الحوز: الهوية والتراب والفاعلون -مؤلف جماعي-

يُعَدُّ إقليم الحوز ترابا مميزا بغنى موروثه التاريخي والثقافي والحضاري، وبتعدد موارده (الطبيعية والترابية والتراثية) التي شكلت؛ ولا تزال؛ أهم عوامل الاستقرار والاستثمار ومحور رهانات استراتيجيات التدبير والتدخلات التنموية بالإقليم.

إن الموقع المتميز لإقليم الحوز ضمن التراب الجهوي والوطني، جاء بحكم موضعه الممتد من وادي تساوت في الشرق إلى “وادي أسيف المال” في الغرب على امتداد مهم من سفوح الأطلس الكبير الغربي، وعلى جزء كبير جدا من سهل الحوز الأوسط، وغير بعيد في موقعه من مراكش الحاضرة التاريخية والقطب الجهوي والسياحي الدولي.

لقد أتاح موقع وموضع الحوز، بحدوده الإدارية أو الجغرافية، ظروفا ملائمة لاستقرار بشري قديم يرجع في أجزاء منه إلى ما قبل التاريخ، كما مكن من احتلاله مكانة تاريخية مركزية بادية، من خلال ما تواتر من تشكيلات بشرية وترابية متنوعة كانت محورية في الحضارة المتوسطية ككل. فالمجال نسج علاقات اقتصادية وانفتح على أعرق حضارات العصر القديم (الحضارتان المتوسطيتان الاغريقية والرومانية). كما شكل الحوز بحدوده الإدارية أو الجغرافية محط تنافس سواء على المستوى القطري أو ما بين وحدات ترابية أصغر متشابكة الأهداف (القبائل والزعامات).

ساهمت مختلف التطورات التاريخية في رسم معالم مجتمع ارتكزت معيشته على اقتصاد رعوي زراعي غابوي، أطرته تنظيمات اجتماعية وضعت أعرافا لتوجيه استغلال مختلف الموارد المتاحة ولتدبير الندرة والوفرة، ووضع قواعد لتنظيم المجال بشكل يتماشى مع المحددات الايكولوجية. لذلك، فإن ما يتضمنه الإقليم من أنماط استغلال وتشكيلات بشرية وممارسات تعد إسقاطا مجاليا لتراكمات تاريخية ولتنظيمات اجتماعية ولمعطيات اقتصادية متعددة.

لا شك أن ما ميز إقليم الحوز من نظم تراثية اجتماعية واقتصادية وثقافية اختفت أو على وشك ذلك في كثير من المناطق، فقد لحقت هذا المجال تحولات سريعة خاصة خلال العقود الثلاثة الأخيرة. فلقد تم تدعيم وتحديث القطاعات المسقية وتنامت الفلاحة، ومُنحت أهمية للنشاط السياحي وما رافقه من نفوذ لأنشطة واقتصادات أخرى موازية التي امتصت فئة مهمة من النشيطين، ونوعت المداخيل وولدت دينامية متلاحقة أفرزت تحولات عميقة مع تباينات بين الجبل والدير والسهل، وكذا ضمن الوحدة الواحدة.

يعتبر تزايد التمدين كذلك من أبرز تجليات الدينامية المجالية والاقتصادية والاجتماعية التي يعرفها الإقليم، حيث تزايد عدد الساكنة الحضرية وتوسعت معها دائرة المجالات الحضرية وشبه الحضرية (تحناوت، أمزميز، أيت أورير؛ كمراكز حضرية ذات نفوذ إداري واقتصادي، وأوريكا، أسني، سيدي عبد الله غيات، والشويطر؛ كمراكز قوية صاعدة ذات الاستقطاب الاقتصادي والاجتماعي)، حيث تعرف هذه المراكز دينامية سريعة متعددة الأبعاد جعلت إقليم الحوز يحتل مركزا مهما ضمن الشبكة الحضرية الجهوية.

ارتبطت هذه التحولات بداية بتدخلات الدولة كفاعل أساسي ومحوري في عمليات التنمية والتي ارتكزت منذ الاستقلال على اختيار الاستراتيجية الزراعية، فاستفاد إقليم الحوز من عدة مشاريع في هذا الإطار كالمشروع الوطني للري PNI (قطاع H2 بسيدي غيات وZ1 بسيدي داوود)، ومن إحداث العديد من المدارات السقوية الصغرى خاصة بالأجزاء الجبلية من الإقليم. كما وازت هذه المشاريع أخرى هدفت إلى تنمية الموارد الطبيعية (المائية والغابوية على الخصوص)، واعتماد برامج لتحسين الخدمات الأساسية (الكهربة، التعليم، الصحة، الطرق والمسالك…).

لم تعد الدولة الفاعل المحتكر للفعل الترابي والتنموي، فعلى سبيل المثال يعد الحوز من بين الأقاليم على المستوى الوطني الذي يشهد تعبئة مهمة للمجتمع المدني بحضور وازن للعديد من الجمعيات والتعاونيات النشيطة في شتى المجالات ولبعضها إشعاع يتعدى المستوى الجهوي. ينضاف لذلك فاعلون خواص. حيث شكل الإقليم ترابا جاذبا لمشاريعهم ومكان لتوطين استثماراتهم المرتبطة أحيانا برؤوس أموال دولية ضخمة.

يعتبر إقليم الحوز تراب مشاريع بامتياز، بفضل انخراط وتعبئة مختلف الفاعلين المحليين، وهو تراب محبوك بعدة استراتيجيات ورهانات وتدخلات متناسقة الأهداف تارة ومتشابكة تارة أخرى، وقد تكون انتقائية على المستوى المجال تغيب فيها بعض الأحيان النظرة المتساوية لكل أجزاء الإقليم.