الاستبداد الديني والقداسة الموهومة

  حدث ذات مرّة أن سأله أحد أصدقائه عن سرّ اشتغاله على التراث السياسي الإسلامي ما يفوق العقدين من الزمان ليخلص في النهاية أنّنا أمام تراث لا يصلح لشيء. كان جواب الأستاذ عزالدين العلام بسيطا يتمثّل في وجود فارق كبير بين رفض تراث يعرف محدوديته، وبين رفضه وهو على جهل بتفاصيله، وحتى لا يزايد عنّا أحد في شأنه. والكتاب الذي بين أيدينا يعتبره المؤلف جوابا تفصيليا عن هذا السؤال.

يتضمّن الكتاب، إضافة إلى مقدّمته، أربعة فصول يتعلق أولها بنقد الاستبداد الديني، والثاني بضرورة نقد الفكر الديني، كما خصّ الفصل الثالث لما أسماه بـ “القداسة الموهومة”. أمّا الفصل الأخير المعنون بـ “مسارهم ومصيرنا” فهو نسج لمقارنات لا تخلو من مفارقات بين ما جرى عندنا، وما كان يجري حينها في الضفة الأخرى من المتوسّط.

أبرز في الفصل الأوّل، كيف أصبحت طاعة الحاكم أصلا من أصول الدين، موضّحا أنّه ما اجتمع الدين والدولة إلاّ وكان الاستبداد ثالثهما. وفي نفس السياق، أوضح من خلال العديد من الاستعارات التي كانت تُطلق على الرعايا المحكومين كيف أنّ مبدأ “التملّك” هو ما يميّز العلاقة التي كانت تربط الحاكم بالمحكوم، وأنّ تقنية الترغيب والترهيب هي الأساس الذي كانت تنبني عليه السلطة السياسية. وقد ختم هذا الفصل الأوّل بذكره للعديد من علامات الاستبداد التي تحيلنا، بشكل أو آخر، على بقايا حضارات الشرق التوتاليتاري، متسائلا في النهاية عن كيف للإنسان أن يختار عن طواعية أن يكون عبدا.

   أمّا الفصل الثاني، فقد خصّه المؤلف لضرورة نقد الفكر الديني، وذلك من خلال مساءلته للقولة التراثية القائلة بأنّ السلطان ظلّ الله في الأرض. كما تساءل عن مدى معقولية القول بما يُسمى بالدولة الإسلامية، متسائلا عن العلاقة بين الشريعة والحياة، موجّها بالأساس انتقاداته للداعية “الإسلامي”، مؤكّدا على ضرورة نقد مبدأ الفتوى في حدّ ذاته،  مخنتما هذا الفصل بالحديث عن ضرورة مواكبة التعليم لراهنية الإصلاح، إن لم نقل، نقد الفكر الديني، وما يستلزمه من المثقفين باعتبارهم طليعة المجتمع برمّته.

 تحدّث في المحور الثالث الموسوم بـ “القداسة الموهومة” عن قضايا عدّة تخصّ أسطرة بعض فترات التاريخ العربي – الإسلامي، وعلاقة الحرب التي تتوخى الغنائم بما يسمى بالجهاد في سبيل الله. كما حاول المؤلف من خلال العديد من المصادر التراثية، تبيان بعض العلامات التي تبرز كيف أنّ بعض فترات التاريخ العربي كانت أكثر حرية وأقل تحفظا ممّا نشاهده اليوم في العالم العربي – الإسلامي.

وأخيرا، لأنّنا لسنا وحدنا في هذا العالم، ولأنّنا استعمرْنا غيرَنا (باسم الفتح الإسلامي)، كما استعمرَنا غيرُنا (باسم رسالة التمدين)، ولأنّ الآخر بجانبنا، في الضفة الأخرى من المتوسّط استفاق منذ قرون مسايرا حركة التاريخ، بل ودخل دار الإسلام فاتحا وغانما، تُطرح بداهة ضرورة الاقتراب من الأسباب التي حدّدت مسار حضارتين: واحدة شقّت تاريخها، وأخرى أفل نجمها.  في هذا السياق، حاول الكاتب، من خلال بعض المقارنات الطريفة بين ما جرى في ضفتي البحر المتوسط، أن يبرز مسار حضارتين، واحدة سايرت حركة التاريخ وشقت طريقها، وثانية انسدّت آفاقها وظلت حبيسة سلاسلها

   لا يدّعي الأستاذ عزالدين العلام أنه ألف كتابا متناسقا، أكاديميا، موضوعيا، وإنّما مجموع ملاحظات تمّ كتابتها على فترات متقطّعة. أكيد، كما يقول، أنّها مترابطة، وأكيد أيضا أنّها، في جانب منها، سجال عبّر من خلاله عمّا يفكّر فيه، ويتصوّر أنّه صحيح.