السياسة الدينية بالمغرب: دراسة في مرتكزات تدبير الحقل الديني

بتاريخ 20 ابريل 2024 ناقش الباحث عبد الله لقمان أطروحته لنيل شهادة الدكتوراه في القانون العام، تخصص العلوم السياسية، وحدة التكوين والبحث، القانون الدستوري وعلم السياسة ، تحت عنوان ”السياسة الدينية بالمغرب : دراسة في مرتكزات تدبير الحقل الديني”

“Religious policy in Morocco: A study of the foundations of management of the religious field”.

أمام لجنة علمية مشكلة من أساتذة التعليم العالي :الدكتور محمد الشافعي رئيسا، الدكتور البشير المتاقي مشرفا، الدكتور عبد الاله امين عضوا ومقررا ، الدكتور العربي بلا عضوا ومقررا، الدكتور محسن الاحمدي عضوا ومقررا والذي اعتذر عن الحضور، بعدما وضع تقريرا إيجابيا عن الاطروحة الدكتور عبد السلام طويل عضوا، الدكتورة إكرام عدناني مسيرة عضوة وبعد المداولة قررت اللجنة العلمية قبول الأطروحة بميزة مشرف جدا. وفيما يلي تقرير حول هذه الأطروحة التي قدمها الباحث.

ملخص الدراسة

يعتبر الحقل الديني المغربي المعاصر حقلا معقدا، يتداخل في تشكيله الماضي والحاضر، لذلك سعت الدولة الى جعله حقلا مغلقا ومجالا محفوظا من خلال فرض مرجعيات دينية تعبر عن ثوابت ما يسمى ” الاسلام المغربي” ، وتقوم المؤسسة الدينية الرسمية بتصريفها عبر اليات قديمة وحديثة ( المسجد، الاعلام…)

تروم السياسة الدينية إلى جعل الحقل الديني في خدمة الحقل السياسي بحيث يتم توظيفه لتحقيق رهانات الحقل السياسي وفي مقدمتها رهان المشروعية.

يواجه الحقل الديني عدة تحديات مرتبطة بتحولات في المجتمع المحلي والعالمي تؤثر في أنماط التدين السائدة، وفي مقدمتها تحدي العولمة الدينية.

Abstract

Morocco’s contemporary religious field is a complex, the past and present play an important role in its composition, for that The State seeks to make it a closed field and a preserved area by imposing religious references which reflect the constants of the so-called “Moroccan Islam”.

The official religious institution disseminates theses constants through ancient and modern mechanisms (mosque, media…).

Religious policy aims to control the religious field and make it in the service of the political field, so that it is employed to achieve the goals of the political field, foremost among them, the bet of legitimacy.

The religious field faces several challenges with internal and external transformations affecting prevailing religious patterns, notably the challenge of religious globalization.

الكلمات المفاتيح:

التدبير، الحقل، الدين

Keywords:

Management, Field, Religion.

الإطار العام

. يعد الدين قديم قدم الإنسان، فكما ان الإنسان كائن اجتماعي وسياسي بطبعه فهو كائن ديني ، حيث يقدم الدين اللغة اللازمة للخطاب الدائر حول علاقات البشر بعضهم ببعض.

عملت الحداثة على إحداث قطيعة بين الدين والحكم، حيث اعتبر الفكر الأوروبي الحديث  المشروعية العقلانية السمة الأساسية للحداثة السياسية، من خلال نزع السحر عن العالم – بتعبير ماكس فيبر- ، وتجاوز المرحلتين اللتين كان فيهما الدين وقوى الطبيعة وسيلة لتبرير طاعة الحاكم.

لم يسلم المسلمون من صدمة الحداثة حيث وجدوا أنفسهم قاطنين في دول قومية بحدود جغرافية محددة وفرضت عليهم الحداثة الاعتقاد بوطن يقدمون له الولاء ويقاتلون من اجله.

احدث أحداث القرن العشرين تحولات طرحت أسئلة حول صلاحية مجموعة من المفاهيم أطرت الفكر الغربي، وبرز فكر النهايات والمابعديات (  نهاية الايديولوجية، ما بعد الحداثة، ما بعد العلمانية ..) وأثير موضوع إعادة السحر للعالم وحضور الدين في المجال العام ووجه النقد للنظرية التطورية التي حصرت اثر الدين في المرحلة البدائية للفكر الإنساني، وقد تجسد هذا الحضور من خلال مجموعة من الاحداث ( دور الكنيسة في ثورات امريكا اللاتينية منها: الثورة السندسية في نيكارغوا، تاثير البروتستانت في النشاط السياسي في الولايات المتحدة…) وواكب ذلك نقاش أكاديمي وسياسي يدعو الى التعايش مع الدين، والترافع عن حق الفاعلين الدينيين في التعبير عن ارائهم في الفضاء العام ومشاركتهم في العملية الديمقراطية. 

 رفض البعض ( اوليفييه روا) فكرة عودة الدين على اعتبار انه لم يكن هناك اختفاء للدين فهناك اعادة صياغة للديني مع إحداث قطيعة مع الممارسات الدينية المهيمنة، وتراجع المؤسسة الدينية والجماعات الدينية المهيكلة وتعويض ذلك بممارسات فردية ( الخوصصة الدينية).

كان لهذه التحولات اثر في التدين الإسلامي بشكل عام والتدين المغربي بشكل خاص، حيث طرح من جديد النقاش حول العلاقة بين الدين والسياسة،

يؤكد الدين حضوره المستمر في تدبير الشأن العام بالمغرب ( لا تتم سلطة السياسي إلا عندما يدعمها الديني) وقد كان هذا الحضور جليا في لحظة الأزمات، حيث جسد الدين هوية جماعية ضد الاحتلال، وتبرز الأحداث ما بعد الاستقلال استمرار هذا الحضور وتعتبر مكانة الدين في الدستور اكبر مؤشر على ذلك.

 رسخت هذه المكانة الوعي بضرورة دراسة الدين كمعطى سوسيولوجي لفهم سلوك الافراد والجماعات على اعتبار ان القيم الدينية تربطها علاقة جدلية بالتطورات والتغيرات التي تحدث داخل المجتمع المغربي، مع القناعة بكون الدين الاسلامي له القدرة على مسايرة التحولات المعاصرة لما يملكه من إمكانيات التجديد والقدرة والتكيف مع العالم الحديث بتعبير ارنست غلنر.

أهمية الموضوع

انطلاقا من مما سبق  تبرز أهمية الموضوع، فهناك دينامية داخل الحقل الديني المغربي، من خلال صراع المرجعيات التي تفتح المجال لتعدد التأويلات للتكيف ومسايرة التحولات، وهذا ما يعطي للرأسمال الديني قيمة حيث برزت قوته من خلال مجموعة من الأحداث منذ 1956 إلى 2011.

وهناك دافع ذاتي لا يقل أهمية عن الدافع الموضوعي ويتمثل في الرغبة في استكمال مشوار بحثي في هذا الحقل العلمي، بعد انجاز دبلوم الدراسات العليا المعمقة سنة 2007 في موضوع ” إعادة هيكلة الشأن الديني بالمغرب، حيث تبين لي ان البحث في الحقل الديني معقد يتداخل فيه الماضي والحاضر وما تزال مفاهيم كان لها دور في التاريخ السياسي الإسلامي ( الفتنة، الحاكمية، أمارة المؤمنين، الطاعة، الردة، الجماعة، الجهاد، الامر بالمعروف والنهي عن المنكر…) تشكل الرأسمال الرمزي الموجه للحقل الديني المغربي المعاصر.

تحديد الموضوع

يعد تحديد الموضوع مرحلة أساسية بعد اختياره على اعتبار ان هذا الاختيار لا ينبع من تفكير بارد بل من أهميته، ويعتبر النجاح في التحديد مهما في اختيار منهج الدراسة، انطلاقا مما سبق فموضوع هذه الأطروحة يتحدد في تدبير الحقل الديني بالمغرب ما بين 1956 و 2011، ويتمفصل من جهة حول التركيز على توجهات الدولة المعبرة عنها في السياسة الدينية المنظمة للمؤسسات الدينية التي تتولى وظيفة التاطير الروحي والمذهبي للمجتمع، ومن جهة ثانية حول مواقف وسلوكات الفاعلين الدينيين واللادينيين المساهمين والمؤثرين في تدبير هذا الحقل المعقد وتتبع الصراع والتحالفات داخله وتحولات استثمار الرأسمال الديني حسب السياقات في الفترة المدروسة.

الاطار المفاهيمي: هناك ثلاث مفاهيم مفتاحية اساسية:

أ– مفهوم التدبير:

ظهر هذا المفهوم عند اليونان وكان يقصد به السياسة ( (la poltique وهذا المعنى يوافق الترجمة العربية القديمة للسياسة حسب المرحوم محمد عابد الجابري وهذا هو المدلول الذي تم تبنيه في هذه الأطروحة وعليه فنقصد بتدبير الحقل الديني السياسة المتبعة في تنظيم وضبط الحقل الديني.

ب – مفهوم الحقل:

تربط الباحث المشتغل بدراسة الشأن الديني علاقات بالمكان والجماعات والأفراد ولفهم وتفسير تلك العلاقات يستعمل عدة مفاهيم منها: المجال، الفضاء، المشهد والحقل، ونرى ان مفهوم الحقل له قوة تفسيرية أكثر من غيره ويستوعب المفاهيم الأخرى فهو يستحضر الفضاء والمجال الذي تنسج فيه التحالفات وتوضع الرهانات ويعطي أهمية للمشهد الديني المليء بالطقوس الممارسة داخل الفضاءات الدينية

ظهر مفهوم الحقل على يد السوسيولوجي ” بيير بورديو” الذي يمثل عنده تشكلا علائقيا له جاذبية يفرضها على الموضوعات والفاعلين الذين يلجونه، وهو نتاج مسار تاريخي يعكس علاقات القوى بين الفاعلين أفرادا وجماعات ومؤسسات، وهو فضاء صراعي بين من يسعى لإعادة إنتاج موازين القوى القائمة، وهم أصحاب المناصب في مواجهة الوافدين الجدد والطامحين من القدماء، الهامشيين المقصيين من المؤسسة الرسمية، الراغبين في خلق موازين بديلة،

يتحدث بورديو عن مجموعة من الحقول ويعتبرها عوالم صغرى داخل العالم الاجتماعي، ويعتبر الحقل الديني احد هذه الحقول لكن له برأسماله الخاص به يسمى الرأسمال الديني يمتلكه ويستثمره الفاعلون وفق ما تسمح به العادات والسنن المكتسبة ( الهابيتوس) المنظمة لقواعد العمل داخل الحقل والتي يشبهها بورديو بقواعد لعبة الشطرنج.

وهناك نوعين من الصراع: داخلي بين الفاعلين في الحقل الديني للتموقع والتحكم في قواعد اللعبة داخله، وصراع خارجي حيث يسعى الفاعلون للحفاظ على هذا الحقل وتقوية نفوذه في  مواجهة الحقول الأخرى، ويدخل في علاقات تأثير وتأثر معها وفي مقدمتها الحقل السياسي.

ج – مفهوم الدين:

يعتبر الدين لغة من بين لغات اخرى يستعملها الانسان لتمثل وجوده وهو أداة للتواصل ووسيلة لتحصيل المعرفة، وهو بذلك ينشي لدى الأفراد والجماعات معان حول الذات والأخر وحول العالم، وقد اهتم الفلاسفة بالدين بما فيهم فلاسفة الحداثة، اذ اعتبره هيجل محل الحقيقة السرمدية، واهتم به علماء الاجتماع باعتباره مجموعة من التصورات التي يبلورها الفرد أمام كائن أعلى أو قوة خارقة، وهذه التصورات يصوغ من خلالها الأفراد علاقاتهم بالعالم.

تم تحديد الدين من منظور علم الاجتماع من خلال خمس مستويات: الاعتقاد، الممارسة الشعائرية، المعرفة، التجربة والانتماء. وعلى ضوء هذه المستويات الخمس يتم قياس التدين الذي يعبر عن تجلي الدين في الواقع الاجتماعي.

اذا كان موضوع الدين كمعيار هو موضوع للدراسة بالنسبة للفلاسفة واللاهوتيين فان الدين كممارسة اجتماعية (التدين) هو موضوع البحث في العلوم الاجتماعية وهو المقصود في هذه الأطروحة حيث انصب اهتمامنا على التدين كمجموعة من الأفكار والممارسات الدينية التي تعتبر نتاج التفاعل بين الدين كمعيار والعالم المعيش، حيث تتشكل مجموعة من أنماط التدين يتم التعبير عنها من طرف الفاعلين كرأسمال رمزي يكون موضوع التملك والاستثمار في الصراع داخل الحقل الديني لتحقيق رهاناته.

التراكم المعرفي:

بدأ البحث في التدين المغربي منذ القرن 19 حيث اهتمت الأبحاث الكولونيالية بالإسلام المغربي في إطار تسهيل السيطرة الاستعمارية، وقد تم نشر مجموعة من هذه الأبحاث في القرن العشرين من بينها: بحث حول السحر والدين بافريقيا الشمالية ل ادموند دوتي، الاسلام في بلاد البربر ل الفريد بيل، مجمل التاريخ الديني للمغرب ل جورج دراك، بحث حول عبادة الاولياء في الاسلام المغربي ل اميل درمنغن، وبحث جاك بيرك البنيات الاجتماعية في الأطلس الكبير …الخ

وقد خلصت هذه الأبحاث الى مجموعة من الأطروحات حول الإسلام المغربي يمكن إجمالها في ثلاث: هناك تعارض بين الإسلام الشرعي والإسلام الشعبي، الأولياء والأضرحة في المغرب صورة من صور الآلهة الوثنية القديمة للأمازيغ في شمال إفريقيا، الإسلام الشعبي يجسد الروح الإستقلالية للمجتمع المغربي.

بعد الاستقلال اهتمت الدراسات الانجلوسكسونية بالحقل الديني المغربي ونذكر في هذا الصدد:

صلحاء الاطلس ل ارنست غلنر ، الاسلام ملاحظا ل كليفورد غيرتز ، الاسلام في المغرب في جزءين والمعرفة والسلطة في المغرب ل ديل ايكلمان دون ان ننسى  مؤلف جون واتربوري امارة المؤمنين، الملكية والنخبة السياسية المغربية.

كما اهتم مجموعة من الباحثين المغاربة بالموضوع ونذكر هنا كتاب الشيخ والمريد لعبد الله حمودي، الملكية والإسلام السياسي في المغرب ل محمد طوزي، كما اهتم الباحث محمد ضريف بالحقل الديني المغربي من خلال دراساته المتعددة خصوصا في مجال الاسلام السياسي والاسلام الشعبي، نذكر منها مؤسسة الزوايا بالمغرب، الإسلام السياسي في المغرب، جماعة العدل والإحسان قراءة في المسارات…، وصدر له في سنة 2020 كتاب الحقل الديني المغربي: ثلاثية السياسة والتدين والأمن. وساهم الباحث حسن أوريد في هذا التراكم بإصدار مؤلف سنة 2020 تحت عنوان ” السياسة والدين في المغرب: جدلية السلطان والفرقان.

ونوقشت بالجامعات المغربية مجموعة من الاطاريح نذكر مجموعة منها نوقشت في الالفية الثالثة: السياسة الدينية لوزارة الأوقاف والشؤون الاسلامية ما بين 1984 2002 للباحث سليم حميمنات ( كلية الحقوق بالرباط)، السياسة الدينية الجديدة بالمغرب للباحث ماموح عبد الحفيظ ( كلية الحقوق بسطات)، واشتغلت بعض الاطاريح على موضوع الاسلام السياسي منها: الحركة الاسلامية والمشاركة السياسية بالمغرب، حركة الاصلاح والتوحيد وحزب العدالة والتنمية نموذجا للباحث البشير المتاقي ( كلية الحقوق بمراكش)، الاسلاميون والسلطة ورهانات العمل السياسي مساهمة في رصد مسار الادماج السياسي لاسلاميي المغرب للباحث رشيد مقتدر ( كلية الحقوق بالدار البيضاء)، الملكية والجماعات الاسلامية دراسة في استراتجيتي الاستيعاب والاستبعاد في النظام السياسي المغربي نموذج جماعتي التوحيد والاصلاح والعدل والاحسان للباحث عمر الشرقاوي( كلية الحقوق بالرباط)، الدولة في خطاب الجماعات السياسية الاسلامية بالمغرب للباحث محمد الشيخ بنان ( كلية الحقوق بمراكش)، واهتمت بعد الاطاريح بالاسلام الشرعي نذكر منها اطروحة الباحث الحسين اولباز في موضوع العلماء والسلطة السياسية بالمغرب دراسة في تحديد العلاقة وطبيعة الادوار ( كلية الحقوق بمراكش)

كما انجزت مجموعة من البحوث الميدانية والتقارير حول الحقل الديني، ومن أهم خلاصات هذه  البحوث والتقارير أن التنشئة الدينية بالمغرب هي نتاج سجلات متعددة ومتداخلة وهذا يفسر خاصية التعقيد التي تميز الحقل الديني بالمغرب، وحدة الصراع المتأتية من كون الدين في المغرب من اهم قنوات تصريف السلطة.

اشكالية البحث

من خلال التراكم المعرفي في الموضوع الذي ابرز التعقيد الذي يشهده الحقل الديني سعت هذه الأطروحة إلى البحث في اشكالية قدرة الدولة في التحكم في قواعد اللعبة داخل الحقل المعقد وجعله مجالا محفوظا ومغلقا، واستراتيجيات باقي الفاعلين للتعامل مع آلية الإدماج والإقصاء التي انتهجها الإسلام الرسمي لتحقيق رهاناته.

وقد تفرغت عن هذه الإشكالية مجموعة من الأسئلة: هل نجحت الدولة في فرض مرجعيات ما تسميه الإسلام المغربي؟  ماهي الآليات المتبعة لتصريف السياسة الدينية من طرف الفاعل الرسمي وكيف وظف باقي الفاعلين هذه الآليات للتموقع داخل الحقل الديني ، هل استطاع  الحقل الديني استيعاب التحولات الداخلية والخارجية مع الحفاظ على استقرار قواعد اللعبة ؟ ماهي أهم الاجابات التي قدمها الحقل الديني الرسمي والمضاد للاجابة على طلبات الأفراد والجماعات في السوق الدينية المحلية وكيف تم التعامل مع الرهانات الكبرى في مقدمتها المشروعية، الحداثة والديمقراطية؟

فرضيات البحث

حاولت هذه الأطروحة الإجابة على الإشكالية من فرضيتين:

تدافع الفرضية الاولى على نجاح الدولة في وضع مجموعة من التدابير لتوفيق بين الحاجيات والرهانات في مقدمتها تقوية مشروعية النظام السياسي والحيلولة دون تغيير قواعد اللعبة داخل الحقل الديني حيث تمكن الفاعل الديني الرسمي من الحفاظ على حقل ديني مغلق ومن مؤشرات هذه الفرضيات نجاح الدولة في إدماج مجموعة من الفاعلين داخل المؤسسة الدينية الرسمية .

وترى الفرضية المضادة ان السياسة الدينية فشلت في ضبط الحقل الديني بشكل ناجع وفعال ومن مؤشرات ذلك صعوبة الحفاظ على التحالفات التي تكون ظرفية تتغير بتغير الظروف السياسية وهو ما يؤدي إلى اضطراب في قواعد اللعبة.وينتج عن ذلك تقلبات داخل الحقل الديني

المنهج المتبع

تتداخل داخل دراسة الحقل الديني العديد من الحقول المعرفية (علم التاريخ، وعلم السياسة وعلم الاجتماع وعلم الاديان…)، لذلك فقد تم تبني لمعالجة اشكالية هذه الأطروحة مقاربة تكاملية مع استحضار الشرطين العام والخاص في تحليل وفهم المواقف والقرارات الصادرة عن الفاعلين المساهمين والمؤثرين في قواعد اللعبة داخل الحقل الديني.

وكنواة صلبة في التحليل والفهم واستنتاج الخلاصات تم اعتماد مفهوم الحقل عند بيير بورديو كنموذج تحليلي ( براديغم) في كل محاور الأطروحة من خلال البحث في الحقل الديني كنسق فرعي في علاقته بالحقل السياسي كنسق مركزي.

خطة البحث

تم تناول موضوع هذه الاطروحة في قسمين مع فصل تمهيدي:

  • الفصل التمهيدي: عبارة عن نبذة تاريخية موجزة للحقل الديني المغربي في مرحلة ما قبل الاستقلال، تم فيه ابراز علاقة الفاعل الديني بالسلطة السياسية وتبين من خلال مجموعة من الأحداث التاريخية دور الماضي في توجيه الحقل الديني المعاصر، وان تعقيد هذا الحقل وتقلباته سمة ملازمة له طيلة مسار تشكله

وقد استوعبت سلطات الحماية هذا التعقيد والصراع بين الإسلام الشرعي والاسلام الشعبي، وقدرة مؤسسة السلطان الشريف في الحفاظ على التوازن بين النمطين من التدين المكونين للإسلام المغربي، لذلك وضع الجنرال ليوطي ما سماه السياسة الإسلامية ” انني لم اضبط المغرب لحد الان الا من خلال سياسة اسلامية وانا متاكد ان هذه السياسة هي الانجع….) حيث ركز على ثلاث مقومات: المحافظة على العوائد الدينية، توظيف العلماء في اللجان المكلفة بعقلنة المؤسسات الاسلامية ومساهمتهم في تحديث المغرب، تحجيم دور الزوايا  وتوظيفها لإضعاف السلطان وضرب الحركة الوطنية

وقد قامت سلطات الحماية بدراسات حول الزوايا والتصوف، ودراسة حول الوهابية ومدى قدرتها لإقصاء المذهب المالكي

اعتمدت الحركة الوطنية على الحقل الديني للتعبئة في مواجهة الاستعمار ( مقاطعة صلاة الجمعة، عدم الاحتفال بعيد الأضحى…).

من خلال هذه النظرة الموجزة لمرحلة ما قبل الاستقلال طرحنا السؤال حول تاثير هذه المرحلة على الفترة المدروسة وهذا تبين لنا من خلال قسمي هذه الاطروحة.

  • القسم الاول: مرجعيات واليات تدبير الحقل الديني 

       تبين من خلال هذا القسم الحضور القوي للمذهب المالكي مقارنة مع باقي المرجعيات سواء منها المشكلة للإسلام الرسمي او المرجعيات المنافسة

اتضح ايضا ان الصراع بين هذه المرجعيات ليس مسلمة بل يخضع لطبيعة السياق السياسي حيث شهدت مرحلة الستينات وبداية السبعينات نوع من التحالف مع جميع المرجعيات الدينية في مواجهة فاعل علماني حداثي ( مواجهة اليسار المتحالف مع المد القومي)

التحالف بين المالكية والوهابية في مواجهة التشيع والإسلام السياسي مع تحييد الأشعرية والتصوف بعد نجاح الثورة الايرانية مع توظيف التصوف في اطار الدبلوماسية الناعمة خصوصا بعد انسحاب المغرب من منظمة الوحدة الافريقية سنة 1984.

تحالف بين الاسلام السياسي والإسلام الرسمي ( المالكية، الاشعرية والتصوف) في مواجهة التيار الحداثي في التسعينات والالفية الثالثة ( الخطة الوطنية لادماج المرأة في التنمية)، مع حضور قوي للتصوف في الالفية الثالثة كمدخل اساسي في تحديث الإسلام وتخليق الحداثة حيث تم دعم التصوف داخليا وخارجيا كخطاب يدعي امتلاك الصلاحية في هذه المرحلة مع  شرط تجاوز الطرقية

على مستوى الاليات بقي للمسجد  دوره الفعال كفضاء لتصريف الخطاب الديني، وقد حاولت الدولة احتكاره ومنع باقي الفاعلين من ولوجه

وشجعت الدولة التعليم الديني في الستينات لمواجهة التيار العلماني ( التعليم العتيق، اعادة هيكلة جامع القرويين، انشاء دار الحديث الحسنية) ومنذ السبعينات ظهرت دور القران التي سعت لنشر المرجعية الوهابية ومواجهة التشيع والتصوف الذي ينتجه التعليم العتيق، كما عمل الاسلام السياسي منذ الثمانينات على تعويض اقصائها من المسجد بإحداث الجلسات التربوية داخل، جلسات تم فيها إعادة إنتاج المرجعية الاخوانية

ومن الاليات التي تم توظيفها لتصريف خطاب الاسلام الرسمي خطبة الجمعة التي بقي لها دور مركزي في الحفاظ على مرجعيات الاسلام الرسمي وقد عملت على ضبطها من خلال ( خطب موحدة، توقيف الخطباء، وضع ضواط للخطبة.)

الوعظ والإرشاد بقي مفتوحا مع بداية الاستقلال لكن الصراع مع الإسلام السياسي جعل الدولة تمنع مجموعة من الوعاظ من توظيف هذه الآلية في مقدمتهم عبد السلام ياسين الذي كان يقدم دروسا للوعظ والإرشاد  بأحد مساجد مدينة مراكش،.وبالمقابل شجعت التيار السلفي الذي كان يقدم هذه الدروس بدور القران وفي بعض المساجد

تم تنظيم الوعظ والإرشاد في الالفية الثالثة في اطار عملية ماسسة وتاميم الحقل الديني ( دليل الامام والواعظ والخطيب) وقد تراجعت جاذبية الوعظ التقليدي مع تطور الاعلام الديني

يمكن الحديث عن الاعلام الديني منذ الاستقلال ( مجلة دعوة الحق، برامج الاذاعة والتلفزة، الدروس الحسنية…) لكن على العموم كان هناك ضعف للاعلام الديني الرسمي ونفس الشيء بالنسبة للاسلام السياسي وباقي الجماعات الاسلامية.

مع الالفية الثالثة حاولت الدولة تطوير الاعلام الديني مع مشروع اعادة هيكلة الشأن الديني لكنه بقي دون يستطيع الاستجابات للطلبات في السوق الدينية المحلية مقارنة مع القنوات الفضائية المشرقية.

ساهم الاعلام الديني في بروز ظاهرة الدعاة الجدد في وسائل التواصل الاجتماعي ( ياسين العمري…) وهو ما فتح الحقل الديني أمام نمظ جديد من التدين الإسلامي اطلق عليه اسم “اسلام السوق”

وتعتبر الفتوى من اخطر الآليات لاستثمار الرأسمال الديني وقد مرت بمرحلتين

مرحلة حرية الفتوى في القضايا العامة وهي استمرار لما كان سائدا في مرحلة ما قبل الاستقلال وقد استعملت لمواجهة الخصوم ( اليسار، الإسلام السياسي) وفي هذه المرحلة كانت هناك مبادرات لمأسسة الفتوى مع اعلان رابطة علماء المغرب في مؤتمرها في شتنبر 1960 على انه من مهامها اصدار الفتاوى في كل ما يهم الاتجاه الديني للدولة كما تمت الاشارة في ظهير انشاء كتابة الدولة في الشؤون الاسلامية سنة 1961 الى انشاء هيئة للفتوى مقرها بالرباط، وفي الألفية الثالثة سيتم تنظيم وتأميم الفتوى في القضايا العامة من خلال انشاء هيئة خاصة للفتوى بالمجلس العلمي الاعلى.

لم يمنع إنشاء هيئة خاصة للفتوى الخواص من الإفتاء في القضايا العامة خارج رقابة الدولة مستفيدين من الإعلام الديني المعولم.( فتوى القرضاوي في جواز اقتراض المغاربة من البنوك قياسا بوضعية المسلمين في البلاد غير الاسلامية، فتوى المغراوي بجواز تزويج الفتاة القاصر..)

تم تناول في هذا القسم ايضا الية الإدماج والإقصاء في مواجهة الجماعات الإسلامية:

– الحركة السلفية كانت جزء من التحالف الديني ضد الخصم اللاديني ( اليسار العلماني) وتقوى هذا التحالف في الثمانينات في مواجهة الاسلام السياسي ، واستمر التحالف في فترة التسعينات في اطار جهود الدولة للحد من أثار موجة حقوق الإنسان، وانفض التحالف في الالفية الثالثة بعد الاحداث الارهابية ( 11 شتنبر 2001 ، 16 ماي 2003)، حيث ولد مولود جديد من رحم السلفية الوهابية في ظروف حرب الخليج التي ظهرت تحولات في فكر الحركة السلفية في المشرق خصوصا في العربية السعودية، اذ برز تيار تاثر بالفكر القطبي واستفاد من الجهاد الافغاني ويدعو الى طرد الكفار من بلاد المسلمين ( جهاد العدو البعيد) أطلق على هذا التيار اسم السلفية الجهادية وانبثق منه تيار يدعو إلى الخروج عن الحاكم الكافر( المرتد/العدو القريب) السلفية التكفيرية وقد تأثرت السلفية المغربية بهذه التحولات وظهر ممثليها في الحقل الديني المغربي ( الفيزازي، الميلودي، الشادلي، أبو حفص …) وقد قامت الدولة باقصاء الفاعل السلفي من المشهد الديني من خلال منعهم من الارشاد الديني والخطابة في المساجد كما قامت باغلاق دور القران كفضاء يتم فيها اعادة انتاج الفكر الوهابي.

بعد احداث الربيع العربي تغيرت استراتيجية الدولة حيث عملت على تجاوز المقاربة الامنية واستراتيجية الاقصاء وتم ادماج مجموعة من الفاعلين السلفيين – بمن فيهم من اعتبروا منظري السلفية الجهادية التكفيرية-  في المؤسسات الدينية الرسمية ( الفيزازي، ابو حفص، الحسين ايت سعيد….)

– الحركة الاسلامية ، كانت الشبيبة الاسلامية جزء من التحالف في مواجهة اليسار في عقد الستينات ( الشبيبة الاسلامية) لكن هذا  التحالف  انفض بعد حدث الثورة الايرانية، واستمر الصراع خلال عقد الثمانينات مع محاولة الدولة ادماج فصيل من الاسلام السياسي حيث فتحت الدولة الحوار مع التيار المنشق عن الشبيبة الاسلامية والذي اسفر عن دخول العديد من الفاعلين الإسلاميين الى المشهد السياسي وتوجت استراتيجية الإدماج في التسعينات بانضمام تيار من الإسلاميين الى حزب الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية سنة 1992، وحضر الفاعل الإسلامي في مجموعة من الأنشطة الرسمية ( الجامعة الصيفية)، وعبر الحسن الثاني عن التوجه الاستيعابي من خلال تأكيده على أن الإسلاميين مغاربة مسلمين يحترمون الشريعة والقانون وليسوا بمتطرفين

 وتقوى هذا التحالف في الألفية الثالثة في مواجهة التيار الحداثي الذي طرح الخطة الوطنية لإدماج المرأة في ظل حكومة التناوب،

القسم الثاني: رهانات الحقل الديني

تم تناول هذا القسم من خلال فصلين:

تم في الفصل الأول التركيز على رهان المشروعية كأهم رهانات الحقل الديني وقد عملت  الدولة على تحقيق هذا الرهان من خلال توظيف الرأسمال الديني لتحقيق رهان مشروعية النظام السياسي من خلال ضمان :

– وحدة السلطة بالدفاع عن مؤسسة إمارة المؤمنين، فقد تم اعتبار أمير المؤمنين الممثل الاسمي للأمة بجمعه بين المشروعيتين الدينية والسياسية، وقد تمت دسترة هذه المؤسسة في أول دستور سنة 1962، وتم الاعتماد عليها في مواجهة الخصوم الديننين والعلمانيين( موقف الحسن الثاني من انسحاب نواب الاتحاد الاشتراكي من البرلمان سنة 1981)، كما تم تبني مفهوم الحاكمية حيث تم بناء اصولية دولتية  وتوظيفها في مواجهة اصولية الحركة الاسلامية والحد من ضغط موجة حقوق الانسان في التسعينات.

– وحدة الأمة من خلال مفهومي الجماعة والفتنة، حيث تم تأكيد وجوب لزوم الجماعة واعتبار الخروج عنها ردة عن الإسلام، وفي هذا السياق وظفت الدولة السلفيين لشرعنة إقصاء الإسلاميين واعتبارهم خارجين عن الجماعة حيث تم وصف عملهم في معارضة السلطة بالفتنة، كما تم توظيف هذا المفهوم من طرف الإسلام السياسي ( العدل والإحسان) حيث اعتبر اعتبر عبد السلام ياسين المجتمع المغربي مجتمع مفتون ويحمل مسؤولية فتنة المجتمع للنظام السياسي (عدم تطبيق الشريعة فتنة)، وتم توظيف المفهوم من طرف الاسلام الرسمي ضد حليف الامس السلفية الوهابية بعد أحداث الألفية الثالثة (حيث وصف المجلس العلمي الأعلى المغراوي بالفتان بعد فتواه بجواز تزويج الفتاة القاصر) 

وتم في الفصل الثاني البحث في رهان الحداثة والديمقراطية، حيث تم إبراز موقف الدولة والجماعات الإسلامية من الحداثة والديمقراطية

تبنت الدولة خيار الديمقراطية منذ الاستقلال مع محاولة التوفيق بينها وبين الشورى  في إطار الأسلمة ( الديمقراطية الحسنية)، ومقابل ذلك تبنت الجماعات الإسلامية خطاب تكفير الديمقراطية حيث اعتبر الإسلاميون والسلفيون الديمقراطية كفر وحكم طاغوت وتم وصف الديمقراطيين بالمرتدين)، تراجع هذا الموقف بالنسبة للاسلاميين بعد مراجعات أواسط الثمانينات، توجت هذه المراجعات بوصول العدالة والتنمية إلى ممارسة السلطة سنة 2011، في حين تم قبول السلفيين باللديمقراطية بعد أحداث ما سمي ب”الربيع العربي”

وفي نفس السياق برز في الألفية الثالثة خطاب القطيعة مع الدعوة إلى الخلافة الإسلامية والحاكمية الإلهية وحل محله خطاب يؤسس للدولة المدنية في الإسلام من خلال استدعاء حدث في المرحلة النبوية ( صحيفة المدينة) واعتبارها عقد مدني بين المسلمين وغيرهم في “دولة المدينة”

كما شهد الموقف من الحداثة تحولات منذ الاستقلال فقد طغى في البداية توجه أسلمة الحداثة على الخطاب الرسمي وتكفيرها من طرف الإسلاميين والسلفيين.

وفي الألفية الثالثة ظهر توجه تحديث الإسلام من خلال مراجعات الإسلاميين، برز توجه في الإسلام الشعبي يدعو إلى الحداثة الإبداعية وتخليق الحداثة.. ( طه عبد الرحمان ) وهو نفس التوجه الذي عبر عنه الإسلام الشرعي من خلال الحديث عن بناء المشروع الديمقراطي الحداثي.

  وساهم التيار الحداثي في هذا المسار، حيث شهد موقفه تحولا تمثل في محاولة إعادة قراءة للنص الديني لشرعنة تحديث الإسلام بدل القطيعة مع الدين، وهذه التحولات في مواقف الفاعلين الديننين والعلمانيين ساهمت فيه بشكل جلي التحولات في الفكر والممارسة على المستوى العالمي، والتي رسخت الإقرار بدور الدين في المجال العام.

خاتمة

على سبيل الختم تجب الإشارة إلى أن الحقل الديني المغربي يزداد تعقيدا بفعل التحولات مع صمود عناصر تمثل استمرار لبعض الثوابت،  ويواجه عدة تحديات من أهمها تحدي التدين المعولم:

  • الصراع بين المرجعيات ليس حتميا وهو مرتبط بسياقات التحالف التي يفرضها الحقل السياسي
  • استمرار حضور قوي لليات قديمة في انتاج وتصريف الرأسمال الديني الى جانب اليات جديدة ( المسجد، الخطبة، الفتوى، مؤسسات التعليم العتيق، الاعلام الديني الالكتروني)
  • استمرار رهان المشروعية كهدف مركزي متحكم في تقلبات الحقل الديني، فالحقل الديني المعاصر يعد حصيلة لسيرورة افرزت تفاعلا بين عناصر التحول والاستمرارية فرغم تحولاته بقي حاملا في ثناياه عناصر الاستمرارية التي  تجلت معالمها في الرموز والمؤسسات
  • بقي مسلسل استقبال المذاهب والمرجعيات الدينية من المشرق مستمرا، وتحول الهامشي منها الى الحقل الديني المضاد ( الخوارج، الشيعة، الاسلام السياسي، السلفية الجهادية)
  • صمود مرجعيات الاسلام الرسمي رغم كل المضايقات قديما وحديثا: فلم يتم القضاء على المذهب الأشعري رغم مضايقته منذ احراق كتاب إحياء علوم الدين للغزالي في عهد المرابطين،  الى اعتبار الاشعرية عقيدة فاسدة من طرف السلفية، كما لم يتم القضاء على تجدر التصوف في المجتمع رغم رسالة تحريم المواسم لمولاي سليمان، وتخوين الحركة الوطنية للزوايا، واعتبار الوهابية قديما وحديثا التصوف شركا وبدعة (اعتبر المغراوي الأشعرية عقيدة فاسدة والتصوف لقيطة هندية)
  • بقيت استراتيجية الإدماج والإقصاء أساسية لتفسير العلاقة بين الفاعل المركزي وباقي الفاعلين وينتظر ان يتراجع خطاب الاقصاء مع تأثيرات العولمة الدينية على الحقل الديني المحلي وتحوله نحو حقل مفتوح.

تراجع هيمنة الإسلام الشرعي، فبعد تحول العلماء إلى موظفين عموميين وولوج المتصوفة، الإسلاميين، السلفيين، الحداثيين إلى المؤسسات الدينية الرسمية حدث تغير في المراكز والمواقع داخل الحقل الديني، وبالمقابل هناك صعود التصوف في برصة القيم الدينية، فبعد صموده وتكيفه مع سياقات ما بعد الاستقلال ولعبه دور الدبلوماسية الناعمة بعد انسحاب المغرب من مظمة الوحدة الإفريقية سنة 1984، يطلب منه بعد أحداث الألفية الثالثة التعبير عن التدين البعيد عن السياسة، مواجهة الاسلام الاصولي، تخليق الحداثة، شرعنة تحديث وعلمنة الإسلام، ( نستحضر ما قاله غلنر عن خدمة الصلحاء في نفس الوقت لرهانات محلية وهوية اسلامية عالمية، وتاكيد محمد ضريف بان التصوف له قدرة على إحداث التعايش بين التناقضات). كما استطاع التدين السلفي الصمود في وجه الحملة العالمية ضد التدين الاصولي، فلم يتراجع هذا النمط من التدين في السوق الدينية حيث يلح اتباعه انه استجابة للطلبات الجديدة في السوق الدينية وليس وافدا على الحقل الديني المغربي وله قدرة على التكيف حيث استطاع العديد من قيادات التيار السلفي الولوج الى المؤسسات الدينية الرسمية خصوصا بعد مرحلة ما سمي “الربيع العربي”.

  • تراجع التدين المهيكل وارتفاع اسهم التدين الفردي (الدعاة الجدد ) على حساب الجماعات الدينية  ( ما بعد السلفية، ما بعد الاسلام السياسي، ما بعد الطرقية)
  •  يواجه الحقل الديني المغربي تحدي الحفاظ على الإسلام المغربي مع بروز ما سماه  وليفييه روا بالدين المحض كنمط من التدين المعولم ( دين بلا ثقافة)، ففي الوقت الذي تجاوز فيه الإسلام المغربي المستوى المحلي من خلال إحداث مؤسسات دينية رسمية خارج الوطن- المجلس العلمي المغربي لأوربا- يطلب منها تتبع تدين المغاربة المقيمين بالخارج والذين يمثلون 10% من المغاربة، وتكوين مرشيدين دينيين أفارقة وبناء مساجد بمجموعة من الدول الإفريقية.

أحدث العولمة تحولات على أنماط التدين الكلاسيكية حيث برزت ظاهرة المتحولين الدينيين في كل الأديان، ففي الإسلام هناك: (المتحولون للإسلام، والمتحولون داخل الإسلام، المتنصرون…) وهذا يطرح تحدي أمام سعي الدولة للحفاظ على الإسلام المغربي، حيث أظهرت الأحداث تحول مغاربة نحو هذا النمط من التدين الأصولي المعولم الذي يعتبر مرجعية للتنظيمات الجهادية، كما تحدثت بعض الدراسات عن تشيع مجموعة من المغاربة في المهجر ( محمد ضريف) وهناك مجموعة من المغاربة تحولوا من الإسلام إلى النصرانية ( محمد ضريف، اوليفييه روا)

من كل سبق يظهر ان الحقل الديني المغربي حقل معقد مليء بالتناقضات وسيزداد أكثر تعقيدا يصعب التحكم فيه مع ضغوطات العولمة الدينية، وهو ما يتطلب –  لتحقيق لاستقرار قواعد اللعبة داخله – القطيعة مع التدبير المغلق الذي يوظف الدين لمعالجة أزمات سياسية ظرفية والتفكير في تدبير هذا التعقيد في إطار سياسة عامة مبنية على مقاربة تشاركية تستوعب التحولات، تشخص المشاكل وتستجيب للتحديات التي تطرحها التعددية الدينية.