هوية الدولة أو فصل القول في البنى الزمانية للحياة الاجتماعية

 إن الحديث عن الدولة في كلام معدود ينطوي في حد ذاته على مغامرة، ثمة فيض من نظر طال الموضوع على مر أزمان عديدة. هذا الزخم على مستوى النظر ساوق تحول الائتلاف الإنساني عبر التاريخ، فكان الاجتماع على نسخ عديدة تعكس التراكم الذي حصل على صعيد التجربة. نقف راهنا على أكثر من نسخة تكشف عنها تجربة الدولة، لكل تجربة مسار وسياق تاريخي يخصها مضمونا ومظهرا، فمن ذا قد يتنكّر أن للدولة منطق ثابت لا يعتريه انزياح على مجرى الأزمان؟ فرض ارتقاء الحياة البشرية أن نحيّن مضمونها وصيغ ائتلافها، مرّ بها الحال من أشكال محدودة وصولا إلى أشكال متعددة. واقع التعدد يجعلنا نشايع القول بهوية متعددة للدولة، رغم أنه ثمة توافق على شكل واحد يسع مضمون متعدد متباين؛ أو ليس هذا الأمر في حد ذاته مفارقة، حينما نقبل التحديث الذي طال شكل الدولة ونتحفّظ، وفي أحسن الأحوال نمارس الانتقائية؟

وأد الأرض ومستقبل الحياة: من نوازع السيادة إلى إتيقا الرعاية

يكمن غرض هذه المساهمة الفكرية في تقويم صلة الإنسان بالطبيعة. وقد تبيّن من خلال شواهد معلومة وأمارات ناصعة، تنكشف تدريجيا في جسم الطبيعة، أن هذه الآصرة لا تقوم على منوال صحي، بقدر ما يعتريها اعتلال فظيع واختلال مريب ينكشف في أكثر من صورة، ويطفو كل مرة بوجه غير متوقع. ولغاية التماس فهم معقول وأفيد يقف على العلل العميقة التي كان لها النصيب الوافر في الاعتلال الذي يطبع الطبيعة، وذلك بغية التماس المخارج التي تعين على عيادة الخلل، يتعينّ علينا الحفر في بواعث هذ الاعتلال الذي يعود إلى لحظة إخضاع الطبيعة لقدر جديد؛ وهو قدر التسيّد والتملّك. ولما تبيّن لنا، ونحن نُعدّد بعض العلل والبواعث التي جعلت الطبيعة موضوعا مستباحا، أن التحول الذي طرأ على ماهية الفكر والعلوم والاقتصاد كان لها مساهمة لا تنكر في الاعتلال الذي وقع، وعليه تولينا تحديد جملة من المخارج النظرية والعملية التي قد تفيد في إرساء وجود الإنسان في العالم بما يصون وجوده ووجود غيره في الآن والمستقبل.