة، ويجعل الملكية مقدسة باعتبارها الهدف الأعلى في المجتمع الإنساني، ويديم التقسيم الطبقي، ويحمي حق الطبقة المالكة. لذلك ظهر مفهوم الدولة.

قيام الدولة في أثينا

قامت الدولة عن طريق إلغاء بعض أجهزة التنظيم القبلي وتعويضها بسلطة حكومية. وتم استبدال الفرسان بقوة مسلحة عامة في خدمة السلطة الحكومية. وفي العصر البطولي (عصر السيف)، قسمت الأرض إلى ملكية فردية تناسب حالة إنتاج السلع وتجارتها، في نهاية المرحلة العليا من البربرية عرفت إنتاج الحبوب والنبيذ والزيوت وإرساء التجارة، وكل قبيلة تدير شؤونها بنفسها وأحدث هذا اضطرابا في أجهزة التنظيم، وظهرت الحاجة للعلاج من خلال تكوين دستور وتكوين إدارة مركزية في أثينا. وتم دمج جميع القبائل على شكل شعب واحد. وقسم الشعب إلى ثلاث طبقات: النبلاء تنفرد بالمناصب العامة، وطبقة ملاك الأرضي، وطبقة أصحاب النقود.

اشتغل الفلاحون لحساب ملاك النقود وظهر الدين ومعه الرهن وأصدر النبلاء قانونا لحماية الدائنين ضد المدينين؛ حيث إنه في حالة عدم الوفاء بالدين يتم بيع الأرض وإذا لم يكف المبلغ لسداد الدين يبيع المدين أولاده كعبيد وأحيانا يبيع المدين نفسه.

 أصبح النظام الاقتصادي عن طريق التبادل بين الأفراد وتحويل المنتجات إلى سلع، ثم ظهرت النقود لتصبح قادرة على مبادلة أي شيء؛ حيث تقوت فئة التجار (فئة الطفيليات حسب تعبير ماركس). بهذا أصبح التنظيم القبلي ضعيفا جدا، وتضخمت الثروة واستوجب ذلك قوات مسلحة خاصة لحماية الأغنياء من الفقراء.

يعتبر ماركس كل الثورات السياسية في الحقيقة ثورات لنقل الملكية من يد طبقة إلى أخرى، فالثورة الفرنسية قامت بنقل الملكية الخاصة من يد النبلاء إلى البرجوازيين. وثورة سولون حررت الأراضي من الرهن وألغت الديون السابقة وحررت العبيد (من المواطنين). وقسم سولون المواطنين إلى أربع طبقات حسب الأرض والمحصول. أما ثورة كليستينس تجاهل في دستوره القبائل القديمة وأحدث مكانها تنظيما جديدا أساسه تقسيم المواطنين طبقا لمكان الإقامة، أصبح “المواطن ذيلا للأرض” حسب تعبير ماركس، لكل قسم قاض ومعبد وجهاز عسكري ورئيس. هذه المناطق تشكل مجلس مكون من 500 عضو منتخبين يدير شؤون الدولة.

العشيرة والدولة في روما:

العشيرة الرومانية نظام مماثل للعشيرة الإغريقية؛ حقوق متبادلة في الميراث بين الأقارب لضمان بقاء الأملاك داخل السلالة، ذرية الإناث مستبعدة طبقا لنظام الألواح الإثني عشر(الإنجيل).  ويلتزم الأفراد بعدم الزواج من خارج العشيرة، وتفقد المرأة حقوقها بزواجها خارج العشيرة ولا ترث والدها أو العشيرة. وأقدم قانون مكتوب يمنح الأبناء الطبيعيين الحق في الميراث، وفي حال عدم وجودهم ينتقل الميراث لأقارب الرجل، وفي عدم وجودهم ينتقل للعشيرة. وتبقى ملكية الأرض مشتركة مثل ملكية الأسرة. ويُسمح للعبيد المعتقين بحمل اسم العشيرة. ويلتزم الأعضاء بتقديم المساعدة والمشاركة في الشأن العام للعشيرة، وإمكانية انتخاب وعزل الرؤساء.

ومع التطور وتزايد النفوذ أصبح الشعب يساهم في المناصب عند البث في المسائل العامة ولكل فرد صوت، والجمعية تقر أو ترفض القوانين، وتنتخب شاغلي المناصب العامة ولها سلطة إعلان الحرب والسلم والنظر بقضايا الخصوم. أما القائد عسكري ورجل الدين لم يكن لهما علاقة بالمحاكم، أو الوظائف المدنية، أو الأملاك. ويدير الشؤون العامة مجلس الشيوخ مكون من 300 فرع، ويسمى أكبر أعضاء الفروع سنا آباء، ومجلس الشيوخ مكون من رجال أسرة معينة وهذه نواة الأسرة الأرستقراطية.

زاد عدد السكان نتيجة الهجرة والمقيمين بالأقاليم التي أخضعت، وعاش الرومان في عصر الملوك ديمقراطية عسكرية، وزعت الأراضي بالتساوي على الرومان، وظلت التجارة والصناعة في أيدي الطبقة الدنيا التي كان الصراع بينها وبين الرومان الأصليين محتدما. وجاء الدستور الجديد ليستبعد المقيمين والطبقة الدنيا المحرومة من الخدمة العسكرية، والسلطة العامة كانت موجهة ضدهم. ويُقسم المجتمع إلى ست طبقات حسب ثروتهم، تضاف إليها ثمان عشرة مجموعة من الفرسان وهم أغنى الأغنياء وانتقلت الحقوق السياسية إليهم. أما القبيلة فانحط شأنها وتحولت لجمعيات دينية، وتحطم النظام الاجتماعي القديم أمام التقسيم الإقليمي.

عند السلت والجرمان:

كانت العشيرة عند الجرمان في قمة ازدهارها؛ الحقول مملوكة للعشيرة، ولكل عائلة زراعتها الخاصة، وقطع أرضية أخرى تزرع زراعة مشتركة ويقسم محصولها على الأعضاء، وعند موت أحد أعضاء العشيرة تفكك عائلته، ورئيس القبيلة يعيد توزيع الأرض. وكان الانتساب للأب وبذلك يبقى أبناء الرجل في القبيلة وأبناء المرأة لقبيلة أخرى.

والزواج لدى السلت قابل للحل ما لم يمض عليه سبع سنوات، والأملاك تقسم بين الزوجين، وفي حال فسخ الزوج الزواج يجب عليه إعادة الأثاث للزوجة، والرجل يأخذ أثنين من الأطفال والمرأة واحدا وهو الأوسط، وإذا تزوجت المطلقة وأراد زوجها الأول أن يراجعها فعليها الرجوع إليه، وإذا خانت المرأة فمن حق زوجها أن يضربها دون أن توقع العقوبة عليه، ولا تعاقب على نفس الفعل أكثر من مرة، وللمرأة أن تطلب الطلاق دون أن تخسر حقوقها بسبب رائحة الزوج الكريهة.

خرج الجرمان من المرحلة الوسطى البربرية إلى العليا بتطور على مستوى إنتاج وسائل المعيشة والمساكن الخشبية والملابس وقطعان الحيوانات، واستخدام النقود بشكل متقطع، ومجلس عام للرؤساء يقرر في أمور بسيطة، ويعيش الرؤساء على الهبات والهدايا من الماشية والحبوب، وينتخبون من عائلة معينة مما أدى إلى قيام عائلات أرستقراطية، أما القادة العسكريون ينتخبون بناء على مهاراتهم بغض النظر عن أصولهم، مع أن السلطة التأديبية في الجيش بيد الكهنة. والجمعية الشعبية هي السلطة الحقيقة والفروع تتولى القضاء ويرأسها زعيم، وظهرت الاتحادات وكان لبعضها ملك، وبدأ القادة يحطمون النظام القبلي ويطمعون في السلطة، واستعانوا بالمرتزقة.

ومع مرور الوقت حطمت الأقاليم الدولة الرومانية واستولى البرابرة الألمان على الأرض وقسموها فيما بينهم، واختفت روابط الدم في العشيرة وبذلك أصبحت الشعوب الألمانية سيدة الأقاليم الرومانية وتم تحويل أجهزة التنظيم القبلي إلى أجهزة الدولة ثم تحول القائد العسكري إلى ملك، وتحولت الجمعيات ومجلس الرؤساء إلى قادة جيش ورؤساء ونبلاء. وانقسم المجتمع إلى ملاك الأراضي وفلاحين (نقطة بداية جديدة للتناقض).

وشكل الحد من سلطة الرجل داخل العائلة ورفع شأن المرأة في إطار الزواج الأحادي امتيازا للتجربة الألمانية عن باقي الشعوب، كما استطاع الألمان تعميم شكل مخفف لنظام رقيق الأرض.

يستنتج ماركس أن الدولة لم توجد منذ الأزل، بل كانت نتيجة تقسيم المجتمع إلى طبقات، ويتنبأ أن البشرية تقترب من مرحلة في التطور الإنتاجي يكون فيها وجود الطبقات عائقا للإنتاج، وهنا ستنتهي الطبقة بنفس الحتمية التي ظهرت بها. وبانتهاء الطبقات تنتهي الدولة ويضع المجتمع، الذي ينظم الإنتاج على أساس من الاتحاد الحر والتساوي بين المنتجين، جهاز “الدولة” في متحف الاثار بجانب العجلة والفأس البرونزي.

الفصل الرابع: مرحلة الحضارة(المدنية)

يعتبر هذا الفصل من الكتاب خلاصة وتجميع للظروف والأسباب التي أدخلت البشرية مرحلة الحضارة، والتي بدأت بانهيار النظام القبلي للمجتمع في المرحلة العليا للبربرية وإلغائه تماما بحلول المدنية، كانت كل قبيلة منقسمة إلى عدد من الفروع، وازدياد عدد السكان أدى إلى زيادة الفروع، والقبيلة انقسمت إلى عدة قبائل. وفي بعض الحالات نجد اتحاد القبائل يضم القبائل المرتبطة بروابط الدم كتجمع اجتماعي بسيط يحل المشاكل الداخلية والمشاكل الخارجية.

تقسيم العمل كان بسيطا بين الرجل والمرأة؛ الرجل يذهب للصيد والحرب ويجلب الطعام، والنساء تهتم بالبيت وتعد الطعام وتنظف الملابس، وكل طرف يملك وسائل عمله.

في أسيا تدجين الحيوانات أدى الى وفرة اللبن ومشتقاته واللحوم والجلود والصوف، وتطور الغزل والنسيج، وزراعة الأرض.  وازداد العمل وصعب على أعضاء العشيرة أو المشاع البيتي مواكبة ضغط العمل، مما استدعى البحث عن قوة جديدة تمثلت في العبيد وكان مصدرهم الحروب في البداية. بدخول هذا العنصر زاد الإنتاج وأصبح الإنسان ينتج ما لا يستهلك، فظهر التبادل بين العشائر كخطوة أولى ثم بين الأشخاص كخطوة ثانية.

النجاح الصناعي تمثل في آلات الغزل واستخراج المعادن وأهمها القصدير والبرونز والنحاس وبدأ استعمال الذهب والفضة كحلي، وزادت فروع الإنتاج وقطعان الماشية وتم تقسيم المجتمع الكبير إلى طبقتين سادة وعبيد، مستغلين ومستغَلين، وكانت المرأة مستهلكة لا تنتج ولا تملك، عكس عصر الوحشية كان الصياد والمحارب قانعا بأن يشغل المكان الثاني في بيته ويترك الرئاسة للمرأة، أما الراعي المسالم اعتمد على ثروته للوصول للمرتبة الأولى.

بعد حصول الرجل على السلطة في المنزل، استمر في القضاء على الانتساب للأم وتطبيق الانتساب للأب، والتحول التدريجي من العائلة المكونة من فردين إلى الزواج الأحادي الذي أعلن بداية انهيار النظام القبلي. ويرى ماركس أن تحرر النساء ومساواتهن بالرجال مستحيلة وستبقى هكذا طالما بقيت المرأة مبعدة عن العمل الاجتماعي المنتج ومختصة بالعمل المنزلي.

بُنيت المنازل في المدن من الحجارة أو الطوب داخل حوائط المدن الحجرية ذات الأبراج والشرفات، وتقدم فن البناء وازداد التخصص والإتقان، وانفصلت الحرف عن الزراعة وأصبح العبيد جزءا من النظام الاجتماعي والاقتصادي. ونمت الثروة وظهر التخزين خصوصا مع استعمال العملة النقدية لمبادلة البضائع، وجلبت معها القروض والفائدة والربا والرهن وظهرت فئة جديدة أسماها ماركس “الطفيليات” فئة لا تُنتج ومع ذلك تتحكم في الإنتاج والمنتجين.

              أصبحت ثروات الشعوب المجاورة محط أطماع الشعوب الأخرى، ونشأت حروب السلب التي زادت من قوة وأهمية القائد العسكري، وتحول الانتخاب الذي جرت العادة عليه للمنحدرين من أسر واحدة- خاصة بعد الحق الأبوي- تحولا تدريجيا إلى خلافة وراثية في المناصب، فتأسست الملكية الوراثية والأرستقراطية الوراثية، ومن هنا كان الدخول إلى المدنية التي قسمت العمل بشكل أكبر للتحكم في الإنتاج، إلى جانب ذلك ظهرت الثروة في الشكل العقاري وأصبحت ملكية الأرض للأفراد متوارثة، وسلعة تباع وتشترى وترهن.

أما على المستوى الاجتماعي ارتبط ظهور وانتشار البغاء والخيانة الزوجية والعلاقات غير المشروعة حسب ماركس بالزواج الأحادي، بمعنى أن كل عنصر يحمل بداخله نقيضه.

التنظيم القبلي وقف عاجزا أمام هذا التطور وتلخص وجوده في الاحتفالات الدينية، وظهرت مصالح جديدة في مجال كسب العيش، واتسعت فئة الحرفيين التي خلقها تقسيم العمل وزاد عدد الأجانب الأغنياء والمرابين والفقراء، ونشأ مجتمع جديد كله تنافر بين الأحرار والعبيد وبين الأغنياء والفقراء، أمام العجز عن التوفيق بين المصالح المتعارضة، وهنا تقوت السلطة العامة والدولة.

تمتاز الدولة بوجود السلطة العامة بأجهزتها المباشرة وغير المباشرة من سجون ومؤسسات القسر، وكلما تطورت المتضادات داخل المجتمع كلما تقوت السلطة العامة، ولتمويلها فرضت هذه الأخيرة الضرائب التي لم يكن لها وجود في الحكم العشائري، وأصبح الجباة يتمتعون بالحصانة والقوة والدولة تجاوزت ذلك إلى الديون باسمها.

مرت الدولة بثلاث مراحل محكومة بقوة الثروة.

الدولة الأولى: دولة مالكي العبيد لقمع العبيد.

الدولة الثانية: الدولة الإقطاعية وهيئة النبلاء لقمع الفلاحين والأقنان.

الدولة الثالثة: الدولة الحديثة البرجوازية تحاول إخضاع البروليتاريا.

يخلص انجلز في نهاية كتابه إلى أن الدولة ليست أزلية وليست قوة مفروضة على المجتمع من الخارج وليست “فكرة أخلاقية “كما يدعي هيجل، الدولة هي نتاج المجتمع عند درجة معينة من تطوره، هي إفصاح عن واقع أن هذا المجتمع قد وقع في تناقض مع ذاته لا يمكنه حله. وحتى لا تقوم الطبقات المتناقضة باتهام بعضها اقتضى الأمر قوة تقف في الظاهر فوق المجتمع، قوة تلطف الاصطدام وتبقيه ضمن حدود “النظام”.

الحضارة جزء تافه من تاريخ البشرية حسب ماركس، والثروة قوة لا تقهر تجاه الشعب، والعقل البشري وقف حائرا أمام صنيعه، وأكيد أنه سيبلغ من التطور ما يمكنه من السيطرة على الثروة في مراحل لاحقة من تاريخه. وفي انتظار ذلك يقترح ماركس إدماج الديمقراطية في الإدارة، والمساواة في الحقوق وتعميم التعليم.

خاتمة:

يعد هذا الكتاب من الكتب القيمة التي لم تلق نقدا شديدا من طرف الفلاسفة المثاليين. عرض انجلز من خلاله نتائج بحوث العالم الأمريكي هنري مورغان مع تعليقات كارل ماركس عليها إلى جانب رأيه هو في ثلاثة من أهم الظواهر الاجتماعية “العائلة” و”الملكية الخاصة” و”الدولة”. حيث طبق المادية الجدلية على التاريخ واعتبر المجتمع يتطور وفق الاقتصاد وأساليب الإنتاج، وأن هذين العنصرين هما محددات النظام العام للمجتمع، إلا أنه جعل دور الإنسان ثانوي في التاريخ وتطوره خاضع للحتمية.

انطلق انجلس في دراسته لمراحل التطور الاقتصادي والاجتماعي من مرحلة المشاعية البدائية التي لم تعرف فيها البشرية أي شكل من أشكال التملك، وساد خلالها الزواج الجماعي، إلى مرحلة العبودية التي انتشرت فيها مظاهر تملك البشر بعضهم بعضا، وشكل الزواج ثنائي. ومرحلة الإقطاعية التي سادت فيها ملكية الأرض، مع تقدم نسبي في حرية الإنسان بالمقارنة مع المرحلة السابقة، نتيجة تطور قوى الإنتاج، الأمر الذي استوجب ظهور علاقات إنتاجية جديدة. وسياد الزواج الأحادي وظهرت “الدولة”.

وأخيرا مرحلة التطور الرأسمالي التي انتشرت فيها أشكال جديدة من التملك لوسائل الإنتاج، مع تطور أكبر في مجالات العلم والتقنيات، وتبشر المادية التاريخية بالمرحلة الشيوعية التي تعد أخر مرحلة من مراحل تطور البشرية والتي تحمل في ثناياها نهاية مظاهر الصراع والتناقض.