الدّين وإعادة التشّكل في الزّمن الكوفيدي: طوفوا حول الإنسانيّة

مقدمة:

لطالما تحدّثنا في مناسبات عديدة ومتنّوعة، عن ضرورة الانتقال من معاينة النصّوص الدينيّة من زاوية حرفيّة ظاهرية، نحو زاوية مقاصديّة تبلغ روح الأحكام وجوهر الدّين، وعلى رأي الجويني في برهانه: “ومن لم يتفطن لوقوع المقاصد في الأوامر والنّواهي فليس على بصيرة في وضع الشّريعة” .

ولطالما حاورنا، وكتبنا، وحاضرنا، حول هذه الرّؤية المنهجيّة في عديد المناسبات، ودافعنا عن الحاجة الماسّة لتوّخي هذا المنهج الدّلالي في عمليّة القراءة والفهم والتبليغ، وكذلك الإرشاد والتّوجيه. ولقد كّلفنا ذلك ما كّلفنا من عنف في بعض ردود الأفعال من أصحاب الفكر المحنّط، على مستوى شخصيّ، وعلى مستوى ثقافيّ واجتماعيّ، كلّ ذلك حدث ضمن إطار عامّ متمّسك بالحرفيّات والنّقول، يخشى المواجهة المنهجيّة، كما يخشى الخروج بمفاهيم جديدة غير التّي يباركها العامّة ويعتقد فيها قياديّوهم ورموزهم الدينيّة.

واليوم، ومع ما يعيشه العالم جرّاء تفشي فيروس كوفيد-19، ومن خلال متابعتنا لأغلب ردود الأفعال الفرديّة والجماعيّة والمنتمية لطبقات اجتماعيّة وثقافيّة متنّوعة، لفت نظرنا تحصّن شقّ كبير من التونسيّين والتونسيّات، وغيرهم من كامل البلاد العربيّة، بما نسمه بالمقاومة الروحيّة / الدينيّة، والتّي لجأ إليها غالبيّة البشر في مختلف أنحاء المعمورة كردّ فعل فطريّ في مواجهة هذه الجائحة. فكان أن لاحظنا إجماعا منهم على تثمين البعد الرّوحي والإنساني العميق للدّين، مرّكزين في تفاعلاتهم تلك، على مفاهيم إيتيقيّة، وروحيّة، في غياب تامّ للاهتمام بمفاهيم مستمدّة من سياقات محدودة، منتصرة لمصلحة فرديّة، أو خادمة لجهة على حساب أخرى، أو مغيّبة لجنس أو نوع على حساب آخر… ولعلّ ذلك ما مثّل دافعا لنا لصياغة هذه المشاركة. فلقد لاحظنا في إطار متابعتنا تلك، أنّ ما عجزنا عن تبليغه –ربّما- في أشغالنا العلميّة، نجح الفيروس اللّعين في دفع المجموعات البشريّة نحو الوعي به.

 وعليه، تطرح هذه المشاركة خاصيّة التفاعل الطبيعي/الفطري في العلاقة بالنصّ الدّيني، هذا من جهة، كما تطرح من جهة أخرى، في تفريع لتلك الخاصيّة، ديناميكيّة العلاقة بين الفرد المؤمن-أيّا كانت درجة إيمانه والتزامه- والذّات العلية، وذلك من خلال توّسل المنهج المقاصدي في قراءة وتدّبر النص الديني، فهل تمّكن الفيروس من أن يفرض علينا مراجعات منهجيّة ومضمونيّة طالما وقع تأجيلها في علاقة الفرد بالمقدّس؟