الدستور وتدبير الأزمات: قراءة في القواعد المنظمة لحالة الطوارئ الصحية

يمكن لأي مجتمع أن يمر بظروف خاصة أو استثنائية أو أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية، تهدد السير العادي للمؤسسات الدستورية أو تشكل خطرا على استقلال البلد، كما يمكن أن تشكل تهديدا وترويعا لأمن السكان أو خطرا على سلامتهم الجسدية، بل قد يمتد هذا الخطر ليشكل تهديدا حقيقيا للوجود البيولوجي لمجموعة من الناس أو لكل الناس، الشيء الذي يفرض ألا يتم التعامل مع هذه الظروف الاستثنائية بنفس الكيفية والآليات التي تتبع عادة في الظروف العادية، وتكون بالتالي هناك حاجة لاتخاذ تدابير استعجالية وغير مألوفة، انطلاقا من القاعدة الرومانية المعروفة بأن “سلامة الشعب فوق القانون”.  

وتحسبا لذلك، تتضمن النظم الدستورية والقانونية في كل البلدان النص على عدد من الأنظمة الاستثنائية التي تسمح للسلطات العمومية فيها بالتصرف عندما تجد نفسها أمام هكذا ظروف، حيث تعطيها الإمكانية للتحرر من بعض الالتزامات الدستورية والقانونية، واتخاذ تدابير تشريعية وتنفيذية وتنظيمية غير مألوفة في الظروف العادية تكون كفيلة بمواجهة التهديدات التي فرضتها تلك الظروف، وتسعى نحو عودة الأوضاع إلى حالتها الطبيعية، لأن الظروف الاستثنائية قد تطول وقد تقصر لكنها في جميع الأحوال تبقى مؤقتة ومحدودة في الزمن.

والظروف الاستثنائية التي تسمح بمثل هذه التدابير ليست من نوع واحد، بل إنها تختلف باختلاف نوعية وحجم المخاطر التي تشكلها، كما تختلف باختلاف الإجراءات والتدابير المتخذة في ظلها، حيث تتضمن الأنظمة القانونية المقارنة أنواعا متعددة من هذه الأنظمة، فهي قد تتخذ شكل حالة حرب، أو حالة الدفاع كما يسميها القانون الأساسي الألماني[1]، أو حالة استثناء، أو حالة حصار، أو حالة الطوارئ، وإن كانت بعض البلدان، وخاصة في المشرق العربي، تخلط بين حالة الطوارئ وحالات أخرى مشابهة، حيث يحيل مضمون حالة الطوارئ فيها والأسباب التي تدفع إلى إعلانها، وكذا المدة الزمنية التي تستغرقها ـ والتي قد تكون محددة لكن سماح الدستور بالتمديد المتكرر لها يحولها إلى حالة مفتوحة[2] على حالة الاستثناء كما هي متضمنة في القانون الدستوري الفرنسي.

هذه الحالات الدستورية وإن كانت تشترك جميعها في كونها تفرض في ارتباط بظروفغير عادية، وفي كونها تخول للسلطة العامة في الدولة اتخاذ تدابير ذات طابع استثنائي، فضلا عن الطابع المؤقت لإعلانها، حيث ترتبط بظرف زمني محدد، وبالتالي فهي ليست حالة دائمة حتى ولو استمر فرض بعضها لسنوات، فإن لكل واحدة منها خصائص تميزها، رغم الصعوبة التي تطرحها إمكانية تحديد قواعد عامة خاصة بكل حالة، لأنها لا تطبق بكيفية نمطية في كل التجارب الدولية، بل يمكن لنفس الحالة أن تتم بشكل مختلف من بلد إلى آخر.


[1]ـ المادة 115 (أ) من القانون الأساسي الألماني.

[2]ـ المادة 148 من الدستور المصري لسنة 1971، قبل أن يتدخل دستور 2013 ويحصرها في ثلاثة أشهر، ويمنع تمديدها لأكثر من ثلاثة أشهر أخرى م 154 من الدستور المصري.