ملخص:
إن الوقوف عند الأساس النظري والفكري للنظام الداخلي للبرلمان يقتضي بالضرورة تحديد مفهومه وماهيته ثم الفلسفة الفكرية التي يرتكز عليها، وبيان قيمته القانونية ومدى الزاميتها والإحاطة بمسطرة إعدادها بشتى مراحلها، وهذا ما تعمل هذه الورقة البحثية على الإحاطة به من خلال محورين اثنين؛ حيث يتحدد الأول في دراسة مفهوم النظام الداخلي للبرلمان ومرجعيته الفكرية، ويتطرق الثاني لمقاربة إلزامية النظام الداخلي للبرلمان ومسطرة اعتماده.
الكلمات المفاتيح: النظام الداخلي للبرلمان – العقلنة البرلمانية – التناسق والتكامل – المطابقة الدستورية.
Abstract:
Standing at the theoretical and intellectual basis of the Parliament’s internal system necessarily requires defining its concept and what it is, then the intellectual philosophy on which it is based, stating its legal value and the extent of its obligation, and taking note of the procedure for preparing it in its various stages. This is what this research paper works to capture through two axes; Where the first is determined in the study of the concept of the internal system of Parliament and its intellectual reference, and the second deals with the mandatory approach of the internal system of Parliament and the procedure for its adoption.
Keywords: Parliament’s internal law- Parliamentary rationalization- Consistency and integration- Constitutional conformity.
مقدمة:
تعد الأنظمة الداخلية للمجالس البرلمانية من أهم الوسائل التي تساهم في الدفع بالعمل البرلماني وتسريع وثيرته، إذ يتضمن مجموعة قواعد تتعلق بشكل واختصاصات الأجهزة الرئيسية للبرلمان، وكيفية أداء الوظائف والصلاحيات التشريعية والرقابية والتقييمية، حيث يعتبر امتدادا للمقتضيات الدستورية المؤطرة للمجال السياسي، وعليه فهو انعكاس للتوازنات والتفاعلات السياسية التي تتأرجح بين مطلب التطوير والحاجة إلى الاستقرار في العمل البرلماني. ويكتسي البحث في موضوع الأنظمة الداخلية للبرلمان، أهمية بالغة يستمدها بالأساس من بعدين اثنين، الأول يتمثل في البعد العلمي؛ إذ يحتل هذا الموضوع راهنية متجددة تحثّ الباحثين على الخوض فيه بالبحث والتحليل لفهم طبيعته القانونية، الإحاطة بمستجداته الدستورية واستيعاب ما يثيره من إشكالات نظرية، فمقاربة هذا الموضوع من شأنه أن يغني الحقل المعرفي الذي نحن بصدد البحث فيه. أما البعد الثاني، فهو ذو طابع عملي، بالنظر إلى كون الأنظمة الداخلية للبرلمان لها تأثيرات سياسية كبرى؛ إذ يعتبر امتدادا للدستور وتفسيرا له، فهو يفصّل ما أجمله النص الدستوري المنظم للمؤسسة البرلمانية، وينظم الشؤون الداخلية للمجلس البرلماني، ويبين كيفية التعامل مع مختلف التقاطعات التي تفرزها العلاقة بين البرلمان وباقي المؤسسات الدستورية، ثم إن هذا النظام الداخلي نص المشرع الدستوري على وجوب وضعه وفق مسطرة خاصة وإلزامية عرضه على المحكمة الدستورية لتنظر في مدى مطابقته للدستور، ما يؤدي بالتبعية إلى تكريس منهجية خاصة تطبع معالم الرقابة الدستورية المغربية.
وتتحدد الإشكالية المركزية لهذا الموضوع في فهم طبيعة الإطار الدستوري الحالي للأنظمة الداخلية للبرلمان، وذلك من خلال طرح سؤال الأثر الذي تؤديه المرجعية الفكرية التي تتأسس عليها الأنظمة الداخلية للمجالس البرلمانية في الحالة المغربية، باعتبارها الأساس النظري الذي تنتظم وفقه، أي كيف تؤثر المرجعية الفكرية والفلسفية للأنظمة الداخلية للبرلمان على الإطار القانوني والأداء التشريعي للمؤسسة البرلمانية؟ وعن هذه الإشكالية المركزية تتفرع مجموعة من الأسئلة التي يمكن إجمالها في الآتي:
ما هو الأساس النظري والفكري للأنظمة الداخلية للبرلمان؟
ما هي القيمة القانونية للنظام الداخلي للبرلمان وأثرها على فصل السلط؟
ما مدى إلزامية الأنظمة الداخلية للبرلمان وما حدودها؟
من يملك السيادة في وضع النظام الداخلي للبرلمان وهل هي مطلقة أم محدودة؟
وتأسيسا على ما سبق، ناسب تقسيم هذه الورقة البحثية إلى محورين اثنين، يخص المحور الأول مفهوم النظام الداخلي للبرلمان ومرجعيته الفكرية، في حين يتطرق المحور الثاني لإلزامية وضع النظام الداخلي للبرلمان ومسطرة اعتماده.
المحور الأول: مفهوم النظام الداخلي للبرلمان ومرجعيته الفكرية
سنتطرق في هذا المحور، لدراسة مفهوم النظام الداخلي للبرلمان من زاوية الفقه وتصور القضاء الدستوري. كما أن هذا المحور سيبحث في الأساس النظري الذي يقوم عليه مفهوم النظام الداخلي للبرلمان والمتمثل في فلسفة العقلنة البرلمانية وأثر هذه الأخيرة على الأنظمة الداخلية للمجالس البرلمانية.
الفقرة الأولى: تعريف الأنظمة الداخلية للمجالس البرلمانية
إنّ أول مهمة تنتظر الباحث في دراسته لأي موضوع أو مادة علمية والبحث فيها والتنظير لها، هي تحديد المفاهيم وتأصيلها، ذلك أن الاتفاق على المفاهيم هو أحد الشروط الأساسية لقيام معرفة منظمة ومنضبطة.[1] ولعل ما يجعل التحديد المفاهيمي أكثر دقة بشكل متفق عليه هو قيامه على معايير منضبطة تشمل مختلف العناصر التي يتأسس عليها المفهوم. والأنظمة الداخلية للمجالس البرلمانية من المفاهيم التي تباينت المنطلقات المعيارية التي تحاول تحديد ماهيتها، إذ نجد من بين التعريفات الأكثر شيوعا، تلك التي تعتمد المعيار الشكلي، إذ تنطلق من تحديد الجهة التي صدر عنها النظام الداخلي للبرلمان والشكل الذي صدر به والإجراءات المتبعة في إصداره وتعديله[2]. حيث يعرف المعجم الدستوري النظام الداخلي للمجالس البرلمانية بـأنه ذلك “القرار الذي تصوت عليه الجمعية المعنية، ويتضمن مجموعة من الأحكام المتعلقة بتنظيم أعمالها، وتأليف أجهزتها ومهامها، ويشتمل على تدابير ذات طابع داخلي كنمط تعيين أجهزة الجمعية النيابية، وانضباط المداولات، ووقت الكلام، ووضع إجراءات يجب إتباعها لحسن انتظام المناقشات، وأنماط التصويت مثلا، وكذلك أحكام تتعلق بالسلطات العامة الأخرى”[3]، ويعرفه كل من Pierre Avril وJean Gicquel بأنه “توصية يتخذها المجلس المعني ويصادق عليها وفقا للمسطرة العادية (إيداع مقترح قرار، الدراسة في اللجنة المختصة، والمصادقة في الجلسة العامة)”[4]، ويعرفه اليحياوي على أنه “مجموعة إجراءات وكيفيات عمل المجلس النيابي ومجموع الضوابط والقواعد التي تمكنه من ممارسة الاختصاصات الممنوحة له بمقتضى الدستور وتنظيمها”[5]، وتم تعريف النظام الداخلي للبرلمان أيضا بكونه “قرار يحدد طرق وقواعد العمل الداخلي التي يجب احترامها في سير المجلس”[6]. غير أن هذا المعيار الشكلي لا يمكننا من تحديد ماهية النظام الداخلي للبرلمان بدقة؛ ولذلك ذهب الفقه إلى اعتماد المعيار الموضوعي في تعريف الأنظمة الداخلية للمجالس البرلمانية وذلك لتفادي النقص الذي يعتري المقاربة الشكلية. على هذا الأساس يعرف Paul Bastid النظام الداخلي للمجالس البرلمانية بأنه “القانون الداخلي لنفس المجلس الذي وضعه، باعتباره مؤسسة مستقلة لها سلطة التنظيم وتتوفر تجاه أعضائها على سلطة تأديبية”[7]، وعرفه بعض الفقه على أنه “قواعد داخلية لتنظيم العمل داخل المؤسسات النيابية التي تحتوي على مجموعة من القواعد الحاكمة لقيام الأعضاء بممارسة مهامهم”[8]، أو”هو مجموعة القواعد القانونية المنظمة لسير العمل بالمجلس”[9]، وأشار كل من Jean Gicquel وPierre Avril إلى أن موضوع الأنظمة الداخلية للبرلمان يتحدد في تنظيم السير الداخلي للمجالس، والمساطر المتبعة في مداولاتها وانضباط أعضائها”[10]. وقد أقرتSofie de Cacqueray أن تعريف الأنظمة الداخلية للمجالس البرلمانية وفقا للمعيار الشكلي لا يمكّن من تحديد طبيعتها بدقة، ذلك أن النظام الداخلي للبرلمان، من حيث موضوعه، لا يمكن أن يوضع قرينا لطبيعة دستورية أو تشريعية أو تنظيمية، وعليه خلصت إلى أنه يستحيل القول بالتعريف الشكلي للأنظمة الداخلية للبرلمان؛ لأن هذه الأخيرة لا يمكن أن تقارن بالقوانين الدستورية والقانونية أو التنظيمية ما دامت لم يصادق عليها بنفس المسطرة، كما أن تسميتها تمنع من مقارنتها بالأنظمة الإدارية[11]. وقد حاول عدد من الفقه أن يجمع بين المعيارين الشكلي والموضوعي في تعريف الأنظمة الداخلية للمجالس البرلمانية، حيث عرفه Yves Guchet بأنه “يتكون من المقتضيات المعتمدة من طرفها، والتي تتعلق بكيفية تنظيمها وتسييرها وانضباطها الداخلي[12]“، وذهب علي الصاوي إلى تعريف النظام الداخلي بكونه مجموعة من القواعد التي تتعلق بهيكل عمل المجلس، أجهزته الرئيسية، ويرصد حقوق الأعضاء وواجباتهم، وترسيم سبل ممارسة المهام البرلمانية المختلفة”[13].
أما القضاء الدستوري الفرنسي، فقد عرف الأنظمة الداخلية للبرلمان بأنها “مجموع التدابير والقرارات ذات الطبيعة الداخلية، تتعلق بسير المجلس والنظام بداخله”[14]، وهو ما يفيد أن القضاء الدستوري الفرنسي خالف الفقه، إذ لم يعتمد على المعيار الشكلي واكتفى فقط بالمعيار الموضوعي في تعريفه للأنظمة الداخلية للمجالس البرلمانية. في حين عرف القضاء الدستوري المغربي الأنظمة الداخلية للبرلمان بتعريفات متعددة. ففي مرحلة الغرفة الدستورية للمجلس الأعلى عرّف أول مقررين الأنظمة الداخلية للبرلمان بأنها: “مجموعة مقتضيات داخلية متعلقة بتسيير المجلس ترمي إلى تقييد أعضائه وحدهم”[15]، وفي مقررين آخرين تم تعريفه على أنه: “مقتضيات تدخل في نطاق التنظيم والتسيير الداخلي للمجلس”[16]. أما مرحلة المجلس الدستوري فحدد موضوع النظام الداخلي مرة في “تنظيم السير الداخلي للمؤسسة البرلمانية وطرق التداول فيها”[17]، ومرة أخرى اعتبرها “مقتضيات ترمي إلى تحديد الكيفيات والضوابط التي تمكن المجلس من تنظيم أشغاله وممارسة الاختصاصات المخولة له دستوريا”[18]. وقد حاول بعض الفقه اقتراح تعريف عام ينطبق على جميع الأنظمة الداخلية للمجالس البرلمانية، بالنظر إلى كون هذه الأخيرة هي “امتداد للإطار الدستوري والقواعد الحاكمة لعمل النظام السياسي ككل، ومن ثمة فهو مرآة للتوازنات السياسية والفكر الدستوري الذي وُضعت فيه، وهو خلاصة التفاعل بين متطلبات التطوير وضرورات الاستقرار في أعمال البرلمان”[19]، أي أن وضعية الأنظمة الداخلية للبرلمان وقيمتها القانونية تختلف بحسب الأنظمة السياسية وإطارها الدستوري.
وتأسيسا على هذا المعيار اقترح رشيد المدور تعريفا للأنظمة الداخلية للمجالس البرلمانية يتحدد في أنها “مجموعة من المقتضيات التشريعية المكتوبة، ذات الطبيعة الخاصة، يضعها كل مجلس برلماني ويصادق عليها وفقا للمسطرة العادية، دون أن تخضع لعملية الإصدار، وتهدف إلى تدبير المجال الخاص المتعلق بكيفية تنظيم تلك المجالس وتسييرها وانضباط أعضائها، غير أنها لا يشرع في العمل بها إلا بعد التصريح بمطابقتها لأحكام الدستور”[20]، وذلك مراعاة للمقتضيات الدستورية ذات الصلة بنظام حكم المغرب، المحددة بموجب الفصل الأول و60 و69 و132 من الدستور[21]. ونحن بدورنا نقترح تعريفا نروم من خلاله تحديد مفهوم الأنظمة الداخلية للبرلمان وفق المعايير التي قرّرنا آنفا، وبناء عليه نقول: “أن النظام الداخلي للبرلمان هو مجموع المقتضيات القانونية المكتوبة والخاصة، يوضع من قبل المجلس البرلماني المعني به، ويصادق عليه ويحيله وجوبا على القضاء الدستوري للتصريح بمطابقته لأحكام الدستور، من دون أن يتم إصداره، يكون الغرض منه تدبير المجال المتعلق بكيفية تنظيم عمل المجلس وتسييره وعلاقته بالمؤسسات الدستورية وانضباط أعضائه وممارستهم للاختصاصات المنوطة بهم”. وتجدر الإشارة إلى أن الأنظمة الداخلية للمجالس البرلمانية تكتسي أهمية بالغة تجعل من مسألة وضعه ضرورة لا غنى عنها، هذه الأهمية مرتبطة بمجموعة من المحددات، التي يمكن إجمالها في الآتي:[22]
- الأنظمة الداخلية ضرورة تنظيمية للقيام بتسيير وضبط الإجراء في البرلمان؛
- الأنظمة الداخلية ضرورة تشريعية لرسم طريقة قيام البرلمان بمهامه؛
- الأنظمة الداخلية ضرورة لحماية الأقليات البرلمانية من تعسف الأغلبية.
الفقرة الثانية: الأساس النظري للأنظمة الداخلية البرلمانية
يقوم العمل البرلماني على مرجعية فكرية ونظرية تبرز من خلال النظر في مختلف المقتضيات القانونية ذات الصلة بالسلطة التشريعية، سواء تلك الواردة في الوثيقة الدستورية أو القوانين التنظيمية أو الأنظمة الداخلية للبرلمان، ذلك أن مجموع هذه المقتضيات تشكل فلسفة في الحكم الغرض منها حصر مجال تدخل المجالس البرلمانية ومراقبة أعمالها بما فيها وضع الأنظمة الداخلية للبرلمان، هي فلسفة تأسست في التجربة الفرنسية تحت مُسمّى “العقلنة البرلمانية Le parlementarisme rationalisé “، هذه الأخيرة تم تعريفها على أنها “مجموعة من الآليات الدستورية التي تهدف إلى ضمان استقرار السلطة التنفيذية”[23]، أو هي “تقليص عمل البرلمان على مستوى مراقبة الحكومة والوظيفة التشريعية، في مقابل تقوية مركز السلطة”[24]. وقد ظهرت هذه الفلسفة باعتبارها تمنع هيمنة السلطة التشريعية على السلطة التنفيذية مع الجمهورية الفرنسية الخامسة سنة 1958، وذلك على يد كل من شارل ديغول وميشال دوبري، بعد تجربتي الجمهورية الثالثة والرابعة اللّتين شهدتا عدم استقرار في الحكومات المتعاقبة لكثرة أزماتها ما أدى إلى إنهائها، بسبب هيمنة البرلمان على السلطة التنفيذية.[25] ولئن كانت فلسفة العقلنة البرلمانية قد كرست لمرحلة الاستقرار المؤسساتي في فرنسا ما بعد 1958، فإن ذلك جاء على حساب السلطة التشريعية، حيث كان من بين آثارها على العمل البرلماني، أن المساطر أدت إلى تحجيم دور البرلمان. وهذا ما يؤكد أن إقامة الاستقرار على مستوى المؤسسات، لا يفيد بالضرورة أنه تم إقرار التوازن بينها. ولهذا طرح بعض الباحثين[26] سؤالا عن الكيفية التي يمكن بموجبها أن يستعيد البرلمان مكانته دون الإخلال بالتوازنات الكبرى للمؤسسات السياسية للجمهورية الخامسة، أي كيف يمكن التوفيق بين الحق المشروع للمعارضة في التعبير واحترام أولوية الأغلبية؟[27]. وفي محاولة للجواب على هذا التساؤل يقول Henri Jozefowiez: إن المراجعة الدستورية الأخيرة أرادت بدون نزاع إعادة تثمين مكانة البرلمان ضمن المؤسسات. ثم إنها المرة الأولى التي تهتم فيها مراجعة دستورية بهذا الشكل بمسألة التوازن بين السلط العمومية، ذلك أن المشرع الدستوري لسنة 2008 لم يتردد في إعادة النظر في بعض مقاربات نص الوثيقة الدستورية.[28] وتبقى أبرز تجليات هذه العقلنة البرلمانية التي تحد من تغوّل البرلمان وكبح الأغلبية الحاكمة وردعها عن إحداث تغييرات تمس بالتوازن السياسي، هي إنشاء المجلس الدستوري. حيث أوكل المشرع الدستوري الفرنسي للمجلس الدستوري مهمة الرقابة الدستورية السابقة والإجبارية بالنسبة للقوانين التنظيمية والأنظمة الداخلية للبرلمان (الجمعية الوطنية-مجلس الشيوخ)، والرقابة الدستورية الاختيارية بالنسبة للقوانين العادية، وهذه الأخيرة أصبحت بعد تعديل الدستور سنة 2008 سابقة ولاحقة، وذلك عن طريق دعوى الدفع بعدم الدستورية[29]. وهذا كله من أجل ضبط القوانين المعمول بها، وبالتالي فإن إمكانية مخالفة التشريعات لما جاء به الدستور تبقى مستحيلة[30]، ومنه تميزت وظيفة التشريع في ظل العقلنة البرلمانية والمرجعية الدستورية الحديثة بفهم جديد للظاهرة القانونية ووظيفتها، الأمر الذي أدى إلى اقتسام الاختصاص التشريعي بين الحكومة والبرلمان في إطار فهم مرن لمبدأ فصل السلط، وبالتالي رفض فكرة “البرلمان المشرع الواحد” وإقرار ما يمكن تسميته “المشرع المتعدد”، من خلال جعل الحكومة مشاركة في عملية التشريع. وفي نظر بعض الفقه[31] فإن هذه الفلسفة هي التي جعلت الدستور المغربي يتنبأ بضرورة التنصيص على جهاز يتولى مهمة تطبيق فصل السلط، بالفصل فيما قد ينشب من نزاع في الاختصاص بين تلك السلط لتحقيق التوازن والاستمرارية. ولئن كان خضوع القوانين للرقابة الدستورية أمرا واضحا، فإن الأمر يختلف بالنسبة للأنظمة الداخلية للبرلمان. في هذا السياق يذهب الفقهاء إلى أنه بالنظر لكون النظام الداخلي للمؤسسة التشريعية ينظم سير عمل مؤسسة دستورية، إذ أن طبيعته الدستورية تجاوز البُعد التنظيمي، حيث يقول Michel Dubré: “كل ما يهم المسطرة التشريعية، العلاقات بين المجالس، العلاقة بين المجلس والحكومة يدخل ضمن دائرة القرارات التي تجاوز البعد التنظيمي الصرف، إنها قرارات ذات طبيعة دستورية، تؤثر على وظائف المؤسسات، ما يجعل الطابع الدستوري للنظام الداخلي واضحا للغاية”[32]. وبالتالي فإن وضع الأنظمة الداخلية للبرلمان وتأويلها يمكن أن يكون مدخلا لمجاوزة أحكام الدستور ومبادئه، فالنظام الداخلي والتأويلات التي تعطى له يشكلان نوعا من القانون الموازي للدستور.
على هذا الأساس نصت الدساتير المقارنة على وضع البرلمانات لأنظمتها الداخلية، إلا أن بعضا منها قيّدت هذا الاختصاص، في إطار العقلنة البرلمانية، بضرورة إخضاع النظام الداخلي للبرلمان حال وضعه للرقابة الدستورية[33]. أما على مستوى التجربة المغربية، فإن البرلمان فيها يختلف عن نظيره الفرنسي لاسيما فيما يخص تبني فلسفة العقلنة البرلمانية، إذ أن البرلمان في فرنسا ارتبطت نشأته بمواجهة الملكية وانتزاع السلطة من يدها، إلى أن تم تقييده في سياق ضمان استقرار المؤسسات وتجاوز الهيمنة التي طبعت العلاقة بينها وبين الحكومة. في حين أن البرلمان في المغرب ولد معقلنا، منذ أول دستور لسنة 1962، هذا الأخير الذي نص بعض الفقه على أنه “وُضع من قبل الملك ويعد تجديدا للبيعة”[34]. ومما يميز البرلمان المغربي عن غيره في التجارب المقارنة، كونه يفتقر إلى إرث تاريخي يجعل منه مكانا للسلطة والتمثيل، ولم يعرف عصرا ذهبيا يسيطر فيه على الحكومات قبل تكبيله بتقنيات العقلنة البرلمانية، ما حدى بالعديد من الباحثين إلى القول أن البرلمان المغربي ولد معقلنا.
وهذا نهج لطالما أشارت له الخطابات الملكية، إما بشكل ضمني أو صريح، ومن أبرز الأمثلة على هذا التوجه نحو إرساء تقنيات العقلنة البرلمانية، ما جاء في خطاب الملك بشأن عرض مشروع الدستور الحالي على الاستفتاء بتاريخ 17 يونيو 2011، حيث قال: “وأما الدعامة الثانية فتتجلى في تكريس مقومات وآليات الطابع البرلماني للنظام السياسي المغربي، في أسسه القائمة على مبادئ سيادة الأمة، وسمو الدستور، كمصدر لجميع السلطات، وربط المسؤولية بالمحاسبة، وذلك في إطار نسق دستوري فعال ومعقلن جوهره فصل السلط، واستقلالها وتوازنها، وغايته المثلى حرية وكرامة المواطن”[35]. وهذا التوجه هو ما تمت ترجمته على مستوى الوثيقة الدستورية، على الرغم من أنها شهدت نوعا من التخفيف في هذه القيود بالمقارنة مع التجارب الدستورية السابقة[36]، حيث يمكن إجمال تجليات هذه الفلسفة في أربعة محددات كبرى:
- دسترة المقتضيات التنظيمية للعمل البرلماني؛
- إحالة تحديد مقتضيات النظام الداخلي للبرلمان على قوانين تنظيمية؛
- وجوب وضع الأنظمة الداخلية للبرلمان؛
- خضوع الأنظمة الداخلية لمراقبة الدستورية القبلية.
المحور الثاني: إلزامية النظام الداخلي للبرلمان ومسطرة اعتماده
يعد النظام الداخلي للبرلمان مجموع التدابير والقرارات التي ترجع إلى المجال الخاص بالمجلس البرلماني، فهو يؤدي وظيفة ضبط العلاقات بين الفاعلين السياسيين، بهدف تحقيق التوازن بينهم وضمان حقوق الأقليات البرلمانية، إذ هو بمثابة قانون ذاتي يفترض أن البرلمان تعهد باحترام أحكامه. فإذا كان النظام الداخلي بهذه الصورة، فما هي قيمته القانونية وما مدى إلزاميته (الفقرة الأولى)، وكيف يتم وضعه وما مسطرة اعتماده وتعديله (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: القيمة القانونية للنظام الداخلي للبرلمان
يشكل النظام الداخلي للبرلمان امتدادا للدستور والقواعد المؤطرة لاشتغال النسق السياسي، إذ يعتبره البعض مرآة للتوازنات السياسية والفكر الدستوري الذي وضعت فيه، وهو خلاصة التفاعل بين متطلبات التطوير وضرورات الاستقرار في أعمال البرلمان[37]، باعتباره ذو طبيعة متحركة يتفاعل مع المتغيرات السياسية والدستورية، مما يجعله مرنا قابلا للتغيير والتعديل. في هذا السياق نص المشرع الدستوري المغربي في الفصل 69 من الدستور على أن يضع كل من المجلسين نظامه الداخلي ويقره بالتصويت، ولكن لا يجوز العمل به إلا بعد أن تصرح المحكمة الدستورية بمطابقته لأحكام الدستور. يستفاد من هذا الفصل أن العمل بالنظام الداخلي للمجلس البرلماني يتوقف على تصريح المحكمة الدستورية بمطابقة مقتضياته لأحكام الدستور؛ وهنا نستحضر سؤالا أثاره الفقه حول مرتبة النظام الداخلي للبرلمان في هرمية القواعد القانونية، لاسيما في التطبيق المغربي. فبعض الفقه ذهب إلى اعتبار النظام الداخلي للبرلمان يأتي في مرتبة ثالثة بعد الدستور والقوانين التنظيمية، من حيث كونه يكتسي طبيعة دستورية؛ في حين يرى آخرون أن النظام الداخلي للبرلمان يحتل نفس مرتبة القانون العادي، إذ له قوة القانون ويوازيه؛ أما أصحاب الرأي الثالث فيضعون النظام الداخلي للبرلمان في مرتبة أدنى بعد القوانين العادية، غير أن الإشكال الذي تحيلنا عليه هذه التصنيفات لقيمة أو مرتبة النظام الداخلي للبرلمان هو تحديد نطاقه، إذ يطرح سؤال بهذا الصدد يتمثل في تحديد نطاق الأنظمة الداخلية للبرلمان في الحالات التي يصير فيها، بموجب الدستور، نصا تطبيقيا لهذا الأخير، هل نكون بصدد نص مطلق أم مقيد؟ على هذا الاعتبار ذهب عدد من الفقه إلى القول بأن النظام الداخلي للبرلمان ليس له الصفة القانونية ولا قوته، بل هو نص ذو طابع خاص جدا، وتبعا لذلك يضعه خارج التصنيف أو التسلسل الكلاسيكي للقوانين، إذ لا فائدة من البحث عن وضع للنظام الداخلي للبرلمان ضمن هرمية القواعد القانونية.
تتأسس القيمة القانونية للأنظمة الداخلية للبرلمان على كونه ذو طابع خاص، يجعله محتلا لمكانة تختلف باختلاف النص الذي يقارن به، فالنظام الداخلي للبرلمان تستند منزلته بالنسبة للدستور في كونه يعتبر جزء متمما له، دون أن يحتل نفس المرتبة والمكانة والسمو الذي يحتله الدستور[38]. ذلك أن المقتضيات الدستورية تأتي مجملة تنأى عن التفصيل، ولهذا أكد المشرع الدستوري على وضع النظام الداخلي الذي يفترض أن يفصل ما أجمله النص الدستوري، وتبعا لذلك فإن الأساس الدستوري والاختصاصات الموكولة للأنظمة الداخلية للبرلمان التشريع فيها، بموجب الدستور، يمنحها طبيعة النصوص التطبيقية للدستور. وهذه الطبيعة الخاصة التي يتمتع بها النظام الداخلي للبرلمان تتواءم مع كونه ينظم سير مؤسسة دستورية ذات أهمية بالغة في النظام السياسي، إذ تكون له تأثيرات سياسية كبرى، لأن النظام الداخلي للبرلمان والتأويلات التي تعطى له يشكلان نوعا من القانون الموازي للقواعد الدستورية[39]. وهذا ما أكده الوزير الأسبق الفرنسيMichel Debré في معرض حديثه عن مبررات تدخل الحكومة في المناقشة الخاصة بالنظام الداخلي للمجلس سنة 1959، حيث قال كل ما يهم مسطرة التشريع، وكل ما يهم العلاقات بين المجالس، كل ما يهم العلاقة بين المجلس والحكومة يكون من مقتضيات تجاوز الطبيعة التنظيمية بحد ذاتها، إذ هي مقتضيات ذات نفس دستوري تؤثر على وظائف المؤسسات، وعليه فالنظام الداخلي للبرلمان ذو خاصية دستورية بارزة[40]. ولعل هذا ما جعل المجلس الدستوري الفرنسي يذهب في نفس الاتجاه للقول بأن الأنظمة الداخلية للبرلمان ليست لها قيمة دستورية في حد ذاتها، لكنه يُخضعها للرقابة الدستورية كما نص على ذلك الفصل 61 من الدستور الفرنسي لسنة 1958. وهو نفس الاتجاه الذي سار عليه المشرع الدستوري المغربي، حيث أقر في الفصل 69 من الدستور على سمو الدستور على باقي القواعد القانونية الأخرى، حيث نص على أن يضع كل من المجلسين نظامه الداخلي ويقره بالتصويت، ولكن لا يجوز العمل به إلا بعد أن تصرح المحكمة الدستورية بمطابقته لأحكام هذا الدستور؛ فهو بالتالي يقر للبرلمان حق وضع نظامه الداخلي غير أنه يقيد العمل به بضرورة خضوعه لمراقبة المحكمة الدستورية.
إن هذه الإلزامية في إحالة الأنظمة الداخلية للبرلمان على المحكمة الدستورية لمراقبة مدى مطابقتها لأحكام الدستور، تضع الأنظمة الداخلية للبرلمان في مرتبة واحدة مع القوانين التنظيمية، إذ تشترك هذه الأخيرة مع الأنظمة الداخلية للبرلمان في وجوب إخضاعها للرقابة الدستورية، حيث نص الفصل 132 من الدستور على أنه تحال إلى المحكمة الدستورية القوانين التنظيمية قبل إصدار الأمر بتنفيذها، والأنظمة الداخلية لكل من مجلس النواب ومجلس المستشارين قبل الشروع في تطبيقها لتبت في مدى مطابقتها للدستور. ذلك أن كلا منهما أحال عليه الدستور بيان ما أجمله. إن الطبيعة الدستورية التي يكتسيها كل من القوانين التنظيمية والأنظمة الداخلية للبرلمان تجعل منهما خاضعين للرقابة الإجبارية القبلية، غير أن السؤال الذي يطرح ها هنا، هو ما أثر ذلك على تحديد المرتبة القانونية لهما في هرم القواعد القانونية؟ إن الجواب عن هذا السؤال يقتضي التأمل في المسطرة التي يتم بموجبها وضع كلآ النصين، ذلك أن القوانين التنظيمية على الرغم من أنها تشترك مع الأنظمة الداخلية للبرلمان في وجوب إخضاعها لرقابة القضاء الدستوري، فإنها تتميز عن الأنظمة الداخلية للمجالس البرلمانية من حيث مسطرة اعتمادها، حيث تعتبر المسطرة التشريعية التي يتم إقرار القوانين التنظيمية بموجبها أكثر تعقيدا من تلك المعتمدة في وضع الأنظمة الداخلية للبرلمان، إضافة إلى أن القوانين التنظيمية تتميز بكونها تخضع لعملية إصدار الأمر بالتنفيذ الذي يقوم به رئيس الدولة، إذ ينص الفصل 50 من الدستور على أن الملك يصدر الأمر بتنفيذ القانون خلال الثلاثين يوما التالية لإحالته إلى الحكومة بعد تمام الموافقة عليه، وينشر بالجريدة الرسمية للمملكة خلال أجل أقصاه شهر ابتداء من تاريخ إصداره.
في هذا السياق يرى رشيد المدور أن مبدأ تدرج القواعد القانونية الشكلي، الذي يرتكز على معيارين متدرجين: الأول مرتبة السلطة التي أصدرت القاعدة القانونية، والثاني الإجراءات المتبعة في اتخاذ تلك القاعدة، وعليه فإن اتّحدت مرتبة السلطة، ينظر إلى الإجراءات من حيث تعقيدها أو بساطتها، فالقاعدة التي تصدر وفقا لإجراءات أشد تعقيدا هي الأعلى مرتبة من غيرها[41]. مما يفيد أن الأنظمة الداخلية للبرلمان وإن اشتركت مع القوانين التنظيمية في الخاصية الدستورية، واتحدت في الجهة التي أصدرت كلا منهما، واتفقت من حيث خضوعهما للرقابة الدستورية، فإن الإجراءات المتبعة لإقرار القوانين التنظيمية تظل أكثر تعقيدا من تلك المتبعة في اعتماد الأنظمة الداخلية للمجالس البرلمانية. فبالرجوع إلى مقتضيات الفصل 85 من الدستور التي تنص على أنه لا يتم التداول في مشاريع ومقترحات القوانين التنظيمية من قبل مجلس النواب، إلا بعد مضي عشرة أيام على وضعها لدى مكتبه، ووفق المسطرة المشار إليها في الفصل 84، وتتم المصادقة عليها نهائيا بالأغلبية المطلقة للأعضاء الحاضرين من المجلس المذكور، غير أنه إذا تعلق الأمر بمشروع أو مقترح قانون تنظيمي يخص مجلس المستشارين أو الجماعات الترابية، فإن التصويت عليه يتم بأغلبية أعضاء مجلس النواب. وتأكيدا لهذا التوجه يعتبر بعض الفقه أن النظام الداخلي للبرلمان على الرغم من كونه يعد ذا طبيعة دستورية لأنه ينظم جانبا من النظام السياسي للدولة، فإنه يبقى القانون الداخلي الأقل منزلة من القوانين التنظيمية باعتبار أن الدستور لم يجعله ضمن القوانين التي أوردها على سبيل الحصر. ذلك أن القوانين التنظيمية وفق المفهوم الشكلي هي التي يقرر الدستور بأنها كذلك[42]. وهذا التوجه الذي أقررناه هو ذات التوجه الذي كرسه اجتهاد القضاء الدستوري، حيث لم يقتصر في مراقبته لمدى مطابقة الأنظمة الداخلية للبرلمان للدستور على هذا الأخير، بل تعداه لتشمل المطابقة كل القوانين التنظيمية المنبثقة عن الدستور[43]. وعليه فإن منزلة النظام الداخلي للبرلمان في سلم تدرج القواعد القانونية، في مرتبة أدنى من القوانين التنظيمية.
إن النقاش النظري بشأن مرتبة الأنظمة الداخلية للبرلمان، لاسيما بالنسبة للقوانين العادية، يجد مبرره في عدد من الاعتبارات؛ أولها، أن الأنظمة الداخلية للبرلمان كانت في السابق تسمى بالقانون الداخلي وهو ما يطرح سؤال الفرق بينه وبين باقي القوانين، حيث أن العمل بهذا المصطلح استمر إلى حدود سنة 1995 التي سيذهب فيها القضاء الدستوري إلى تغيير المصطلح إلى النظام الداخلي. وثانيها، أن الاجتهادات الصادرة عن القضاء الدستوري تتسم بنوع من الاضطراب، فهي تارة لا توضح مكانة النظام الداخلي للبرلمان بالنسبة للقانون العادي[44]، وتارة أخرى تقر صراحة بأن النظام الداخلي للبرلمان يأتي في مرتبة أدنى من القانون العادي[45]؛ أما الثالثة، فهي تتحدد في أن الأنظمة الداخلية للبرلمان تحال إجباريا وبشكل قبلي على القضاء الدستوري لمطابقتها لأحكام الدستور، في حين أن القوانين العادية لا يتم إحالتها إلا بشكل اختياري؛ والرابعة، أن المشرع الدستوري لم يحسم بشكل صريح في مسألة مرتبة النظام الداخلي للبرلمان بالنسبة للقوانين العادية، فعلى خلاف ما ذهب إليه رشيد المدور من كون الفقرة الأخيرة من الفصل 10 من دستور 2011 تضمنت ما يشكل جوابا حاسما يقطع دابر كل خلاف بهذا الشأن، حيث إن هذا الفصل لما حدد الحقوق التي يضمنها الدستور للمعارضة للنهوض بمهامها على الوجه الأكمل في العمل البرلماني والحياة السياسية، نصت الفقرة الأخيرة على أن كيفيات ممارسة فرق المعارضة لتلك الحقوق تحدد بموجب نصوص تشريعية، وقد رتب المشرع هذه النصوص ترتيبا بحسب درجتها في سلم القواعد القانونية، فذكر القوانين التنظيمية أولا، والقوانين العادية ثانيا والأنظمة الداخلية للبرلمان في المرتبة الأخيرة[46]، غير أنه بالعودة إلى النص الدستوري، نجده يستعمل عبارة “أو”، ومعلوم أن “أو” لا تفيد الترتيب بقدر ما تفيد التخيير، ولو أن المشرع الدستوري أراد أن يرتبها من الأول للثاني لاستعمل “ثم” عوض “أو”.
على هذا الأساس فإن تحديد مرتبة النظام الداخلي للبرلمان أمر صعب، لاسيما إذا استحضرنا أن بعض الفقه يرى عدم جدوى البحث في مرتبته إذ لا يحوز قوة القانون ولا صفته[47]، ذلك أن القرارات ذات الطبيعة الداخلية لا تأخذ وضعها إلا باعتبار خضوعها، لا باعتبار سلطتها على قواعد أدنى منها. ولا يبقى لنا في هذا الصدد، إلا التشبث ببعض القرارات الصادرة عن القضاء الدستوري التي تضع الأنظمة الداخلية للمجالس البرلمانية في مرتبة أدنى من تلك التي تحتلها القوانين العادية، على الرغم من أننا نؤكد على أنه لا يمكن أخذها على إطلاقها، إذ أن معظمها صدر قبل المراجعة الدستورية لسنة 2011، وأما بعد هذه المراجعة فلا يكاد يوجد نص حاسم للنقاش حول تراتبية الأنظمة الداخلية للبرلمان بالنسبة للقوانين العادية.
وبغض النظر عن مكانة الأنظمة الداخلية للمجالس البرلمانية وتراتبيتها بالنسبة للقوانين العادية أو حتى غيرها، فهي تتمتع بقوة ملزمة لكل من أعضاء مجلس النواب ومجلس المستشارين، باعتبارهما المخاطبين بهذه الأنظمة الداخلية أولا، وملزمة لمن يفدون على المجلسين من زوار وصحفيين وموظفين وأعضاء الحكومة، وهي من أهم خصائص القاعدة القانونية (الإلزام)، إذ أن النظام الداخلي منوط به تحديد كيفيات وضوابط تفعيل عدد من أحكام الدستور الواردة في فصوله 10 و61 و68 و69 و174، الأمر الذي يمنح النظام الداخلي طبيعة النص التطبيقي للدستور، وهذا ما يؤكد على الطبيعة القانونية لمقتضيات الأنظمة الداخلية للبرلمان، بالنظر إلى كونها ملزمة للمخاطبين بها. وقد أكد القضاء الدستوري هذه الطبيعة القانونية الملزمة لمقتضيات الأنظمة الداخلية للبرلمان في مقرر الغرفة الدستورية عدد 1 بأنها مقتضيات داخلية متعلقة بتسيير المجلس ترمي إلى تقييد أعضائه وحدهم[48]. وحيث أننا بينا في بداية هذه الدراسة أن الأنظمة الداخلية للبرلمان تعد بمثابة قانون داخلي يتم التعهد ضمنا باحترام أحكامه بمجرد إقراره بالتصويت من قبل البرلمان، فهذا يمنحه قيمة دستورية تجعل العمل بمقتضياته أمرا قانونيا ملزما لكافة المخاطبين به الذين عليهم الامتثال له، سواء كانوا أغلبية أو معارضة، أعضاء أو وافدين على المجلس كأعضاء الحكومة والزائرين، وبالتالي فالإجراءات والتدابير المتخذة في حدود المجلس والتي سنتها الأنظمة الداخلية للمجالس البرلمانية، تعتبر قواعد قانونية مقترنة بجزاء، وعلى سلطات المجلس أن تضمن تطبيقها[49]. وإذا كانت إلزامية الأنظمة الداخلية للمجالس البرلمانية واضحة بالنسبة للمخاطبين بها، فإن هذه الأنظمة الداخلية تطرح علامة استفهام بالنسبة لمدى الزاميتها للمجالس اللاحقة، لاسيما وأن الفصل 69 من الدستور ينص على أن يضع كل من المجلسين نظامه الداخلي ويقره بالتصويت، إلا أنه لا يجوز العمل به إلا بعد أن تصرح المحكمة الدستورية بمطابقته لأحكام الدستور، فهل هذا النص يفيد أن المجلس ملزم بوضع نظام داخلي جديد في بداية كل فترة تشريعية جديدة، أم يفيد أن النظام الداخلي الذي وضعه المجلس وأقره بالتصويت وتم التصريح بمطابقته لأحكام الدستور ملزم للمجالس اللاحقة؟
يستمد هذا السؤال مشروعيته من كون البرلمان يشهد، في كل ولاية تشريعية، حالة فراغ طويلة تبتدئ من يوم تشكيل لجنة إعداد المسودة الأولى لمشروع النظام الداخلي للمجلس، مرورا بمراحل عرضه على اللجنة المختصة والدراسة والتصويت عليه في الجلسة العامة وإحالته على القضاء الدستوري، وصولا إلى دراسة قرار المحكمة الدستورية والنظر فيما إذا كانت هناك حاجة إلى إدخال تعديلات من أجل الملاءمة مع هذا القرار، ومن ثمة إحالتها على القضاء الدستوري، فيظل المجلس المعني طوال هذه الفترة بدون نظام داخلي إلى حين اعتماده نظاما داخليا آخر[50]. والسبب في استمرار حالة الفراغ التشريعي، هو الاعتقاد بأن النص الدستوري يفيد ضرورة وضع نظام جديد لكل فترة تشريعية، والجدير بالذكر أن الفصل 69 صيغ بعبارة غير قطعية من حيث دلالتها، ما يفتح الباب أمام تعدد القراءات وتباينها. يذهب خالد السموني إلى أنه ينبغي على نواب الأمة أن يضعوا نظامهم مباشرة بعد تشكيل المكتب المسير للمجلس وانتخاب رئيسه بناء على أن النظام الداخلي السابق وضعه المجلس المنتهية مهامه، وبما أن النظام الداخلي نظام خاص بالنواب، فإنه يحق لنواب المجلس الحالي وضع نظام يتلاءم وطريقة العمل البرلماني التي يريدون السير عليها، وقد تكون مختلفة عن الطريقة التي أرساها النواب السابقون[51]. وهو نفس الاتجاه الذي ذهب إليه إدريس الشرادي، حيث يقول أن كل الدساتير التي عرفها المغرب نصت على أن يضع مجلس النواب في بداية أعماله من السنة الأولى التشريعية قانونه الداخلي بنفسه ويصادق عليه بالتصويت[52]. بل إن خالد السموني ذهب إلى نفي الصواب عن الرأي القائل باستمرارية العمل البرلماني بما أن المؤسسة البرلمانية تتجدد كل ست سنوات عن طريق الانتخاب على حدّ قوله. والمتأمل في هذه الاعتبارات التي تندرج ضمن التفسير الضيق للنص الدستوري، يجد أن فيها نظر، ذلك أن ما أفاد به خالد السموني من نفي الاستمرارية لمجرد تجدد الانتخابات كل ست سنوات لا تنفي عن القرارات الصادرة عن المجلس استمرارية العمل بها، سواء التي تأخذ طابع القانون أو تلك التي تدخل ضمن النظام الداخلي للبرلمان، أما ما أورده إدريس الشرادي فهو لا يعدو أن يكون تقريرا لما جرى به العمل في السابق، مع أن قوله أن جميع الدساتير نصت على أن يضع المجلس في بداية أعماله من السنة الأولى التشريعية قانونه بنفسه، غير وارد في الدساتير.
في حين يرى أصحاب الاتجاه الثاني، أن المشرع الدستوري حين نص على أن يضع كل من المجلسين نظامه الداخلي ويقره بالتصويت، لكن لا يجوز العمل به إلا بعد أن تصرح المحكمة الدستورية بمطابقته لأحكام الدستور، إنما أراد التنصيص على سيادة البرلمان في وضع نظامه واستقلاليته واختصاصه في ذلك، وعلى ضرورة وجود نظام يبين طريقة سير العمل داخل المجلس وأسلوب ممارسة العمل البرلماني، ثم على أن إقراره بالتصويت يلزم كافة الأعضاء، إضافة إلى أنه يتم إخضاعه للرقابة الدستورية قبل بدأ العمل به. وعليه فإن النص ليس فيه ما يفيد أن المجلس ملزم عند بداية كل ولاية تشريعية بوضع نظام جديد أو تعديل السابق؛ إذ أن وضع النظام الداخلي أول مرة يعد بمثابة تجسيد لإرادة المشرع الدستوري، اللهم إلا إذا حدث أن تغير الدستور بشكل جوهري يؤثر على العلاقات بين السلطات ويمس بالقواعد الخاصة بالعمل البرلماني، يكون البرلمان والحالة هذه ملزما بوضع نظام جديد يراعي التغيرات الحاصلة على مستوى الوثيقة الدستورية. وهذا ما أكده المجلس الدستوري في قرار رقم 13/928 بتاريخ 14 نوفمبر 2013، بأن النظام الداخلي لمجلس المستشارين المعروض على نظره يتعذر البت فيه، لأن المجلس استثنى 82 مادة مما أحاله من مواد، وهي مواد سبق أن صرح المجلس الدستوري بأنها مطابقة للدستور، ولم يجر عليها مجلس المستشارين أي تعديل. وعلّل المجلس الدستوري رفضه البت في ما أحيل عليه، بأنه وإن كان لا شيء يحول دون احتفاظ مجلس المستشارين في نظامه الداخلي بعدد من مقتضيات النظام الداخلي السابق غير المتعارضة مع أحكام الدستور، فإن إحالة نظام داخلي على المجلس الدستوري، بعد دخول هذا الدستور حيز التنفيذ، في شكل تعديلات على النص الأصلي ودون تضمينه النص الكامل لكافة مواده، يجعل هذا النظام لم تراع في وضعه أحكام الفصل 69 من الدستور[53]. إن اقتصار مجلس المستشارين على إحالة المواد المعدلة دون المواد التي لم يشملها التعديل من النظام الداخلي إلى القضاء الدستوري، سيكون صحيحا لو أنه وقع في نطاق نفس الدستور الذي وضعت فيه تلك المواد المصرح بمطابقتها للدستور، أما وقد دخل الدستور الجديد حيز النفاذ، فإن المجلس ملزم بوضع نظام جديد وإقراره بالتصويت وإحالته بمجموع مواده على المحكمة الدستورية لتبت في مطابقته للدستور قبل الشروع في العمل به.
وترجيحا بين الرأيين، ذهب رشيد المدور إلى القول بأن النظام الداخلي للبرلمان الذي وضعه المجلس البرلماني السابق وفقا للشروط المنصوص عليها في الدستور، يسري أيضا على المجلس اللاحق ويلزمه، مع العلم أن لهذا الأخير الحق في مراجعته وتعديله[54]. وقد استند في ما خلص إليه على أمور عدة، نجملها في الآتي:
- النظام الداخلي للبرلمان الذي وضعه مجلس منتخب ومخول بموجب الدستور لوضعه وأقره بالتصويت وصرح القضاء الدستوري بمطابقته للدستور، يستوجب اتصاف مقتضياته بالعمومية والاستمرارية؛
- لا يجوز إلغاء قانون أو تعديله إلا وفقا لمسطرة تشريعية منصوص عليها، ما يفيد أن الاستمرارية قائمة؛
- لا يعقل أن يتم التصويت على قانون سبق أن أقره بتصويت سابق؛
- القضاء الدستوري لا يرى موجبا للبت من جديد في دستورية مواد سبق التصريح بمطابقتها للدستور إعمالا للحجية المطلقة التي تكتسيها قراراته؛
- ثم إن ما جرى به العمل من وضع نظام جديد بداية كل ولاية تشريعية غير مبرر قانونيا؛
- إضافة إلى أن التجارب المقارنة لا توجد فيها نظير لهذه الممارسة يمكن التأسيس عليه.
ولئن كان مجلس برلماني ما ملزما بوضع نظامه الداخلي الذي من الممكن أن تلزم مقتضياته حتى نفس المجالس اللاّحقة، فإنه لا يلزم المجلس الآخر، إلا في حدود الاستثناءات التي نص عليه الدستور، من أن الاجتماعات المشتركة بين مجلسي البرلمان تنعقد برئاسة رئيس مجلس النواب، وكذا في الحالة الفريدة المنصوص عليها في الفصل 174 من الدستور. وعلى الرغم من أن كل مجلس له السيادة في وضع نظامه الداخلي إلا أنه يظل مقيدا بضرورة مراعاة التناسق والتكامل ، ذلك أن الفصل 69 من الدستور يؤكد على أنه يتعين على المجلسين في وضعهما لنظاميهما الداخليين، مراعاة تناسقهما وتكاملهما، ضمانا لنجاعة العمل البرلماني.
الفقرة الثانية: النظام الداخلي للبرلمان: مسطرة وضعه وتعديله
يختص المجلس البرلماني بوضع نظامه الداخلي تأكيدا لسيادته واستقلاليته في تدبير شؤونه الداخلية، وتكريسا لمبدأ فصل السلط، إذ أن وضع المجلس لنظامه الداخلي يكون أدعى للالتزام به من لدن أعضاءه. إن انفراد البرلمان بوضع نظامه الداخلي وتدبير شؤونه الداخلية يشكل مظهرا من مظاهر استقلالية السلطة التشريعية عن التنفيذية، ذلك أن إضفاء الاستقلالية على السلطة التشريعية رهين بانفرادها في صياغة القواعد التشريعية التي تحدد بموجبها كيفية ضبط عملها وسيره. وهذا التوجه هو ما أكده المشرع الفرنسي حيث نصت المادة 82 من النظام الداخلي للجمعية الوطنية، أن هذا الأخير لا يتضمن إلا التدابير ذات الطابع الداخلي التي تهم تسيير وقواعد الانضباط بالجمعية التي يعود إليها دون غيرها الاختصاص في هذا الشأن. وبالعودة إلى الفقرة الأولى من نفس المادة نجدها تشير إلى أن زمام المبادرة بيد أعضاء البرلمان فقط، إذ تم استعمال لفظ “مقترحات” les propositions عوض لفظ “المشاريع” les projets التي تكون بمبادرة حكومية[55].
على هذا الأساس لقيت مشاركة الحكومة في المناقشة العامة المتعلقة بالأنظمة الداخلية لمجلسي البرلمان الفرنسي، واحتج بعض البرلمانيين بأن النظام الداخلي للمجالس البرلمانية شأن داخلي خالص، وهو المجال الوحيد الذي بقي من السيادة البرلمانية ويجب على الحكومة أن تنأى عن التدخل في نقاشه. في هذا الصدد يرى Michel Debré أن مناقشة الحكومة للنظام الداخلي للجمعية الوطنية، وإن كان مستغربا من البعض، فإنه ممكن قانونا وضروري سياسيا، لأنه من ناحية القانون، النظام الداخلي لمجلس برلماني، ليس مسألة هينة فمن دون شك أن النظام الداخلي يتضمن عددا من التدابير ذات الطبيعة الداخلية لا تأثير لها على مجرى الشؤون العامة وتهدف إلى الانضباط الذي هو ليس فقط حق للمجلس، وإنما واجب عليه فرضه.[56] وإذا كنا نتفق مع ما ذهب إليه ميشال ديبري من كون الأنظمة الداخلية تتجاوز المجال الداخلي الخالص، إلى تنظيم علاقات المجلس مع باقي المؤسسات وهي هنا تتخذ صفة الدستورية، فإننا لا نجد مبررا لتخوف السلطة التنفيذية من الأنظمة الداخلية للبرلمان، إذا ما استحضرنا تقنيات العقلنة البرلمانية التي تكبل عمل السلطة التشريعية، وعلى رأسها وجوب مراقبة دستورية الأنظمة الداخلية للبرلمان بشكل قبلي على الشروع في العمل بها. بالإضافة إلى أن المشرع الدستوري نص على معظم المقتضيات المتعلقة بالقانون البرلماني في صلب الوثيقة الدستورية أو في القوانين التنظيمية، الأمر الذي لا يدع للحكومة مبررا تتجاوز معه متطلبات احترام استقلالية البرلمان في وضع أنظمته الداخلية. على هذا الأساس يرى رشيد المدور أنه لا حاجة تدعو إلى مشاركة الحكومة في مناقشة النظام الداخلي للمجلس البرلماني، ما دام هناك جهاز مستقل قضائي يحرص على أن لا يخرج هذا النظام الداخلي عن الحدود المرسومة له دستوريا[57].
وبالنظر إلى أهمية الحفاظ على استقلالية البرلمان واختصاصه في وضع نظامه الداخلي، وباعتبار الدور الذي يلعبه القضاء الدستوري في الحفاظ على مطابقة الأنظمة الداخلية للمجالس البرلمانية لأحكام الدستور، وبالنظر إلى كون الحكومة يمكنها، من خلال أغلبيتها في البرلمان، متابعة مجريات مناقشة ودراسة وإقرار النظام الداخلي للمجلس البرلماني، إذ يمكنها عبر أغلبيتها تمرير كافة الملاحظات والتعديلات التي تراها مناسبة، فإنه لا يوجد مبرر لمشاركة الحكومة في المداولات الخاصة بالنظام الداخلي للبرلمان، خاصة إذا ما استحضرنا أن القضاء الدستوري يتلقى من الحكومة وكافة الأطراف المعنية الملاحظات التي يمكن أن يدلوا بها، بمناسبة البتّ، من قبل المحكمة الدستورية، في مطابقة الأنظمة الداخلية للمجالس البرلمانية للدستور تكريسا للمسطرة التواجهية[58].
وعلى الرغم من كون مبدأ استقلالية البرلمان تستلزم انفراده بوضع نظامه الداخلي والتصويت عليه، فإن هذا مشروط بمراعاة مبدأي التناسق والتكامل، فإذا كان الأول يمنع التداول بالتتابع بين مجلسي البرلمان في النظام الداخلي لكل منهما، فإن الثاني يقتضي مراعاة التكامل بينهما في وضعهما لنظاميهما الداخليين. ذلك أن الفصل 69 من الدستور يشير إلى أن المجلس البرلماني حين يضع نظامه الداخلي “يقره بالتصويت”، ولم يقل المشرع الدستوري أن المجلسين معا يقرّانه بالتصويت، وهذا يعني أن المجلس يضع النظام الداخلي لوحده ويصوت عليه لوحده ويقترح التعديلات لوحده دون الحاجة للتداول مع المجلس الآخر أو التصويت من قبله على النظام الداخلي ليتم إقرار العمل به؛ وهذا يتفق ومبدأ استقلالية كل مجلس عن الآخر. ولابد من التمييز في هذا الصدد بين المسطرة التي أشرنا لها آنفا المتعلقة بالنظام الداخلي للبرلمان، وبين ما أشار له الفصل 84 من دستور 2011، التي تخص مقترحات ومشاريع القوانين، إذ يتداول بشأنها بين كلا المجلسين للتوصل إلى المصادقة على نص واحد.
تأسيسا على ذلك، ينفرد كل مجلس برلماني بوضع نظامه الداخلي والتصويت عليه، وبالتالي فحق المبادرة باقتراح النظام الداخلي أو تعديله هو حق خالص للمجلس البرلماني يمارسه بشكل مستقل عن المجلس الآخر. ولهذا أكد المشرع الدستوري في الفصل 69 على مراعاة المجلسين للتناسق والتكامل عند وضعهما لنظاميهما الداخليين، لأن كل واحد من المجلس يفترض أن يضع نظامه بشكل مستقل عن الآخر.
وعليه فإن النظام الداخلي يلزم المجلس الذي وضعه وأقره بالتصويت فقط، ولا يلزم الغير، وهذا ما نص عليه المقرر عدد 1 الصادر عن الغرفة الدستورية، إذ صرحت هذه الأخيرة بأن مقتضيات النظام الداخلي مقتضيات داخلية ترمي إلى تقييد أعضائه وحدهم، ولا يمكن أن يضاف إليها ما يؤدي إلى تقييد الغير.[59] وهو الأمر الذي عمل المجلس الدستوري على تكريسه حين صرح بعدم دستورية المادة 85 من النظام الداخلي لمجلس المستشارين، لأنها بما تنطوي عليه من تدخل لأعضاء من مجلس المستشارين في عمل مجلس النواب تُخلّ بمبدأ استقلال المجلسين عن بعضهما البعض[60]. ولضمان النجاعة البرلمانية، فإنه لا ينبغي أن يعمل بمبدأ استقلالية المجلس البرلماني بمعزل عن مبدأي التناسق والتكامل، ذلك أن التدابير والإجراءات التي تؤخذ على مستوى مجلس يجب أن تتّسق وما هو مقرر في المجلس الآخر، حتى تكون تدابيرهما تتناغم بما يفضي إلى التعاون بين المجلسين، بالنظر إلى كون المجلسين ليسا برلمانين منفصلين، بل هما غرفتين لبرلمان واحد. وتجدر الإشارة إلى أن ما تم دسترته في هذا السياق على مستوى الفصل 69 من دستور 2011، القاضي بمراعاة التناسق والتكامل، إنما هو نتيجة لسابقة برلمانية تتمثل في تشكيل مجلسي البرلمان (النواب والمستشارين) في متم دورة 1999، لجنة برلمانية مختلطة من 8 أعضاء، أربعة من كل مجلس، مكلفة بالملاءمة بين النظامين الداخليين لكل من المجلسين، حيث عقدت منذ تشكيلها 7 اجتماعات إلى غاية يوم الثلاثاء 28 مارس 2000، وقدمت تقريرها إلى رئيسي المجلسين بتاريخ الخميس 13 أبريل 2000. وذلك استجابة للتعليمات الملكية التي تضمنتها الخطب التوجيهية، الملقاة بمناسبة افتتاح السنة التشريعية، حيث ورد في خطاب للملك الحسن الثاني بتاريخ 9 أكتوبر 1998: والنقطة الأخيرة التي أريد أن أثير انتباهكم إليها أعضاء المجلسين الموقرين، هي إن كان بالإمكان في هذه الدورة، وبكيفية سريعة أن تلائموا أكثر ما يمكن بين القانونين الداخليين لمجلس النواب ومجلس المستشارين، فإذا أنتم وصلتم إلى نتيجة إيجابية في هذا الموضوع وفي هذا الميدان فسيكون ذلك خطوة إيجابية ستسهل على الجميع برلمانا وحكومة العمل للنظر جديا في القوانين وبدون ضياع الوقت. ويجب أن يكون التبادل المكوكي للقوانين بين الغرفتين محاطا بجميع الشروط وبجميع الوقائيات حتى يكون في أحسن ما يمكن وحتى يمر على أحسن ما يرام[61]. وذكر الخطاب الملكي بتاريخ 8 أكتوبر 1999: إننا ننتظر من الغرفتين تنقيح تنظيمهما الداخليين مع التنسيق بينهما عن طريق لجان مشتركة اعتبارا منا أنهما ليسا برلمانين منفصلين ولكن غرفتان لبرلمان واحد ينبغي العمل فيه على عقلنة المناقشات ورفع مستواها وتفادي تكرارها وحسن تدبير الزمن المخصص لها سواء في أعمال اللجان أو الجلسات العامة تطلعا لممارسة أرقى ومنجزات أكثر.[62] وقد تم تنزيل التوصيات التي قدمتها اللجنة بمقتضى المراجعة التي تم المصادقة عليها بتاريخ 29 يناير 2004، حيث تضمنت مجموعة من النقط المستجدة التي يمكن إجمالها في الآتي:
- تسمية الباب السابع من الجزء الثالث المتعلق بالتشريع بعلاقة مجلس النواب بمجلس المستشارين؛
- إخبار رئيس مجلس المستشارين بمستجدات مجلس النواب؛
- إيقاف دراسة مقترح قانون سبق إيداع نظير له في المجلس الآخر؛
- تقديم كل لجنة معنية مقترحات القوانين المحالة من مجلس المستشارين؛
- الاتفاق على كيفية تشكيل اللجان الثنائية المختلطة وهيكلتها ونظامها؛
- إمكانية عقد اجتماعات مشتركة بين اللجان في المجلسين.
وتفعيلا لمقتضيات هذا الفصل 69، أحدث البرلمان لجنة تنسيق مشتركة بين مجلسي البرلمان، بموجب رسائل متبادلة بين رئيسي المجلسين، تحددت مهمتها في تعميق النظر في المقترحات المشتركة المتعلقة بالنظامين الداخليين لمجلسي البرلمان. شرع القضاء الدستوري المغربي في تكريس هذا المعطى الخاص بضرورة مراعاة التناسق والتكامل بين النظامين الداخليين لمجلسي البرلمان، انطلاقا من القرار رقم 924 الصادر عن المجلس الدستوري بتاريخ 22 أغسطس 2013، حيث قام المجلس الدستوري بمراقبة مدى التناسق والتكامل كونه من الإجراءات الواجب احترامها بمناسبة أي تعديل أو وضع للنظام الداخلي لأي مجلس برلماني، إذ صرح بمناسبة فحص الإجراءات على أنه يتبين من الوثائق المدرجة في الملف أن النظام الداخلي لمجلس النواب وضعه هذا المجلس بمراعاة التنسيق والتكامل المتعين بينه وبين مجلس المستشارين، كما يشهد بذلك محضر لجنة التنسيق بين المجلسين، المؤرخ في 29 يوليو 2013[63]. إن عبارة المشرع الدستوري “ويقره بالتصويت” تدلُّ على إرادة الأول في إقرار النظام الداخلي للمجلس البرلماني بالتصويت عليه لكونه نصا تشريعيا، ما يفيد بالتبعية على أنه يخضع لنفس المسطرة التشريعية التي تمر منها باقي النصوص القانونية الصادرة عن البرلمان، والتي تتمثل في[64]:
- وضعه مقترحا في مكتب المجلس المعني؛
- إحالته للنظر فيه على اللجنة المختصة؛
- التداول بشأنه والتعديل فيه من قبل أعضاء المجلس؛
- مناقشته في الجلسة العامة وفق جدول أعمال محدد من طرف مكتب المجلس؛
- اعتباره موافقا عليه بأغلبية الأصوات المعبر عنها.
وتجدر الإشارة إلى أن المشرع المغربي استثنى النظام الداخلي من مسطرة التداول بالتتابع بين المجلسين، والتصويت عليهما من طرف المجلسين للتوصل لنص واحد، كما أنه لا يخضع لعملية الإصدار إذ لا يتم إحالته على الملك لإصدار الأمر بتنفيذه، ولا يخضع لنفس نوعية الإحالة على القضاء الدستوري التي يتم بموجبها إحالة القوانين العادية لكنه يحال بشكل إجباري على المحكمة الدستورية لمطابقته مع الدستور، ثم إن مسألة العمل به تتم بمجرد التصريح بالمطابقة مع الدستور، ولا يتوقف الشروع في العمل به على نشره في الجريدة الرسمية. واللاّفت للنظر أن مسطرة تعديل الأنظمة الداخلية للبرلمان هي نفسها المقررة بالنسبة لعملية وضعه، ما عدى اشتراط نصاب العشر من أعضاء المجلس كحد أدنى لقبول الإحالة إلى اللجنة المختصة للنظر في أي اقتراح تعديل للنظام الداخلي.
[1] – شادي ياسين. المعرفة العلمية: مفاهيم أساسية، مقال صادر عن مركز معارف للدراسات والأبحاث، تاريخ النشر 20 -أبريل- 2021، http://maarifcenter.ma/?p=1432.
[2] – رشيد المدور. إشكالية النظام الداخلي للبرلمان في ضوء الدستور: دراسة دستورية تحليلية، سلسلة مؤلفات وأعمال جامعية، العدد 111، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، الطبعة الأولى، الرباط 2016، ص 55.
[3] – أوليفه دو هاميل وأيف مونييه. المعجم الدستوري، ترجمة منصور القاضي، مراجعة زهير شكر، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، بيروت 1996، ص1191.
[4] – Pierre Avril & Jean Gicquel. Droit parlementaire, 4e édition, Montchrestien, 2010, p: 7 et 8.
[5] – ورد هذا التعريف ب: “سليمان بطارسة وفايز محمد عبد الرحمان، الإطار الدستوري للنظام الداخلي للبرلمان الأردني، مجلة جامعة عمان العربية للبحوث، سلسلة البحوث القانونية، المجلد الأول، العدد الأول، سنة 2018، ص 161”.
[6] – Gerard Cornu, Vocabulaire juridique, Puf-Quadrije, 8e édition, Paris 2007, p: 790.
[7] – Paul Bastid. Les Institutions politiques de la monarchie parlementaire française (1814-1848), Sirey, 1954, p:260.
[8] – مصطفى فهمي أبو زيد. النظام البرلماني اللبناني، دار الحامد للنشر والتوزيع، بيروت، 1969، ص319.
[9] – عادل الطبطباني. النظام الدستوري في الكويت، دراسة مقارنة، الطبعة الخامسة، كلية الحقوق، جامعة الكويت، 2009، ص867.
[10] – Pierre Avril & Jean Gicquel. Droit parlementaire, op, cit.,p: 9
[11]– Sophie de Cacqueray. Le conseil constitutionnel et les règlements des assemblées, Economica, Paris, 2001, p678 et 679.
[12]– Yves Guchet. Droit parlementaire, Economica, Paris, 1996, p7.
[13] – علي الصاوي. نحو خطة لتطوير عمل المجالس البرلمانية العربية، ضمن تطوير العمل البرلماني العربي، أوراق الندوة البرلمانية العربية، المركز اللبناني للدراسات، الطبعة الأولى، بيروت ماي 2000، ص 295.
[14] -Décision n° 59-2 DC du 24 juin 1959 (Règlement de l’Assemblée nationale) et Décision n° 59-3 DC du 25 juin 1959 (Règlement du Sénat).
[15] – الغرفة الدستورية. المقرران عدد 1 و2، بتاريخ 31 ديسمبر 1963، يتعلقان بالقانونين الداخليين، الأول لمجلس النواب والثاني لمجلس المستشارين، المنشوران بالجريدة الرسمية عدد 2672 بتاريخ 24 شعبان 1383 (10 يناير 1964)، ص 50 و53.
[16] – الغرفة الدستورية. المقرران عدد 17 و65، يتعلقان بالقانون الداخلي لمجلس النواب، الصادران على التوالي بتاريخ 19 يوليو 1979 (غير منشور بالجريدة الرسمية) و21 يونيو 1982 المنشور بالجريدة الرسمية عدد 3642، 18 أغسطس 1982، ص 1045.
[17] – المجلس الدستوري. القرار رقم 405-2000، الصادر بتاريخ 28 يونيو 2000، الجريدة الرسمية عدد 4615 بتاريخ 17 يوليو 2000، ص 2038.
[18] – المجلس الدستوري. القرار رقم 829-2012، الصادر في 4 فبراير 2012، الجريدة الرسمية عدد 6021، بتاريخ 13 فبراير 2012، ص 655.
[19] – علي الصاوي. مشروع لائحة جديدة لمجلس الشعب، دار النهضة العربية، القاهرة، 2001، ص 7.
[20] – رشيد المدور. إشكالية النظام الداخلي للبرلمان في ضوء الدستور، مرجع سابق، ص 61.
[21] – ظهير شريف رقم 1.11.91 صادر في 27 من شعبان 1432 (29 يوليو 2011) بتنفيذ الدستور، الصادر بالجريدة الرسمية عدد 5964 الصادر بتاريخ 28 شعبان 1432 (30 يوليو 2011).
[22] – سليمان بطارسة وفايز محمد عبد الرحمان. الإطار الدستوري للنظام الداخلي للبرلمان الأردني، مرجع سابق، 163.
[23] – رشيد المدور. إشكالية النظام الداخلي للبرلمان في ضوء الدستور، مرجع سابق، ص 74.
[24] – ولید شریط. مشاركة الحكومة البرلمان في ممارسة وظیفة التشریع في ظل الدساتير المغاربية، دراسة مقارنة، جامعة دحلب البلیدة، ص1.
[25] – محمد سرار. العقلنة البرلمانية بالمغرب ومجالات التدخل الحكومي في مجال التشريع في ظل دستور 2011، مجلة العلوم السياسية والقانون، العدد 18، مجلد 03، نوفمبر 2019، ص 90.
[26] – Eric Thiers. L’opposition sous la protection du droit parlementaire: une vieille idée neuve, sous la direction de Olivier Rozenberg et Eric Thiers, la documentation française, 2013.
[27] – Baptiste Javary. Vers un statut constitutionnel pour l’opposition?, le petit juriste, 19 février 2012, www.lepetitjuriste.fr.
[28] – Henri Jozefowiez. La réforme des règlements des assemblées parlementaires: entre impératifs constitutionnels, amélioration du débat et ouverture au pluralisme, Revue française de droit constitutionnel, n° 82, mars 2010, p 329.
[29] – محمد سرار. العقلنة البرلمانية بالمغرب ومجالات التدخل الحكومي في مجال التشريع في ظل دستور 2011، مرجع سابق، ص 90.
لمزيد من الاطلاع ينظر كتاب: محمد أتركين. دعوى الدفع بعدم الدستورية في التجربة الفرنسية، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، 2013.
[30] – مصطفى بالي. علاقة الحكومة بالبرلمان، دراسة في وظيفتي التشريع والمراقبة من خلال دستور 1996 و2011، رسالة ماستر في الدراسات الدستورية والسياسية، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والتشريعية والاجتماعية، جامعة محمد الأول، وجدة، الموسم الدراسي 2012-2013، ص 8.
[31] – مولاي هشام إدريسي. السلطة التنظيمية في النظام المغربي: محاولة تأصيلية في النص والممارسة، أطروحة دكتوراه في الحقوق، (غير منشورة)، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، الرباط-أكدال، 2002، ص 262.
[32]– Journal officiel de la République française. Débats parlementaires, Assemblée nationale, séance du 26 mai 1959, n°25, année 1958-1995, mercredi 27 mai 1959, p 556.
[33] – رشيد المدور. إصلاح الأنظمة الداخلية للمجالس التشريعية ودوره في تعزيز الديمقراطية: إصلاح النظام الداخلي لمجلس النواب نموذجا، اللوائح البرلمانية، ضمن أعمال المؤتمر السنوي الرابع لبرنامج الدراسات البرلمانية، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة، سنة 2008، ص 134.
[34] – محمد معتصم. النظم السياسية المعاصرة، الطبعة الأولى، مطبعة إيزيس، الدار البيضاء، 1993، ص146.
[35] – الخطاب الملكي بتاريخ 17 يونيو 2011 الخاص بعرض مشروع الدستور على الاستفتاء في: الدستور الجديد للمملكة المغربية 2011، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد 246، الرباط، 2011، ص 404-412.
[36] – رشيد المدور. البرلمان في ضوء مستجدات الدستور، دفاتر في القانون البرلماني المغربي، الطبعة الأولى، مطبعة شمس برينت، سلا، 2019، ص 35.
[37]– علي الصاوي. مشروع لائحة جديدة لمجلس الشعب، مرجع سابق، ص7.
[38] – مصطفى قلوش. القانون الدستوري: النظرية العامة، دار السلام، الرباط، 2004، ص 292.
[39] – P. Avril / J. Gicquel, Droit parlementaire, op. cit., p 9.
[40]– Journal officiel de la république française, Débat parlementaire, Chambre des députés, Assemblée nationale, séance du26 mai 1959, n° 25, année 1958-1995, mercredi 27 mai 1959, p 556.
[41] – رشيد المدور. إشكالية النظام الداخلي للبرلمان في ضوء الدستور، مرجع سابق، ص115.
[42]– مصطفى قلوش. المبادئ العامة للقانون الدستوري، الطبعة الرابعة، دار السلام، الرباط، 1995، ص 102.
[43] – انظر القرارات الصادرة عن المجلس الدستوري عدد: 52-95 و212-98 و213-98 و2004-561…
[44] – قرار المجلس الدستوري رقم 52-95 الصادر بتاريخ 3 يناير 1995، الجريدة الرسمية عدد 4291، بتاريخ 25 يناير 1996، ص 196.
[45]– مقرر الغرفة الدستورية عدد 1، مؤرخ في 31 دجنبر 1963، الجريدة الرسمية عدد 2672 بتاريخ 10 يناير 1964، ص50.
[46] – رشيد المدور. إشكالية النظام الداخلي للبرلمان في ضوء الدستور، مرجع سابق، ص122.
[47]– Ahmed Belhaj, le Parlement Marocain (1977-1983), éd. la porte, Rabat, 1984, p 125.
[48] – مقرر عدد 1 الغرفة الدستورية مرجع سابق.
[49]– P. Avril / J. Gicquel, Droit parlementaire, op. cit., p 8.
[50] – رشيد المدور. إشكالية النظام الداخلي للبرلمان في ضوء الدستور، مرجع سابق، ص 130.
[51] – خالد السموني الشرقاوي. هل مجلس النواب الحالي ملزم بوضع نظام داخلي جديد، جريدة التجديد، الرباط، بتاريخ 11-11-2003.
[52] إدريس الشرادي. مجلس النواب: انتخابه واختصاصاته، التنظيم والتسيير، الطبعة الأولى، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط، 1985، ص16.
[53] – القرار رقم 13/928، الصادر عن المجلس الدستوري، بتاريخ 10 من محرم 1435 (14 نوفمبر 2013)، الصادر بشأن النظام الداخلي لمجلس المستشارين، الجريدة الرسمية عدد 6208 بتاريخ 28 نوفمبر 2013، ص 7359.
[54] – رشيد المدور. إشكالية النظام الداخلي للبرلمان في ضوء الدستور، مرجع سابق، ص 139.
[55] – Règlement de l’assemblée nationale, version mise à jour en juin 2012. www.assemblée-nationale.fr, date de mise à jour: septembre 2012.
[56] – Journal officiel de la république française, Débat parlementaire, Chambre des députés, Assemblée nationale, séance du26 mai 1959, n° 25, année 1958-1995, mercredi 27 mai 1959, p 556.
[57] – رشيد المدور. إشكالية النظام الداخلي للبرلمان في ضوء الدستور، مرجع سابق، ص92.
[58]– المادة 25. القانون التنظيمي رقم 066-13، الصادر بتاريخ 16 من شوال 1435 (13 أغسطس 2014)، الجريدة الرسمية عدد 6288- بتاريخ 08 ذو القعدة 1435 (04 سبتمبر 2014)
[59]– الغرفة الدستورية. المقرر عدد1، مرجع سابق.
[60]. القرار رقم 213-98. الصادر عن المجلس الدستوري، الصادر في 28 ماي 1998، الجريدة الرسمية عدد 4598 بتاريخ 25 يونيو 1998، ص1844.
[61] – الخطب الملكية أمام البرلمان (1956-2002)، ص154.
[62]– المرجع نفسه. ص 157-158.
[63]– المجلس الدستوري. قرار رقم 924-13، الصادر في 14 من شوال 1434 (22 أغسطس 2013)، الجريدة الرسمية عدد 6185، بتاريخ 9 سبتمبر 2013، ص 6030.
[64]– أنظر الفصول 58- 80- 82- 83 من دستور 2011. ولمزيد من الاطلاع، ينظر: دليل القواعد المتعلقة بالمسطرة التشريعية، سلسلة دلائل العمل البرلماني، الوزارة المكلفة بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني، الطبعة الثانية، 2015.
مراجع مختارة:
الكتب والمقالات:
المدور، رشيد. (2016). إشكالية النظام الداخلي للبرلمان في ضوء الدستور: دراسة دستورية تحليلية. سلسلة مؤلفات وأعمال جامعية. العدد 111. (الطبعة الأولى). الرباط: المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية.
حلوي، يحيى. (2001). الأنظمة الداخلية للمجالس البرلمانية والمجلس الدستوري. (العدد 40). المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية.
إدريس الشرادي. مجلس النواب: انتخابه واختصاصاته، التنظيم والتسيير، الطبعة الأولى، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط، 1985.
محمد سرار. العقلنة البرلمانية بالمغرب ومجالات التدخل الحكومي في مجال التشريع في ظل دستور 2011، مجلة العلوم السياسية والقانون، العدد 18، مجلد 03، نوفمبر 2019.
المدور، رشيد. (يوليو 2018). مظاهر التطور البرلماني في المغرب في ضوء مستجدات الدستور، ضمن أعمال الندوة الدولية: التطور الدستوري للمغرب: الجذور التاريخية والتجليات الراهنة والرهانات المستقبلية، الرباط: أكاديمية المملكة المغربية، الوزارة المكلفة بالعلاقات مع البرلمان.
النصوص القانونية:
دستور المملكة المغربية. الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.11.91 بتاريخ 27 شعبان 1432 (29 يوليو 2011)، المنشور بالجريدة الرسمية عدد 5964 مكرر، بتاريخ 28 شعبان 1432 (30 يوليو 2011).
القانون التنظيمي رقم 04-21. المتعلق بمجلس النواب، القاضي بتغيير وتتميم القانون التنظيمي رقم 27-11، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.21.39، بتاريخ 8 رمضان 1442 (21 أبريل 2021)، المنشور بالجريدة الرسمية عدد 6987.
النظام الداخلي لمجلس النواب كما أقرته المحكمة الدستورية بعد صدور قرارها عدد 17/65 بتاريخ 30 أكتوبر 2017.
المواقع الالكترونية:
الموقع الرسمي للمحكمة الدستورية: www.cour-constitutionnelle.ma.
الموقع الرسمي للبرلمان المغربي: www.parlement.ma.
الموقع الرسمي للجمعية الوطنية الفرنسية: www.assemblée-nationale.fr.
شادي ياسين
باحث أكاديمي مغربي، مختص في القانون العام والعلوم السياسية، له عدة مشاركات علمية ومقالات منشورة ورقيا وإلكترونيا.