حقوق الإنسان بالمنطقة المغاربية في خضم السياق الجيواستراتيجي الراهن -مؤلف جماعي-

ظلت فكرة حقوق الإنسان، والسعي لتجسيدها في السياسات العمومية، إحدى الرهانات الكبرى للقوى السياسية، والنخب الأكاديمية، وفعاليات المجتمع المختلفة بالدول المغاربية. كما لم يحل اختلاف السياقات التاريخية لهذه الدول، وتفاوت وثيرة تفاعلها مع التطورات الدولية في مجال حقوق الانسان، دستوريا وقانونيا، من تشكيل إجماع حول ضرورة ترسيخ ثقافة حقوق الانسان. غير أن الجدل حول مسألة حقوق الإنسان يكاد لا ينتهي، خصوصا أن هذا المفهوم يأخذ صفة القطعية والشمولية لدى بعض الباحثين والحقوقين، من دون التوقف لمساءلته، والوعي بسياقات نشأته وإلتزاماته، والفرضيات التي يضمرها، فضلا عمّا يرتبط به من مسائل سياسية واقتصادية، مثل انتهاك سيادة الدولة الوطنية، وفتح الأسواق، والعدل في توزيع الثروة.

تضفي مسألة الكونية والخصوصيات الوطنية والدينية والعرقية عبئا أكبر على مسار ترسيخ ثقافة حقوق الانسان، إذ لم يقع الاهتداء بعد إلى الجواب الحاسم، رغم بساطة هذه الإشكالية ظاهرياً، بحيث ساد الاختلاف بين الباحثين والمهتمين بخصوص صيغة مناسبة للتوفيق بين المدافعين عن الكونية والمنتصرين للخصوصية. ذلك أن الموضوع يُطرح عادة في صيغة تساؤل ينفي إمكانية التوفيق بين عنصري الإشكالية: هل تمتاز حقوق الانسان بالكونية أم بالخصوصية؟ ومن البديهي أن طرح الإشكالية بهذه الصيغة يؤدي بدون شك إلى التناقض.  ومن ثم تبدأ رحلة الحديث عن “كونية” حقوق الإنسان من افتراض حالة “طبيعية” دون أي تنظيم سياسي أو اجتماعي، أي حالة الإنسان خارج أي سلطة أو تنظيم من أي نوع. وبناءً على هذه الحالة المفترضة تم استنتاج مجموعة من الأفكار كما هو عند فلاسفة العقد الاجتماعي، حيث التأسيس للحرية والمساواة بناء على “حالة الطبيعة” المفترضة.

    يمكن الإشارة في هذا السياق، إلى أن لغة الخطاب في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بحد ذاتها جاءت متحيزة حسب منتقدي هذا الاعلان؛ فالخطاب، وفق هذا الرأي، صيغ بلغة “ليبرالية”، تنطلق من مركزية “الحرية”، وتخاطب البشر بما هم “أفرادا”، وتؤكد على مسألة “المجال الخاص” و”الملكية الخاصة”. كما ويرفع فريق من المهتمين شعار كونية حقوق الانسان، معتقدا أن هذه الأخيرة لا يمكن أن تخضع لأي استثناء وأنه لا يمكن إخضاعها للخصوصيات مهما كانت طبيعتها سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو ثقافية أو لغوية أو دينية، إذ يرى هؤلاء أن حقوق الانسان واحدة في كل مكان وزمان، أي أن الإنسان واحد مهما كانت ظروفه وسياقاته.

   وفي مقابل ذلك، وُجِد من يدافع عن نظرية معاكسة تماما، ترى أن الكونية المدّعاة لحقوق الانسان افتراء، وأنها وجه من وجوه الهيمنة الثقافية الغربية وطريقة لفرض توجه معين، مستمد من النظرية الغربية لحقوق الانسان التي أفرزتها الفلسفة السياسية خلال القرن الثامن عشر في أوروبا، والتي ترجمها إعلان حقوق الانسان والمواطن في أمريكا نهاية القرن الثامن عشر. وترى هذه النزعة أن نظرية حقوق الانسان تسعى إلى أن تُفرض فرضاً على الأمم والشعوب المختلفة، بناء على ذلك يكون الحديث عن الكونية وجهاً من وجوه تخليد الخطاب الاستعماري المهيمن. كما توجد نزعة ثالثة تحاول التوفيق بين النزعتين المذكورتين، من خلال تأكيد أن الكونية لا تنفي الخصوصيات بل ما هي إلا مجموع أفضليات الثقافات العالمية.