عُسر بناء الدولة المدنية بالمغرب الكبير: دراسة في جدلية الدولة والدين وحرية المعتقد

مقدمـــــة:

تعكس الدساتير المغاربية الجديدة طبيعة العلاقة بين الفرد والسلطة في المنطقة المغاربية، إذ يبدو من خلال استقراء مضامينها مدى تأثير منطق “الجماعة” وهاجس حماية الانسجام الاجتماعي على حساب ما يحفظ “للفرد” استقلاليته وحريته في اختياراته وأذواقه (اجتماعيا، ثقافيا، وسياسيا..الخ).

وقد يبدو ذلك مبررا مع استفحال مظاهر الهيمنة الجماعية بهذه المجتمعات، التي تمارسها المؤسسات التقليدية المحتكرة للسلطة دون أن تتمكن المؤسسات المحْدثة في سياق محاولات بناء الدولة الحديثة، من إضعافها أو على الأقل عقلتنها في أفق ما يضمن التداول على السلطة والمشاركة السياسية لكل المواطنين على أساس المساواة وبدون تمييز.

لكن مع توالي السنوات أصبح راسخا صعوبة بل واستحالة انجاز خطوات فعلية للتحول نحو الديمقراطية. مما أدى لتضخم الخطاب الإصلاحي الذي تتبناه بعض القوى السياسية بالمنطقة، والتي يمكن تصنيفها إلى ثلاثة تيارات: الأول يمثله التيار الحداثي (التقدمي)، والثاني يمثله التيار التقليداني (المحافظ)، والثالث يمثله التيار التوفيقي.

وقد عرفت فترة “الربيع العربي” بلوغ الجدل الدستوري أوجه، حيث ظهرت مفاهيم جديدة، لعل أهمها “الدولة المدنية”؛ بشكل ساهم في تأجيج النقاش المجتمعي حول قضايا حساسة تتعلق بتوسيع مجال الحريات الفردية، وفي مقدمتها “حرية المعتقد”. إذ في الوقت الذي تتمسك فيه بعض القوى السياسية، بأن حرية المعتقد شرط أساسي للتحول الديمقراطي بالمنطقة، بل واُفقاً لبناء تعاقد اجتماعي-سياسي جديد، أساسه المواطنة الكاملة، عبّرت القوى المحافظة والأحزاب ذات المرجعية الإسلامية عن رفضها الاعتراف الدستوري والقانوني بحرية المعتقد وذلك بمصوغات مختلفة، وفي مقدمتها الدفع بأولوية حماية الأمن الروحي للمجتمع وضمان استقراره.