بين تنزيل مفهوم السيادة الصحية وحماية الحقوق والحريات: أية مشروعية للقرار الحكومي المتعلق بإلزامية جواز التلقيح؟

مقدمة:

لقد شهد المغرب تحولا جديدا في مسار تدبير جائحة كورونا، جاء في إطار تدبير منظومة المخاطر، وقد تمثل في إلزامية اعتماد جواز التلقيح كآلية تنظيمية مواكبة للتطورات والمكتسبات التي تم تحقيقها، إن على مستوى عملية التلقيح أو على مستوى انخفاض عدد الإصابات وانتقال المغرب من المنطقة الحمراء إلى منطقة آمنة نسبيا.

 وقد اعتبر العديد من الفاعلين أن هذا التحول يبقى معاقا لاعتبارات عدة ترتبط بطبيعة القرار-البلاغ وغياب الظروف والمقومات الملائمة لتنزيله على أرض الواقع، إضافة إلى مساسه بمبدأ المشروعية وهكذا ثار جدال عميق عرف تجاذبات عدة انخرط فيها الأكاديمي والممارس والسياسي .

وإذا كان من الواجب أن يتأسس القرار في ضوء محددين: يتمثل الأول في التنزيل الأنسب والأمثل للسيادة الصحية كرؤية ملكية ذات أبعاد متعددة، ويتعلق الثاني بضرورة الحفاظ على الحقوق والحريات من خلال المكتسبات الدستورية، والمنظومة الدولية لحقوق الإنسان التي انخرط فيها المغرب، فهل عملت السلطة العمومية على احترام هذا التوازن دعما لمبدأ المشروعية أم أن تصرفها هذا أخل  بهذا التوفيق بين المصالح وخالف القواعد الدستورية والمقتضيات القانونية؟

أولا: القرار الحكومي: حجية الوجود وآليات الطعن

لقد أثار العديد من الباحثين والمتتبعين للشأن الحكومي، مسألة الوجود القانوني للقرار القاضي بإلزامية جواز التلقيح، وذلك لاعتبارات عدة ترتبط بالعيوب المسطرية التي شابت إصداره، إضافة إلى طبيعته القانونية التي توضح طرق وآليات الطعن في مشروعيته.

  1. مبررات الوجود الفعلي للقرار الحكومي:

البلاغ الحكومي، القرار الحكومي، بلاغ وكالة الأنباء… هي عناوين وإشارات تتميز بعدم الدقة وبالهشاشة القانونية في ظل غياب وثيقة رسمية أو تصرف قانوني مضبوط صادر عن رئاسة الحكومة، أو الجهة التي خول لها القانون إصدار هاته القرارات، إلا أنه في المقابل نجد أن الدوريات والمذكرات ومختلف الاجتهادات الإدارية تُقر بوجود القرار الحكومي، وتجعل منه سندا ومرجعا لها، إذ جاء في دورية صادرة عن وزير الشباب والثقافة والتواصل بتاريخ 20 أكتوبر 2021 ما يلي:” … وتبعا لقرار الحكومة المتعلق باعتماد مقاربة احترازية جديدة قوامها ضرورة إدلاء الموظفين والمستخدمين ومرتفقي الإدارة بجواز التلقيح لولوج الإدارات العمومية والشبه عمومية والخاصة …”، كما جاء في مذكرة صادرة عن وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات رقم 4273 م م ب/ق أ ج/ م أ ج بتاريخ 21 أكتوبر 2021 حول موضوع ضرورة الإدلاء بجواز التلقيح لولوج الإدارة والتي جاء في مضامينها: ” … وتبعا للبلاغ الحكومي القاضي باعتماد مقاربة احترازية جديدة مبنية على –جواز التلقيح كوثيقة معتمدة من طرف السلطات الصحية- ….”.

وعليه فهاته التصرفات الصادرة عن كل مؤسسة، تبرز بجلاء وجود هذا القرار وتعد بمثابة تصرفات كاشفة للقرار الحكومي الأصل، لكن ما مدى صحتها ووجودها القانوني ومشروعيتها؟

علاوة على ذلك، وبالرغم من ثبوتية القرار، فهو لم ينضبط إلى الشكليات التي حددها القانون والعمل والاجتهاد القضائيين فيما يتعلق بالنشر في الجريدة الرسمية، أو بالعلم اليقيني عبر وسائل الإعلام أو مواقع التواصل الاجتماعي للمؤسسات الرسمية، أو الموقع الرسمي لرئاسة الحكومة، ما عدا إعلان وكالة المغرب العربي للأنباء.

  • الطبيعة القانونية للقرار الحكومي وطرق الطعن فيه:

                يندرج القرار الصادر عن الحكومة ضمن القرارات التنظيمية التي اعتبرها الفقه تصرفات قانونية صادرة عن سلطة الإدارة، وأثير خلاف حول تمييزها عن القانون كتصرف قانوني صادر عن المشرع، من حيث اتصاف الإثنين بالعمومية والتجريد، الشيء الذي عمل القضاء على حسمه معتمدا في ذلك على تحليل جانب مهم من الفقه الإداري الذي اعتبره قرارا إداريا باعتماده المعيار الشكلي؛ وهكذا فالقرار التنظيمي يتم الطعن فيه أمام محكمة النقض، بمنطوق المادة التاسعة من القانون 41.90، ويتجه جانب من الممارسين في الحقل القضائي للقول إلى أن الاختصاص ينعقد للغرفة الإدارية بمحكمة النقض بشكل دقيق، وذلك داخل أجل 60 يوما من تاريخ إصداره وتبليغه للعموم؛ لكن هذا الأجل غير ملزم في حالة دعوى التعويض عن الآثار المترتبة عن إعمال القرار، أي إثارة مسؤولية الدولة عن الأضرار المترتبة عن قرار فرض جواز التلقيح.

ثانيا: تنزيل مفهوم السيادة الصحية: رؤية ملكية متعددة الأبعاد

إن قرارات السلطات العمومية المتعلقة بحالة الطوارئ يجب أن تنضبط لقواعد وضعها الخطاب الملكي المتعلق بخارطة طريق لتنزيل مفهوم السيادة الصحية الذي جاء مقترنا بتحقيق أهداف وأبعاد تتجاوز الصحي إلى الاقتصادي والاجتماعي، وعليه يطرح سؤال استحضار هاته الرؤية في القول بإلزامية جواز التلقيح؟  

  • الرؤية الملكية لمفهوم السيادة الصحية

إن مسألة السيادة الصحية كما تطرق لها جلالة الملك في إحدى خطبه بقوله: ” إيمانا منا بأن السيادة الصحية عنصر أساسي في تحقيق الأمن الاستراتيجي للبلاد …”، جاءت لصيقة ببعدين أكثر أهمية يتمثلان في البعد الاجتماعي والبعد الاقتصادي، إذ جاء في الخطاب ذاته: ” … ورغم أن هذا الوباء أثر بشكل سلبي على المشاريع والأنشطة الاقتصادية وعلى الأوضاع المادية والاجتماعية للكثير من المواطنين حاولنا إيجاد الحلول للحد من آثار هذه الأزمة”.

وعليه فكل تصرف قانوني يرتبط بالجائحة، عليه أن يتوخى هذا التوازن بين السيادة الصحية من جهة، واحترام حقوق وحريات الأشخاص من جهة أخرى، وفي مقدمتها الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، إذ على الحكومة أن تقيس درجة تأثير القانوني على الاقتصادي، وخلق آليات تدبيرية تمكن من الحفاظ على الثقة ودولة القانون المنشودة.

ينضاف إلى ذلك أن مفهوم السيادة لا يعني سمو القرارات المرتبطة بالمجال الصحي على القانون، بل يجب أن ينخرط الكل في مسلسل تقريري، يروم الحفاظ على كل مقومات ومكونات الدولة القوية بمؤسساتها، طالما أصبح الحديث أكثر من أي وقت مضى على مفاهيم من قبيل الدولة الاجتماعية، والدولة الراشدة.

إن المرحلة التي جاء فيها القرار، يجب أن تنخرط في مسلسل تطور تأثير وباء كورونا على المجتمع برمته، ويمكن اعتباره كمرحلة انتقالية جديدة، من خلال التخلي على الرخصة المتعلقة بالتنقل، ومن خلال الرؤية الجديدة للنهوض بالاقتصاد المغربي، الأمر الذي يجب أن يتأسس على دراسة محكمة تراعي استمرار الوباء، وتحسن الحالة الوبائية، وارتفاع نسبة الملقحين، مما من شأنه أن يدحض الرأي الرائج بكون القرار ما هو إلا ليٌّ لذراع المواطن للاقبال على التلقيح، وهو بطبيعة الحال تصرف غير مقبول أخلاقيا في ظل دولة تحترم الحقوق والحريات، وتؤمن بمفهوم الدستورانية الاجتماعية، والديموقراطية التشاركية.

  • نحو رؤية حكومية مستقبلية:

إن القرارات الحكومية المتعلقة بتدبير الجائحة يجب أن تعمل على بلورة هاته الرؤية الملكية في كل القرارات المستقبلية، بهدف  الحفاظ على الوضع العادي بالتدبير المحكم للمخاطر، لا الانخراط في مسلسل الاستثناء. فالتصرف القاضي بضرورة اعتماد جواز التلقيح يجب أن يأتي في إطر قانون تعديلي لقانون الطوارئ، باعتباره قانونا انتقاليا يروم التفاعل مع المستجدات الوبائية والوضع العالمي، ويعد بمثابة بارقة أمل للمواطن للخروج من الحالة المحرجة إلى بداية العودة للحياة الطبيعية، وهنا يكمن البعد السوسيولوجي للقاعدة القانونية، علاوة على ضرورة تبني هذا القانون لآلية تدبيرية وقائية احترازية للمخاطر المحدقة.

ويعتبر فرض جواز التلقيح -بعبارة أكثر دقة- فرض لبطاقة تعريف صحية أو جواز صحي كما اصطلح عليه، هذا الأخير يؤطر غالبية المواطنين وصلت الآن لحدود السن 12 فما فوق، وبالتالي فهذه الوثيقة تحتاج إلى تقنين على غرار بطاقة التعريف الوطنية و جواز السفر …

وعليه يلاحظ أنه على السلطة الحكومية سحب القرار في هذه الظرفية غير الملائمة، والتفكير مليا من خلال منح المدة المعقولة للمواطن للحصول على جواز التلقيح، وعرض مشروع قانون تعديلي لقانون الطوارئ على البرلمان، وفي نفس الوقت تأجيل الآثار المترتبة عن القرار.

والملاحظ أنه من خلال الاختلالات الأولى للقرار، تم الانتباه لبعض الآثار، حيث عملت وزارة الصحة على تمكين الملقحين بالجرعة الأولى من جواز لقاح مؤقت، وهذا دليل واضح على أن مصدر القرار لم يكن موفقا في تبنيه، ينضاف إلى ذلك أنه تبين أن الطاقة الاستيعابية الحالية لا تحتوي هذا العدد الهائل من المواطن الشيء الذي ينذر بموجة ثالثة أو انتكاسة جديدة بسبب الاكتظاظ؛ وما زالت القرارات تتوالى يوميا داخل مختلف المرافق، الشيء الذي يمكن أن يخلف استياء غير مرغوب فيه في هاته الظرفية الحساسة.

ثالثا: دور القضاء في حسم مشروعية القرار-البلاغ وترتيب آثاره

إن التجاذبات التي عرفها مختلف الفاعلين بشأن القرار المثير للجدل، ستتيح للمؤسسة القضائية قول كلمتها الفصل، والحسم في مدى مشروعية القرار، وتأويل مضامينه ومقتضياته بهدف ترتيب آثاره. باعتبار القضاء الجهة الضامنة للحقوق والحريات، فالأمانة ملقاة على القاضي من خلال دوره الحمائي في تحقيق التوازن والتوفيق بين المصالح.

  1. مكامن اللامشروعية في قرار السلطة الحكومية:

                إن البحث في سؤال مشروعية القرار تنطلق من مدى استجابة هذا التصرف القانوني لكل الأركان التي يقوم عليها القرار التنظيمي، وهكذا فالمتفحص للقرار الحكومي سيتوقف عند عيوب للمشروعية تجعل منه قرارا متسما بالانحراف في استعمال السلطة، ويتجلى ذلك في: 

  • تعارض التصرفات الحكومية مع قانون الطوارئ:

إن الأصل في التصرفات الحكومية  أن تتوافق مع القانون باعتباره أسمى درجة على مستوى الهرمية الدستورية لا مخالفته؛ فبالرجوع للمادتين 2 و 3 من قانون الطوارئ الصحية، نجده ينص على أنه: ” لا تحول التدابير المذكورة دون ضمان استمرارية المرافق العمومية الحيوية، وتأمين الخدمات التي تقدمها للمرتفقين”، هذا المقتضى القانوني يخالفه القرار الحكومي، من خلال تضمينه عبارة: “ضرورة إدلاء الموظفين والمستخدمين ومرتفقي الإدارات بجواز التلقيح لولوج الإدارات العمومية والشبه العمومية الخاصة …”.

وتبعا لذلك فالدوريات والمذكرات والتوجيهات التي تصدرها الإدارة أو الوزير تعد بمثابة قرارات إدارية غير مشروعة متى رتبت آثارا قانونية على وضعية الموظف أو المرتفق، وتجدر الإشارة إلى أن فقه الإدارة Doctrine Administrative أو الاجتهاد الإداري يجب أن ينضبط إلى القانون الذي يعد الأصل في تبني مقتضى تنظيمي على مستوى الإدارة، إذ يعد كل تصرف في إطار السلطة التقديرية للإدارة –متى خالف القانون- تصرفا غير مشروع.

وفي السياق ذاته، كان الأجدر أن تتبنى الاجتهادات الإدارية موقفا مخففا من حدة القرار، أو تبسيطه وتفسيره بشكل لا يمس حقوق وحريات الأشخاص، بدل اعتماد حرفية القرار التي جاءت مخالفة لقانون الطوارئ -كما سلف الذكر-.

إن هذا القرار جاء بشكل عام ويفتح المجال أمام مختلف المرافق، دون التمييز بين طبيعتها وطبيعة الخدمات التي تقدمها، وهكذا فهو يحمل في ثناياه مؤشرات على تعطيل عمل العديد من المرافق الحيوية، (الجماعات الترابية، القضاء، الصحة …) ويعزى ذلك إلى غياب إحصائيات دقيقة حول عدد الملقحين من الموظفين والمرتفقين، وعطفا عليه يجب أخذ الحذر بشكل كبير أثناء تطبيق القرار وتأويله إذ سيمس لا محالة بحقوق وحريات الأعوان العموميين أجراء القطاع الخاص والمرتفقين.

وكنتيجة لذلك، يحق لكل متضرر -بإعمال المنطق- رفع دعوى المسؤولية الإدارية التي سيرتبها القاضي على أساس الخطأ، أو بإعماله لنظرية المخاطر، من خلال اعتبار التصرف مندرجا في إطار تدبير جائحة كورونا، مؤسسا لها على خرق مبدأ المساواة أمام الأعباء العمومية، وقد سبق للقاضي الإداري المغربي أن تطرق لذلك في أحد قراراته الصادرة عن محكمة النقض رقم: 236/2 بتاريخ 11 أبريل 2013، ملف إداري عدد: 742/4/2/2012، حيث جاء في حيثيات القرار أنه: ” لما كان التلقيح الذي خضع له الضحية تلقيح إجباري، يهدف إلى حماية الصحة العامة من الأوبئة، ولا يطلب من الملقح أو ولي أمره –إذا كان قاصرا- القبول طواعية بالمخاطر المترتبة عن عملية التلقيح، فإن أساس تعويض من تضرر من هذه العملية يكون هو التضامن بين أفراد المجتمع في تحمل الأخطار  الاجتماعية بصرف النظر عن قيام الخطأ من عدمه”.

وهكذا فالحكومة مدعوة لاستحضار البعد المالي للدعوى الإدارية، وما يمكن أن يثيره من استنزاف للمال العام الذي تشكل الضرائب جزءا مهما منه، وعليه فكل قرار يجب أن يستحضر  هذا الأمر كتدبير توقعي، فإلى جانب البعد الصحي يجب استحضار أبعاد أخرى كما هو الشأن بالنسبة للكتلة المالية للدعاوى، والبعد الاقتصادي، والبعد الاجتماعي، …

  • إشراك الخواص في تنفيذ بنود القرار أمر مرفوض قانونا:

إن مسألة فرض العقوبات على مخالفي القرار هو من صميم عمل السلطة العمومية، ولا يمكن تفويض هذا الاختصاص الحصري -بأي حال من الأحوال إلى الخواص- إلا استثناء وخارج إطار الشرطة الإدارية.

وقد جاء في المادة الثالثة من قانون الطوارئ ما يلي: ” عملا بأحكام المادة الثانية أعلاه، يتخذ ولاة وعمال العمالات جميع التدابير أو فرض قيود مؤقتة على إقامة الأشخاص أو إغلاق المحلات المفتوحة للعموم أو أي تدبير آخر من تدابير الشرطة الإدارية”، وهكذا يتنافى القرار مع نص القانون، مما يجعله متسما بأحد عيوب المشروعية، ويتجلى ذلك في انعدام الصفة الضبطية للخواص، واعتبارا لكون أن القرارات المتعلقة بالشرطة الإدارية الترابية أو الوطنية تبقى من اختصاص السلطات العمومية.

  • غياب الآثار وترك المجال للتكييف القضائي والسلطة التقديرية والتأويلية للقاضي.

لم يتطرق البلاغ الحكومي للأثر القانوني الذي يمكن أن ينتج عن خرق الإدلاء بجواز التلقيح ومختلف المقتضيات التنظيمية، وبذلك سيبقى المجال مفتوحا أمام القاضي لتكييف الوقائع مع الجزاء الذي يمكن ترتيبه، والحال أن مسألة خرق واجب الإدلاء بجواز التلقيح تحتاج إلى تقنين على مستوى العقوبات، وهذا الأمر يرجع فيه الاختصاص لمجال القانون طبقا لمبدأ “لا عقوبة إلا بنص”.

  • توجهات القضاء الإداري بشأن الحسم في مشروعية القرار

إن توجه القاضي الإداري لا يحيد عن مبدأين اثنين:

التوجه الأول:

قد تذهب محكمة النقض في اتجاه ترجيح قرار السلطات العمومية والقول بمشروعيته، معضدة قرارها بمبررات ترتبط بضرورة حماية الصحة العامة في الظروف الاستثنائية، وتأكيد ضرورة السيادة الصحية وهنا سيبرز تقليص الدور التأويلي للقاضي وتضييق الدور الرقابي له، حيث سيعتمد على مقتضيات عامة وغير ملموسة من قبيل المصلحة العامة والنظام العام؛ وقد لا يرى في القرار أي تعارض مع حالة الطوارئ، التي تفتح المجال أمام السلطة التقديرية للإدارة وللمشرع أيضا، وبذلك يندرج الأمر ضمن أعمال المشروعية للحكومة.

التوجه الثاني:

يمكن أن يستحضر هذا الجانب من القضاء الدور الإنشائي للقاضي الإداري الذي يعمل بمقاربة تهدف إلى تخليق عمل المؤسسات من جهة وحماية حقوق وحريات الأشخاص، مستحضرا في ذلك قواعد الشرعية التي تتأسس على أبعاد اجتماعية، اقتصادية، نفسية …

وهنا سيستلهم القاضي أحكامه وقراراته من قوة الدولة في تدبيرها للمخاطر ، هاته الأخيرة لا يجب أن يتحمل أضرارها المواطن فقط الذي عبر عن حسه التضامني وتحمل المسؤولية  التي جاءت كنتاج لغياب رؤية تدبيرية واضحة للمخاطر، وهكذا سيذهب القاضي الإداري في اتجاه التوفيق بين المصلحتين، وحفظ التوازن بينهمان وذلك من خلال إعادة توجيه الدولة لضبط مقاربتها وتقويتها بشكل يروم تنزيل المفهوم الملكي للسيادة الصحية من جهة أولى، وحماية حقوق وحريات الأفراد من جهة ثانية.

إن السلطة القضائية مطالبة بشكل كبير –في إطار الاستقلالية الممنوحة لها- أن تتدخل للانتصار للقيم والمبادئ التي تقوم عليها الدولة الدستورية، وذلك من خلال تعزيز مسار دولة القانون، مؤمنة في أحكامها وقراراتها بطبيعة الظرفية الوبائية وتطورها.

خاتمة:

إن اتخاذ هذا النوع من القرارات الاستراتيجية، يفرض وضع خطة مضبوطة ومحكمة وملائمة للواقع، ويمكن القول أن المؤسسة التشريعية هي الأولى بتبني وإصدار هذا التصرف بقانون، لا بقرار حكومي يطبق بأثر فوري.

وختاما يمكن القول، إن أي مواطن مغربي غيور على بلده، مؤمن بفلسفة مؤسساته، حريص على الانصهار في مسلسل دولة القانون والدولة الدستورية، لا يمكنه أن يخالف قرارات تروم الحفاظ على حقوقه وحرياته، وتحافظ على مكانة المغرب ضمن المنتظم الدولي ومن ضمنها قرار فرض جواز التلقيح. شريطة أن تلتزم السلطات العمومية  والمؤسسات الرسمية بمقاربة تدبيرية ناجعة في إصدار قرار عادل ومنصف.

 وبناء على ما سلف، فالقول بلامشروعية القرار الحكومي يأتي بهدف تخليق عمل السلطات والجماعات العمومية وحكامتها، ومن أجل الحفاظ على مكانة المغرب في المنتظم الدولي كدولة تحترم حقوق الإنسان وكرامته.