التوجهات الاستراتيجية للسياسة البحرية للمملكة المغربية: مساهمة في رصد الإشكالات البحرية وأسس بناء استراتيجية بحرية وطنية مندمجة

ملخص:

تحاول هذه الأطروحة مقاربة التوجهات الاستراتيجية للسياسة البحرية للمملكة المغربية، عبر استحضار المنظومة الدولية لقانون البحار بما في ذلك الإطار القانوني لتحديد الحدود البحرية، والسعي إلى تقديم بعض التجارب المقارنة في مجال السياسات الوطنية البحرية كالسياسة البحرية للاتحاد الأوروبي والسياسة الوطنية الفرنسية، واستراتيجية الأمن البحري للمملكة المتحدة.

كما تم استحضار مختلف السياسات والبرامج والخطط الوطنية المعمول بها وطنيا من قبل القطاعات التي تتدخل في الأنشطة التي تعنى بالنشاط البحري، والتي تتسم بتدخلات أحادية الجانب ولا تجيب عن الإلتقائية والانسجام في شكل “سياسة بحرية مندمجة” وفق ما تحدد مرجعيات التخطيط المجالي البحري.

وقد عالجت هذه الأطروحة موضوع الاقتصاد الأزرق مع تحديد تحدياته وقطاعاته، والسياسات التي تعنى به والمداخل التي يمكن في ضوئها تجاوز إشكالية التحديد المغربي-الاسباني من خلال التخطيط البحري العابر للحدود، وتقديم أسس بناء سياسة بحرية وطنية مندمجة، وبناء مجال بحري آمن.

الكلمات المفاتيح: الحدود البحرية-الاستراتيجية-السياسة البحرية-الاقتصاد الأزرق-الأمن البحري

Abstract:

 This thesis attempts to approach the strategic orientations of the Kingdom of Morocco’s maritime policy by invoking international law of the sea, including the legal framework for maritime delimitation, and presenting some comparative experiences of national maritime policies such as European Union maritime policy, French national policy, and the United Kingdom maritime security strategy.

Various nationally applicable national policies, programs, and plans have also been presented by sectors that intervene in activities related to maritime activity, which are characterized by unilateral interventions and do not respond to subjectivity and harmony in the form of an “integrated maritime policy”, as defined in the maritime planning references.

This thesis analyzed the blue economy, identifying its challenges and sectors, policies, and entry points against which the problem of Moroccan-Spanish delineation could be overcome through transboundary maritime planning, providing the foundations for building an integrated national maritime policy and strengthening maritime security.

Keywords: maritime boundary-strategy-maritime policy-blue economy-maritime security.


نوقشت أطروحة الباحث بوسلهام عيسات بتاريخ 26 أبريل 2023 ابتداء من الساعة العاشرة صباحا بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية- طنجة بالملحقة 1 أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام تحت عنوان: التوجهات الاستراتيجية للسياسة البحرية للمملكة المغربية: مساهمة في رصد الإشكالات البحرية وأسس بناء استراتيجية بحرية وطنية مندمجة. وقد أشرف على البحث الأستاذة نسرين بوخيزو وضمت لجنة المناقشة كل من السادة الأساتذة الآتية أسماؤهم:

الأستاذ إدريس لكريني أستاذ التعليم العالي بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية مراكش رئيسا، والأستاذ عبد الكبير يحيا أستاذ التعليم العالي بكلية العلوم القانونية والاقتصادية  والاجتماعية طنجة عضوا،  والأستاذ  إبراهيم  الزيتوني  أستاذ  مؤهل  بكلية العلوم  القانونية والاقتصادية  والاجتماعية آيت ملول عضوا، والأستاذة أسماء الشطيبي أستاذة مؤهلة بكلية العلوم القانونية  والاقتصادية والاجتماعية تطوان عضوا، والأستاذ عادل تميم أستاذ مؤهل بكلية العلوم القانونية  والاقتصادية والاجتماعية تطوان عضوا.

وبعد المناقشة وتقييم الأطروحة، تم قبول العمل بميزة مشرف جدا مع تهنئة اللجنة والتوصية بنشره.

مقدمة

تشكل البحار المساحة الكبرى من الكرة الأرضية، وتغطي المياه ثلاثة أرباع مساحة الكوكب الذي نعيش فيه، لذلك فقد اضطرت البشرية إلى الاتجاه إلى البحار والمحيطات بحثا عن الغذاء والمعادن المختلفة اللازمة للصناعات العالمية بعد أن ضاقت اليابسة بشاغليها نتيجة الزيادة المضطردة في السكان، ولم يعد البحر السبيل لعبور السفن والبواخر كوسيلة للمواصلات العالمية، وإنما أصبح أمل البشرية في الحصول على غذائها ومعادنها وثرواتها الأخرى التي أصبحت قابلة للنضوب على اليابسة.

ومن الناحية السياسية والأمنية تشكل المجالات البحرية خطوطا دفاعية أولى ضد أي تهديد خارجي، فإذا أحسن استغلالها فسيكون لذلك فوائد أكيدة على أمن الدولة واستقرارها، وبالمقابل إذا أهملت أهميتها فإن الواجهة البحرية ستتحول إلى منفذ سهل للتدخل والغزو لأن معظم الغزوات العسكرية تمت عبر البحر.

كان الصراع القانوني على أشده بين أنصار النظريتين المتضادتين وانبرى القانونيون للدفاع عن كل نظرية طبقا لمصلحة بلاده الحيوية و تدعيما لوجهة نظرها ، وكان من نتائج ذلك الصراع الفقهي تأليف الفقيه الهولندي “جروسيوس” (Grotius)  لكتابه  “البحر الحر”  (mare liberum) الذي ناصر نظرية حرية الملاحة ، واستند في دفاعه عن هذه النظرية إلى حجتين أساسيتين هما، أن البحر غير قابل للحيازة الفعلية  ومن  ثم لا يكون ملكا ولا محلا لسيادة أية دولة، وأن الطبيعة لا تمنح حقا لأي أحد كائن في أن يتملك الأشياء التي يستطيع أن يستعملها الجميع من غير ضرر أو إضرار، والتي هي بطبيعتها لا تفنى ولا تقبل الفناء.

ومع مطلع القرن العشرين حاولت الدول تدوين قانون البحار، حيث انطلقت أول محاولة هامة عندما بادرت عصبة الأمم سنة 1930 بالدعوة إلى مؤتمر دولي بلاهاي لتدوين قواعد عرفية، غير أنه نتيجة للظرفية الدولية وتعثر المفاوضات، لاسيما عدم التوصل إلى اتفاق حول مسألة تحديد اتساع البحر الإقليمي فإن هذا المؤتمر انتهى بالفشل.

غير أنه بعد مسلسل مفاوضات دولية امتدت لسنوات، أصبحت اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لسنة 1982 معلمة في بناء قانون البحار الجديد وتشكل بناء قانونيا شاملا لمختلف الأنشطة المرتبطة بالبحر، وبذلك سيكون ميدان قانون البحار من أهم المجالات التي عملت الدول الحديثة العهد بالاستقلال على إعادة صياغة قواعده، بهدف جعلها أكثر توافقا مع المبادئ الأساسية التي تسود المجتمع الدولي المعاصر ولتعمل على تحقيق نوع من التوازن بين مصالح الدول الغنية المتقدمة وغيرها من الدول.

وليس ثمة شك أن الاستراتيجيات البحرية تعتبر عاملا من بين العوامل المؤثرة في الأمن والسياسة الدولية، حيث يعد الأمن البحري جزءا من الأمن القومي للدول، بالنظر لامتداد البحر والمحيط لمسافات واسعة على سطح الأرض والذي يتألف من ممرات حيوية للتجارة والمواصلات الدولية، ومن تم فإن الحفاظ على الأمن البحري والتعامل مع التحديات المختلفة التي تواجهها الدول والقوى البحرية عبر بناء استراتيجيات بحرية مدروسة ومستدامة يعتبر أمرا بالغ الأهمية في الزمن الراهن.

كما تعتبر الاستراتيجيات البحرية عاملا جوهريا في العلاقات الدولية والأمن الدولي، حيث إن تأمين المياه الخاضعة للولاية القضائية وبسط سيادة الدول على المسارات (الطرق) البحرية الحيوية في ظل التوترات الجيو-استراتيجية والاقتصادية التي يعرفها العالم أصبح تحديا كبيرا، ولاسيما التحديات الأمنية الناتجة عن الصراعات البحرية والتوترات البينية، فضلا عن الإشكالات البيئية كتغير المناخ وارتفاع مستوى سطح البحر، بما يقتضي تطوير سياسات واستراتيجيات بحرية شاملة متعددة الأبعاد للتعامل والاستجابة لهذه التحديات بكل فعالية.

يندرج هذه الموضوع في إطار القانون العام والعلوم السياسية، أو بالأحرى السياسة الدولية حيث يسعى إلى مقاربة علاقة المغرب بالقانون الدولي للبحار، ولاسيما الاتفاقية ذات الصلة التي صادقت عليها خلال سنة 2007، مع الإشارة لمجموع التدابير التشريعية التي واكبت ذلك، وعلى وجه الخصوص ترسيم الحدود البحرية بالقانونين رقم 38.17 و37.17 اللذين صادق عليهما البرلمان المغربي بالإجماع كتعبير على بسط سيادة المملكة على إقليمها البحري.

وترتيبا على ذلك، تتأسس علاقة قانونية للمملكة المغربية بالقانون الدولي للبحار، بما يتطلب ترسيم الحدود المتعلقة بمختلف المجالات البحرية للمملكة بما في ذلك تمديد الحدود الخارجية للجرف القاري لدى لجنة حدود الجرف القاري بالأمم المتحدة  CLCS، للمملكة على الواجهتين المتوسطية والأطلسية ورصد الإشكاليات القانونية المتعلقة بالتحديد.

ولأهمية الامتداد البحري للمملكة، فإن تحديد مختلف التدابير والاستراتيجيات الحكومية الموجهة نحو البحر يعتبر عنصرا هاما في تحليل هذا الموضوع، ولاسيما المشاريع الاستراتيجية على مستوى الواجهة المتوسطية بتعزيز الدور الاقتصادي للمملكة على مستوى حوض البحر الأبيض المتوسط، والواجهة الأطلسية كقطب لوجستيكي واقتصادي يربط القارة الأوروبية والأمريكية بالعمق الإفريقي ودول غرب الساحل الإفريقي.

وتبحث هذه الأطروحة في مدى تمكن التوجهات الاستراتيجية للسياسة البحرية للمملكة المغربية في ضوء قواعد القانون الدولي والمرجعيات الدولية، بما يشمل ذلك من ترسيم للحدود البحرية وتمديد للحدود الخارجية للجرف القاري، وما سيترتب عنه من حقوق بحرية ستمكنها من توجيه سياستها الجيو-اقتصادية نحو البحر والمحيط، بأن تجعلها فاعلا استراتيجيا بحريا على مستوى منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط والمنطقة الأطلسية غرب إفريقيا.

وقد دفع هذا الإشكال في محاولة السعي للإجابة عنه، إلى طرح تساؤلات أخرى فرعية، كالتالي:

كيف نظمت اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار قواعد تحديد الحدود البحرية؟ كيف تعامل المشرع المغربي مع عملية تحديد المجالات البحرية؟ هل السياسة البحرية للمملكة كفيلة بأن تجعل منها فاعلا جيو-اقتصاديا في منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط والمنطقة الأطلسية غرب إفريقيا؟ وماهي أهم هذه الإستراجيات والمخططات؟ هل تعدد المخططات والبرامج والاستراتيجيات القطاعية لا يؤثر على تدخل الفاعلين في النشاط البحري؟ وهل يتطلب الأمر توحيد جهد جميع المتدخلين في إطار استراتيجية بحرية مندمجة؟

وبناء على الإشكالية الرئيسية، تتبنى الأطروحة فرضيتين كالآتي بيانه:

  • تدخلات الفاعلين في النشاط البحري بالمملكة المغربية، تشكل نواة لبناء استراتيجية بحرية متكاملة، غير أنها تبقى تدخلات أحادية الجانب ولا تحقق نوعا من الانسجام والالتقائية في السياسات والاستراتيجيات المعمول بها، ولا تنسجم مع المرجعيات الدولية للتخطيط المجالي البحري.
  • تعزيز الحضور البحري المتوسطي والأطلسي للمملكة كفاعل بحري استراتيجي، تلعب دورا هاما على مستوى منطقة شمال المملكة، وتسعى إلى تعزيز تأثيرها البحري بالواجهة الأطلسية الافريقية، يتطلب التفكير في بناء “سياسة بحرية مندمجة” تشكل نواة من أجل تطوير سياسات بحرية إقليمية لممارسة نوع من التأثير من قبل المملكة المغربية في واجهتيها المتوسطية والأطلسية.

وقد انطلق تحليل هذه الأطروحة من قسمين رئيسيين: يتضمن القسم الأول المنظومة الدولية لقانون البحار والسياسة البحرية في التجارب المقارنة تحت عنوان (القانون الدولي للبحار والمملكة المغربية: سياقات وإشكالات). في حين يتناول القسم الثاني المداخل والآفاق التي يمكن تؤدي إلى بناء سياسة بحرية مغربية تحت عنوان (السياسة البحرية للمملكة المغربية: المداخل والآفاق).

أولا: في مضامين القسم الأول

يضم القسم الأول فصلين يسلطان الضوء على السياقات والإشكالات التي تهم القانون الدولي للبحار في علاقته بالمملكة المغربية، عبر بسط الإطار القانوني للحدود البحرية والغاية من ترسيم الحدود البحرية المغربية، مع استحضار الإشكالات التقنية التي تهم ترسيم الحدود البحرية، مع تقديم تصور قانوني في ضوء القواعد الدولية والسابقة القضائية لترصيد المكتسبات وحفظ الحقوق البحرية للمملكة المغربية، سواء في البحر الأبيض المتوسط أو المحيط الأطلسي.

مع الحرص على محاولة فهم السياسة البحرية من خلال تقديم تجارب مقارنة للسياسات البحرية الفوق-وطنية كالسياسة البحرية المندمجة للاتحاد الأوروبي، تقديم السياسات الوطنية، كالسياسة البحرية الفرنسية، واستراتيجية الأمن البحري للمملكة المتحدة، مع استحضار أسسها وأهدافها وركائزها ومجالات تدخلها، ومؤشرات تتبع تنفيذها وتقييمها ومراجعتها.

ثانيا: في مضامين القسم الثاني

يضم القسم الثاني فصلين ينحوان إلى بسط منظومة السياسة البحرية بالمغرب بتسليط الضوء على الفاعلين في السياسات الوطنية القطاعية، وكذا تشخيص المنظومة القانونية المؤطرة للسياسة البحرية، بما في ذلك منظومة الصيد وتربية الأحياء البحرية وتنظيم الموانئ ومنظومة حماية البيئة البحرية(…).

كما حاولت الأطروحة تقديم استشراف بحري استراتيجي يؤسس للمداخل الاستراتيجية، التي ترنو إلى تحقيق حكامة السياسات العمومية كأساس لتخطيط مجالي بحري وفق المرجعيات الدولية، ومقاربة موضوع الاقتصاد الأزرق بتحديد تحدياته وقطاعاته كمدخل لبناء “استراتيجية بحرية وطنية مندمجة”، مع تخصيص حيز يتواءم ومجهودات المغرب لقيادة تنسيق أطلسي-إفريقي يجيب عن متطلبات الأمن البحري الأطلسي أمام واقع تصاعد مهددات الأمن البحري بخليج غينيا ووسط وغرب إفريقيا.

خلاصات 

توصلت الأطروحة إلى مجموعة من الخلاصات التي يمكن تقديمها كما يلي:

الخلاصة الأولى: عنصر الجغرافيا يعتبر هاما في تمديد الجرف القاري، لكون الجغرافيا تعتبر ظرفا أساسيا وجب أن يؤخذ بعين الاعتبار، لأن الجرف القاري يشكل امتداد للإقليم البري لليابسة عبر البحر، يترتب عنها علاقة قانونية بين الحدود البحرية وإقليم الدولة؛

الخلاصة الثانية: تصور إسبانيا لا ينسجم مع تصور المملكة المغربية من حيث منظور التحديد، بيد أن ربط عملية التحديد بالجغرافيا يتطلب استحضار طبيعة الارتباط بالدولة الأم (الجزر-الدولة الأم) فجزر الكناري ليست دولة أرخبيلية مستقلة وإنما هي تابعة للدولة الأم، وهو المحدد الذي يمكن أن   يحدث تغييرا جوهريا في عملية تحديد وتمديد الجرف القاري.  مع الحرص على الدفاع عن قاعدة الأبعاد المتساوية ومراعاة الظروف الخاصة وتكييفها مع الوضع الجغرافي والجيومرفولوجي، مع مراعاة الشكل العام للساحل.

الخلاصة الثالثة: من خلال مراجعة السياسة البحرية الفرنسية تبين بأن السياسة البحرية المندمجة للاتحاد الأوروبي تشكل أرضية لجميع سياسات الاتحاد الأوروبي التي ترتبط بالبحر عبر التنسيق بين مختلف الأنشطة المرتبطة بالبحار والمحيطات، بما يحقق الاستفادة من المجالات البحرية وضمان استدامتها والمحافظة على البيئة البحرية، مع تأطير مختلف الأنشطة الاقتصادية القائمة على البحر. كما أنها جاءت لمواجهة السياسات والقرارات التي ترتبط بالبحر والتي تتسم بطابعها المجزئ رغم كونها ترتبط بموضوع البحر، ويبدو أن ذلك أمر طبيعي لكون فرنسا جزء من المجموعة الأوروبية التي تحدد الإطار العام للسياسات البحرية الوطنية لدول الاتحاد.

الخلاصة الرابعة: يتأسس الاستثمار في المستقبل على الفهم الجيد حتى يتحقق التدبير الجيد الذي يعتبر أولوية كبرى لبسط كامل السيادة على كل المجالات البحرية عبر القوانين وتحديد كل ما تستوعبه هذه المجالات من موارد حية وغير حية، ومعرفة آثار النشاط البشري بالبر على الساحل والبحر والمحيط، ويبدو أن المعرفة تبقى محددا هاما للتوصل إلى معطيات وبيانات مشتركة تكون رهن إشارة صناع القرار لصنع القرارات والسياسات.

الخلاصة الخامسة: البحث العلمي البحري يمتد لأبعاد اجتماعية وبيئية واقتصادية وتكنولوجية وصناعية، مع الأخذ بعين الاعتبار مجال العلوم الاجتماعية لدعم الابتكار في المجال الذي يهم الموارد الطبيعية البحرية وتدبيرها المستدام وتعزيز التنافسية التي تقوم على إعطاء الأولوية لتثمين البحث العلمي البحري، مع التركيز على بعد حماية البيئة البحرية عبر تكريس مقارية وقائية تقوم على مبدأ التعويض(حماية التنوع؛ تخفيض الأثر السلبي  للأنشطة؛ الوقاية  من المخاطر؛ التكوين  والتأهيل في مهن  البحر)،  ويظهر أن  السياسة الفرنسية تقوم كذلك  على تنمية  الثقافة البحرية لفهم  الرهانات  البحرية، وهي  تجربة تتقاطع  مع  الدور الهام الذي تلعبه  مؤسسة  محمد السادس لحماية  البيئة في  التجربة  المغربية من خلال  تقوية  علاقة  الشباب   بالبيئة بشكل عام  وبالبحر  بشكل خاص. 

الخلاصة السادسة: تستند السياسة البحرية الفرنسية على رهان جيوبوليتيكي يتجسد في التثمين المستدام للموارد البحرية (البيولوجية؛ المعدنية؛ الطاقية)، وكذا استدامة صيد الأسماك وتربية الأحياء البحرية، وتطوير التنافسية والابتكار في بناء السفن لتستجيب للتغيرات المناخية لتكون سفنا أكثرا توفيرا للطاقة وأكثر أمنا ونظافة مع التركيز على تطوير الهندسة البحرية، باعتباره قطاعا من شأنه تطوير السلامة البحرية وتطوير السفن ذات التصميم البيئي. بما يسمح كذلك بتحقق تحول على مستوى النقل البحري وتحقيق إشعاع دولي للموانئ، فضلا عن بناء وتطوير استراتيجية للترفيه البحري.

الخلاصة السابعة: تسعى فرنسا من خلال سياستها البحرية الوطنية وعبر الأقاليم ما وراء البحار الخمسة عشر إلى تعزيز الحكامة الدولية عبر تقوية مساهمتها في الهيئات الدولية المسؤولة عن تنظيم الأنشطة البشرية المتعلقة بالبحار والمحيطات، مع حرصها على تدعيم مبادرات المفوضية الأوروبية ورئاسة الاتحاد، والاشتغال لجانب المفوضية وباقي الدول بتحديد المفاهيم الخاصة بهندسة السياسة الأوروبية المندمجة والسياسات القطاعية المنسجمة. مع الحرص على تقوية قدرات الأمن والدفاع ومواجهة التحديات الأمنية في المناطق البحرية ومواصلة عملها الدبلوماسي البحري، وتبني مقاربات وقائية لمواجهة التهديدات التي تمس بالأمن البحري والوفاء   بباقي الالتزامات الدولية فيما يخص حماية أرواح الأشخاص في البحار وعمليات الإنقاذ في البحر.

الخلاصة الثامنة: تتلخص أهداف استراتيجية الأمن البحري للمملكة المتحدة في تعزيز الأمن الدولي البحري ودعم المعايير الدولية، مع تنمية قدرات الدول في مجال حكامة البحار، وحماية المملكة المتحدة وأقاليم ما وراء البحار وحماية أمن الموانئ والمنشآت البحرية والسفن المدنية والتجارية، وكذا ضمان أمن التجارة البحرية الدولية وطرق نقل الطاقة داخل المنطقة البحرية للمملكة المتحدة ومحيطها الإقليمي والدولي.

الخلاصة التاسعة: تتميز استراتيجية الأمن البحري بتحديد المخاطر التي من شأنها عرقلة تحقق الأهداف ووضع السبل والوسائل الممكنة لمواجهتها خلال كل سنتين، وذلك باستخدام عملية تقييم مخاطر الأمن القومي التي تحدد أولويات المخاطر المهددة للأمن القومي بالمملكة المتحدة داخليا وخارجيا، وتعتبر مواجهة الإرهاب البحري وتعطيل طرق التجارة البحرية أو الهجوم على البنية التحتية  البحرية  أو الشحن  البحري  وكذا نقل المواد غير المشروعة  عن طريق البحر  وتهريب  البشر والإتجار بهم، من المخاطر ذات الأولوية القصوى خلال الفترة ما بين  2014-2015. مع إيمانها بأن التخفيف من هذه المخاطر وتحقيق أهداف الأمن البحري يتطلب تنسيقا وطنيا وإقليميا ودوليا، وخيارات واسعة بتنسيق مع الشركاء للمساهمة في الأمن البحري على نطاق عالمي.

الخلاصة العاشرة: يقوم الفهم كمهمة استراتيجية لاستراتيجية الأمن البحري للمملكة المتحدة، على التشخيص الأفقي الطويل المدى من منظور أمني، اعتمادا على استخبارات الإرهاب وتحليل المخاطر   ولاسيما مخاطر الإرهاب البحري من خلال تحليل المعلومات الاستخباراتية من مجموعة واسعة المصادر، مع الحرص على تحليل المعلومات الاستخباراتية غير الإرهابية باستخدام المصادر التي يتيحها مركز المعلومات وتجميع المعلومات حول الأنشطة غير القانونية والتهديدات التي تهدد المصالح الوطنية للمملكة المتحدة.

كما تتجسد مهمة التأثير في تكثيف النشاط الدبلوماسي عبر مجلس الأمن ومن خلال الهيئات المرتبطة بالأمم المتحدة، لتدعيم اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار ومواصلة عمل المنظمة الدولية البحرية لوضع القواعد المعيارية الدولية للأمن البحري.  أما الحماية   فتقوم على معالجة المشاكل في وقت مبكر وتوقعها والعمل على مواجهتها من خلال استراتيجية الأمن القومي الوطني، والسعي إلى دعم قدرات الدول الساحلية النامية لتحقيق سبل العيش المشروع لتجنب   ممارستهم لأنشطة غير قانونية كالقرصنة والجريمة والتهريب، مع تكريز مهمة الرد على تقليل نقاط الضعف ضد التهديدات المعروفة وتحسين القدرة على مواجهتها لحماية حرية التنقل البحري وفق القانون الدولي وأحكام اتفاقية مونتغوباي لسنة 1982. وتتجلى مهمة الرد في تحديد لائحة الأنشطة التي يتوقع أنها غير قانونية ومن شأنها أن تشكل تهديدا لسلامة المواطنين والاستجابة لها عبر تنفيذ القانون وإنفاذه.

الخلاصة الحادية عشر: تتلخص أهداف استراتيجية الأمن البحري للملكة المتحدة في تعزيز الـأمن البحري وتطوير الحكامة البحرية في المناطق ذات الأهمية الاستراتيجية جراء فشل بعض دول العلم في إدارة السفن الخاصة وفرض تحقيق الأمن البحري في بحارها الإقليمية، بما يخلق الظروف المناسبة لظهور الجرائم الماسة بالأمن والاستقرار الساحلي والبحري كالقرصنة والسرقات والأنشطة والصيد غير المشروع،  فضلا عن حرصها على حماية مجالها  الإقليمي   وتعزيز  أمن طرق  التجارة البحرية  وحماية  الموارد  ودعم  أمن  وسلامة الموانئ  والمنشآت والسفن التجارية  والمدنية. ومواجهة مكافحة قرصنة سفن الشحن التي تحمل علم المملكة المتحدة، وأمن الطاقة والبنية التحتية للاتصالات، فضلا عن ضمان أمن التجارة البحرية الحيوية والطاقة وطرق النقل داخل المملكة المتحدة وعلى الصعيد الإقليمي والدولي، وحماية موارد وسكان المملكة المتحدة وأقاليم ما وراء البحار من الأنشطة غير القانونية والخطيرة.

الخلاصة الثانية عشر: تتأسس التوجهات المستقبلية لاستراتيجية الأمن البحري على مواجهة التغيرات المحتملة التي  يمكن أن يعرفها  المجال البحري وتطور  التجارة البحرية  وارتفاع منصات الطاقة  الدولية  في أفق  2030 من خلال  الاعتماد  على الفهم الذي يتأسس على مجموعة من المداخل التي تتجلى في الفهم الذي يقوم على المسح الافقي عبر مراجعة تقييم مخاطر المناطق  البحرية خلال كل سنتين  مع الحرص على  التوعية  بالمجال البحري  بتطوير  فهم  النشاط  البحري  وتعزيز  المراقبة الجوية  واستثمار  المعطيات و المعلومات التي يتيحها المركز  الوطني  للمعلومات البحرية  والوكالة الوطنية  لخفر السواحل.

كما تتجلى مهمة التأثير في دعم الاستراتيجية البحرية لحلف الناتو والانخراط في تطوير استراتيجية الأمن البحري بالاتحاد الأوروبي وتقوية التعاون عبر مبادرات الأمن الإقليمي من خلال النشاط الدبلوماسي وتقوية المؤسسات الإقليمية، ومأسسة نظام دولي قائم على القواعد لتشجيع الممارسات القانونية في إطار احترام أحكام اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار وحماية المنطقة البحرية البريطانية. ويظهر بأن الوقاية تتجسد في تقوية التعاون الدولي لبناء قدرة بحرية قوية، والمساهمة في بناء القدرات وتعزيز حضورها عبر إنشاء مجال بحري آمن وتوقع مناطق عدم الاستقرار، مع الحرص على تأثيرها (التأثير) في الأمن البحري مستقبلا من خلال الابتكار   لتطوير التكنولوجيات الحديثة في مجال الفحص والكشف الأمني لمواجهة   التهديدات البحرية المستقبلية.

ويتأسس الرد في الاستراتيجية الأمنية البريطانية، على الردع والمنع القائم على التنسيق التكتيكي   والميداني في مجال التعاون بين القوات البحرية ووكالات تنفيذ القانون، مع الاعتماد على البحث والتطوير والاستحواذ المشترك لبناء قاعدة بيانات مشتركة ومتناسقة حول الأمن البحري.

الخلاصة الثالثة عشر: تدخلات الفاعل العمومي في النشاط البحري لازلت فقط تأخذ شكل “مخطط” أو “برنامج” أو “استراتيجية” وهي في الحقيقة تدخلات قطاعية أحادية الجانب، ولا يمكن أن تنزل بأي حال من الأحوال إلى منزلة   استراتيجية بحرية   مندمجة تضمن انسجام والتقائية تدخلات الفاعل العمومي في النشاط البحري.

الخلاصة  الرابعة عشر: تضمنت  خريطة التكوين   خلال  الموسم  الجامعي  عدم  تجاوز  التعليم  العالي  لنسبة  15% من مجموع المسجلين،  أمام  هيمنة  مستوى  التأهيل  ومستوى   التخصص على مختلف  شعب التكوين،  بما يظهر معه  بكل موضوعية غياب تصور   للتكوين  يركز  على تأهيل  الرأسمال البشري  في  المهن  والصناعات البحرية والقطاعات  الواعدة  كتربية  الأحياء  البحرية  التي  لم تتجاوز خلال سنة   2020/2019  لما مجموعه ستة عشر طالبا أي  بنسبة   1%  من مجموع المسجلين، بما يوحي إلى وجود  إشكال حقيقي في  التأطير والتوجيه  نحو  مهن  البحر الواعدة، ونفس الملاحظة  يمكن  إسقاطها على شعب  الصناعات  البحرية  وتثمين  المنتجات  البحرية  التي  لا تتجاوز  نسبة خريجها  2%  من  مجموع  الخريجين.

الخلاصة الخامسة عشر: يلاحظ اعتماد مجموعة من المصطلحات من قبيل “مخطط”؛ “برنامج”؛  “استراتيجية”، بما يجعلنا نتساءل هل هناك نسق مفاهيمي محدد لكل عبارة أم أنها تنصرف  لوجه  واحد،  وبالعودة إلى  استراتيجية تنمية  الأحياء  البحرية  وإحداث  الوكالة  الوطنية  لتنمية  تربية  الأحياء  البحرية منذ  10 سنوات، فإن ذلك يجعلنا نسائل حصيلتها في  النهوض  بهذا  القطاع  وتقوية  مكانة  المملكة المغربية. وقد تبين اعتمادا على مؤشر”index mundi”[1] أن أعلى إنتاج سجل بالمغرب خلال سنة  1999  بمجموع  2.793 طن متري بينما سجل  في سنة 2018  حوالي  1.266.91 بما يضعه في  الرتبة  121 عالميا،  أي أن تونس تتجاوزه لتحتل الرتبة  55 عالميا  بمعدل  إنتاج وصل  سنة  2018  إلى  21.826.88  طن  متري، بما يجلنا  نتساءل  هل  وضعية قطاع تربية   الاحياء  بالمغرب  كانت خلال  سنة  1999  أحسن  من وضعيتها  خلال سنة  2018،  أي  بعد  إطلاق ما يسمى  “مخطط  أليوتيس”  وإحداث  الوكالة الوطنية  لتنمية  الأحياء  البحرية  وإعداد استراتيجية  لتقوية  الاستثمارات  في هذا القطاع. ومن تم فإن هذه المعطيات تجعلنا نتساءل عن نجاعة المخطط والوكالة المذكورة واستراتيجيتها في النهوض بقطاع تربية الأحياء البحرية وتطوير القطاع باعتباره   بديلا واعدا من شأنه أن يضمن استدامة الثروة البحرية، مع الإشارة كذلك أن مصر تحتل المرتبة الثامنة دوليا في ترتيب الدول الكبرى العشر في قطاع تربية الأحياء البحرية قبل النرويج واليابان.

إن هذه الخلاصة تساءل قطاع تربية الأحياء البحرية بالمغرب أمام مجال بحري يقدر بحوالي 3500 كلم، يتجاوز بكثير المجال البحري المصري الذي يقدر ب 995 كلم بالبحر الأبيض المتوسط و 1941 كلم بالبحر الأحمر أي بمجموع 2936 كلم، والمجال البحري التونسي الذي يقدر بــ 1320 كلم.

الخلاصة السادسة عشر: تم الارتكاز في قراءة المخطط الوطني للساحل على مقاربةSMARTIE ولاسيما العنصر القائم  على  تحديد  الأهداف  « SPECIFIC » حيث لوحظ  بأن  المخطط  المذكور  يقوم  على  ستة محاور  وعشرين  هدفا  استراتيجيا وهي أهداف  استراتيجية  صيغت بطريقة غير محددة وغير دقيقة بشكل يسمح بتأويلها بطرق مغايرة حسب الأشخاص والهيئات والمتدخلين، فضلا عن غياب مؤشرات دقيقة للتتبع  والتشخيص  حيث  تمت صياغة مؤشرات عامة  غير دقيقة  لا يمكن معها معرفة ما هو المؤشر الذي  سيتم اعتماده  لقياس  هدف  استراتيجي  معين، أم أن جميع  المؤشرات الواردة في  المخطط قابلة  للقياس  والاسقاط على  جميع  الأهداف  المذكورة؟

الخلاصة السابعة عشر:  معظم  الأنشطة التي  يعنى بها التخطيط  المجالي البحري   تمت الإشارة إليها في   متن هذا البحث، غير أن ما تم تسجيله  أن كل نشاط  من هذه  الأنشطة  مشمول بتدخل  قطاع  وزاري  في  إطار  ممارسة اختصاصاته أو مجال تدخل مؤسسات ومقاولات عمومية في إطار “برامج”؛ “سياسات”؛ “استراتيجيات”  بينما يقتضي  التدبير  المندمج  للأنشطة البحرية   في إطار التخطيط  المجالي  البحري  توحيد  جهود مختلف المتدخلين  و الفاعلين  في  إطار رؤية  واحدة و متكاملة  الأركان، بما يقتضي  ضرورة  العمل في  إطار  استراتيجية وطنية  مندمجة حسب التوصيف  الذي ينسجم  ومفهوم  الاستراتيجية  في  بعدها العام.

وحري بالذكر أن التحليل، قادنا إلى بسط التخطيط المجالي العابر للحدود الذي يؤدي إلى مأسسة التعاون التقني والشراكة لتحقق تطابق التدخلات والبرامج وتدبير الأنشطة البحرية بالبحر بما يعود بالنفع المشترك على الدول المتقابلة أو المتلاصقة التي تربط بينها حدود بحرية، كجزء من الإجراءات المؤقتة الذي تؤطره المادتين 74 و83 من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار.

وهو المدخل الذي استلهمنا منه نموذجا لبناء تصور أولي حول ظروف تطبيقه، من خلال تشكيل منطقة تنمية مشتركة من قبل المملكة المغربية وإسبانيا، وهي المنطقة التي  تشمل  المنطقة  الاقتصادية  الخالصة المشتركة و البالغ عرضها حوالي 33 ميل  بحري،  على أن يحتفظ  الطرفان بممارسة  كامل  ولايتهما  القضائية في  البحر الإقليمي  الذي  يبلغ 12ميلا بجريا،  وأن يتم  تقسيم  منطقة  التنمية  المشتركة  إلى أربع  مربعات متساوية  الأقطار  والمسافة،  على أن يبدأ الاستغلال  المشترك من المربع الأولى إلى المربعات  الأخرى على التوالي  ويمكن ترك مربع للتنمية المستقبلية، على أن يتم تقاسم الموارد  الطبيعية  والمعادن  المستكشفة  وإن كانت  بأقرب  نقطة  من حدود  المجسم بجزر الكناري، والشيء نفسه بالنسبة للمملكة المغربية في إطار اتفاقية ثنائية للاستغلال  والاستكشاف  والتدبير بين  الطرفين.

ومن جهة أخرى، فقد كان تحليل هذا الموضوع مناسبة من أجل استثمار بعض التجارب المقارنة المومأ إليها في متن التحليل لتقديم مداخل استشرافية لبناء استراتيجية وطنية للأمن الإقليمي، تساهم في بناء منظور إقليمي للأمن البحري الأطلسي.


[1]  يراجع ترتيب الدول في قطاع تربية الأحياء البحرية حسب المؤشر المذكور على الرابط التالي:

https://www.indexmundi.com/facts/indicators/ER.FSH.AQUA.MT/rankings   consulté le 14/12/2023 à 12h49min.