جرت العادة لدى المهتمين بدراسة الاجتهاد القضائي داخل الفضاء الفرنكفوني بأن تنسب أبوّة عبارة “حوار القضاة” إلى الرئيس “برونو جونوفوا ” Bruno Genevois الّذي أعطى للعبارة الصّدى الذي اكتسبته منذ خلاصاته أمام مجلس الدولة في قضية “وزير الداخلية ضد كوهن – بنديت”، 6 دجنبر 1978. والحال أنه لم يقم إلاّ بوضع اسم على ظاهرة قديمة، قِدم تبادل التّأثير بين القضاة، الذي (التّأثير المتبادل) لم ينتظر إلى أواخر السبعينيات من القرن الماضي لكي يظهر، بل برز بأشكال متعددة، وفي مناطق مختلفة عبر العالم، من مثل بلدان “الكومن لاو” Common Law ، وخاصة منها الولايات المتحدة الأمريكية.
علما أن قضاة المحاكم في هذا البلد يقيمون بينهم نوعا من الحوار، و يتأثرون بعضهم بالبعض، وأن الترسانة القانونية مكونة بدرجة عالية من أحكام تعود إلى الاجتهاد القضائي، فضلا على أن القضاة يعتبرون أحكام زملائهم الآخرين من نفس الدرجة أو من الدرجة الأعلى منها كمرجعية يستندون عليها لاتخاذ قراراتهم ولإعطائها السند القانوني اللازم، وهذه العملية لا تجرى بشكل ميكانيكي، بل تمرّ عبر تأويل وتفسير تلك الأحكام وإخضاعها للقياس، لكي يستنبط منها القرار الأقرب لمفهوم العدالة؛ ويتم من خلال هذه العملية المعقّدة تقارب في المواقف، بحيث تؤدي فيه المحكمة العليا الدور المركزي.
عبد المالك الوزاني
أحد المساهمين في إدماج العلوم الاجتماعية والأنثروبولوجية بكلية الحقوق، يشغل أستاذا جامعيا بجامعة القاضي عياض بمراكش، له مجموعة من الأبحاث والدراسات باللغتين الفرنسية والعربية في مجلات وطنية ودولية، شارك في عدة ندوات محلية ودولية، أشرف على تكوين جيل من الطلاب، أطّر وناقش عشرات الأطاريح الجامعية.