جائحة القرن الواحد والعشرين: محاولة لفهم المتغيرات الإقليمية المحتملة وتداعياتها

مقدمة

ارتبطت الجوائح عبر التاريخ بسقوط وانهيار بعض الإمبراطوريات، وتصدع الحكومات، وقتل وإبادة أجيال بأكملها وإحداث تغيرات جوهرية على مستوى الواقع والمسلمات العلمية والثقافية الرائجة، وإعادة تشكيل الخرائط والتحالفات والتوازنات الجيو-إستراتيجية السائدة.

جوائح كثيرة غيرت مجرى التاريخ، والأمثلة عديدة ومؤرخة ومسجلة، فحسب المؤرخين، فالطاعون الأنطوني (180-165 ق.م) يعتبر السبب المباشر في سقوط الإمبراطورية الرومانية الذي تفشى في روما إبان فترة حكم ماركوس أوريليوس خامس أباطرة السلالة النيرفية الأنطونية .أما جائحة “الموت الأسود” (1347-1352)، فقد وصفتها مجلة هيستوري توداي الشهرية -التي تصدر في لندن- بأنها أعظم كارثة على الإطلاق، حيث بلغ الموتى رقما مذهلا هو قرابة مئتي مليون شخص.

 بالإضافة إلى ما يعرف بالأنفلونزا الإسبانية 1918-1920) التي انتشرت إبان الحرب العالمية الأولى، حيث تفشت في موجتين، الأولى بدءاً من عام 1918 قبل أن تنتهي عام 1920. وأُصيب بالوباء زهاء 500 مليون شخص، توفي منهم خمسون مليونا حول العالم، حسب مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها، وهي مؤسسة وطنية أميركية رائدة في مجال الصحة العامة.

وقد بدت الحضارة الإنسانية منتشية ومرتاحة إزاء تراجع خطر ” الأوبئة والجوائح” خلال العقود الأخيرة، بعدما استطاع الإنسان بواسطة العلم والمعرفة أن يطوع الطبيعة نسبيا، وأن يطور لقاحات وأدوية جنبته المآسي والكوارث التي عرفتها البشرية خلال القرون السابقة، إلا أنه خلال القرن الواحد والعشرين، سيتكرر نفس السيناريو والفواجع نفسها، إذ انتشر وباء كوفيد 19 الذي صنفته منظمة الصحة العالمية بمثابة “جائحة”، ويستخدم وصف الوباء العالمي أو الجائحة (Pandemic) لوصف الأمراض المعدية عندما يسجل تفشيا واضحا لها وانتقالا من شخص إلى آخر في عدد من البلدان في العالم في الوقت نفسه.

وفي ظل هذا الوضع، أصبح الحديث عن إعادة تقييم “ارتدادات العولمة” في ظل تنامى التناقضات والتوترات المصاحبة لمخرجات أزمة فيروس كورونا “19-Covid” وانعكاساتها الإنسانية والسياسية والاقتصادية على مختلف مكونات النظام العالمى. وكذلك الدفع بإعادة إنتاج أطر نظرية ومفاهيم قادرة على استيعاب الواقع الجديد، بل أن يتجاوز الأمر نحو التنظير للبدء بعملية “فك الارتباط” وإعادة هندسة النظام الدولي بما يتوافق مع إبستمولوجيا الأمننة لمجتمع المخاطر.